أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبال شمس - بانتظار الصياد














المزيد.....

بانتظار الصياد


نبال شمس

الحوار المتمدن-العدد: 1704 - 2006 / 10 / 15 - 10:20
المحور: الادب والفن
    


المكان: حديقة الأم في حيفا, قدومي إلى هناك دون نقود ودون ثمن رغيف فلافل كان غريبا، حتى قدومي وحدي لذلك المكان دون صديقات يثرثرن كان أغرب, فهذا المكان لم أعتد زيارته وحدي, ربما لأنه مكان عام جدا لا يخلو أبدا من وقع أقدام الناس ومن صياح الأطفال اللذين يأتوه يوميا لزيارة حديقة الحيوانات الموجودة هناك. تلك الحديقة التي تاهت بها صديقتي هالة عندما كنا في الصف الثاني الابتدائي, أذكره جيدا, أذكر ألمي ودموعي التي ذرفتها على هالة الجميلة, فقد ظننت أن النمر ابتلعها أو أنها سقطت سهوا في قفص الدببة.

بكيت بصمت وانتظرت الصياد بصمت, بحثت عنه بفكري وخيالي وعيوني, في كل مكان, في غابات الجليل وشواطئ حيفا, حتى حاكورة جدي كان لها نصيب بالبحث, لكن الصياد وقتها لم يأت للحديقة ولم ينقذ هالة.

هذا الصياد رافقني طيلة حياتي منذ كنت طفلة صغيرة. أحببته كثيرا وانتظرته كثيرا, وتأملت مجيئه كل لحظه, عند ذهابي للروضة والمدرسة, وعند دخولي الحمام ليلا, وعند اللعب مساء في أزقة الحارة, والذهاب خريفا للحوا كير النائية لقطف بخور مريم. كنت أدرك أني لو وقعت في خطر فسوف يأتي هذا الصياد وينقذني.

هل سيأتي الصياد؟

كنت أتساءل إذا كانت ستمر هالة من هنا ثانية فحتى هذه اللحظة لم أعرف من كنت انتظر. هل انتظرت الأطفال أم انتظرت الصياد, أو إني انتظرت هالة وريما وعزمي ويوسف وبقية أقراني.

آه..... يوسف

يوسف, صديق طفولتي ذو العيون العسلية والشعر الكستنائي الفاتح, ملك الصف وحبيب الإناث. لكن يوسف غرق وفارق الحياة عندما كنا في الصف الرابع الابتدائي, حدث هذا في احد كوانين تلك السنة, بعد عودتنا من المدرسة وتجمعنا للعب في احد الأماكن النائية نسبيا عن القرية, حيث تواجدت هناك حفرة فيها ماء ووحل. أذكر صراخنا جيدا, هو يرن في أذني الداخلية في هذه اللحظات. أذكر دموعنا, وأذكر صراع يوسف مع وحل الشتاء, وأذكر انتظاري لصياد العصافير في ذلك الشتاء, كي يأتي وينقذ لنا يوسف الجميل.

هل سيأتي الصياد؟

صارع يوسف الماء كثيرا, تخبط بداخله, رأينا موته البطيء وصراع روحه مع جسده العالق في الوحل. عبء التجربة كان ثقيلا علينا وظالما, فهي محاولة لاستيعاب ماهية الموت والقبور والفراق. مات يوسف وخفت صراخنا والصياد لم يأت. لم يسمع, لم ينصت, فالغابة الكبيرة كانت بعيدة جدا عنا.

ذكرى يوسف كانت ألم طفولة سحبته معي سنين طويلة. وها انا ما زلت أجره في داخلي إلى الآن. فعندما يهب ذلك الزمهرير الحزين تصيبني حالة تشنج فكري. إني أراه الآن أرى عيونه المقلوبة ولعابه الخارج من فمه. أرى تابوته الصغير الذي انطبع في فكري وخيالي منذ تلك الفترة.

هل سيصل نصي إلى يوسف؟

هل سيصل نصي إلى هالة؟

لو أن هالة تعرف إني أراها هنا قبالتي بعد مرور كل تلك السنين, أو إني أتذكر ضياعها وألمها لعادت وبحثت عن نصي وعن جميع نصوصي لتبحث بها عن ذاتها وعن قدسيتها.

لو أدرك يوسف ذو الجثة الهامدة على سفح الجليل انه مر من هنا ثانية, لأرسل لي جميع الزنابق التي وضعناها على قبره يوم رحيله, لكن كيف سيدرك يوسف هذا؟ فتابوته أصغر من أن يستوعب سيل دموعي ودموع الأطفال, أصغر من يستوعب ألم الذكرى وعبء الموت.

فكري كان سارحا من سفح الجليل حتى حيفا. من صياد إلى صياد. من ذكرى إلى ذكرى ومن ألم إلى ألم. إحساسي بالوقت كان معدوما، لم اشعر بالضجيج الخارجي وصيحات المارة وصوت السيارات. لم أكن أرى سوى الماضي الكامن في داخلي, فالأصوات اختلطت في داخلي الحزين والمتخبط, صوت يوسف الجميل وصوت هالة الشقراء وصرخاتنا التي تداخلت بصوت نغمات عود كنت اسمعه في صغري صباحا ومساء. إحدى هوايات والدي في شبابه.

أخذني النسيم إليك والدي.

أخذني الصياد إليك يوسف.

أخذتني حيفا إليك هالة.

أخذني الانتظار إليك أيها الصياد.

هل حقا سيأتي الصياد؟

لن يأتي الصياد أبدا. انتظرته طفلة لئلا يخرج من بيت جدة ليلى, ذات القبعة الحمراء, ويأتي ليقتل الحيوان المتوحش الذي ظننته انه بلع هالة صديقتي. انتظرته طفلة لئلا يترك الغابة ويأتي لينتشل يوسف قبل أن يفارق الحياة, انتظرته كثيرا ولم يمر, فهل سيأتي الآن في هذا المساء لينتزعني من الكائن الأول الموجود في داخلي؟ لينتزعني من يوسف وهالة والانتظار على شرفة الجليل؟

خفت ضوء النهار. خفت ضجيج الناس. خفت صوت العود. خفت صوت والدي. خفت صراخنا. سحبت حقيبتي ومضيت إلى الفراغ ابحث عن الصياد





#نبال_شمس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طيف ريمورا
- نجيب محفوظ : كفرنا بك مرتين
- صعود اخر
- حلقات الضوء
- لغز اليد الممدودة
- نساء من نبيذ ونار
- مزامير ثقافية
- حفر في التعري,قبل قدوم البحر
- -جوانب أخرى للمرأة في أدب -زياد خداش
- عري القناديل: امرأة, قصيده ووطن
- النرجس لا ينبت في نيسان
- ضرورة انتقاد المسئولين
- العسر التعليمي الاكاديمي
- العسر التعليمي التطوري
- مذكرات متعسر


المزيد.....




- رجع أيام زمان.. استقبل قناة روتانا سينما 2024 وعيش فن زمان ا ...
- الرواية الصهيونية وتداعيات كذب الإحتلال باغتيال-محمد الضيف- ...
- الجزائر.. تحرك سريع بعد ضجة كبرى على واقعة نشر عمل روائي -إب ...
- كيف تناول الشعراء أحداث الهجرة النبوية في قصائدهم؟
- افتتاح التدريب العملي لطلاب الجامعات الروسية الدارسين باللغة ...
- “فنان” في ألمانيا عمره عامين فقط.. يبيع لوحاته بأكثر من 7500 ...
- -جرأة وفجور- .. فنانة مصرية تهدد بمقاضاة صفحة موثقة على -إكس ...
- RT العربية توقع مذكرة تعاون في مجال التفاعل الإعلامي مع جمهو ...
- عاجل | معاريف عن وزير الثقافة الإسرائيلي: نأمل التوصل إلى صف ...
- نزلها سريعًا!!.. واتساب يُطلق ميزة الترجمة الحية في الدردشة ...


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبال شمس - بانتظار الصياد