أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم محمد جبريل - الصدق الفني والصدق العاطفي في الرثاء الجاهلية















المزيد.....



الصدق الفني والصدق العاطفي في الرثاء الجاهلية


ابراهيم محمد جبريل
الشاعر والكاتب والباحث

(Ibrahim Mahmat)


الحوار المتمدن-العدد: 7516 - 2023 / 2 / 8 - 20:27
المحور: الادب والفن
    


الشاعر القديم منذ البدء واعيًا لأهمية الصدق الفني والصدق العاطفي في الرثاء ويظهر ذلك اعتماده في استهلال القصيدة وحرصه على المطلع والختام مما يؤكد هذا الوعي ، إن المواضيع التي تطغى على القصائد الجاهلية في المجالات العاطفية، إنها تعبر عن الصدق الفني والعاطفي ويتمثل في قصيدة أبي ذؤيب الهذلي التي فضلها الأصمعي تتعرض لموضوع عاطفي حزين وهو موضوع الموت والفراق، وكذا الدهر وصروفه؛ وقصيدة امرئ القيس تعالج واقع سيرورة حياة الإنسان إلى الأسوأ إن إجراء الشعراء عبر عصورهم التغيرات على نصوصهم ، مما يُشير كَذلك إلى أن المبدع يضع نصب عينيه وفي طوايا تفكيره شخصيته الفنية وعواطفه الجياشة، الصدق الفني والصدق العاطفي يعني بالدرجة الأولى للقارئ و السامع لتأثرهما بأسلوب الصدق الفني والصدق العاطفي، حيث تشترك الأذن مع العقل والمشاعر والوجدان لذلك لا بد من الاعتناء بالقيم وأدوات فنية نحو موسيقا الكلمة أو إيقاعها ؛ و بإشارات إيماءات ، و الحركة الصوتية مؤثرة والموضوع والظرف وهي مؤثرات التي تغير من طبيعة الحكم أو موضوعتيه والقصيدة العاطفية تعالج استشفاف الصدق الفني لتكون اللغة مكثّفة و مركّزة (في صدور الناس المتصورة في أذهانهم، و في نفوسهم، والمتصلة بخواطرهم، والحادثة عن فكرهم، مستورة خفية، وبعيدة وحشية، ومحجوبة مكنونة، وموجودة في معنى معدومة، لا يعرف الإنسان ضمير صاحبه، ولا حاجة أخيه وخليطه، ولا معنى شريكه والمعاون له على أموره، وعلى ما لا يبلغه من حاجات نفسه إلا بغيره.) (الجاحظ، 1423 ه ج:1: 81)1
وإنما يحيي تلك المعاني ذكرهم لها، وأخبارهم عنها، واستعمالهم إياها. وهذه الخصال هي التي تقربها من الفهم، وتجليها للعقل، وتجعل الخفي منها ظاهرا، والغائب شاهدا، والبعيد قريبا. لبيان والتبيين) (الجاحظ، 1423 ه ج:1 : 81)2
القصائد الوجدانية تعبر عن ذات الإنسان وعواطفه أو وجدانه الصادق وتنبعث من صميم النفس، و معاناة الشخصية والفكرية والعاطفية عبر العبارات والألفاظ التي تؤلِف له خصوصية ما .
الصدق الفني والعاطفي يتحقق من عاطفة المبدع وانفعاله ؛ و الصدق الفني والعاطفي لا يتحقق إلا بالخيال أو الصور الفنّية ، واستعمال الكلمات السلسة بأسلوب معيّن ، وكم من موضوع واحد يتناوله عشرات الشعراء ، ولكنّنا نحس الصدق لدى هذا ، ونرى التكلف لدى ذاك ، والخيال هو الثوب الصدق الفني وفكرته ، فالخيال مرفودًا بالعقل يقدّم خصوصية للشاعر تنبثق من خلال انعكاسات الأشياء في حسه وفي نفسه يقول أنور المعداوي : " أما الصدق الفني فميدانه التعبير، التعبير عن دوافع هذا الإحساس ، بحيث يستطيع الفنان أن يلبس تجاربه ذلك الثوب الملائم من فنية التعبير، أو يسكن مضامينه ذلك البناء المناسب من إيحائية ذلك الثوب الملائم من فنية التعبير، أو يسكن مضامينه ذلك البناء المناسب من إيحائية الصور ") (الشايب، 1973: 19/22 )3
التقاليد الفنية والعاطفية: يتمثل في الشعراء الصعاليك الذين اعتمدوا في جل أشعارهم على المقدمات الطللية والغزلية باعتبارها تقاليد فنية لا تجديهم في التعبير عن مكنونات نفوسهم، وعن أفكارهم وآرائهم التي اتخذوها إزاء مجتمعاتهم القبلية الطبقية.
الصدق الفني يستلزم النظر إلى مقومات الشعر من إيقاعات.. ولغة مميزة مكثّفة ، ومعان تحملها صور أو خيال . وثمةّ تأثيرات أخرى خارجية عن النص " لم نعد نستطيع أن نميّز بين صادق وزائف في الفن " (فاضل، بدون: 59 )4
ومن شروط الصدق :
1- العاطفة حقيقية.
2 –حدة الشعور والقوة الحساسية بلا مبالغة
3 – الدوران في الفلك الإنساني والسلوك الإنساني
4 – جلاء العواطف
و الصدق هي مسألة ذوقية محضة في وقت لاحق – فيقول :
" الإجابة عن التمييز بين الصدق والزائف هي عسيرة جيدًا ، لأنه في حقيقته سؤال عن كيف نميزّ بين الصادق والزائف في الفن ."( النويهي،1971 : 135) .
مصطلح " الصدق ": من الاستعمالات الأولى لمعنى الصدق ما ورد على لسان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في زهير بن أبي سلمى : " ولا يمدح الرجل إلا بما فيه " (ابن رشيق، 1934ج1: 80)5
إن استجابة الشاعر لأفكاره وعواطفه دون قيود فنية في قصيدة شعرية ليس عيبا، وليس ضعفا فنيا جماليا ؛ فهذا النوع المعتمد على البناء البسيط له درجات كبرى من الفنية والشعرية والجودة الفنية والشعرية مرتبطة بمجموعة من العناصر والبنى المؤلفة للعمل الإبداعي باعتباره مزيجا من التراكيب اللغوية والصور الشعرية والإيقاعات والدلالات
الصدق في الواقع كما ورد في بيت شعر لحسان بن ثابت ذكر للصدق ، ولكنه هنا جاء مطابقًا لنفسية الشاعر أو حاله :
وإن الشعر لب المرء يعرضه على المجالس إن كَيسًا وإن حُمُقًا
وإن أشعر بيت قائلـه بيت يقال إذا أنشدته صدقا
(حسان، د.ت: 169)6
الحقائق العاطفية: يكمن في التعبير عن عاطفة صادقة ينبع عن نفسها قلقة متأزمة من وضع اجتماعي فاسد يعيشه الشاعر، لذلك نجد عنترة في الكثير من قصائده يتناول موضوعه الرئيس، ألا وهو الفخر بذاته، والإشادة برجولته وشجاعته وفروسيته، بطريقة مباشرة وهو المتحكم في أغلب و كثيرا ما يثور وبهدوء على المقدمات الغزلية، ليستبدلها بمقدمات خاصة به، تستجيب لظروفه المادية والنفسية، مقدمات تعبر عن حالته وسط قومه وقبيلته؛ هذه الحالة التي تتأرجح بين اليأس والأمل، بين رفض الحاضر والماضي والتنبؤ بمستقبل زاهر، بين نفي الآخر للذات،
نمط الفن العاطفي: وأغلب أشعار عنترة كان يتحكم فيها الواقع القبلي المتردي الذي سلبه كل مراتب الشرف والنبل لكونه أسود البشرة، لذلك كرس حياته لمحاربة هذا الوضع المترهل، ولتحقيق شرفه بشجاعته وفروسيته وشاعريته لا بحسبه ونسبه، لذلك كانت كثير من قصائده مستجيبة لعنصر الواقع النمط العاطفي
الحب الواقعي الصادق: الوحدات التي يتغزل بها عنترة بعبلة ابنة عمه، لم تكن من باب التقليد الفني الذي درج الشعراء على ذكره في قصائدهم، بل كان ذلك حبا واقعيا صادقا، كما كان وسيلة لإبراز شجاعته وقوته لمن يحب. إن تغزل الشاعر عنترة بعبلة ليس مثيلا لتغزل امرئ القيس بعنيزة أو فاطمة أو سليمى إنه تغزل تسيره ظروف واقعية
كثافة الفكرة والشعور: مشحون بطابع الحسرة واليأس والحزن لها وظيفة تأثيرية كبرى على المتلقي ولا بد أن يكون الشاعر صادقا مع نفسه، باعتماده هذا البناء الشعري البسيط، لأنه لم يكن ليراعي التقاليد الفنية الشعرية المتعارف عليها، كما لم يكن ليسعى إلى تحقيق الشهرة أو الحظوة التي تنتج عن الفنية المبالغ فيها. الشاعر باعتماده هذا النمط الشعري يسعى إلى إلغاء كل رقابة، وإلى نفي كل حاجز يحول بينه وبين التعبير المباشر الصادق عن واقعه المتأزم المتردي (وقد أورد صاحب الأغاني حوارًا بين عبد الله بن أبي عتيق وكثيّر عزة – يستعمل فيه عبد الله عبارة " أقنع وأصدق منك " وذلك في معرض الموازنة بين كثير وشاعرين آخرين) (الأصفهاني، د.ت. ج5: 85 /86)7
وقد وقف إحسان عباس على معنى " الصدق " في نقد ابن طباطبا في كتابه " عيار الشعر " ، فرأى أن لدى ابن طباطبا استعمالات مختلفة له :
1 - الصدق الفنّي أو إخلاص الفنان في المصطلح عن تفحصه الشخصية
يقول ابن طباطبا " فإذا وافقت هذه الحالات تضاعف حسن موقعها عند المستمع لا سيّما إذا أيدت بما يجلب القلوب من الصدق عن ذات النفس بكشف المعاني المختلقة فيها ، والتصريح بما كان يكتم منها والاعتراف بالحق في جميعها استفزازًا لما كان يسمعها " (عباس، 1981: 142-144)8
2 - صدق التجربة الإنسانية – وهذه تتمثل في قبول الفهم للحكمة – يعلل ابن طباطبا ذلك " لصدق القول فيها ، وما أتت به التجارب منها " )(ابن طباطبا، 1982: 21 –22)9
وقد ينحى بها نحو الصدق في مدح الرجال كما قيل كان زهير لا يمدح الرجل إلا بما فيه ، فالالتجاء إلى الخيال والتمثيل واختراع الصور والمبالغة هو كذب فمن قال (خيره – أي الشعر – أصدقه إذ كان ثمره أحلى وأثره أبقى .. ومن قال : أكذبه ذهب إلى أن الصنعة إنما قد باعها وتنشر شعاعها ويتسع ميدانها وتتفرع أفنانها حيث يعتمد الاتساع والتخييل ويدعي الحقيقة في أصله التقريب والتمثيل، وحيث يقصد التلطف والتأويل، ويذهب بالقول مذهب المبالغة والإغراق في المديح والذم والوصف والنعت والفخر والمباهاة وسائر المقاصد والأغراض ، وهناك يجد الشاعر سبيلاً إلى أن يبدع ويزيد ويبدئ في اختراع الصور ويعيد " (الجرجاني، 1954 : 250) 10
فالفن يقوم على الإيماءة التي لا تكشف كل أبعاد النص ، إنما تترك فسحة من التخيل ولا يتأتى هذا إلا عن طريق اللغة المجازية
ومن إشارات الصدق في القصيدة أن يقدّم النص دلالات جديدة في ذهن القارئ- دلالات لم تكن من المنظورات المبنية مسبقًا ، وإنما هي تبنى بعد مراجعة النص واسترجاعه داخل نفس المتلقي – القارئ ، فالنص أشبه بخلية حية تداخلت بخلية حية أخرى في القارئ ، فيحدث التفاعل أو يحدث التلاقح بين البذرتين ، وينشأ هذا الموقف المتمازح بين النص وبين ذاتية القارئ والصدق يقاس بمدى ما بعبّر عن القارئ ، أو ما يود أن يعبّر عنه ، إذا كانت البلاغة موافقة مقتضى الحال ، فإن الحال لأنّ النص ينطق بلسانه أو معه .
يقول عز الدين إسماعيل : " الفن ونحن أساسيان ومتلازمان في كل عمل شعري يحظى بتقديرنا " . وهو يرى أننا حين نحكم على قصيدة ما بالصدق " فإننا نعبرّ بذلك الحكم في الحقيقة على نجاح الشاعر في التعبير كذلك عن مشاعرنا وأفكارنا – عن الموقف الذي نتخذه من الحياة أو يجب أن نتخذه " إسماعيل، 1966: 23-24 )11
أما تماثلنا مع قصائد قديمة تحمل منطقًا غير منطق عصرنا ، أو تحمل عقيدة مخالفة أو أفكارًا مناقضة فإنه يتأتّى بتقديرنا المسبق على أن روح العصر أو ذوقه هو الذي يوجهّ القارئ عند تقبّل القصيدة
التخيّل الشعري يوصل إلى استيعاب الصورة الفنية ، وهو الذي ينقلنا إلى إطار تاريخي آخر وظروف أخرى ، ويضع لنا مقاييس لغوية وأدبية مختلفة ، فتكون التجربة التي يتلقاها القارئ ( وَعْيوَية ) إذا صح التعبير . إنها نوع من الإزاحة تتم بربط هذه الأشياء أو المقاييس بالاتجاه العام الذي كان سائدًا في الشعر .
ولكن ثمّة فرق بين القصيدة التقليدية التي يكتبها شاعر اليوم ، كأن يهجو مثلاً بأساليب الشعر القديم ، وبين تلك القصيدة التي طالعنا بها الفرزدق مثلاً . فالأحوال المادية والثقافية والنفسية والاجتماعية مختلفة ، لذا يصعب على القارئ في أيامنا أن يحيل هذا النص الأول إلى التاريخ ، أو إلى مقاييس العصور السالفة ، إنه يحيله إلى واقعه اليوم ، فسرعان ما يجد الهوة بين لغة الطرح الشعري ومضمونه (إن النماثل يحتاج منا أن نبذل جهدًا لنتعرف على النص عقليًا ووجدانيًا ، فنستكشف ما فيه من مواقف وأحاسيس ، ولا يتم ذلك إلا بالمعايشة والألفة) (الجاحظ، 1966: 83- 84)12
للشاعر في قصيدته رؤية خاصة في الكون ، وأن له لغة تختلف عن لغة سواه – لغة فيها أنساق وسياقات منسوجة بصورة متميزة ، أو غير مألوفة – تُبين أو تشفّ عن التجربة فإنه يكتشف له خصوصية فيها أصداء نفس مطلقة ، وهمسات وجدانية والصدق الأصيل ينطبق ما كان، صادقا في حكايته وجزء من التناصّ
الاستغراب : ما له دلالة جديدة ، فخرج من حيادته إزاء المقروء ، فإنه يقع في لحظات دهشية أولية ، وذلك بسبب ما شحنته الكلمات من أبعاد فنية أو لغوية أو نفسية يقف القارئ على باب النص ، فيستقيل إيماءات وإشارات ، وما يلبث أن يقود نفسه إلى الدخول في حرم هذا النص ، وبشكل تلقائي ، حيث أمامه مجال التخيل و لا يسير إلا بخيط الصدق الذي تركته له الدهشة ، فالدهشة المتأنية من استيعاء عصارة إحساس المبدع – تترك متعة لذيذة ، فيحس القارئ أنه أمام صدق فني الذي يعبر، و يستلزم أسسًا يقوم عليها هذا الفن – ومنها التخييل، والموسيقا والإيقاع...، وتوقفت – وبصورة خاصة – على رؤية محمد النويهي، وهي هامة في هذا المجال وكان لابد من العودة الى مفهوم " الصدق" عبر العصور المختلفة في أدبنا، وخاصة لدى ابن طباطبا، فعبد القاهر الجرجاني، ثم مساهمات الديوانيين- العقاد والمازني وشكري-في ذلك." القارئ هو الذي يتذوق النص ويحاوره من خلال عناصر اللغة، ومن انعكاس الظواهر الاجتماعية والنفسية فيه، كقول الفرزدق في وكيع بن أبي سُودٍ:
فعاش ولم يتركْ ومات ولم يدعْ ... من الناس إلاّ من أباتَ على وتْرِ
(ثعلب ، 1995: 34)13 هناك إشارات قد تزجي القارئ إلى تذوق القصيدة، فالإحساس بصدقها، تبدأ باللغة ويكون القارئ فعالاً فيها، وباللغة يتبين ارتباط المبدع بأسلوبه، فيحس القارئ أن للشاعر صوتًا خاصًا يندفع منه، فإذا تناسب شخصيًا مع الصيغة، ورأى أنه يعبر عنه فهذا دليل على أن القصيدة صادقة في معاييرها. (ما لم يكن بالمغربِ المستغلق البدوي، ولا السفساف العامي، ولكن ما اشتد أسره، وسهل لفظه، ونأى واستعصب على غير المطبوعين مرامه، وتوهم إمكانه). (ثعلب ، 1995: 63 )14
لا يتكلف الشاعر البحث عن القواعد الفنية التي تزخر بها ثقافته الشعرية، ليصقل موهبته حتى تخرج على منوال قالب شعري فني راقي متعارف عليه في الأوساط الشعرية الجاهلية، بل يباشر الموضوع، معبرا عن واقع حقيقي هو واقع الحرب والبسالة والشجاعة، إن الشاعر الصعلوك ربط شعره بالدفاع عن قضيته المصيرية المتمثلة في قضية الوجود، لكن ليس الوجود بالمعنى الإنساني العام، وإنما الوجود الاجتماعي: أي الحياة العزيزة الكريمة للذات الإنسانية المهمشة بسبب النسب أو الحسب أو اللون في مجتمع إنساني تسوده مظاهر العدل والمساواة
فن صف الرحيل: وصف مظهر رحيل الشاعر ، لكن ليس رحيل الأحبة، هناك سير للإبل والظعائن والماشية. إنه رحيل الشاعر إلى المجهول بعيدا عن قومه الذين رفضوه وطردوه، فلم يعودوا أهلا له. فيكزون الشاعر كئيبا يبعث في النفس إحساسا بالرهبة والحزن ؛ فرحيل الشاعر في النمط الفخم، وعلى الرغم من المخاطر والأهوال التي تسمه هو رحيل إلى الممدوح، إلى المال والجاه. ورحيل الشاعر الصعلوك، فهو رحيل إلى البيداء والصحراء، رحيل إلى عالم الذئاب والضباع والوحوش الضارة
القصائد الشعرية تبتدئ بموضوعها الرئيسي مباشرة، دون حاجة إلى مقدمات لا تمت له بصلة ظاهرية؛ وهذا ما أكسبها تلك الوحدة الموضوعية سواء ظاهريا أو باطنيا، على خلاف القصائد الفنية ذات البناء الفخم التي لا تملك هذه الوحدة سطحيا، وإن كنا لا ننفيها على مستوى البنية العميقة.
مضامين المرثيات في العصر الجاهلي:
يحتفظ أدب العربي تراث ضخم من المراثي منذ الجاهلية الذي يعبر عن الحزن واللوعة، الّتي تنتاب لغياب عزيز بفقده، بتعداد مناقبه والإشادة بمآثر التوجع وتتردد فيه صولة الموت وسلطان الفناء، وتطورت صور الرثاء ونماذجه وتعددت دواعيه وبواعثه. فإِذا جئنا نوازن بين عناصر المرثية في نماذج تمثل تدرج الزمن ونمو العقل وتعقد الحياة، خرجنا بحقائق يمكن رصدها في رسم بياني، بدايته في العصر الجاهلي ونهايته في عصرنا الحاضر، غير أن هذا الرسم نسبي إِلى حد كبير، ولابد من وجود تذبذبات ومنعرجات فيه (أشعار الجاهلية مشهورة معروفة، وإنما نملي منها العيون. ألا ترى إلى قوله قليل التشكي للمصيبات ثم وصله بقوله حافظ مع اليوم أدبار الأحاديث في غد كيف قرن فيه معنى ظريفاً بآخر مثله في الظرافة التي لا يمتنع اللبيب من قبولها واستحسانها والمعرفة بحقيقة ما فيها كما قلنا في الذي قبله) (المبرد ، 1997م: 58) 15
وهو أحد فنون الشعر العربي يصدرها من حيث صدق التجربة وحرارة التعبير ودقة التصوير ويتضمن البکاء على الميّت وإظهار لوعة الفراق والحزن ويحلق النّساء رﺅوسهنَّ حزناً علی الميّت. قال عن عبد الله بن الأسود: لما مات عاصم بن عمر بن عبد العزيز جزع عليه أخوه عبد الله فرثاه. وأنشدني هذا الشعر الرياشي: الطويل
إن تك أحزانٌ وفائض عبرةٍ ... أثرن دماً من داخل الجوف منقعا
تجرّعتها في عاصمٍ فاحتسبتها ... لأعظم منها ما أحتسى وتجرّعا
فليت المنايا كنّ صادفن غيره ... فعشنا جميعاً أو ذهبن بنا معا
(المبرد ،1997م: 91 )16 وأقدم تلك المراثي مما أبدعت قرائح الجاهليين، وصلتنا ناضجة محكمة، قد تجاوزت طفولتها ومراحل محاولاتها البدائية، وصارت ذات قوالب وصيغ محددة، وأساليب وصور معروفة ثم لما تطورت مختلف فنون الشعر نتيجة مجيء الإِسلام وما تفرع عنه خلال الأجيال الطويلة المتعاقبة من تيارات فكرية ومذهبية وسياسية وأدبية وقال إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب يرثي أخاه محمد بن عبد الله: البسيط
أبا المنازل يا عبر الفوارس من ... يفجع بمثلك في الدنيا فقد فجعا
الله يعلم أنّي لو خشيتهم ... وأوجس القلب من خوفٍ لهم فزعا
لم يقتلوك ولم أسلم أخي لهم ... حتّى نعيش جميعاً أو نموت معاً
وكان قتله في المعركة عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله وهو الذي قتل إبراهيم أخاه. (المبرد ،بدون : 91)17 تسود على الشاعر أحياناً العاطفة فهو يبدأ القصيدة بعتاب من يعاذله، فلا يستطيع الصبر على اللائم فيعظّم شأن المرثي نلاحظ إذًا أن العاطفة صفة نفسية، (نبع أول أمرها من نفس الأديب الذي يجب أن يكون نفسه متأثرًا منفعلًا إذا شاء من قرائه حماسة وانفعالا، وهي لذلك صفة العاطف والإرادة والأخلاق قبل أن تكون صفة الأسلوب؛)، (الشايب،2003: 194)18 يرى الشاعر قتل المرثي ظلماً وجناية ، فيعدد مناقب المرثي ثمّ يهدّد القتلة مثل ما نجده مّا أسلوب الشاعر الجاهلي فيستخدم الشاعر النداء أحياناً حزنه وألمه فالشاعر هو الذي يسرد الحقائق بوضوح، يأتي النداء لعتاب اللائم ولبيان مكانة المرثي وتعظيمه والمبالغة في شدة ما أصاب (ويعتقدها بصدق، ويحرص على إذاعتها، تجد في عبارته صدى ذلك، وهي قوة لا تكون بالتقليد والتصنع، وإنما هي من قوة الأخلاق وصدق العقيدة وصحة الفهم وبعد أغواره، وإذا كان الغرض من الوضوح هو الاقتصاد المباشر، في إجهاد مواهب القارئ، فإن الغرض من القوة الاقتصاد غير المباشر بإيقاظ عقله، وعواطفه) (الشايب،2003: 194)19
مراثي الجاهلية المشهورة المستحسنة المستجادة المقدمة معلومة موسومة منها قصيدة متمم بن نويرة في أخيه مالك، على أن سائر أشعاره غير مذموم، وان تقدمتهن العينية التي أولها. الطويل
لعمري وما دهري بتأبين هالكٍ ... ولا جزعٍ ممّا أصاب فأوجعا
ومنها قصيدة دريد في أخيه عبد الله التي أولها الطويل
أرثّ جديد الحبل من أمّ معبد ... بعاقبةٍ وأخلفت كلّ موعد
ومنها قصيدة كعب بن سعد الغنوي يرثي فيها أخاه، وهي التي أولها: الطويل
تقول سليمى ما لجسمك شاحباً ... كأنّك يحميك الشّراب طبيب؟
(المبرد ،بدون : 50)20 يستخدم الشاعر النداء يمنح للشعر حيويّة تجذب القارئ ليواسي الشاعر في مصيبته ويشاركه في أحزانه وآلامه لإلقاء الوحدة الزمانية بين الشاعر ومخاطبيه للشعور بأنّ المنادى حاضر في مرأى القارئ والشاعر يستخدم النّداء أحياناً للاستحضار الغائب والإلتذاذ بذكر المرثي، فيخاطب الميت والمقتول فكأنّه حاضر أمامه ويناديه ويستلذّ بتخاطبه فمناداة الشاعر المرثي مرّتين بعد فعلين أمرين يخاطب بهما إجابة أخيه مطالبة المسترحم الملحّ توضّح عاطفته الفائرة التي تغلّب عليه فخضع الراثي لها خضوعاً لا بدّ منه.
للمهلهل حيث يقول :
أ تغدويا كليب معي إذ ما
جبان القوم أنجاه الفرار ؟
أ تغدويا كليب معي إذ ما
حلوق القوم يشحذهاالشّفار ؟
(السيد احمد الهاشمي،جواهر الادب، ص 771)21
يدخل الشاعر في الرّثاء مباشرة لحزنه الشّديد وللتّموّجات العاطفيّة الحادّة في نفسه ممّا کانتْ تضيق عليه المجال لمتابعة المنهج المعروف. وهو احترام القوانين الأساسية ( لتحقيق هذا الجلاء هو تحري البساطة في صوغ العبارات ومجانبة التعقيد، مع الاحتفاظ بسموها وقوتها. وهذا القانون نفسه متصل بالتكوين المنطقي والنحوي للأسلوب؛ هذا التكوين الذي يسلك الكلمات والجمل والعبارات في نظام لفظي هو صورة لنظام عقلي، وتفكير منطقي مطرد وهذه بعض القواعد التي تفيد في تكوين التراكيب الواضحة (الشايب،2003: 190 )22
فتجري الكلمات في مجرى عاطفي حزين فيستهلّ رثاءه بما يظهر من حزنه، فيزيده ذكر المرثي حزناً على حزنه ودموعاً على دموعه، فتطول له الليالي ِن ما انتهى إِلينا من تراث المراثي كثير جدًا يمثل مختلف العصور الأدبية ومختلف الألوان والاتجاهات الفكرية.
ومن عجيب ما قيل قول النابغة في حصن بن حذيفة إكباراً لشأنه، واستعظاما لموته، وتعجباً من ذهاب مثله: الطويل
يقولون حصنٌ ثمّ تأبى نفوسهم ... وكيف بحصنٍ والجبال جنوح؟
ولم تلفظ الموتى القبور ولم تزل ... نجوم السّماء والأديم صحيح
فعمّا قليلٍ ثمّ جاء نعيّه ... فظلّ نديّ الحيّ وهو ينوح) (المبرد ،بدون : 62)23
فيشكو الشاعر من غربته بعد المرثي، فيجمع بين استفهام ونداء وطباق ليجمع بين عذاب الفراق وإلتذاذ بذكره واستحضاره وشجاعته ولتأكيد ألمه وحسرته له. والمراثي أكثر طرافتا من الشعر الجاهلي هو (مراثي الخنساء ومراثي ليلى الأخيلية، ومراثي لبيد في أخيه أربد، وعدي المهلهل فيمن بكاه من قومه )(المبرد ،بدون : 51)24 كذلك إنّ الاستفهام يستخدم لتقرير أنّ العمر يمرّ وينتهي إلى النّقصان والضعف ولبيان أنّ الموت شامل لا مفرّ منه وهذه لتعميم المصيبة وتنفيس المصاب وارتياحه كما يقول لبيد في رثاء أربد:
أليس ورائي إن تراخت منيّتي
لزوم العصا تحني عليه الأصابع
ويقول أيضاً:
أتجزع ممّاأحدث الدّهر بالفتى
وأيّ كريم لم تصبه القوارع
(فؤاد أفرام البستاني،المجاني الحديثة، ج1،ص271)25
وقد فضل بعض المراثي على سبيل المثال (مرثية دريد بن الصمة فكان الأصمعي يقدمها جداً، وهي أهل ذاك. وكان سبب هذه المرثية أن أخاه عبد الله بن الصمة أحد بني جشم بن بكر بن هوازن، غزا قبائل غطفان بن سعد بن قيس بن مرة، وفزازة وأشجع بن بغيض. فاكتسح أموالهم وانصرف، فلم يجاوز بعيداً حتى أناخ وأمر بالإبل تنحر، فقال له أخوه دريد: يا أبا فرعان، إن غطفان غير نائمة عن أموالها فتقدم شيئاً ثم أنخ. يقول في كلمته هذه: الطويل
وقلت لعارضٍ وأصحاب عارضٍ ... ورهط أبي السّوداء والقوم شهّدي
أمرتهم أمري بمنعرج اللّوى ... فلم يستبينوا النّصح إلاّ ضحى الغد
فلمّا عصوني كنت منهم وقد أرى ... غوايتهم وأنّني غير مهتد
فما أنا إلاّ من غزيّة إن غوت ... غويت وإن ترشد غزيّة أرشد
فقلت لهم: ظنّوا بألفي مقاتلٍ ... سراتهم في الفارسي المسرد
فنادوا وقالوا: أردت الخيل فارساً ... فقلت: أعبد الله ذلكم الردي؟
فجئت كأمّ الوّ ريعت فأقبلت ... إلى جذمٍ من جلد سقبٍ مقدّد
فما راعني إلاّ الرّماح تنوشه ... كوقع الصّياصي في النّسيج الممدّد
فإن يك عبد الله خلّى مكانه ... فما كان وقّافاً ولا طائش اليد
كميش الإزار خارجٌ نصف ساقه ... بعيدٌ من السّوءات طلاّع أنجد
قليل التّشكّي للمصيبات حافظٌ ... مع اليوم أدبار الأحاديث في غد
وهوّن وجدي أنّني لم أقل له: ... كذبت، ولم أبخل بما ملكت يدي
(المبرد ، 1997 : 58/ 57)26
وطبيعي أن يتفوق الإناث مهارتا أكثر من الرجال في قصائد المراثي، لا نجده في فن آخر غير هذا الفن؛ ذلك أن الأنثى بتكوينها النفسي والوجداني والاجتماعي هي أكثر استعدادًا، فإنسانيتها أسرع بعثا وأعمق إحساسا، وتمكنا على البكاء وبعث مصائد اللوعة لا تدانيها قدرة الرجال. و الشّاعر الجاهلي في رثائه ينعت المرثیّ بجميع السمات الفضيلة فنجد لبيد بن ربيعة يقول في أخيه أربد راثياً
أشْجَعُ مِنْ لَيثِ غَابةٍ لَحِمٍ
ذُونَهْمَةٍ في العُلاوَ مُنْتَقَد
وکذلک قوله :
حُلوًّ کريمٌ وَ في حَلاوَتِهِ
مُرٌ لطيفُ الأَحْشاءِ وَ الکَبَدِ
(فؤاد أفرام البستاني،المجاني الحديثة، ج1،ص271)27
قال أبو الحسن المدائني: كانت العرب في الجاهلية وهم لا يرجون ثواباً ولا يخشون عقاباً يتحاضون على الصبر، ويعرفون فضله، ويعيرون بالجزع أهله، إيثاراً للحزم وتزيناً بالحلم، وطلباً للمروءة، وفراراً من الاستكانة إلى حسن العزاء، حتى إن كان الرجل منهم ليفقد حميمه فلا يعرف ذلك فيه. يصدق ذلك ما جاء في أشعارهم، ونثي من أخبارهم. قال دريد بن الصمة في مرثيته أخاه عبد الله: الطويل
قليل التّشكّي للمصيبات حافظٌ ... مع اليوم أدبار الأحاديث في غد
صبا ما صبا حتّى إذا شاب رأسه ... وأحدث حلماً قال للباطل ابعد
قال أبو عبيدة: كان يونس بن حبيب يقول: هذا أشعر ما قيل في هذا الباب.
وقال أبو خراش الهذلي: الطويل
تقول أراه بعد عروة لاهياً ... وذلك رزءٌ لو علمت جليل
فلا تحسبي أنّي تناسيت عهده ... ولكنّ صبري يا أميم جميل
وقال أبو ذؤيب: الطويل
وإنّي صبرت النّفس بعد ابن عنبسٍ ... وقد لجّ من ماء الشّؤون لجوج
لأحسب جلداً أو لينبأ شامتٌ ... وللشّرّ بعد القارعات فروج
وقال أوس بن حجر: المنسرح
أيّتها النّفس أجملي جزعا ... إنّ الّذي تحذرين قد وقعا
(المبرد ،بدون : 41/42)28 إذا تابعت الشاعر الجاهلي يصور المرثيّ بالشَّجاعة والآمال القصوى السامية ومستقيم الخُلق وبأَنّه مکرم أصدقائِه وخشية أعدائه والمرثي عند الشاعر الجاهلي نحيل الجسم مندرس الثّوب لا من فقر ؛ لأنّه في سعة العيش بل من رجحانه الآخرين علی ذاته، فهو متقشف جواد في فقره وحزنه لا في الثراء کما يقول دريد بن الصِّمة:
تَراه خَميصَ البَطْنِ وَ الزّادُ حاضرٌ
عتيدُ ويَغْدُوفي القَميصِ المقَدَّدِ
وإنْ مَسَّهُ الإقواءُ والجهدُ، زادَه
سَماحَاً وَ إتْلافاً لِما کانَ في اليَدِ
(فؤاد أفرام البستاني،المجاني الحديثة، ج1،ص371)29
يصور الشاعر الجاهلي المرثيَّ بأنّه لم ينتفع الفضائل طيلة حياته، بل هي طبيعة فأثقل عليه هذه المحنة ،فلا يتمكن أن ينساه ،فيبکي حتّی تأتيه المنيّة، تقول الخنساء في رثاء أخيها صخر:
فَلا وَاللهِ لا أَنْساکَ حتَّی أُفارِقَ مهْجَتي وَيشقَّ رَمْسي:
وَسَوفَ أَبکيکَ ما ناحَتْ مُطَوَّقَةٌ وما أَضاءَ تْ نُجُوم اللَّيلِ للسّاري
فلا تقدر أن تتحمّل فراق أخيها المتخلّق بالأخلاق الکريمة والفضائل العاليه الّتی مدحته بها،فموته أعظم مصيبة راها الإنس والجنّ:
فَلَمْ أَرَمِثْلَهُ رُزْءً لجِنٍّ ولَمْ أَرَمِثْلَهُ رزءً لإنْسِ
الشّاعر الجاهلي يحذو في رثائه النمط الشعري الجاهلي المعروف أحياناً ويدخل في الندب مباشرة ففي محاكاته المنوال الشعري الجاهلي يقف علی حطام وبقايا منزل الحبيب، فيبکي وينتقل إلی الصحراء ء فيصف ما تقع عليه عيناه. ثمّ يدخل في الرّثاء منها : نواح النفس ساعة الاحتضار ونواح السلالة والأهالي، وكل من ينزل منزلة النفس والأهل من الأحباء وأخوة الخواطر والمسار والمشرب، بل يمتد إِلى رثاء القبيلة والإقليم والبلد حين تدول أو تصاب بحرج من الأحراج الفتاكة الموحشة ولم تكن الخنساء هي الوحيدة في رثاء أقربائها. فنجد غيرها من الشواعر اللاتي فجعن بموت أخوتهنّ وآبائهن فرثينهم، كرثاء سعدى بنت الشّمردل الجهينة لأخيها في قولها:
أ من الحوادث والمنون أروَّعُ
وأبيت ليلي كلّه لا أهجعُ
وأبيت مخلية أبكّي أسعداً
ولمثله تبكي العيون وتهمع
إنّ الحوادث والمنون كليهما
لا يعتبان ولوبكى من يجزع
(من الشعر الجاهلي، أحمد المراغي ص: 62)30
فحزن الشاعر الجاهلي بعد ممات المرثي يجعله أن لا يری خيراً في الحياة بعده ويدعو ألّا تطول حياته ويصور الشاعر الجاهلي قومه بالمجد وعدم المطاوعة أمام التعسف. وأحياناً يسيطر عليه الحمية الجاهلية، فيرى الإغماض عن الأخذ بالانتقام ذلّاً لقومه فيحرّض بذلك شعبه ويتولد في نفسه نواح وتعداد الخصال والثناء وتنويه وإطراء بشخصية لامعة، أو محبوب ذي منزلة في أهله أو مجتمعه، وهو تعبير عن حزن على الفقيد، يكمد الشّاعر الجاهلِي لخراب المرثيّ ويتوعد قاتليه فيوعد ألاّ يتحول إلی الوشائح وَأنْ لا ينزع ترسه وحسامه حتّی يتناول انتقامه، والعزاء: هو في مرتبة عقلية فوق مرتبة التأبين. إِذ هو نفاذ إِلى ما وراء ظاهرة الموت وانتقال الراحل، وتأمل فكري في حقيقة الحياة والموت. تأمل ينطلق إِلى آفاق فلسفية عميقة في معاني الوجود والعدم والخلود کما يقول المهلهل:
خُذْ العهدَ الأَکيدَ عليَّ عمري
بِتَرکي کلَّ ماحَوَتِ الدِّيارُ
وَهِجريَ الغانياتِ وَشُربَ کأسٍ
وَ لُبسْي جبّةً لا تُسْتَعارُ
ولستُ بِخالعٍ دِرعي وسَيفي
إلی أنْ ييخْلَعَ الليلَ النَّهارُ
(السيد احمد الهاشمي، جواهر الأدب، ص 771)31
والشّاعر الجاهلي صادق العاطفة في رثائه. فحزنه الشّديد واضح من خلال أبياته خاصّةً إذا کان الرّثاء في أحد الأقرباء. کما نجده عند المهلهل حيث يرثي أخاه کليباً، تجد أَنَّه يصوّر حزنه في تفجعّ شديد فتأبی عيناه من ألاّ تبکي، فتذرف الدّموع کأَنَّ شفارها غضا القتاد وعند ما يسمع موت أخيه تطاير بين جنبيه الشّرار. فمن شدّة الحزن والبکاء لاينام، فيضطرب يقول:
أَبتْ عَينايَ بَعْدَکَ أَنْ تَکُفّا
کَأَنَّ غَضَا القَتَادِ لَها شِفَارُ
کَأَنّي إذ نَعی النَّاعي کُلَيْباً
تَطَايَر بَيْنَ جَنْبَيَّ الشَّرارُ
فَدُرْتُ وَ قَدْعَشِيَ بَصَري عليه
کما دارَت بِشارِبِها العُقَارُ
سَأَلتُ الحَيَّ أَينَ دَفَنْتُمُوهُ
فَقالُوا لي «بسَفحِ الحيِّ دارُ»
فَسِرتُ إليه من بلدي حَثيثاً
وَطارَ النَّومُ، وَامْتَنَعَ القَرارُ
يفقد البصر(العاطفة) وتضعف لو کان المرثي من غير أهل الشّاعر فلا نجد حينئِذٍ التفجع في رثائه کما نجده عند رثاء أقربائه تبتعد المراثي عن الأهل والأقرباء وخرجت إلی السادات والملوک الغرباء، کان شأنها شأن المدح التّکسّبي، علی غیر آصرة صحيحة تربط الشاعر بالميّت) (المبرد ،بدون : ص91 )32
والرّثاء مرآة صادقة للمعيشة الجاهليّة فالشاعر الجاهلي يصف مرثيّه بالتّحلّي بالأخلاقيّات مثل الشجاعة والجود والحلم والزّهد وغيرها ونجد في الّرثاء من عاداتهم امتناعَهم من شرب الخمر ومعاشرتهم الغانيات وابتعاد هم عن الملذّات عند موت أحد أقربائهم. وفي رثائهم دلالات تشير إلى معرفتهم ببعض المعارف والأجرام تدلّ علی اعتقادهم کما أتی به لبيد بن ربيعة في رثاء أربد:
لَعَمْرُکَ ماتَدري الضَّواربُ بِالحصی
وَلا زاجِرتُ الطَّيرِ ما اللَّهُ صانعُ
سَلُوهُنَّ إِن کذَّ بتُمُوني مَتی الفَتـی
يَذُوقُ المَنايا أَم مَتی الغَيثُ واقِع
کما يقول:
أخْشی علی أَرْبَدَ الحتوفَ وَلا
أَرْهَبُ ذَوْءَ السِّماکِ ولأَسدِ
(فؤاد أفرام البستاني،المجاني الحديثة، ج1،ص271)33
وتضعف العاطفة عند تراخ المرثي من غير سلالة الشّاعر فلا نجد عندئذ التفجع في رثائه کما نجده عند رثاء أقربائه المراثي عن الأهل والأقرباء وخرجت إلی السادات والملوك الأجانب و اعتبارها اعتبار المدح ، علی غیر آصرة صحيحة تربط الشاعر بالميّت إلاّ ذکر أياديه البيض عليه کرثاء النّابغة للنّعمان الغساني حيث يقول:
يَقُول رِجالٌ يُفکرونَ خَليقَتي
لعلّ زياداً ، لا أبالک ، غافلُ
غفلتي أنّي إذا ما ذکرتُه
تحرّک داءٌ في فؤادي داخلُ
وإنّ تلادي إن ذکرتُ وَشِکََّتي
وَ مُهري وَ ما ضَمَّتْ لديَّ الأَنامِلُ
حِباؤکَ وَ العِيسُ العِتاقُ کأنّها
هجان المهی تُحدي عليها الرّحائلُ
(أدباء العرب في الجاهلية وصدر الاسلام، ص 65)34
النظرة العابرة إلى في جسر الرثاء توضّح لنا أنّ الرثاء هو موقف الحكمة الذهنية حيناً والإنسانية المتهيجة حيناً آخر، كما نجد أحياناً أنّ الإنسانية تخرق الحكمة فتخلط المتانة بالطراوة. فالشاعر إذا كان ذا خصوصية تفاؤلية في المعيشة يسود عليه الفكر فيفسر الشاعر المصيبة بتجاربه وتمعن الذهن ممّا يجعل شعره بعيداً عن الأحاسيس فيتحدّث الشاعر عن الحياة وما فيها من حرمان وثراء وقلق وسعيد وفقدان وكسب وقصور وطاقة.
الرثاء غرض من الأغراض الأصلية للشعر الجاهلي وهي دراسة توضّح البيئة الجاهلية وتبيّن منهج الشاعر وتبرز أنواع الرثاء والمرثيين والصفات ممدوحة بها، ومن الشعراء الجاهليين منهم من خاض في هذا الميدان كلبيد بن ربيعة، ودريد بن الصمة، ومن الشواعر الخنساء وسعدى بنت الشمردل وغيرهم من الشعراء و(مراثي الجاهلية المشهورة المستحسنة المستجادة المقدمة معلومة موسومة منها قصيدة متمم بن نويرة في أخيه مالك، على أن سائر أشعاره غير مذموم، وان تقدمتهن العينية التي أولها.
لعمري وما دهري بتأبين هالكٍ ... ولا جزعٍ ممّا أصاب فأوجعا
ومنها قصيدة دريد في أخيه عبد الله التي أولها الطويل
أرثّ جديد الحبل من أمّ معبد ... بعاقبةٍ وأخلفت كلّ موعد
ومنها قصيدة كعب بن سعد الغنوي يرثي فيها أخاه، وهي التي أولها: الطويل
تقول سليمى ما لجسمك شاحباً ... كأنّك يحميك الشّراب طبيب؟
(المبرد،ب.ت: 50)35
الرثاء هو من أهمّ الأغراض الشعريّة في الجاهلية: فهو كالمدح إلّا أنّ هناك قرائن تدلّ على أنّه في الميّت أو القتيل، بعبارة أخرى أنّ الرثاء هو موطن العاطفة الحزينة يصف فيه الشاعر الجاهلي المرثي بجميع الصفات التي يصف بها الممدوح. ولا شكّ أنّ العاطفة عندما كان الرثاء في الأقرباء أصدق منها في غيرهم. ويستعمل الشعراء الألفاظ الرقيقة
و(ألفاظ الشاعر في هذا الجزء من المعلقة جاءت في معظمها بعيدة عن التجهم والعسر, تشفُّ وترق حين يعمد إلى التقرير الفكري، بينما يعروها الجفاف وتبدو عليها ملامح الغرابة حين يعمد إلى الوصف أو يعرض لمشاهد حسية، ويبلغ من ذلك أقصاه حين يصف الناقة مثلا يشتد اتصاله بالحياة البدوية، أما حين يتحدث عن نفسه ومذهبه، أو يبعث لواعج حزنه، أو يصور حبه ولذته، فإنه يطالعنا بصور مشرقة تفيض سلاسة وعذوبة، كما في هذا الجزء من القصيدة فهو يلائم بين الشعور والتعبير والمضمون) ( عمارة، بدون.ت: 222)36
نجد الشاعر يباشر بالرثاء عند رثاء الأقرباء دون أن ينهج المنهج المعروف للقصيدة الجاهلية فيرثي دون أن يقف على الأطلال ويصفها، ودون أن يبكي أو يستبكي لسيطرة العاطفة الحزينة عليه. وهو في رثائه يستخدم الأساليب المختلفة من استفهام واستثناء ونداء وما إلى ذلك للتقرير والتهديد والحسرة
من المراثي التي تشبه في المديح اقتضاب المعاني واختصار الألفاظ، ما قاله أوس في قصيدته يرثي فضالة التي أولها:
ألم تكسفِ الشمسُ شمسُ النها ... رِ مع النجمِ والقمرِ الواجب
لهلك فضالةَ لا تستوي ال ... فقودُ ولا خلةُ الذاهبِ
وأفضلتَ في كلِّ شيءٍ فما ... يقاربُ سعيكَ من طالبِ
نجيحٌ مليحٌ أخو ماقطٍ ... نقابٌ يخبرُ بالغائبِ
ويكفي المقالةَ أهلَ الدحَا ... لِ غيرُ معيبِ ولا عائبِ
( بن قدامة، 1302 :36)37
في ظاهر النظر أن يظن بنا خطأ في وضعنا مليح موضع المدح بالفضائل الحقيقية، إذ كانت الملاحة لا تجري مجرى الفضائل النفسية، لأن المليح في هذا الموضع ليس هو من ملاحة الخلق، لكنه على ما حكى عن أبي عمرو أنه المستشفى برأيه، قال: وهو من قولهم: قريش ملح الأرض، أي الذي يستشفى بهم، والذي يشهد على ما قاله أبو عمرو قول أوس بن حجر:
نقاب يخبر بالغائب
لأن هذا من جنس الرأي والحدس.
وقول الشماخ في عمر بن الخطاب:
فمَنْ يسعَ أو يركبْ جناحيْ نعامةٍ ... ليدركَ ما قدمتَ بالأمسِ يسبقِ
وقول الحطيئة يرثي علقمة بن علاثة:
فما كان بينِي لو لقيتكَ سالِماً ... وبينَ الغنَى إلا ليالٍ قلائلُ
ولو عشتَ لم أمللْ حياتِي وإن تمتْ ... فما في حياةٍ بعد موتكَ طائلُ
ومنهم أيضاً من يغرق في وصف فضيلة واحدة على حسب ما تقدم، وتكون جميع الأحوال في المراثي جارية على حسب أحوال المديح، وفي ما تقدم في باب المديح من وصف ذلك ما أغنى عن إعادته في هذا الموضع) (بن قدامة ،1302: 36 )38
امّا من حيث المضمون فكان الشاعر الجاهلي يبدأ قصيدته بذكر الحبيب ومنزله ووصف آثاره وصفاً دقيقا ثم يخلص إلى وصف ناقته التي تنجيه من أحزانه وآلامه فيصورها للقارئ أرجلها وأيديها وضمور بطنها وصلابة فقراتها واستطالة وجهها وكثرة أسفارها. ثمّ يعرض غرضه الرئيس في القصيدة(ولا شك أن هذه الصيغ وتلك الأساليب المتعددة تدل على نفسية قلقة, كما تعبر عن الأحوال النفسية التي تطرأ عليه وهو يعاني وطأة المصير الذي ينتظره، بالإضافة إلى أنها تساعد على إثارة انتباه السامع والقارئ وتمهد السبيل لإقناعه، و كان طرفة مفتنا في صوره الخيالية وتشبيهاته المجتلبة) (عمارة ،بدون،ت: 222)39
مضامين الحزن والأسى: الشاعر كما قيل هو لسان قومه وقبيلته يدافع حريمها مادحاً أبطالها يهجو أعداءها يرثي موتاها وقتلاها يفخر بمناقبها، فيرفع شأن من يريد ويخفض بمنزلة من يعارضه. كما أنّه هو الذي يشجّع الأبطال للقتال ويقوّيهم بأبياته ويهزم الأعداء بتمزيق شوكتهم. فهو راية القبيلة وسيفها القاطع
مضامين الرثاء في نفس الشاعر الجاهلي: يعتبر الرثاء من الأغراض الرئيسة التي تناولها الشاعر الجاهلي. فهو عند الرثاء إمّا يبدأ القصيدة بمنهـج الجاهلي المعروف وإمّا يباشر فيها بالرثاء لطغيان عواطفه وتسليمه أمام مشاعره دون مراعاة للأسلوب السائد على القصيدة إذن تخضع قصيدة شعرية لبناء معين يضمن لها تماسكها هذا البناء يخضع في أغلب الأحيان للمستوى الدلالي، الذي نستطيع بواسطته تقسيم القصيدة إلى وحدات شعرية مختلفة المضمون، متآلفة الإيقاع والوزن، إلا أن اختلاف المضمون والدلالة لا يعني استقلالية كل وحدة، بل إن هذه الوحدات متماسكة فيما بينها على مستوى البنية العميقة للدلالة والرؤية الشعرية
وهذا يشبه قول طرفة: الطويل
إذا القوم قالوا: من فتىً؟ خلت أنّني ... عنيت فلم أكسل ولم أتبلّد
ومن ذلك قوله في أخرى: الطويل
وكلّ فتىً في النّاس بعد ابن أمّه ... كساقطةٍ إحدى يديه من الخبل
وبعض الرّجال نخلةٌ لا جنى لها ... ولا ظلّ إلاّ أن تعدّ من النّخل
وهذا من جيد الكلام لصحة معناه) (المبرد ،1997م :53)40
القصيدة الشعرية الجاهلية : ولعل بناء القصيدة الشعرية الجاهلية قد اتخذ شكلين متباينين: بناء فخم، تمتاز فيه القصيدة بالطول، وتضم عدة وحدات أولاها وحدة الطلل أو النسيب، ثم وحدة ذكر رحيل الأحبة، ثم وحدة وصف الفرس أو الناقة،
فوحدة المدح والرثاء أو الهجاء ‎أو الفخر، وأخيرا وحدة الموعظة أو الحكمة... إلى غير ذلك من الوحدات التي تدخل ضمن هذا البناء كوحدة الليل ووصف الذئب أو الوادي وكذلك قول أعشى باهلة في مرثيته المنتشر بن وهب حيث يقول في جلده، إذ كان جل ما فيه مما يمدح به فيما كان به موصوفاً: البسيط
ما يغمز السّاق من اينٍ ومن وصبٍ ... ولا يعضّ على شر سوفه الصّفر
ماضي العزيم على العزّاء منصلتٌ ... بالقوم ليلة لا ماءٌ ولا شجر
كأنّه عند صدق القوم أنفسهم ... باليأس تلمع من قدّامه البشر
(المبرد، 1997 م: 59 )41
أما البناء الثاني الذي نجده في القصيدة الجاهلية، فهو ذلك البناء العادي والبسيط الذي يتناول فيه الشاعر - وبطريقة مباشرة - موضوعه الرئيس الذي يعبر من خلاله عن أحاسيسه ومشاعره اتجاه الحياة والكون. إنـه نمط بسيط في شكله لا في جوهره ومحتواه. إن بساطته ليست سذاجة، بل شكلا من أشكال تصنيف وتنضيد القصيدة الشعرية
ويروى من غير وجه حدثناه مسعود بن بشر وغيره أنه لما مات مخلد بن يزيد بن المهلب، حضره عمر بن عبد العزيز وصلى عليه ثم قال: الكامل
بكّوا حذيفة لا تبكّوا مثله ... حتّى تبيد قبائلٌ لم تخلق
ثم قال: لو أراد الله بيزيد خيراً لأبقى له هذا الفتى. فهذا من الأبيات الجامعة كنحو ما ذكرنا) (المبرد، 1997 م: 60 )42
وإذا كان هذا البناء النمطي البسيط شائعا في القصيدة الشعرية الجاهلية، فهو أقل شهرة من نظيره الفخم الذي عرفت به المعلقات والقصائد المشهورة التي اهتم بها النقاد العرب القدامى والمحدثون.إن البناء البسيط للعمل الشعري يشكل تجليا من تجليات حضور الواقع بشكل مكثف بعيدا عن كل فنية. إنه تعبير عفوي مباشر عن أفكار الشاعر وأحاسيسه وعواطفه؛ هذه الأفكار وهذه العواطف غالبا ما تمتاز بالتأزم الشديد، والرغبة في الكشف عن المجهول واستشراف آفاق المستقبل، وتحقيق ما هو أفضل
ويروى من غير وجه حدثناه مسعود بن بشر وغيره أنه لما مات مخلد بن يزيد بن المهلب، حضره عمر بن عبد العزيز وصلى عليه ثم قال: الكامل
بكّوا حذيفة لا تبكّوا مثله ... حتّى تبيد قبائلٌ لم تخلق
ثم قال: لو أراد الله بيزيد خيراً لأبقى له هذا الفتى. فهذا من الأبيات الجامعة كنحو ما ذكرنا والقائل: الوافر
ألا لهف الأرامل واليتامى ... ولهف الباكيات على قصيّ
لعمرك ما خشيت على قصيّ ... منيّة بين سلعٍ والسّليّ
ولكنّي خشيت على قصيّ ... جريرة رمحه في كلّ حيّ
فأحسن الشعر ما خلط مدحاً بتفجع، واشتكاءً بفضيلة، لأنه يجمع التوجع الموجع تفرجاً، والمدح البارع اعتذاراً من إفراط التفجع باستحقاق المرثي وإذا وقع نظم ذلك بكلامٍ صحيح ولهجة معربة ونظم غير متفاوت فهو الغاية من كلام المخلوقين.
(المبرد ،1997م : 60 )43 البنية الروحية للقصيدة الجاهلية: بناء القصيدة الجاهلية على نمط بسيط، هو إلغاء لكل العراقيل والحواجز الشكلية التي تعترض ذلك السيل المتدفق العارم من الأفكار والعواطف التي تؤرق بال الشاعر، وتختلج في نفسه وذاته، في عقله ووجدانه. إن البناء الشعري البسيط هو الطريقة المثلى للتعبير بسرعة عن الموضوع الرئيس، دون حاجة للمرور بمراحل الطلل والناقة، إما لاعتقاد الشاعر أن هذه المراحل مجرد مقدمات عمياء هي أقرب إلى التقليد الجاف منها إلى الإبداع، وإما لاعتقاده بأن وحدات الطلل والنسيب والناقة.. لا يمكنها أن تضفي جديدا على ما سيقوله، ما دامت تعني له نفس مضامين ودلالات غرضه وموضوعه الرئيس
إن الاختلاف بين البناء الشعري البسيط والبناء الشعري المركب والفخم، هو اختلاف في طريقة الأداء الشعري، لا اختلاف في جودة العمل الإبداعي، فليس العمل المنبني على النمط الأول عملا هزيلا والمنبني على النمط الثاني راقيا، ذلك أن مجموعة من الشعراء الكبار نظموا قصائدهم على النمطين معا كامرئ القيس ولبيد والنابغة... وهم أصحاب المعلقات، والقصائد الطوال الجياد
(أما قوة العاطفة في الأسلوب والصورة يقول فيها: "خذ من نفسك ساعة نشاطك" وفراغ بالك، وإجابتها إياك، فإن قليل تلك الساعة أكرم جوهرًا، وأشرف حسبًا وأحسن في الأسماع، وأحلى في الصدور من فاحش الخطأ، وأجلب لكل عين وقوة من لفظ شريف، ومعنى بديع، وأعلم أن ذلك أجدى عليك مما يعطيك يومك الأطول بالكد والمطاولة والمجاهدة، وبالتكلف والمماودة") (صبح، دون: 153 )44
صحيح أن البناء مكون شعري في الأعمال الإبداعية المختلفة، إلا أنه لا يمكن أن يكون مقياسا لتحديد درجات شعرية نص معين. إن الشعرية لا تتحقق إلا بوجود بناء معين، بناء يضمن للنص انسجامه واتساقه وتماسكه، ويضفي عليه نوعا من الوحدة ؛ هذا البناء قد يختلف من نص إلى آخر ضمن نفس الجنس الأدبي، دون أن يكون هذا الاختلاف مقياسا للمفاضلة
وهكذا، لا يمكن أن نفاضل بين القصائد الشعرية الجاهلية على أساس بنائها الشعري، لأن ذلك عمل لا منطقي، وإنما تتم المفاضلة على مستويات الصورة والتركيب والرؤية إن القصيدة الشعرية المعتمدة على البناء البسيط قصيدة يعبر فيها صاحبها بكل صراحة وعفوية، متخطيا بذلك كل القيود الفنية ( على مستوى البناء ) التي وضعها النظام الثقافي والاجتماعي في ذلك العصر.
(إنه ليس بين المرثية والمدحة فصل إلا أن يذكر في اللفظ ما يدل على أنه لهالك، مثل: كان وتولى وقضى نحبه وما أشبه ذلك، وهذا ليس يزيد في المعنى ولا ينقص منه، لأن تأبين الميت إنما هو بمثل ما كان يمدح به في حياته، وقد يفعل في التأبين شيء ينفصل به لفظه عن لفظ المدح بغير كان وما جرى مجراها، وهو أن يكون الحي وصف مثلاً بالجود، فلا يقل: كان جواداً ولكن بأن يقال: ذهب الجود او فنم للجود بعده ومثل: تولى الجود وما أشبه هذه الأشياء). (بن قدامة، 1302 :33/34)45
ومن الشعراء من يرثي بكاء الأشياء التي كان الميت يزاولها، وعتد ذلك ومثله يحتاج إلى أن يعلم صحة المعنى فيما يتكلم به من مثل هذه الأشياء، فإنه ليس من إصابة المعنى أن يقال ف كل شيء تركه الميت: إنه يبكي عليه، لأن من ذلك ما إن قيل إنه بكى عليه كان سبة وعيباً لاحقين به كما قالت ليلى الأخيلية ترثي توبة ابن الحمير بالنجدة
فليس سنانٌ الحرب يا توب بعدها ... بغازٍ ولا غادٍ بركبٍ مسافرِ
(بن قدامة، 1302 :33/34)46
فمن ذلك مثلاً إن قال قائل في ميت: بكتك الخيل إذ لم تجد لها فارساً مثلك، فإنه مخطئ، لأن من شأن ما كان يوصف في حياته بكده إياه، أن يذكر اعتباطه بموته، وما كان يوصف بالإحسان إليه في حياته أن يذكر اغتمامه بوفاته.
(بن قدامة ، 1302 : 33/34)47
ومن ذلك إحسان الخنساء في مرثيتها صخراً وإصابتها المعنى، حيث قالت تذكر اغتباط حذفة فرس صخر بموته:
فقدْ فقدتكَ حذفةُ فاستراحتْ ... فليتَ الخيلَ فارسُها يرَاها
ولو قالت: فقدتك حذفة فبكت، لأخطأت، بل إنما يجب أن يبكي على الميت ما كان يوصف إذا وصف في حياته بإغاثته الإحسان إليه، كما قال كعب بن سعد الغنوي في مرثية أخيه:
ليبككَ شيخٌ لم يجدْ من يعينُه ... وطاوِى الحشى نائِي المزارِ غريبُ
وكما قال أوس بن حجر يرثي فضالة بن كلدة الأسدي:
ليبككَ الشربُ والمدامةُ وال ... فتيانُ طُرّاً وطامعٌ طمعَاً
وذاتُ هدْم عارٍ نواشرُها ... تصمتُ بالماءِ تولباً جدعَا
والحيُّ إذ حاذرُوا الصباحَ وقدْ ... خافُوا مُغيراً وسائراً تلعَا
فيجب أن يتفقد مثل هذا من إصابة الغرض والانحراف عنه.
وإذ قد تبين بما قلنا آنفاً إنه لا فصل بين المدح والتأبين إلا في اللفظ دون المعنى، فإصابة المعنى به ومواجهة غرضه هو أن يجري الأمر فيه على سبيل المدح. (بن قدامة ، 1302 :33/34)48
فمن المراثي التي تشتبه في المديح استيعاب الفضائل التي قدمنا ذكرها والإتيان عليها، مثل قول كعب بن سعد الغنوي يرثي أخاه:
لعمري لئن كانت أصابتْ منيةٌ ... أخي والمنايا للرِّجال شعوبُ
لقد كانَ، أما حلمهُ فمروحٌ ... علينا، وأما جهلهُ فغريبُ
أخي ما أخِي، لا فاحشٌ عند بيتهِ ... ولا ورعٌ عند اللقاءِ هيوبُ
فقد أتى في هذه الأبيات بما وجب أن يأتي في المراثي، إذا أصيب بها المعنى، وجرت على الواجب، أما في البيت الأول فيذكر ما يدل على أن الشعر مرثية لهالك لا مديح لباق، وأما سائر الأبيات الأخر فتجمع الفضائل الأربع التي هي العقل والشجاعة والحلم والعفة، ثم افتن كعب في هذه المرثية في ذلك، وزاد في وصف بعض الفضائل ما لم يخرج به عن استيفائه، وهو قوله:
حليمٌ إذا ماسورةُ الجهلِ أطلقتْ ... حُبَى الشيبِ للنفسِ اللجوجِ غلوبُ
كعاليةِ الرمحِ الردينيِّ، لم يكنْ ... إذا ابتدَر الخيلَ الرجالُ يخيبُ
فإني لباكيهِ وإني لصادقٌ ... عليه، وبعض القائلينَ كذوبُ
ليبككَ شيخٌ لم يجدْ من يعينهُ ... وطاوِى الحشَا نائِي المزارِ غريب
جموعٌ خلالَ الخيرِ من كل جانبٍ ... إذا جاءَ جياءٌ بهنَّ ذهوبُ
(بن قدامة، 1302 : 33/34)49
إنها قصيدة يغلب فيها عنصر الواقع على عنصر الفن إن درجات حضور الواقع في هذا النوع من القصائد أقوى مقارنة بدرجات حضور الفن. إنها تلبية لدعوة الواقع بمختلف تجلياته ومظاهره، سواء كان هذا الواقع اجتماعيا أو سياسيا أو نفسيا.
إن البناء البسيط فني وشعري في شكله ومحتواه، لأنه طريقة، وإن كانت مباشرة وصريحة، فهي ذكية للتعبير عن معالم الحياة والكون والوجود بطريقة تجعل الذات المتلقية أكثر اندماجا معها، وأكثر استعدادا لتمثل هذه النظرة أو تلك، ما دامت هذه الطريقة في التعبير تخاطب العقل والقلب مباشرة دون وضع حواجز نفسية وعقلية تزيح المتلقي عن المسار الصحيح الذي يوصله إلى الموضوع
إن بناء هذه القصيدة يتيح للشاعر التعبير عن نفسه أولا و آخرا، كما يتيح له تقديم همومه الواقعية على غيرها من المواضيع والأفكار المرتبطة بالطلل أو المرأة أو الفرس.. هذا البناء البسيط كان معروفا في النقد العربي القديم بمصطلحات يذكرها ابن رشيق في كتابه (العمدة) باب (المبدأ والخروج والنهاية) بقوله: (ومن الشعراء من لا يجعل لكلامه بسطا من النسيب، بل يهجم على ما يريده مكافحة، ويتناوله مصافحة وذلك عندهم هو: الوثب والبتر والقطع والكسع والاقتضاب)
إن الضغط الذي تحدثه الظروف الواقعية سواء أ كانت اجتماعية أم سياسية أم نفسية يجعل الشاعر يتسرع لإفراغ شحناته الفكرية والعاطفية، فيهجم مباشرة على الموضوع الذي يشغل فكره ووجدانه دون أن يجعل لعمله الإبداعي بسطا من النسيب أو الرحلة على الرغم من كون هذا البسط مما جرت عادة الشعراء على ذكره، ومما تعود متلقو الشعر على سماعه
إن البناء البسيط للقصيدة الشعرية وسيلة ناجعة يعتمدها الشاعر في لحظات فكرية ووجدانية معينة، يفرغ فيها حمولته الفنية والإبداعية المعبرة بكل صدق وشفافية عن واقعه الذي يحياه
مضمون الرثاء في الشعر الجاهلي تتضمن صفة الحزن والمأساة، بل تتعدى ذلك إلى حدود التأزم النفسي الحاد، خاصة إذا علمنا أن الموضوع الذي يتناوله الشاعر موضوع واقعي جدا، كان الشغل الشاغل للإنسان الجاهلي بصفة عامة ألا وهو موضوع: المصير المجهول.
واحسن مضامين الرثاء: سلامة الرسالة والتأبين والبناء الشعري السليم ومراعاة وقائع الظروف والملابسات ويعتمد الشعراء الجاهليين، على مضمون البنية وهو بناء لا تراعى فيه التشكيلة الفنية، بقدر ما تراعى فيه سلامة الرسالة، والقصيدة الواقعية في بنائها. لا تنفي عنها صفة الفنية، ونمط الرثاء الجميل احتل مكانة مهمة في ديوان الشعر الجاهلي،
المواقف الشعورية والحسية والعاطفة والحدس ومضمون قصائد الشعراء الجاهليين لا يعبر عن هذا الواقع في حدوده المادية فحسب، بل والمعنوية والروحية وأمور مادية كالحرب والقتال أو الصراع الاجتماعي والسياسي، كما يعبر عن أمور معنوية فكرية وشعورية كالكينونة الإنسانية، وقضية المصير المجهول، ومجال الصفات والأخلاق والقيم، إن عنصر الواقع يتحكم في هذا النوع من الأعمال الإبداعية الشعرية ؛ إنه الحافز الرئيس الذي يدفع الشاعر إلى إلغاء كل أنواع المقدمات من الخطاطة التي يصممها لقصيدته المرتقبة.



المصادر والمراجع
1.الجاحظ، عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ، دار ومكتبة الهلال، بيروت، عام النشر: 1423 هـ لجاحظ، 1423 ه ج 1ص 81
2. نفس المرجع، ص 81
3. الشايب، الأسلوب الناشر: مكتبة النهضة المصرية الطبعة: 2003 ص 19/22
4.فاضل، بدون ص 59
5. النويهي،1971 ص 135
5.ابن رشيق، 1934ج1ص 80
6.حسان، شيخو شرح ديوان الخنساء مطبعة الكاتولكية 1895بيروت ص 169
7.الأصفهاني، د.ت. ج5ص 85 /86
8.عباس، 1981ص 142-144
9. ابن طباطبا، 1982ص 21 –22
10.الجرجاني، أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني، سرار البلاغة، 1954 ص 250
11.إسماعيل، 1966م ص 23-24
12. الجاحظ، عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1966م ص 83- 84
13.ثعلب ، 1995ص 34
14.ثعلب ، 1995ص 63
15. المبرد، محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس لكامل في اللغة والأدب، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار الفكر العربي – القاهرة، 1417 هـ - 1997 م ص 58
16.نفس المرجع، ص 91
17.المبرد ، المبرد، محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس لكامل في اللغة والأدب، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار الفكر العربي – القاهرة، 1417 هـ - 1997 م ص 91
18. الشايب، الأسلوب الناشر: مكتبة النهضة المصرية الطبعة: الثانية عشرة 2003
ص 194
19. الشايب، الأسلوب الناشر: مكتبة النهضة المصرية الطبعة: الثانية عشرة 2003
ص 194
20. المبرد، محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس لكامل في اللغة والأدب، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار الفكر العربي – القاهرة، 1417 هـ - 1997 م ص 50
51.السيد احمد الهاشمي،جواهر الادب، ص 771
22. الشايب، الأسلوب الناشر: مكتبة النهضة المصرية الطبعة: الثانية عشرة 2003
ص 190
23.المبرد ، المبرد، محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس لكامل في اللغة والأدب، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار الفكر العربي – القاهرة، 1417 هـ - 1997 م ص 62
24.المبرد ، المبرد، محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس لكامل في اللغة والأدب، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار الفكر العربي – القاهرة، 1417 هـ - 1997 م ص 51
25.فؤاد أفرام البستاني،المجاني الحديثة، ج1،ص271
26.المبرد ، المبرد، محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس لكامل في اللغة والأدب، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار الفكر العربي – القاهرة، 1417 هـ - 1997 م ص 58/ 57
27.فؤاد أفرام البستاني،المجاني الحديثة، ج1،ص271
28.المبرد ، المبرد، محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس لكامل في اللغة والأدب، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار الفكر العربي – القاهرة، 1417 هـ - 1997 م ص 41/42
29.فؤاد أفرام البستاني، المجاني الحديثة، ج1،ص371
30.من الشعر الجاهلي، أحمد المراغي صص 62
31.السيد احمد الهاشمي، جواهر الادب، ص 771
32.المبرد ، المبرد، محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس لكامل في اللغة والأدب، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار الفكر العربي – القاهرة، 1417 هـ - 1997 م ص91
33.فؤاد أفرام البستاني، المجاني الحديثة، ج1،ص271
34.أدباء العرب في الجاهلية وصدر الاسلام، ص 65
35.المبرد، المبرد، محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس لكامل في اللغة والأدب، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار الفكر العربي – القاهرة، 1417 هـ - 1997 م ص 50
36.عمارة، بدون.ت ص 222
37. ابن قدامة، بن قدامة، بن قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد البغدادي، أبو الفرج الجوائب نقد الشعر – قسطنطينية الطبعة: الأولى، 1302 ص36
38. ابن قدامة، بن قدامة، بن قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد البغدادي، أبو الفرج الجوائب نقد الشعر – قسطنطينية الطبعة: الأولى، 1302 ص 36
39.عمارة ،بدون،تص 222
40.المبرد ، المبرد، محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس لكامل في اللغة والأدب، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار الفكر العربي – القاهرة، 1417 هـ - 1997 م ص53
41.نفس المرجع ،ص 59
42. نفس المرجع، ص 60
43. نفس المرجع، ص 60
44. صبح ،علي علي مصطفى صبح، في النقد الأدبي، بدون ت ص 153
45. ابن قدامة، بن قدامة، بن قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد البغدادي، أبو الفرج الجوائب نقد الشعر – قسطنطينية الطبعة: الأولى، 1302 ص33/34
46. ابن قدامة، بن قدامة، بن قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد البغدادي، أبو الفرج الجوائب نقد الشعر – قسطنطينية الطبعة: الأولى، 1302 ص33/34
47.نفس المرجع، ص 33/34
48. نفس المرجع، ص33/34
49. نفس المرجع، ص 33/34



#ابراهيم_محمد_جبريل (هاشتاغ)       Ibrahim_Mahmat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المخطوطات التشادية -مخطوطة الشيخ آدم محمد الأمين دين كله- أن ...
- من أعلام الشعراء في العصر الجاهلي والإسلامي والعباسي
- مخالب الاستعمار على التعليم العربي في إفريقيا -نيجر وتشاد وا ...
- المراثي في العصر الجاهلي، دراسة نقدية تحليلية
- صورة المرأة في شعر عمرو بن أبي ربيعة ، دراسة فنية تحليلية
- الدولة والفرانكفونية والاستعمار
- المرأة الإفريقية والنسوية لإسلامية
- ملخص الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية
- الشعر العربي المعاصر
- المقالة وأثرها في تغيير المجتمع
- أثر الثقافة العربية على قبيلة مزغوم في الكاميرون
- الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية
- المجتمع المدني والديمقراطية والدولة واللامركزية
- المرأة في الأدب العربي الإفريقي
- الشعر النثري، لأحمد جابر دراسة أسلوبية نقدية
- الشاعر عبد الله الدرامي
- التعايش والحوار الوطني في إفريقيا


المزيد.....




- الفنان جمال سليمان يوجه دعوة للسوريين ويعلق على أنباء نيته ا ...
- الأمم المتحدة: نطالب الدول بعدم التعاطي مع الروايات الإسرائي ...
- -تسجيلات- بولص آدم.. تاريخ جيل عراقي بين مدينتين
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- السكك الحديدية الأوكرانية تزيل اللغة الروسية من تذاكر القطار ...
- مهرجان -بين ثقافتين- .. انعكاس لجلسة محمد بن سلمان والسوداني ...
- تردد قناة عمو يزيد الجديد 2025 بعد اخر تحديث من ادارة القناة ...
- “Siyah Kalp“ مسلسل قلب اسود الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة ...
- اللسان والإنسان.. دعوة لتيسير تعلم العربية عبر الذكاء الاصطن ...
- والت ديزني... قصة مبدع أحبه أطفال العالم


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم محمد جبريل - الصدق الفني والصدق العاطفي في الرثاء الجاهلية