|
هل يمكن حل مشكلة اللحمة الآن كما تم حلها قديما ؟!
أحمد فاروق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 7511 - 2023 / 2 / 3 - 16:48
المحور:
كتابات ساخرة
يبدو أن مشكلة اللحمة في مصر عابرة للعصور ، فقد كانت مشكلة مزمنة لمصر فى منتصف الستينات ، وتكلم عنها جمال عبد الناصر فى أكثر من خطاب ..
ورجعت اللحمة لتصبح مشكلة مستعصية في السبعينات ، وعندما خرجت مظاهرات الطعام فى ١٨ و ١٩ يناير ١٩٧٧ كان من هتافاتها الشهيرة : سيد مرعى يا سيد بيه .. كيلو اللحمة بقى بجنيه
وسيد مرعى هو رئيس مجلس الشعب أيامها ..
وغنى الشيخ إمام وكلمات أحمد فؤاد نجم أغنيته الشهيرة جدا وقتها " موال الفول واللحمة " ..
وفى يوم ١ مايو ١٩٦٦ وفى خطاب عيد العمال في المحلة الكبرى ، وقف الرئيس جمال عبد الناصر متحدثا - ضمن قضايا أخرى - عن مشكلة اللحمة في مصر .. فماذا قال ؟!
قال عبد الناصر فى ذلك الخطاب مايلى :
" هل أجيب لكم مصانع ولا أجيب لكم لحمة ؟! أنا قلت اجيب مصانع ما بجيبش لحمة ، طلعتوا انتو أما جت اللحمة غليت زمزقتوا شوية ، طيب معلهش ، ماهى الناس تتعلم ..
وطلعت الرجعية والناس بره وقالوا مصر فيها مجاعة ، والواحد يعدى شارع الأزهر يلاقى ريحته كلها كباب من أوله لأخره ، مفيش ..
تسمع محطة إسرائيل ومحطات أُمَّات دقون - يقصد الملك فيصل ملك السعودية - وجرايد أصحاب الدقون يقولك مصر فيها مجاعة .. انتوا جعتم ؟! ( عبد الناصر مخاطبا الجماهير المحتشدة امامه ) ..
انتم عايزين إيه .. إحنا حددنا بدل ما نجيب لكم لحمة ٧ أيام ، قلنا بنجيب لكم لحمة ٤ أيام ..
ما احنا بنجيب لحمة منين ؟!
اللحمة بتاعتنا مبتكفناش ، بتاكلوا لحمة من الصين ، ومن استراليا ، ومن الارجنتين ، ومن الاكوادور ، ومن السودان ، ومن الصومال ..
وبنستورد قمح وبنستورد درة ، السنة إللى فاتت اما ضاعفنا إنتاج الدرة ما استوردناش ، يمكن استوردنا نسبة قليلة ..
إذن الخطة إللى فاتت ١٥٠٠ مليون جنيه فى ٥ سنين خلقت لنا شوية مشاكل ، وبالذات خلقت لنا مشاكل فى العملة الصعبة ..
وبعدين طبعا قاعدين يغيظونا ، الرجعيين بره ، ويقولولنا يا مفلسين يا جعانين ، بنقلهم اتفلقوا ، حانبنى بلدنا ، ولا حاتحصلوا على هدفكم أبدا ، انتم أعوان استعمار وحاننتف دقونكم ..
يقولوا إحنا عندنا كماليات وانتوا معندكوش .. إحنا عندنا الصابون الفلانى وانتوا معندكوش .. نقولهم اتفلقوا ..
هو عندكم مين اللى حايستعمل الصابون ؟! ولا مين اللي حايستعمل البارفان ؟!
ما هو كل الناس انتوا سايبنهم عريانين مقرحين ، محدش لاقى يستحم ولا لاقى ياكل "
... مشكلة عابرة للعصور إذن مشكلة اللحمة في مصر ، عام ١٩٦٦ ، وعام ١٩٧٧ ، وعام ٢٠٢٢ !!
واللحمة وصلت الآن فى مصر إلى ٢٢٠ جنيه للكيلو ، وكان لإرتفاع أسعار الأعلاف عالميا ، والتضخم الحادث في مصر والعالم السبب الاهم فى ذلك ..
فكيف يمكن حل هذه المشكلة ؟
الإنتاج المصرى من اللحوم تاريخيا محدود ، فمصر ليست بلد مراعى ، أو بها مساحات شاسعة قابلة للزراعة حتى تمرح فيها الماشية والأغنام ، وتجد فيها غذائها ..
وتوفير الغذاء للحيوان مشكلة في مصر ، بالضبط كما فى توفير الغذاء للإنسان ..
الحل كان دائما فى الاستيراد ، لتقليل الفجوة بين الطلب والعرض ..
هناك حلول أخرى لجأت إليها نظم الحكم المختلفة مع أزمات إرتفاع أسعار اللحوم ..
عام ١٩٨٠ فرض الرئيس السادات وقف بيع اللحوم لمدة شهر كامل !! كان ذلك فى بداية شهر سبتمبر عام ١٩٨٠ ، وقبل عام واحد من وفاته مقتولا في أكتوبر ١٩٨١ ..
وقرر حظر ذبح الماشية والأغنام تماما للسيطرة على ارتفاع أسعار اللحوم !!
وكانت تلك وسيلة مبتكرة ..
وبدأ البوليس يحاصر أماكن الذبح ، وشعر الناس بالراحة ، وبعضهم شعر بالشماتة في الجزارين !!
وبين ليلة وضحاها أصبحت مصر نباتية ، وأصبح أهلها شعبا من النباتيين !!
ولم يتحمل المصريون الأمر طويلا ، فبدأت همسات التذمر ، فأعلنت السلطات أنه على المصريين أن يتحولوا إلى بدائل اللحوم .. الأسماك والدواجن .
وفورا ارتفعت أسعار الدواجن ٣٠% ..
وبدأت - كما هو متوقع في أى سلعة تختفى من الأسواق - سوق سوداء فى اللحوم ، وأصبح اكل اللحمة في مصر لمن لديه واسطة ، أو لمن يقدر - ماديا - على سعره !!
وفى النهاية تحول الجزارون - مع حالة الفراغ والبطالة التى يعيشونها - إلى تجارة الدواجن والفراخ !!
وارتفع نتيجة لذلك سعر كيلو الفراخ البيضاء من ١٢٠ قرش إلى ١٦٠ قرش والفراخ البلدى إلى جنيهين للكيلو !!
وكان متوسط مرتب موظفى الحكومة وقتها ما بين ٣٠ - ٥٠ جنيه شهريا ..
وطبقا لدراسة للأستاذ أحمد السيد النجار فإن المرتب " الشامل " لخريج الجامعة حديث التخرج ، والمعين في الجهاز الحكومى بلغ ٢٨ جنيها فى أواخر عهد الرئيس السادات ..
وسحبت زيادة أسعار الفراخ واللحوم ارتفاعا في اغلب السلع الغذائية ، وبعد فرحة قصيرة فى البداية زاد غضب الناس على الحكومة ، التى لم تراع - وبها دكاترة اقتصاد كبار - مبادئ علم الاقتصاد الأولية ..
كانت الحكومة فى صف الشعب فى هذه المعركة ، و كانت تريد معاقبة المستغلين وجشع التجار ، ولجأت إلى ما فى يديها من سلطة ..
وبعد بعض المكابرة من الرئيس السادات وحكومته - وقد كانت نيتهم حسنة - تم التراجع عن قرار منع ذبح اللحوم وبيعها ..
ورجع الجزارون إلى محلاتهم منتصرين في هذه المعركة الحاسمة .. وانتصرت مبادئ علم الاقتصاد على قوة الحكومة وحسن نيتها ..
#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يشبه ما يجرى اليوم في مصر بما جرى فى تركيا عام ٢
...
-
أردوغان .. هل اقتربت لحظة النهاية ؟
-
عندما احترقت القاهرة مرتين !!
-
يجب أن تتطهر 25 يناير أولاً من اصدقاءها .. قبل أن تغضب من أع
...
-
أمسية مع الرواية ..
-
حسنى مبارك و 25 يناير ... قبل لحظة النهاية !!
-
زيارة إلى المتحف المصري ..
-
بايدن .. والعثور على وثائق سرية في منزله !!
-
كيف تقسَّم دولة متحدة ؟
-
جمال عبد الناصر .. والسنة العجيبة !
-
حاول تفتكرنى
-
مرسال المراسيل
-
اغنية وموقف ... كلمنى يا قمر
-
أغنية وموقف .. رُدت الروح
-
أغنية وموقف .. الأطلال
-
المشكلة الاقتصادية .. قراءة في تقرير قديم
-
شتاء شديد السخونة
-
الانقلاب الألماني
-
ذكرى يوم عظيم
-
ما يخصنا من المشكلة
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|