|
رواية للفتيان الجوهرة المفقودة
طلال حسن عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 7508 - 2023 / 1 / 31 - 00:26
المحور:
الادب والفن
رواية للفتيان
الجوهرة المفقودة
طلال حسن
شخصيات الرواية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ السندباد
2 ـ الجارية جوهرة
3 ـ فتاة
4 ـ التاجر حمدان
5 ـ الربان
6 ـ البحارة
البداية ــــــــــــــــــ بعد ليلة مفعمة بالعواصف ، والسفن التي تتقاذفها أمواج كالجبال ، والجزر المنثورة كاللؤلؤ وسط البحار ، ، والجواري و .. و .. فتح السندباد عينيه ، وتنفس الصعداء ، إنه في فراشه الوثير ، وضوء الشمس يصله عبر الستائر الشفافة لغرفة نومه في القصر . واعتدل في فراشه مبتسماً ، حين دخلت عليه جاريته المفضلة ، ذات البشرة البنية ، والعينين البنيتين ، والشعر الحرير الذي بلون الليالي المقمرة ، تحمل في يدها زهرة ، يلمع الندى على بتلاتها الشذية ، وابتسمت له الابتسامة التي يحبها ، وقالت بصوت كالتغريد : طاب صباحك ، يا مولاي . ومدّ السندباد يده ، وأخذ منها الزهرة الشذية ، وقربها من أنفه ، وقال : أهلاً لؤلؤة . ونظرت الجارية إليه ، وقد اتسعت ابتسامتها ، وقالت : الفطور جاهز ، يا مولاي . وراح السندباد يتأملها ملياً ، ثم قال : دعيني أفطر بالنظر إلى عينيك ، ووجهك الصباح ، يا فتاة .
وتراجعت ابتسامة الجارية بعض الشيء ، وقالت في صوت يشوبه القلق : مولاي ، كما تعرف ، ليس اسمي فتاة ، وإنما .. جوهرة . وغامت عينا السندباد ، وقال والزهرة مازالت في يده : أنتِ الجوهرة فتاة ، آه .. فتاة . وتلاشت ابتسامة الجارية ، التي يحبها السندباد ، وقالت : مولاي ، لابدّ أنك تعرف جارية ، اسمها فتاة ، ولكن لا أظن أنها بجمالي ، أنا جوهرتك . ونهض السندباد من فراشه ، ووقف قرب النافذة ، ونظر عبرها إلى البعيد ، الذي لا يحده حدود ، وقال كأنما يحدث نفسه : أنا عرفت .. فتاة . وتنهدت الجارية جواهر ، وقالت : الحمد لله ، أنك عرفتها ، يا مولاي ، وهذا أفضل من أعرف ، فعرفت ماض ، والماضي ماضي ، كما يقول سيبويه . ونظر السندباد إليها ، ترى هل يراها أم يرى الماضي ؟ وقال كمن يحدث نفسه : الماضي ليس ماض ، مادام يعيش في أعماقي ، ولا أنساه . واقتربت الجارية جوهرة منه ، وقالت : لقد حدثتني عن كثيرات من الجواري وغير الجواري ، لكنك ، يا مولاي ، لم تحدثني عن هذه ال .. فتاة . ولاذ السندباد بالصمت ، وقد رحل بعيداً ، بعيداً جداً ، إلى جزيرة بعيدة وسط البحر ، فمالت الجارية جوهرة عليه ، وقالت : مولاي .. وأفتق السندباد ، وقال : نعم . فتابعت الجارية جوهر قائلة : أرجوك ، يا مولاي ، حدثني عن هذه أل .. فتاة . وابتسم السندباد ، وقد عاد من كلّ أسفاره الماضية البعيدة ونظر إلى جاريته الأثيرة ، وقال : جوهرة ، أظنّ أنكِ قلت ، إن الفطور جاهز . لكن الجارية جوهرة لم تجاره ، وقالت : مولاي ، أريد أن تحدثني عن .. فتاة . وحدق السندباد فيها ، وقال : سأحدثك عنها .. وقالت جوهرة بدلال : الآن . وهزّ السندباد رأسه ، وقال : الآن ؟ لا ، الحديث عن .. فتاة .. ، يتطلب جواً خاصاً . وأمالت جواهر رأسها المكلل بشعرها البني الجميل ، وغمزت بإحدى عينيها البنيتين الجميلتين ، وقالت : سأوفر لك هذا الجو . وتابع السندباد قائلاً بصوت حالم : ربما الليلة ، في الحديقة ، قرب نافورة الماء ، والنجوم ترصع السماء ، ووسطها يضيء القمر .. وهمت جوهرة أن تتكلم ، لكن السندباد اتجه نحو الباب بخطوات سريعة ، وهو يقول : جوهرة ، إنني جائع ، أريد أن أفطر . ولحقت به جوهرة ، وقالت : مولاي .. وفتح السندباد الباب ، وقال : لا تتعجلي ، يا جوهرة ، سيأتي الليل ، مهما طال النهار عليكِ ، وستأتي النجوم والقمر ، وعندها أحدثك عن ..فتاة .
" 2 " ــــــــــــــــــ جاء الليل ، وسرى بهدوء بعيداً عن النهار ، وبدت النجوم في السماء متراصة متغامزة ، وسطع القمر بينها ، مطلاً بنوره الشاحب على الكون . وفي طرف قصيّ من حديقة القصر ، راحت النافورة توشوش بمائها الصافي كالمرآة ، متجاوبة مع بعض البلابل ، التي راقها أن تغرد بين أغصان الأشجار ، المكللة بالأزهار وندى الليل . وعلى ضوء القمر ، تحت النجوم ، جلس السندباد قرب النافورة ، وجلست جوهرة قبالته ، وقد أرادت لنفسها ، بتزينها وارتدائها أحلى ملابسها ، أن تسطع أكثر من القمر ، وكيف لا وفي الأفق ، ولو في الماضي ، امرأة يقول السندباد ، أن اسمها .. فتاة ؟ ومالت جوهرة برأسها المكلل بشعر كالحرير ، وقالت بصوت ساحر : مولاي .. ونظر السندباد إليها ، على ضوء القمر ، وقال لها : لقد وعدتكِ أن أحدثك ، وسأحدثكِ . وسكت ملياً ، وبدا وكأنه ينصت إلى وشوشة ماء النافورة ، الذي يتدافع إلى الأعلى ، في نور القمر ، الذي يتوسط النجوم في السماء . وراح سندباد يغيب شيئاً فشيئاً في تلافيف الماضي ، ثم قال بصوت لا يبدو أنه يمت بصلة للحاضر : بعد أن بقيت في قصري ببغداد ، أياماً وأشهراً ، وجوهرة والجواري الأخريات حولي ، عاودني الحنين إلى السفر ، ونسيت أو تناسيت العهد الذي قطعته على نفسي ، بترك السفر ومغرياته ومخاطره ، والبقاء في بغداد الأمان والسلام والمحبة . انتابني الملل مما حولي ، واستبد بي الحنين للمغامرة والمجهول ، فذهبت إلى البصرة ، وأستقليت سفينة مع بعض التجار ، وذهبنا إلى الصين ، وتنقلنا في مدنها العديدة ، نبيع ونشتري ونجني الأرباح الوفيرة ، وسرعان ما غلبني الحنين إلى بغداد ، وما في بغداد من دعة ومسرات وراحة وأمان ، فقررت السفر من الصين ، والعودة إلى حياتي في بغداد . واستقليت مع بعض التجار ، سفينة من أفضل السفن ، يقودها ربان متمرس ، وخبير ببحار العالم ، راح يمخر بنا البحار ، في طريق العودة إلى بغداد . وككل رحلة شاقة من رحلاتي العديدة ، عند العودة وأنا متعب ، ومتشوق للراحة والسلام ، وعدتُ نفسي ، وعداً قاطعاً ، أن تكون هذه الرحلة هي الرحلة الأخيرة ، كفى رحيل وتنقل من بلد إلى بلد ، ومن جزيرة إلى جزيرة ، وسط مخاطر لا تحصى ، لقد آن أن أستقر في عاصمة العالم بغداد ، وأعيش حياتي التي أريدها . وذات يوم ، ونحن في وسط البحر ، تلبدت السماء بالغيوم ، وبدأت الريح تنشط وتشتدّ ، وكنت مع صاحبي التاجر حمدان على سطح السفينة ، فنظر حوله بشيء من القلق ، وقال : أخي سندباد .. وشعرت بقلقه ، ومخاوفه المتزايدة ، فأجبته قائلاً بصوت حاولت أن يكون هادئاً : نعم ، يا أخي حمدان . فتابع حمدان قائلاً : هذه الريح لا تطمئن . ونظرت إليه ، وقلت له ربما لأطمئن نفسي ، قبل أن أحاول طمأنته : هذه رياح عادية ، ولا أظنها ستشتد ، أو تتحول إلى عاصفة خطرة . وتلفت حمدان حوله ، وقد تزايد قلقه ، وزاغت عيناه ، وقال : هذه المنطقة من البحر ، من أشد المناطق خطورة ، وهي معروفة بعواصفها الشديدة الهوجاء ، وقد غرقت فيها أكثر من سفينة هذا العام . وابتسمتُ لصاحبي حمدان ، أنا أعرف أن ابتسامتي مبعثها القلق ، الذي أثاره حديث حمدان والريح التي راحت تشتدّ ، وقلتُ : لا تقلق ، ولا تصغي إلى كلام الآخرين ، ثم إن سفينتنا سفينة جديدة وقوية ، وربانها رجل متمرس ، وقد خبر هذا البحر بالذات ، ومعظم رحلاته كانت في بحر الصين . ولاذ حمدان بالصمت ، وبدا أن كلامي لم يخفف من قلقه ، فقد استدار ، ومضى مبتعداً ، وهو يقول : إنني متعب ، يا صاحبي ، سأذهب إلى القمرة ، وقد أخرج إلى السطح ، إذا هدأت هذه الريح العاصفة . لكن التاجر حمدان المسكين ، لم يعرف أنه لن يخرج من قمرته ، إلا ليغوص مع أشلاء السفينة ، وجميع ركابها ، إلى أعماق البحر المظلمة الباردة . فقد هبت عاصفة مع المساء ، وراحت تهيّج البحر ، وتفجر أمواجه المتصاعدة ، حتى غدت كالجبال ، ومنذ البداية أسرع الربان إلى السطح ، وتولى قيادة السفينة بنفسه ، وصاح بالركاب المتواجدين على السطح : هيا أسرعوا إلى الداخل ، العاصفة تشتد ، والخطر يتزايد . ولاذ الركاب بداخل المركب ، وكنتُ واحداً منهم ، والعاصفة تضرب السفينة ، والأمواج المتفجرة تهاجمها من جميع الجهات ، وهي تزأر كما تزأر الوحوش الكاسرة ، حين تهاجم فرائسها . وفي قمرتنا ، التي كانت تتأرجح بعنف مع تأرجح السفينة ، رأيت صاحبي التاجر حمدان ، يُقذف من جهة إلى جهة ، وما أن رآني ، حتى هتف بصوت مرتعب ، كأنه يستنجد بي : سندباد ، أخي ، سنغرق .. وقبل أن أردّ عليه بشيء ، انكفأ على فراشه ، وتشبث بالسرير ، وهو يتمتم بصوت مرتعش : يا رب ، يا أرحم الراحمين ، نجني من هذا البلاء ، ليس من أجلي ، وإنما من أجل زوجتي الحاجة التقية ، وأولادي ، و .. وإذا نجوت ، ووصلت بغداد سالماً ، سأضحي بأكبر وأسمن كبش ، بل بثور .. لكن سبق السيف العذل ، ولم تشفع للتاجر حمدان دعواته ، أو وعوده ، فقد تحطمت السفينة بين الأمواج الجبال ، ولم ينجُ من الكارثة ، لا حمدان ، ولا الربان المتمرس ، ولا أي واحد من الركاب ، وقبروا جميعاً في أعماق البحر المظلمة الباردة . وفي العتمة الصاخبة ، بين الأمواج الهائجة ، كما لو كانت قطيعاً من الثيران المستثارة ، وقعت يداي المستغيثتان على لوح من الخشب ، فتشبثتُ به ، وتطلعت إلى الخلاص ، وإن كنتُ متيقناً أنني سألحق عاجلاً أو آجلاً بصاحبي حمدان .
" 3 " ـــــــــــــــــ انتابني شيئاً فشيئاً إحساس ما قبل الإفاقة من النوم ، لم أحس لا بالعاصفة ، ولا بالأمواج ، ولا بالتهاوي إلى الأعماق ، مع الغرقى وأشلاء السفينة . وشيئاً فشيئاً فتحتُ عينيّ المتعبتين ، خضرة أشبه بالنباتات المتشابكة ، وأصوات طيور مختلفة ، وهدير أمواج البحر ، وهي تتحطم على الصخور . وأطل عليّ وجه فتيّ ، فيه سمرة ، وعيناها بلون البن ، وابتسمت لي ، يا له من حلم ، أم أنني في الآخرة ؟ وتمتمت متسائلاً : أين أنا ؟ وابتسم لي الوجه ، أهو وجه فتى أم فتاة ؟ ليتكلم الوجه ، وسأعرف ، وجاءني الكلام رقيقاً عذبا ، يذكرني بصوت جارية من جواريّ : أنتَ هنا . وعرفتُ ، هذا ليس صوت فتى ، إنها فتاة ، وحدقت فيها ملياً ، أتأمل ملامحها الدقيقة ، المرسومة بخطوط وألوان فتان مقتدر ، وتساءلت ثانية : أين هنا ؟ واتسعت ابتسامتها الجميلة ، وجاءني الصوت العذب ثانية : اعتدل قليلاً ، وانظر حولك ، وستعرف بعض الشيء عما أنت في وسطه . وحاولت أن أعتدل ، لكني لم أستطع ، فمدت إليّ يدين فتيتين عاريتين ، ساعدتاني برفق ، فاعتدلت جالساً ، وتطلعت حولي ، ثم قلت بصوت واهن : يُفترض أنني في أعماق البحر ، مع الغرقى وأشلاء المركب و .. وجاءني صوتها مرة أخرى ، وهي مازالت تطل عليّ بوجهها الفتي الأسمر ، قائلة : لستَ في أعماق البحر ، أنت حيّ ، لقد أنقذتك . وصمتت لحظة ، ثمّ قالت : لقد وجدتك على الشاطىء ، وبالقرب منك لوح من الخشب ، لابدّ أنه من خشب السفينة ، التي كنت عليها . وتراءت لي العاصفة ، والبحر ، وأمواجه الجبال القاتلة ، وتحطم السفينة إلى أشلاء ، وهلاك كلّ من فيها ، وقلت وكأني أحدث نفسي : نعم ، كنت في سفينة ، عائداً من الصين إلى بغداد ، مع بعض التجار ، فضربتنا عاصفة هوجاء ، أثارت أمواجاً كالجبال ، حطمت سفينتنا ، وألقتنا إلى الأعماق . وسمعت صوتها ، وكأنه آت من حلم بعيد : أنت متعب ، يا سندباد ، الأفضل أن تنام ، وترتح . ونمتُ ، استغرقت في النوم ، لكن هل ارتحت ؟ آه الراحة لا تأتي هكذا بسهولة ، وأفقتُ من سباتي ، وكأني نمتُ أياماً طويلة ، وفتحت عينيّ ، لا خضرة ، ولا نهار ، ولا الوجه الفتي الأسمر ولا العينان اللتان بلون البن ، وفي الخارج نور شاحب ، وصمت ، أهو الليل ؟ وتحاملت على نفسي ، ونهضت بهدوء ، واتجهت بخطوات مهزوزة بطيئة إلى الخارج ، وتوقفت حين رأيت الفتاة ترقد على حشية قريبة من المدخل ، لابد أنها مستغرقة في نوم عميق ، فواصلت طريقي بهدوء شديد ، كي لا أوقظها من نومها . وجلست أمام السقيفة ، والقمر يغمر بنوره الشاحب ، الجزيرة الصغيرة ، والبحر الذي يمتد إلى الأفق ، تُرى أحقيقي ما أنا فيه ؟ أم أنني غارق مع أصحابي وأشلاء السفينة ، في أعماق البحر المظلمة الباردة ؟ لكن .. هل الغريق يحلم ؟ من يدري . وانتبهت إلى الفتاة السمراء ، التي عيناها بلون البن ، تقترب مني ، وتجلس إلى جانبي ، ثم رمقتني بنظرة سريعة ، وقالت : الليل هنا جميل . والتفتُ إليها ، وحدقت فيها برهة ، وقلت : سألتك أين أنا ، لكني لم تجيبي على سؤالي بشكل واضح . وابتسمت الفتاة ، وردت عليّ دون أن تلتفت : نحن الآن في الليل ، غداً نهاراً سآخذك في جولة ، وستعرف المكان الذي أنت فيه . ونظرتُ إليها صامتاً ، ثم قلت لها : أشكركِ لإنقاذي ، أنا تاجر من بغداد ، اسمي سندباد . وابتسمت الفتاة ابتسامتها الساحرة ، وقالت : أهلاً ومرحباً بك ، سمعت عن بغداد ، يقال أنها مدينة جميلة ، وهي عاصمة الدنيا . ثم نهضتْ ، وقالت : الأفضل أن تعود إلى فراشك ، يا سندباد ، نحن مازلنا في منصف الليل ، ولك أن تنام وترتاح أكثر ، تصبح على خير . ونهضتُ بدوري ، وتركت الليل والقمر والجزيرة والبحر ورائي ، ودخلت السقيفة ، وتمددت ثانية في فراشي ، وأغمضت عينيّ ، وقبل أن أستغرق في نوم عميق ، انتبهت إلى أن الفتاة الغريبة ، الغامضة ، لم تقل لي حتى الآن ، ما اسمها .
" 4 " ــــــــــــــــــــــ أفقتُ على صوت عرفته من وقت قريب ، كأنه آتٍ من حلم بعيد : سندباد .. وفتحتُ عينيّ اللتين لم يفارقهما النعاس بعد ، وإذا الفتاة بابتسامتها الساحرة ، وبشرتها السمراء وعينيها اللتان بلون البن ، تطلّ عليّ ، وتقول : طاب ظهرك . واعتدلتُ مبتسماً ، وقلت لها : أهلاً بالنهار.. ونهضت من فراشي ، وتابعت قائلاً وأنا أبتسم لها : هذه تحية غريبة ، لكنها جميلة ، وإن كنت لم أسمع مثلها من قبل ، لا في بغداد ، ولا في أية مدينة أخرى . وأشارت إلى سفرة الطعام ، وقالت : تعال ، لابدّ أنك جائع ، طعام الغداء جاهز . وابتسمتُ ثانية ، وقلت : تقصدين الإفطار . فردت الفتاة قائلة : نحن في منتصف النهار ، يا سندباد ، والإفطار يكون صباحاً . وتطلعت عبر مدخل السقيفة ، آه يبدو أن الفتاة على حق ، فالشمس تسطع في الخارج ، والطيور في أوج نشاطها ومناغاتها ، وأشارت الفتاة إلى السفرة ، وقالت : هيا يا سندباد ، قبل أن يبرد الطعام . وجلست أمام السفرة ، التي توسطتها سمكة تكفي لأكثر من اثنين ، فابتسمتُ للفتاة ، وقلت : ظننت أنني سأتغدى ، كالأيام السابقة بحليب الغزلان . وردت الفتاة قائلة : لا ، لقد شفيت ، ولن تحتاج إلى الحليب إلا في الإفطار . وابتسمت ، وقلت : أصارحك ، إن حليب الغزلان لذيذ ، وربما ألذ من حليب الأغنام . وردت الفتاة مازحة : لا عليكَ ، سآتيك بحليب الغزلان الآن إذا أردت . ومددت يدي إلى السمكة المشوية ، وقلت ضاحكاً : كلا ، هذه السمكة شهية ، وسآكل منها . وران الصمت علينا ، أنا وهذه الفتاة الغريبة الغامضة ، ورحنا نأكل السمكة المشوية ، وبعد أن اكتفيت ، قلت للفتاة : سمكة لذيذة جداً ، لم آكل بلذتها من قبل ، رغم أنني أكلت الكثير من السمك المشوي في بغداد . واتسعت ابتسامة الفتاة ، وقالت : مادامت قد أعجبتك هذه السمكة ، سأشوي لك سمكة كلّ يوم . وتراجعت متكئاً إلى فراشي ، وقلت لها : لابدّ أنك تشوين الطيور والغزلان أيضاً بنفس الطريقة . وتوقفت الفتاة عن تناول الطعام ، وقد بدا الكدر على ملامحها ، وقالت بشيء من الحدة : هذه الجزيرة ملاذ آمن للغزلان والطيور ، ولم أسمح لنفسي أن أتعرض لها ، أو أصيد واحداً منها .. ونهضت من مكاني ، وأنا أقول : لا يجب أن نتركها للوحوش فقط ، إن لحومها لذيذة ومفيدة . وانكبت الفتاة تلملم بقايا الطعام ، وهي تقول : لا وحوش في هذه الجزيرة الصغيرة ، وليس فيها أحد معي غيرك ، وأنت إنسان . ولذت بالصمت ، وقد غمرتني الدهشة ، وأخذت الفتاة بقايا الطعام ، ومضت لترميها في مكان ما خارج السقيفة ، وحين عادت ، نظرت إليّ مبتسمة ، وقالت : سندباد ، البارحة وعدتك أن نتجول في هذه الجزيرة ، لنمضِ ونتجول إذا أحببت . وتملكني الحماس ، فقلت لها : طبعاً أحب ، إنني متشوق إلى التجول في أرجاء الجزيرة ، والتعرف على ما فيها من نباتات وحيوانات وطيور . وعلى الفور ، قالت الفتاة : هيا إذن ، لنبدأ الآن . وبدأنا التجول في الجزيرة ، الفتاة تتقدمني ، وهي تتحدث ، وأنا أسير في أعقابها ، أصغي إلى حديثها ، والحقيقة أن الجزيرة ، على صغرها وغموضها ، كانت من أجمل الجزر التي رأيتها في حياتي . ولاحظت ، وأنا أصغي للفتاة ، وجود الكثير من الأشجار المثمرة ، بعضها ما هو مألوف عندنا ، وبعضها الآخر ، كان مما لم أرَ ما يماثله ، لا في العراق ، ولا في البلدان التي زرتها في رحلاتي العديدة . ورمقتُ الفتاة بنظرة سريعة ، وقلتُ لها : لديكم أشجار مثمرة كثيرة ، ولابد أن بعضها تحمل ثماراً لذيذة ، ولكن على ما يبدو ليس لديكم أشجار نخيل . وتمتمت الفتاة متسائلة : نخيل ! أجبتها : نعم ، وهي من أجمل الأشجار في العالم . وفكرت الفتاة ملياً ، ثمّ قالت : سمعت عن هذه الأشجار ، لكني لم أرها ، ولم أذق ثمارها . وابتسمت لها ، وتابعت قائلاً : نحن نسمي النخلة ، العمة ، عمتنا النخلة ، لأن كلّ ما فيها مفيد لنا ، ثمارها أفضل وألذّ غذاء عندنا ، وجذعها وسعفها يستخدم في بناء البيوت ، وصناعة مختلف الآثاث المنزلية . وأشارت الفتاة إلى بعض الأشجار ، التي تتدلى الثمار المختلفة من أغصانها ، وقالت : تذوق هذه الثمار الجميلة ، ولابد أن بعضها غير معروف في بلدك ، وستعرف كم هي لذيذة . وتناهت من بين أغصان الأشجار ، أصوات طيور مختلفة ، فأنصتُ إليها ملياً ، ثمّ قلتُ وقد تملكتني الدهشة والاستمتاع : آه ما أعذب هذه الأصوات .. وصمتُ لحظة ، ثمّ استطردت قائلاً : نحن أيضاً لنا طيور كثيرة ومتنوعة ، بعضها للزينة مثل هذه الطيور الجميلة المغردة ، وبعضها الآخر دواجن لإنتاج بيض المائدة واللحوم و .. وسكتّ حين رأيت الفتاة تهز رأسها ، وتذكرت ما قالته عن الغزلان والطيور ، ونظرت إليّ ، وقالت : نحن هنا لا نمس حتى بيض الطيور ، فهي طيور المستقبل ، ونحن نحترم المستقبل ، ونحرص عليه . ونظرت إليها ، وقلت : يا للحيرة ، ماذا نأكل هنا إذن ؟ فردت الفتاة قائلة : نأكل ما يجود به البحر ، وتعطيه الأشجار في هذه الجزيرة . واستأنفتُ سيري ، وقلت وكأني أحدث نفسي : لو بقيت في هذه الجزيرة لمت من الجوع . وسارت الفتاة في أعقابي ، وهي تقول بصوت هادىء : إنني أفضل أن أموت من الجوع ، على أن آكل أصدقائي الأحياء ، من الغزلان والطيور .
" 5 " ـــــــــــــــــــ في اليوم التالي ، وبعد أن تناولنا طعام الإفطار ، نهضت الفتاة من مكانها ، وقالت بصوتها العذب : سأذهب الآن إلى البحر ، وأصطاد لنا سمكة . ونهضتُ بدوري ، لكني لم أتفوه بكلمة واحدة ، فنظرت الفتاة إليّ ، وقالت : الجو معتدل اليوم ، ليتك تأتي معي ، وتتعلم صيد السمك . لم أردّ على طلبها ، وإنما خرجت من السقيفة ، ورحت أنظر إلى أشجار الجزيرة ، فلحقت الفتاة بي ، ووقفت إلى جانبي ، وقالت : تعال معي ، واجلس على صخرة من صخور الشاطىء ، إذا كنت متعباً . فالتفتُ إليها ، وقلت لها : لا أريد أن أذهب اليوم إلى البحر ، سأذهب وأتجول وحدي بين الأشجار ، وأقطف بعض الثمار ، وآكلها . فقالت الفتاة لي : كما تشاء . ومضت متجهة نحو البحر ، الذي كان يلمع تحت أشعة الشمس ، وهي تقول : حاول أن لا تتأخر في الغابة ، أريد أن نتغدى معاً . لم أرد عليها بشيء ، ورحت أتابعها بعينيّ الحائرتين ، وهي تنحدر بخفة أنثى الوعل نحو البحر ، حتى اختفت تماماً بين الصخور ، المطلة على الشاطىء . واستدرت عن البحر ، ومضيت نحو الغابة ، ورحت أتجول بين أشجارها ، أتذوق ثمرة من هذه الشجرة ، وثمرة من شجرة أخرى وأخرى ، مما لا يوجد ما يماثلها ، لا في بلدنا ، ولا في البلدان الأخرى ، التي زرتها في رحلاتي العديدة . وخلال تجولي بين أشجار الغابة ، وتمتعي بتناول مختلف الثمار ، صادفت أكثر من غزال ، لكنها جميعاً كانت تحدق فيّ من بعيد ، ثم تتسلل بين الأشجار ، وتختفي عن أنظاري . وخفق قلبي حين برزت من بين الأشجار ، غزالة فتية ومعها خشف جميل للغاية ، وتذكرت أنني رأيت نفس الغزالة في المنام ليلة البارحة ، ولمحت الخوف في عينيها ، إذ رأتني من بعيد ، فدفعت خشفها خائفة على عجل ، وعادت بسرعة من حيث أتت . وحوالي منتصف النهار ، توقفت مذهولاً وأنا أتشمم ، هذه الرائحة الشهية ، سبق لي وأن شممتها مراراً ، في قصري ببغداد ، وفي أطراف البادية ، إنها رائحة شواء ، نعم رائحة غزال يُشوى . وبدون تردد ، رحت أتتبع مصدر الرائحة ، وأنا متأكد أن حاسة شمي لا تخدعني ، لكن الفتاة تقول ، أن هذه الجزيرة الصغيرة غير مأهولة ، ثم إن قتل الغزال ، وشيه على النار ، جريمة لا تغتفر . وتوقفتُ مذهولاً ، حين وقعت عيناي المتسعتين ، في فسحة بين الأشجار ، على رجل في عمري ، بل وفيه ملامح مني ، يشوي غزالاً على سفود . أهذا يُعقل ؟ ويبدو أن الرجل شعر بوجودي ، فقد توقف عن تحريك السفود فوق النار ، ورفع رأسه إليّ ، وابتسم ابتسامة غريبة ، ثم خاطبني قائلاً : طاب يومك . وأجبته مرتبكاً : طاب يومك . وأشار الرجل لي ، وهو يقول : تعال ، اقترب . وبدون إرادة مني ، وعلى شيء من التردد والخوف ، اقتربت منه ، وتوقفت على بعد ، وقلت له : شممتُ رائحة شواء ، لكني لم أصدق حاسة شمي . وقهقه الرجل بصوت خافت غريب ، وقال : صدق ، يا صاحبي ، إن حاسة الشم لا تكذب . وقطع بمديته الحادة ، قطعة من لحم الغزال ، وراح يأكلها بتلذذ ، وهو يتطلع إليّ بعينيه الغريبتين ، وقال : لقد نضج الغزال ، آه ما ألذه . ثم قطع قطعة أخرى ، وقدمها لي بيد ملوثة بالدم ، وقال ، وابتسامته الغريبة تسيل فوق شفتيه : تفضل ، تذوقها ، أنت تحب لحم الغزال . ونظرتُ إلى قطعة اللحم ، المحمرة الشهية اللذيذة ، التي تفوح منها رائحة كأنما العنبر ، وتمنيت بيني وبين نفسي ، أن أمدّ يدي ، وآخذها منه ، وألتهمها ، فلا ألذّ عندي من لحم الغزال المشوي . وتابع الرجل قائلاً ، ويده ممدودة إليّ بقطعة اللحم المشوية : مدّ يدك ، يا رجل ، كن شجاعاً ، فأنا أعرف أنك مثلي ، تحب هذا النوع من اللحم . لكني ، رغم كلّ شيء ، لم أمدّ يدي ، ولم آخذ قطعة اللحم المشوية ، بل تراجعت إلى الوراء ، والرجل يحدق فيّ بعينيه الشرهتين ، ثم التهم قطعة اللحم ، وراح يمزق بمديته الحادة جسد الغزال ، ويفترس ما يمزقه من الغزال ، وهو يضحك بشكل هستيري . واستدرت بسرعة ، وقد داخلني شعور بالخوف ، فقد بدا لي الرجل ، في لحظة ما ، أنه ذئب مسعور ، يفترس غزالاً حياً ، وأسرعت عائداً من حيث أتيت . وقبل أن أصل إلى السقيفة ، شممتّ رائحة شواء ، وانقبض قلبي في صدري ، أهو غزال يُشوى على النار ، آه يا للجنون ، إن الفتاة ترى ، أن قتل الغزال ، وأكله ، من أعمال الوحوش . ودخلتُ السقيفة ، وإذا الفتاة تعد السفرة ، ويبدو أنها أحست بوجودي ، فالتفتت إليّ مبتسمة ، وقالت : جئت في الوقت المناسب ، إن الطعام سيجهز قريباً . وحدقت فيها ، وربما قلت بشيء من الحدة ، دون تعمد مني : ماذا تشوين ؟ فاتسعت ابتسامتها الفرحة ، والتمعت عيناها البنيتان الجميلتان ، وقالت بصوتها الهادىء : أشوي سمكة لنتغدى بها ، اصطدتها اليوم من البحر . ولذت بالصمت ، وقد اعتراني شيء من التردد والخجل وانطفأت ابتسامة الفتاة ، واقتربت مني ، وحدقت فيّ بعينين غريبتين ، وقالت : أخشى أن تكون قد رأيت شيئاً في الغابة أثار ريبتك وانزعاجك . هربتُ بعيني الحائرتين منها ، ولم أردّ عليها بشيء ، فتساءلت قائلة : ما الأمر ؟ فأجبتها : لا شيء . ثم جلستُ إلى السفرة ، مغالباً عواطفي الجياشة ، دون أن أنظر إليها وقلتُ ك : إنني جائع ، هاتي السمكة ، إذا كانت قد نضجت . فاستدارت الفتاة على عجل ، ومضت إلى الخارج ، وهي تقول : سآتي بها حالاً .
" 6 " ــــــــــــــــــــ أفقتُ في ساعة متأخرة من الليل ، وقد غمرني الخوف والعرق ، والحقيقة أن نومي كان مضطرباً ، عانيت فيه من كابوس كان يتكرر ، ويتكرر ، ويتكرر . وفي هذا الكابوس الخانق ، كنتُ أراني أطارد غزالة فتية ، وقد تملكها الخوف ، تدفع أمامها خشفها ، وأنا أطاردهما والسكين في يدي . ولكي أتخلص من هذا الكابوس ، الذي يفاجئوني كلما أغفيت ، نهضت من فراشي ، وجلست خارج السقيفة ، تحت ضوء القمر ، أتنفس بعمق محاولاً أن أستعيد توازني ، وأفيق إلى نفسي . وجاءت الفتاة ، وجلست صامتة إلى جانبي ، فرمقتها بنظرة سريعة ، وقلت لها : أراك أفقتِ من النوم ، كما في الليلة السابقة ، نحن في منتصف الليل . فنظرت إليّ بعينيها الجميلتين ، وقالت بصوتها الهادىء : لا أستطيع أن أنام ، وأنت أرق . وصمتت لحظة ، ثم قالت : لقد تجولتَ اليوم ، ساعات عديدة في أرجاء الجزيرة . وصمتّ ملياً ، دون أن أنظر إليها ، ثم قلتُ : هذه الجزيرة ساحرة ، وجميلة جداً ، وغنية بالمياه العذبة ، والأشجار المثمرة ، والطيور والغزلان ، و .. وصمتّ أنتظر تعليقاً منها ، لكنها آثرت الصمت ، فتابعت قائلاً : البحر ، كما قلتِ لي مرة ، يلقي بين فترة وأخرى ، أشلاء السفن الغارقة ، وجثث بحارة ومسافرين و .. ، لابد أنه ، وربما هذا أمر نادر ، ألقى إنساناً حياً ، على الرمق الأخير .. ونظرت الفتاة إليّ ، وقد التمعت عيناها ، وقالت : هذه هدايا الثمينة نادرة جداً ، وأنت الهدية الوحيدة ، التي رماها البحر لي حتى الآن . ورمقتها بنظرة سريعة ، ربما لكي لا تقرأ ما قد يظهر في عينيّ مما رأيته في الجزيرة ، وقلتُ : لعل البحر ألقى حياً غيري ، وتسلل إلى أعماق الجزيرة . وردت الفتاة مبتسمة : هذا ما أتمناه ، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن ، ولو وصل إنسان حيّ ، بأية طريقة من الطرق ، لكنتُ رأيته ، فالجزيرة صغيرة جداً . ولذت بالصمت فترة ليست قصيرة ، ثم قلت كما لو كنت أحدث نفسي : لا أدري ماذا أقول ، مهما يكن ، لن أتجول وحدي في هذه الغابة مرة أخرى . والتفتت الفتاة إليّ ، وعلى شفتيها ، وفي عينيها الجميلتين ، ابتسامة غريبة ، ثم قالت : لا عليك ، غداً سأذهب لصيد السك من البحر ، تعال معي . ونهضتُ من مكاني ، ثم قلت : نعم ، سآتي للبحر معك ، أنا لا أريد أن أبقى وحدي . ونهضت الفتاة بدورها ، وقالت : لن أدعك وحدك ، سآخذك إلى البحر ، وأعلمك صيد السمك . ثم سارت متجهة نحو فراشها ، وهي تقول : تصبح على خير ، يا سندباد . وأجبتها : تصبحين على خير . وأويتُ أنا الآخر إلى فراشي ، وتمددت فيه ، وحاولت أن لا أغمض عينيّ ، خشية أن أنام ، فيفاجئني الكابوس مرة أخرى ، وأرى الغزالة وخشفها ، وأنا أركض لاهثاً وراءهما ، والسكين في يدي ، حتى أتهاوى من التعب والرعب ، لكني رغم ذلك ، غلبني النعاس ، وسرعان ما غرقت في نوم عميق . وأيقظتني الفتاة صباح اليوم التالي ، بابتسامتها الندية ، وصوتها الهادىء ، قائلة : سندباد ، طعام الفطور جاهز ، سنذهب اليوم إلى البحر . وبعد أن انتهينا من تناول طعام الإفطار ، وكان بينه ثمار طازجة لذيذة ، وحليب غزلان ، هبت الفتاة ناهضة ، وهي تهتف : هيا البحر ينادينا . واتجهتْ إلى خارج السقيفة ، فنهضتُ بدوري ، ولحقت بها ، وانحدرنا معاً نحو شاطىء البحر ، ونحن نتبادل الحديث ، وإن كانت الفتاة هي التي تتحدث وتضحك ، وكنت أنا أصغي . ولاحظت ، ونحن ذاهبان للصيد السمك ، أن الفتاة لا تحمل سنارة ، ولا شبكة ، ولا حربة ، ولا أية أداة من أدوات صيد السمك ، وحين اقتربنا من الصخور المطلة على الشاطىء ، قالت الفتاة : البارحة حدثتك عما يلقيه البحرة ، من أشلاء السفن والغرقى ، لكن فاتني أن أحدثك ، عن الرجال الوحوش الذين يأتون بقوارب صغيرة سريعة ، وهم من أكلة لحوم البشر . وتوقفت مرتعباً ، وقد تراءى لي هؤلاء الرجال الوحوش ، بقواربهم الصغيرة السريعة ، وحرابهم القاتلة ، يندفعون عل الشاطىء ، و .. ويفترسوننا . وتوقفت الفتاة عند الشاطىء الرملي ، ونظرت إليّ ، وقد بدت الدهشة في عينيها الجميلتين ، وقالت : لا تقلق ، يا سندباد ، هؤلاء الوحوش نادراً ما يأتون إلى الجزيرة ، وحتى عندما يأتون ، لا يتوغلون فيها ، ويبقون قليلاً على الشاطىء ، ثم يعودون من حيث أتوا . وبقيت في مكاني صامتاً ، فاستأنفت الفتاة سيرها ، متجهة نحو البحر ، وهي تقول : تعال ، وانظر كيف أصطاد السمك ، لعلك تتعلم الصيد . لكني بقيت في مكاني ، فوق صخور الشاطىء ، ولم ألحق بها ، ولو أنني كنت متشوقاً لمعرفة كيف تصطاد السمك ، دون أية أداة من أدواة الصيد . وجلست على صخرة تطل على الشاطىء الرملي ، دون أن أجرؤ على اللحاق بالفتاة ، والاقتراب من البحر ، وحتى بيني وبين نفس ، لا أريد أن أعترف ، أنني في أعماقي ، كنت أخاف الوحوش ، آكلو لحوم البشر .
" 7 " ـــــــــــــــــــ منذ الصباح الباكر ، خرجنا من السقيفة ، بعد أن تناولنا طعام الإفطار ، وانحدرت أنا والفتاة نحو البحر ، الذي كان يمتد منتشياً ، تحت أشعة الشمس . وعلى العكس مني ، راحت الفتاة تتقافز بخفة ورشاقة من صخرة إلى صخرة ، وأنا أسير وراءها متوجساً متعثراً ، بل وخائفاً ، وكأن وراء كل صخرة من الصخور ، يكمن وحش من آكلي لحوم البشر . وبين فترة وأخرى ، كنت أتوقف عن السير ، وأتلفت حولي ، وعيناي تدوران في المكان ، حتى أن الفتاة التفتت إليّ مرة ، وهتفت بي : ما الأمر ، يا سندباد ؟ أخشى أنك متعب بعض الشيء . واستأنفت سيري ، محاولاً اللحاق بها ، وأنا أقول : لستُ متعباً ، ربما لم أنم جيداً ليلة البارحة . ورمقتني بنظرة سريعة ، وقالت دون أن تتوقف : عد إلى السقيفة إذا أردت ، وارتح حتى أعود . وواصلت سيري في أثرها ، ولكن ببطء متزايد ، وأنا أقول ، ربما على العكس مما أريد : لا ، لست متعاً ، لنذهب إلى البحر ، ونصطد السمك . وتوقفتُ ، وقلبي يخفق بشدة متزايدة ، وعيناي تركضان لاهثتين بين الصخور ، إذ خيل إليّ ، أنني أسمع ضجيجاً غريباً متوحشاً ، يصدر من أماكن مختلفة ، لم أستطع أن أحددها ، وكدت أصرخ طالباً النجدة من الفتاة ، لكني تماسكت ، وكتمت صرختي . وانحدرت الفتاة نحو الصخور ، وهتفت بي : سأسبقك إلى الشاطىء ، الحق بي ، يا سندباد ، وأجلس على الرمال ، قرب ماء البحر ، وسترتاح . لكني لم ألحق بها ، وبقيتُ متسمراً في مكاني ، وفجأة .. وكما في كابوس خانق ، اندفع من وراء الصخور ، عدد من الرجال ، شبه عراة ، والحراب في أيديهم ، وانقضوا بسرعة البرق على الفتاة ، وهم يطلقون صيحات وحشية ، وأمسكوا بها ، وهي تتلوى وتصرخ . صُعقت ، وأصابني ما يشبه الشلل ، ما العمل ؟ هل أترك الفتاة لهم ؟ سيأخذونها ، ويفترسونها ، إنهم وحوش من آكلي لحوم البشر ، عليّ أن أنقذها ، لكن كيف ؟ إنهم وحوش ، سيأخذوني معها ، ويفترسونني .. وانطلقوا بالفتاة نحو قواربهم الصغيرة السريعة ، التي جاءوا بها إلى الجزيرة ، دون أن يلتفتوا إليّ ، وكأنهم لا يرونني ، رغم أنني لم أكن كثير البعد عنهم . وقررت أن ألحق بهم ، وأحاول إنقاذ الفتاة من بين براثنهم ، مهما كان الثمن ، لكني وجدتني مسمراً في مكاني ، لا أقوى على الحركة ، وأنا أراهم يبتعدون بقواربهم ، والفتاة بينهم تصرخ وتستغيث ، دون أن أسمع صوتها ، حتى غابوا . ووقفت في مكاني ، بين الصخور القريبة من الشاطىء ، وقد لفني صمت شامل ، لا صوت يصدر من البحر ، ولا من الأشجار ، ولا من الطيور ، وتناهى إليّ صوتها ، آتٍ من بعيد ، تهتف : سندباد .. سندباد . وفتحت عينيّ ، أين البحر ، والشاطىء ، والصخور ، والأشجار ، و .. وجاءني صوت الفتاة هادئاً فرحاً : انهض ، يا سندباد ، الغداء جاهز . واعتدلت في الفراش ، وقلبي مازال يخفق بشدة ، لقد أخذها الرجال المتوحشون ، آكلو لحوم البشر ، أمام عينيّ الغاضبتين المرعوبتين ، وابتعدوا بها بقواربهم الصغيرة السريعة ، حتى غابوا في البحر ، وجاءني صوتها ثنية : سيبرد الطعام ، يا سندباد . ونظرت إليها متمتماً : فتاة ! وضحكت فتاة ، وقالت : عندما أفقت صباحاً ، رأيتك مستغرقاً في نوم عميق ، فتركتك نائماً ، وذهبت وحدي إلى البحر ، واصطدتُ سمكة ستعجبك . وتحاملتُ على نفسي ، وكأني عائد من معركة صعبة ، وجلست إلى السفرة ، وجلست فتاة قبالتي ، ورحنا نتناول الطعام ، وفتاة تثرثر ، دون أن أصغي إليها ، أو أفهم من ثرثرتها أي شيء . ورمقتها بنظرة خاطفة متوجسة ، وقلت لها متردداً : أرجو أن لا يكون قد ضايقك أحد ، على الشاطىء هذا الصباح ، وأنت تصيدين السمك . وضحكت فتاة ، دون أن تتوقف عن تناول الطعام ، وقالت بصوت مرح : في الحقيقة ، حاولت سلحفاة عجوز أن تخيفني ، لكن دون جدوى . تساءلت متمتماً : سلحفاة ! وتابعت فتاة قائلة ، وهي تضحك : قالت لي ، حذارِ ، يا فتاة ، حذارِ ، حذارِ . وتوقفت فتاة لحظة ، ثم تابعت قائلة : الرجال المتوحشون ، آكلو لحوم البشر ، سيأتون بقواربهم الصغيرة السريعة .. وتمتمت ثانية متسائلاً : الرجال المتوحشون ! ومرة أخرى تابعت فتاة قائلة : أردت أن أردّ لها الصاع صاعين ، فقلتُ لها ، الرجال المتوحشون لا يأكلون البشر فقط ، وإنما يأكلون السلاحف أيضاً ، وخاصة السلاحف الطاعنة في السن ، وعلى الفور ، أسرعت السلحفاة العجوز ، بأسرع ما تستطيع ، وغاصت في أعماق البحر المظلمة الباردة . وتوقفتُ عن تناول الطعام ، وتراجعت زاحفاً إلى الوراء ، فنظرت فتاة إليّ بعينيها الجميلتين ، وقد ازداد غموضهما ، وقالت : لم تأكل شيئاً . فقلت لها ، دون أن أنظر إليها : شبعت . واستمرت هي في تناول الطعام ، وهي تقول بصوت هادىء : ماء البحر منعش الآن ، لنذهب بعد الغداء ، ونستحم قريباً من الشاطىء . ونظرتُ عبر مدخل السقيفة إلى البحر ، وكانت مياهه هادئة مسالمة تسطع تحت أشعة الشمس ، وقلت لها : كلا ، لا أريد أن أذهب إلى البحر .
" 8 " ـــــــــــــــــــ على العكس من الأيام السابقة ، أفقت اليوم قبل الفتاة ، والشمس قد استيقظت للتو ، وحين فتحت الفتاة عينيها الجميلتين ، بادرتها قائلاً : طاب صباحكِ . وأشرقت بوجهها الأسمر ، والتمعت عيناها اللتان بلون البن ، وأضاءت ابتسامتها الغامضة ، وقالت : طاب صباحك ، لقد سبقتني اليوم ، وهذا فأل حسن . واعتدلتُ في فراشي ، وقلت لها : أريد أن أفطر اليوم بحليب غزالة لذيذ . ونهضت الفتاة بنشاطها المعهود ، واتجهت إلى الخارج ، وهي تقول : حليب غزالة ، وفواكه طازجة . فابتسمت لها ، وهتفت قائلاً : الفواكه أريد أن آكلها من الأشجار مباشرة . وتباطأت عند المدخل ، وقالت : حسناً ، سنذهب إلى الغابة ، وبعدها أريد أن تأتي معي إلى البحر . فقلتُ لها : يومنا هذا سيكون حافلاً ، الغابة ثم البحر ، ليكن .. فلنبدأ . وبدأنا جولتنا في الغابة ، بعد الإفطار مباشرة ، وأخذتني الفتاة إلى مناطق ، لم أصلها في الجولة السابقة ، ورأينا أشجاراً جديدة ، تذوقت ثمار معظمها ، وكانت في الحقيقة ، ذات مذاق مدهش ، لكن ما كان يشغلني طول الوقت ، ذلك الرجل الغريب ، الذي رأيته البارحة ، يشوي الغزال على النار . وخلال جولتنا بين الأشجار ، صادفنا العديد من الغزلان ، لكنها كانت تتحاشاني ، وتنظر بتودد إلى الفتاة ، ثم تنسل مبتعدة ، هي وخشوفها . وتباطأت في سيري حتى توقفت ، فقد تناهت إلى حاسة شمي ، نفس الرائحة التي شممتها البارحة ، والتي عرفت أن مصدرها ، كان الغزال الذي كان يشويه على النار، ذلك الرجل الغريب . ويبدو أن الفتاة انتبهت إلى حالتي ، لكنها لم تظهر ذلك ، وتوقفت بعد حين ، ثمّ التفتت إليّ ، وقالت : لابدّ أنك تعبت ، يا سندباد . فأجبتها وأنا مشغول بالرائحة الغريبة ، وأجبتها قائلاً : لا ، لم أتعب بعد . وسكت برهة ، ثم قلت : ألا تشمين رائحة غريبة ؟ أجابتني مبتسمة : نعم . فسألتها : ماذا تشمين ؟ فأجابت قائلة : أشمّ رائحة الأزهار . فقلت لها : لكن هناك رائحة ، تشبه رائحة شيء تلمسه ألسنة النار ، فيحترق . وسكتت لحظة ، تشممت خلالها ما حولها ، ثم قالت : ربما هذه رائحة نباتات ، تبدو واضحة ، عندما تشتد حرارة الشمس في السماء . وقلتُ لها متردداً : خيل إليّ أنها رائحة شواء . وابتسمت الفتاة ، وقالت : الحواس تخدعنا أحياناً ، وتوهمنا بأشياء لا وجود لها . واستدارت ، وهي تقول : لا أريد أن تتعب أكثر ، لنعد إلى السقيفة . وقفلنا عائدين إلى السقيفة ، وطوال الطريق ، لم تتفوه الفتاة بكلمة واحدة ، ومن جهتي التزمت الصمت ، وإن كانت رائحة الشواء تطاردني حيثما مشيت . وبعد الغداء ، نظرت الفتاة إليّ، وقالت : آن الأوان ، لقد تجولنا في أرجاء الغابة ، لنذهب ألآن إلى البحر ، إذا لم تكن متعباً ، يا سندباد . فنهضت من مكاني ، وقلبي منقبض ، وقلت لها : لستُ متعباً ، خذيني إلى البحر . ومضت الفتاة تسير ، منحدرة نحو شاطىء البحر ، وتعمدتُ أن أسير على مقربة منها ، وكأني ألوذ بها من قوة مجهولة غريبة ، ورمقتها بنظرة سريعة مترددة ، وقلت : هؤلاء الرجال المتوحشون .. وتباطأت الفتاة قليلاً ، وقالت دون أن تلتفت إليّ : أرجوك ، لا تشغل نفسك بهم ، إنهم رجال تافهون ، متخلفون ، لا يستحقون اهتمامك . لم أصغِ إلى الفتاة ، وتابعتُ قائلاً : يبدو أن هؤلاء المتوحشون ، يأتون من جزر قريبة . وواصلت الفتاة سيرها نحو الشاطىء ، وردت قائلة : لا أظنّ ، يا سندباد ، ثم أنه لا يوجد ما يجذبهم إلى هذه الجزيرة الصغيرة . ونظرتُ إليها ، وقلتُ : إنني في الحقيقة ، أخاف عليكِ منهم ، إنهم رجال متوحشون . وقفزت الفتاة إلى الشاطىء الرملي ، وهي تقول : اطمئن ، يا سندباد ، لن يصلوا إليّ ، مهما كانت الظروف ، ولن أدع أحداً يأخذك مني ، أنت ابن هذه الجزيرة . وهبطت أنا الآخر إلى الشاطىء ، ومشينا جنباً إلى جنب على الرمال ، كانت أمواج البحر عالية بعض الشيء الآن ، وراحت ترتطم بالشاطىء ، وتتكسر بصوت صاخب على الصخور ، ورمقت الفتاة بنظرة سريعة ، وقلت : لو كان البحر هادئاً ، لسبحنا في البحر . ونظرت الفتاة إليّ ، وقالت : غداً ربما تهدأ الريح ، ويهدأ معها البحر ، سنأتي ونسبح معاً . وتوقفت الفتاة ، والريح تثير أمواج البحر ، ونظرت إلى البعيد ، وتوقفت بدوري ، ونظرت إلى حيث تنظر ، لكني لم أرَ غير الماء والسماء وبضعة غيمات ، وتلفت حولي ، وقلت لها حائراً : يبدو أن الحديث عن الرجال المتوحشين قد أقلقك بعض الشيء . وأشارت الفتاة إلى الغيمات ، المتعلقة في أقصى الأفق ، وقالت بشيء من الخوف ، وهي تسير مبتعدة عن الشاطىء الرملي : كلا ، هناك شيء غامض في الأفق ، هذا ما يخيفني ، لنبتعد عن هذا المكان . وتلفتّ حولي مرة أخرى ، لا وجود لأي شيء ينذر بالخطر ، لكني مع ذلك ، أسرعت في أثرها ، ومضينا عائدين إلى السقيفة .
" 9 " ــــــــــــــــــ نمتُ مبكراً هذا اليوم ، لا أدري لماذا ، لكن نومي لم يكن مريحاً ، وانقضّت عليّ في منامي ، رياح عاصفة ، وسفينة شراعية تتقاذفها أمواج كجبال ضربها زلزال قوي ، فتحولها إلى أشلاء ، سرعان ما تبتلعها أعماق البحر ، مع الغرقى من الركاب والبحارة . وأفقتُ مرات ، ومرات عدت إلى النوم ، وفي كلّ مرة ، تنقضّ عليّ نفس العاصفة والأمواج والسفينة والغرقى وأعماق البحر ، ويضاف إليها في بعض الأحيان ، رجال كالوحوش الكاسرة ، لهم أنياب كأنياب الذئاب المتعطشة للدماء ، يطاردونني من مكان إلى مكان ، ولا أتخلص منهم إلا بالهرب من النوم ، والتشبث بأذيال الاستيقاظ من الحلم الكابوس . وحوالي منتصف الليل ، استيقظت وقلبي يخفق رعباً ، والعرق يغطي وجهي الهارب ، وتنفست بعمق متلفتاً حولي ، لعلي أتمالك نفسي ، الصمت والهدوء في كلّ مكان ، والقمر يتمشى في السماء المرصعة بالنجوم ، و .. وفي مدخل السقيفة ، تحت ضوء القمر ، تجلس الفتاة جامدة ، لا تريم ، وقد أولتني ظهرها . عجباً ، ما الذي أيقظها في هذا الوقت من الليل ؟ لعله حلم مما يراودني من أحلام ، أو لعلها تذكرت وطنها الأول ، و .. من يدري ، إنها فتاة . ونهضت من فراشي بهدوء ، واقتربت منها ، دون أن تحس بي على ما يبدو ، لكني عندما جلست إلى جانبها ، قالت دون أن تلتفت لي : سندباد . أجبتها : نعم ، سندباد . وحدقتُ فيها ، وقلت : ليتني أعرف بما اسميكِ . وحدقت فيّ مطولاً ، وكالعادة تجاهلت ما أريده ، وقالت بصوتها الهادىء : كلما أنظر إليك ، يا سندباد ، يخالجني شعور ، أرجو أن لا يكون صحيحاً ، بأنك غير سعيد بوجودك في هذه الجزيرة . ورمقتها بنظرة سريعة ، ثم أبعدت عينيّ عنها ، ونظرت مطولاً إلى الآفاق البعيدة ، المظلمة رغم نور القمر ، وقلت لها : لولاكِ لجننت أو متّ . ومدت الفتاة يدها ، وربتت برفق على يدي ، وقالت : سندباد ، أنا معك دائماً . وصمتت برهة ، ثم نظرت إليّ ، وعلى شفتيها ابتسامة في شحوب ضوء القمر ، وقالت : لعلي أحسّ ما تعانيه ، يا سندباد ، أنت تفتقد جنتك بغداد . وهززتُ رأسي موافقاً ، ثم نظرت إليها ، وقلبي يشفّ في صدري ، وقلت : فتاة .. أجابت : نعم . فتابعت قائلاً بما يشبه الرجاء : لابدّ أن أخرج يوماً ما من هذه الجزيرة ، وأعود إلى بغداد .. وصمتُ لحظة ، ولاذت هي بالصمت ، ولم تتفوه بكلمة واحدة ، وإن قالت عيناها الكثير مما أرادت أن تقوله ، فملت عليها ، وهمست لها : تعالي معي . فقالت : إنني معك ، يا سندباد . قلت لها ثانية ، لعلي أصل إلى حقيقة موقفها : تعالي معي إلى بغداد . وابتسمت ثانية ابتسامتها ، التي في شحوب ضوء القمر ، وقالت : إنني معك ، فأنا جزء منكَ . لا فائدة ، لن تقولها بكلمة صريحة ، كما لم تقل اسمها الحقيقي ، لكن مهما يكن ، فالأمل موجود ، ولن أدع قبسه يخفت ، مهما كان الأمر . ونهضت الفتاة ، وقالت بصوت لا أثر فيه للنعاس : الوقت متأخر ، يا سندباد ، سأذهب إلى فراشي ، لعلي أنام ، تصبح على خير . ودون أن ألتفت إليها ، هتفتُ بها : لن أعود إلى بغداد ، إلا وأنتِ معي . لم تتوقف ، ولم تلتفت إليّ ، وقالت بصوتها الهادىء : غداً نذهب إلى البحر ، ونسبح معاً . ولذت بالصمت ، ثم تمتمت بصوت خافت ، لا يكاد يُسمع ، وكأني أتمتم لنفسي : تصبحين على خير . ولبثتُ جالساً وحدي ، تحت ضوء القمر ، وقد تلبدت مشاعري ، إنها لم تردّ عليّ صراحة ، ربما ليس لأنها لا تريد أن تترك هذا المكان ، وتأتي معي إلى بغداد ، وإنما لأنها تعرف أن من المستحيل مغادرة هذه الجزيرة ، الضائعة وسط البحر . وعلى ضوء القمر الشاحب ، نظرت إلى الآفاق المغرقة في البعد ، ولاح لي في الأفق ، عند التقاء البحر بالسماء ، ما يشبه السفينة الشراعية ، أهو سراب ، أم غيمة عابرة ؟ آه من خيالات الليل وأوهامه . وتحاملتُ على نفسي ، ونهضت بصعوبة ، ثم مضيتُ إلى فراشي ، ورمقت الفتاة بنظرة سريعة ، وهي متمددة في فراشها ، وقد أغمضت عينيها ، وداخلني شعور بأنها لم تنم ، ولن تنام ، مهما حاولت ، وواصلت السير إلى فراشي ، الذي ينتظرني بفارغ الصبر ، ويتوعدني بكوابيسه ، التي لا تنتهي . وتوقفت جامداً ، محدقاً في فراشي ، وقلبي يخفق ، ثم تمددت فيه ، ليكن ما يكون ، إنني بحاجة إلى النوم ، وسأنام ، مهما كلفني الأمر . وأغمضتُ عينيّ المتعبتين ، ودعيت النوم أن يجيء ، يجيء برفق ، ولا يتأخر ، وجاء النوم ، وقد كان رحيماً بي ، فقد استبدل كوابيسه المليئة بالعواصف ، والأمواج ، وأشلاء السفينة ، والغرقى ، وأعماق البحر المظلمة الباردة ، بحلم أشبه بأحلام اليقظة ، ابتداء بما خيل لي أنني شاهدته في الآفاق البعيدة ، عند التقاء البحر بالسماء ، وإذا ما ظننته غيمة عابرة ، كان سفينة شراعية كبيرة ، راحت تقترب .. وتقترب .. من الجزيرة .
" 10 " ــــــــــــــــــــ أفقتُ في اليوم التالي ، والشمس تغمر المكان خارج السقيفة ، بأشعتها الدافئة المرحة ، إنه الضحى إذن ، ترى لماذا تركتني الفتاة نائماً حتى الآن ، ولم توقظني كما تفعل معي كلّ يوم ؟ وهممتُ أن أناديها ، لكني توقفتُ مذهولاً ، حين تناهت إليّ ، ربما من شاطىء البحر ، أصوت أشبه ما تكون بالأصوات البشرية ، أهي حاسة السمع ، التي تخدعني هذه المرة ، أم .. ؟ فلأتأكد ، لعلها أصوات بشر بحق ، والويل لي إذا كانت أصوات الرجال المتوحشين ، آكلي اللحوم البشرية . ونهضت من فراشي ، وأسرعت إلى خارج السقيفة ، وطارت عيناي نحو البحر ، الذي كانت مياهه الزرقاء تسطع تحت أشعة الشمس ، وخفق قلبي بشدة ، يا للفرح ، إنها سفينة شراعية ، تقف بعيداً بعض الشيء عن الشاطىء ، أهذه حقيقة أم .. ؟ لعل عينيّ .. وأسرعت أتقافز متخفياً خلف الصخور ، حتى وصلت صخرة كبيرة ، تطل على الشاطىء ، فكمنت وراءها ، ورحت أراقب السفينة عن كثب . وعلى مقربة من الشاطىء الرملي ، في مياه البحر الضحلة ، رأيت ثلاثة قوارب ، ينشغل حوالي عشرة بحارة ، في نقل قرب الماء إليها ، وكذلك بعض سلال الفواكه المختلفة ، مما هو موجود في الجزيرة . إذن ما رأيته ليلة البارحة ، على ضوء القمر ، عند التقاء البحر بالسماء ، ليس وهماً ، وليس مجرد سراب ، وإنما حقيقة ، حقيقة واقعة ، أهو حقيقة فعلاً ؟ وهؤلاء البحارة ، ألا يمكن أن يكونوا من الرجال المتوحشين آكلي لحوم البشر ؟ لكن ها هي السفينة الشراعية في البحر ، وأولئك هم بحارة حقيقيون يكادون أن ينتهوا من نقل قرب الماء وسلال الفواكه إلى القوارب الثلاثة ، ما العمل ؟ وتلفتُ حولي ، أين الفتاة ؟ لم أرها حين خرجتُ من السقيفة ، يا ويلي ، وجمدت مرعوباً ، إنني لم أرً فراشها في السقيفة ، ماذا يعني هذا ؟ وركب البحارة في القوارب الثلاثة ، وراحوا يجذفون مبتعدين عن الشاطىء ، إنها فرصتي ، للخروج من هذه الجزيرة القاتلة ، وربما لن تتكرر ثانية ، يا ويلي ، أين الفتاة ؟ لا أستطيع أن أذهب ، وأتركها هنا .. وخرجت من وراء الصخرة ، واندفعت راكضاً بجنون حيث القوارب الثلاثة ، تشق البحر متجهة نحو السفينة الشراعية ، ورحت ألوّح للبحارة ، وأصيح بأعلى صوتي : النجدة .. أنقذوني .. النجدة .. النجدة . ويبدو أن أحد البحارة ، رآني وهو يجذف ، فترك المجذاف ، وهبّ واقفاً وسط المركب ، وهو يصيح : توقفوا ، توقفوا ، هناك رجل على الشاطىء . وأوقف البحارة القارب ، والتفتوا إليّ ، ورأوني أخوض في الماء نحوهم ، وأنا ألوّح لهم بيديّ ، وأصيح بأعلى صوتي : النجدة .. النجدة . فتراجعوا بقاربهم نحوي ، وما أن وصلوا إليّ ، حتى قفزوا جميعاً إلى الماء ، وأحاطوا بي ، وهم يمطروني بأسئلتهم : ـ من أنت ؟ ـ ما الذي جاء بك إلى هذه الجزيرة ؟ ـ كيف وصلت إلى هنا ؟ ، هل جئت وحدك ؟ ورفعت يديّ ، وأنا ألهث ، وقلتُ : مهلاً .. مهلاً .. وخاطبهم أحدهم قائلاً : أصغوا إليه .. والتفت إليّ ، وقال : تكلم . وتنفست بعمق ، ثم قلت : إنني تاجر من بغداد ، اسمي سندباد ، وقد تحطمت السفينة التي كنت فيها ، ولم ينجُ من ركابها أحد غيري . وصمت لحظة ، لألتقط أنفاس ، وأواصل كلامي ، لكن أحد البحرة خاطبني قائلاً : يبدو أنك بقيت في هذه الجزيرة المنعزلة فترة طويلة . وحدقت فيه مذهولاً ، وقلت : لا أعرف في الحقيقة كم بقيت ، ربما أسابيع ، ربما أشهراً ، وربما .. لا أدري بالضبط كم بقيت . والتفت أحدهم إلى رفاقه ، وقال : لعله بقي فترة طويلة ، انظروا إلى لحيته وشعر رأسه . وحدق فيّ بحار آخر ، وقال : لا يهم هذا الآن ، فلنأخذه إلى الربان في السفينة ، هيا . وسحبوني إلى القارب ، لكني قاومتهم ، وأنا أصيح : مهلاً ، هناك فتاة كانت معي على الجزيرة . وأمهلوني لحظة ، وسألني أحدهم : أكانت معك في السفينة التي غرقت في البحر ؟ فقلتُ وأنا ألهث : كلا ، وإنما كانت في الجزيرة وحدها ، وهي التي أنقذتني من الموت . وهزّ آخر رأسه ، وقال ، وهو يدفعني إلى القارب : المسكين ، يبدو أنه فقد عقله . فصحت وأنا أقاومه بشدة : لستُ مجنوناً ، لستُ مجنوناً ، لقد عشنا معاً ، أنا وهذه الفتاة ، ولن أذهب وأتركها وحدها في هذه الجزيرة المنقطعة . لكن البحار ، وبعض من كانوا معه ، دفعوني عنوة إلى القارب ، وصاح بي واحد منهم : تعال ، سنأخذك إلى السفينة ، ونقدمك إلى الربان . لكني رحت أقاومهم ، وأنا أصيح : يجب أن ننقذ الفتاة ، إنها وحدها ، وسيفترسها الرجال المتوحشون ، آكلو لحوم البشر . واحتضنني أحدهم ، وقال لي بصوت هادىء : تمالك نفسك ، واسمعني جيداً ، نحن نعرف هذه الجزيرة جيداً ، وهي جزيرة غير مأهولة ، ليس فيها غير الطيور والغزلان ، سنأخذك معنا ، ولابد أن القبطان سيرعاك ، ويرسلك من أحد الموانىء ، إلى وطنك . لكني رغم ذلك ، حاولت عبثاً أن أفهم ذلك البحار ، بأني في تمام عقلي ، وأني لست مجنوناً ، وأن الفتاة المسكين ، التي وعدتها أن آخذها معي إلى بغداد ، ستبقى وحدها على الجزيرة ، وستموت وحيدة ، إن لم يأكلها الرجال المتوحشون قبل ذلك .
النهاية ـــــــــــــــــــــ توقف سندباد عن الكلام ، وقد بدا عليه الإرهاق والتأثر ، الليل مازال هو الليل ، والنافورة مازال ماؤها يتدفق متعالياً ، والقمر هو القمر ، ومازال يطل على العالم ، ويخلع عليه ثوبه الأبيض الشاحب . ونظرت الجارية جوهرة إليه ، وعلى شفتيها الرمانيتين شبح ابتسامة ، وقالت : مولاي .. ونظر سندباد إليها ، دون أن يتفوه بكلمة ، فتابعت جوهرة قائلة بصوتها الساحر : ليتك تدخل جناحك ، وتأوي إلى فراشك ، وترتاح . وتمتم سندباد بصوت واهن ، كمن يتمتم إلى نفسه : يبدو أنني لن أرتاح . وابتسمت جوهرة له ، وقالت بصوتها الذي تعرف أنه يحبه : آه لقد أتعبتكَ هذه الرحلة . وأطرق سندباد رأسه متعباً ، وصمت برهة ، ثم تمتم بصوته الواهن : لم يتعبني في هذه الرحلة ، غير من أنقذتني من الموت ، فتاة . وهمهمت جوهرة : هم م م م م .. ورفع سندباد عينيه إليها ، وحدق فيها ملياً ، ثمّ قال لها : يبدو أنكِ تغارين منها . ونهضت جوهرة ، وقالت : لو كانت فتاة حقيقية ، لربما غرت منها بعض الشيء . وقبل أن يرد سندباد عليها ، أقبلت جارية من داخل القصر ، وانحت لسندباد ، وقالت لجوهرة : سيدتي ، طعام العشاء جاهز . ونظر سندباد إلى جوهرة ، دون أن يتفوه بكلمة ، فقالت له : أمرتهم أن يشوا لك بعض طيور الدراج ، وغزالاً فتياً ، جاء به أحد الصيادين البارحة . فنهض سندباد وقد تعكرت ملامحه ، ومضى مبتعداً نحو القصر ، وهو يقول : كلا ، لا أريد على الغداء أو العشاء ، لا الدراج ولا الغزال . ووقفت الجارية جوهر صامتة ، ثم التفتت إلى الجارية ، وقالت لها بصوت جاف حاد : أبعدوا الدراج والغزال عن المائدة ، هيا أسرعي . وبعد أن تناولوا الغداء ، أوى السندباد إلى فراشه متعباً ، واستلقى فيه ، وأقبلت الجارية جوهرة ، وجلست على طرف الفراش قريباً منه ، وقالت له : لم تأكل على العشاء شيئاً يذكر ، يا مولاي . لم ينظر السندباد إليها ، وإنما أطرق رأسه ، وقال بصوت خافت : لقد شبعت . ونظرت الجارية جوهرة إليه ، وقالت مترددة : تبدو متعباً ، يا مولاي سندباد ، سأذهب إلى جناحي ، إذا كنت تريد أن تنام ، وترتاح . فمدّ السندباد يده ، وأمسك يدها برفق ، وقال لها : لا ، لا تذهبي ، ابقي إلى جانبي . والتفت نحو النافذة ، ونظر عبرها إلى السماء المرصعة بالنجوم ، فابتسمت جوهرة ، وقالت له : لدينا للإفطار غداً حليب غزلان .. ونظر سندباد إليها مبتسماً ، فتابعت الجارية جوهرة قائلة : ولدينا أيضاً فواكه طازجة . وهزّ سندباد رأسه ، ثم نظر إلى البعيد عبر النافذة والليل ، وقال : لا قيمة لها بدون .. فتاة . ولاذت الجارية جوهرة بالصمت ، ثمّ قالت : أظن ، يا مولاي ، أنك لا تخالف ما قاله لك البحار الأخير ، الذي تحدث إليك في القارب . ونظر سندباد نحوها ، وأدركت جوهرة ، أنه لا يراها ، لكنها سمعته يقول : نعم ، ما قاله البحار صحيح ، لكن فتاة تبقى موجودة في داخلي . وصمت السندباد برهة ليست قصيرة ، ثم قال كمن يحدث نفسه : قد يكون خيالي هو من صنع فتاة ، لحاجتي إلى إنسان ، إلى امرأة تقف إلى جانبي ، في تلك الجزيرة الموحشة المنقطعة ، ولولا تلك الفتاة لربما ما بقيت على قيد الحياة حتى الآن . ونظرت جوهرة إليه ، وقد علت شفتيها ابتسامة جميلة ، وقالت بصوت حرصت أن يكون هادئاً : ما يعزيني ، يا مولاي ، أن تلك الفتاة ، التي احتجتها ، وأعطاها لك خيالك ، كانت لها ملامحي . وحدق السندباد فيها صامتاً ، فتابعت قائلة : سمراء ، عيناها بلون القهوة ، عيناها سوداوان ، جميلتان تشعان كما الجوهرة . وضحكت جوهرة ، وهزّ السندباد رأسه مبتسماً ، فمالت عليه ، وقالت : مولاي .. قال السندباد : آه منكِ . وتابعت جوهرة قائلة : لو رأيت فتاة ، ولو في الحلم ، تشير لك بيدها العاج .. تعال .. وغالب السندباد ابتسامته ، وقال : جوهرة ، ابقي في أعماقي ، لا تغادريها ، أنا لا أريد أن أرحل مرة أخرى ، لأي سبب كان ، لقد أتعبتني رحلاتي السبع ، أريد أن أبقى في بغداد ، وجوهرة إلى جانبي . وأغمض السندباد عينيه المتعبتين ، وجوهرة تشع في أعماقه ، وتضيء له العتمات ، وأغفى بعد قليل ، واستغرق في نوم عميق ، وسرعان ما نهضت من أعماقه العطشى ، سفن شراعية تمخر البحار ، وجزر تعج بالطيور والغزلان ، وشواطىء رملية تلمسها الأمواج وتنسحب عنها ، ومن بعيد ، بعيد جداً ، عند جزيرة تبدو ضائعة وسط البحر ، تراء ت له فتاة شابة ، تلوح له بيدها العاج .. أن تعال .
8 / 9 / 2021
#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية للفتيان الصحن الطائر
-
رواية للفتيان اشوميا الز
...
-
رواية للفتيان نداء الانوناكي
-
رواية للفتيان نانوك
-
شبح غابة اتوري رواية للفتيان
-
رواية للفتيان فتى من كوكب نيبيرو
-
زهرة الأنوناكي
-
رواية للفتيان الحداد
-
رواية للفتيان من قتل شمر ؟
-
رواية للفتيان طفل من خرق
-
رواية للفتيان البجعة
-
رواية للفتيان جبل الوعول
-
جزيرة كالوبيوك
-
رواية للفتيان هوفاك
-
رواية للفتيان الزرقاء رائية ديدان
-
رواية للفتيان الجاغوار سيلو
-
رواية للفتيان عينا نيال طلال حسن
-
رواية للفتيان البحث عن تيكي تيكيس الناس الصغار
-
رواية للفتيان سراب
-
رواية للفتيان جزيرة الحور
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|