هل يحتاج العالم علميًا للولي الفقيه (٤)

محمد ليلو كريم

الحوار المتمدن-العدد: 7505 - 2023 / 1 / 28 - 16:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

أدرك الإنسان بعد قرون وألفيات من تراكم المعرفة أن العِلم يتوزع الى علوم، والعلوم تعني التخصصات، والتخصص منهج، والمنهج سلسلة تعليم، والتعليم يحتاج الى مدة زمنية تناسبه، فالتعليم الطبي يتطلب مدة زمنية، والتعليم الهندسي يتطلب مدة تناسبه، ولكل تخصص علمي منهج خاص ومدة زمنية يتطلبها، فهل ورد عن أئمة الشيعة منهج علمي متسلسل في تخصص بعينه ومساق تعليمي متكامل يفوق ما وصل اليه المنهج العلمي التخصصي الراهن؟
ولأننا نتناول موضوعة "أصل الإنسان" نتساءل؛ هل من طرح علمي ورد عن أئمة الشيعة ينقله لنا الولي الفقيه وقد نصّب نفسه بمقام نائب الأئمة؛ حول أصل الإنسان وبأدلة دامغة لا ريب فيها، ومن ينقل الخبر اليقين عن المتزعم إلا النائب؟
يقرأ الشيعة الاثنا عشرية-الجعفرية زيارة وارث، وهي من الزيارات المشهورة، والزيارة المقروءة نص يشبه الدعاء يتلوه الشيعة عند زيارة ضريح الإمام أو يتوجهون به حيثما كانوا قراءًة لطلب المُراد من رزق وذرية وعفو وجنة. وزيارة وارث مروية عن الإمام جعفر الصادق وهو من أضفيت كنيته على جماعة الطائفة  (الجعفرية)، والسبب أن الصادق الأطول عمرًا بين الأئمة ومرّد ذلك انه عاش في الفترة الانتقالية بين الأمويين والعباسيين فكان قد انشغل عنه الخلفاء من بني أمية وبني العباس بصراعهم وحالة الانقلاب العباسي على آخر خلفاء آل أمية ففسح ذلك المجال لجعفر ليعيش مدة أطول فلا يطاله السيف أو السم الحكومي ويُشيّد مدرسة تضم آلاف الطلبة من مختلف العلوم (وهذا سرد شيعي).
ورد في مقدمة زيارة وارث:
"السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ إِبْراهِيمَ خَلِيلِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُوسى كَلِيمِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ عِيسى رُوحِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلامُ".
من هو آدم الذي استهل به جعفر الصادق زيارة وارث؟
يعكف علماء الجيولوجيا والمتحجرات والوراثة وعلم الأحياء التنموي والأنساب الجينية وتخصصات أخرى، منها ما هو مستحدث؛ على البحث الدؤوب للوصول الى أول انسان عاقل ومتى وأين ظهر وما هي الطفرة التي تحوّل بفضلها الى هذا الجنس الذي نحن عليه، ولأجل ذلك سُخرّت امكانيات هائلة وعقول نيّرة واختراعات موازية من أجهزة ومواد لإتمام المهمة العلمية الكبرى، وقد قطع العلماء أشواطا من الكشوفات العلمية للوصول الى زمان ومكان ذلك الإنسان الأول الذي انحدر منه الجنس البشري.
يقول إمام الشيعة محمد الباقر أن قبل آدم ألف آدم (1)، ولكننا يا إمام الشيعة نبحث عن أول آدم "أول إنسان" ومتى وأين ظهر وما نوع وسبب الطفرة التي ظهر بموجبها، فالعلم مبحث وليس قصة، والعلم التخصصي منهج للبحث التقني وليس نصًا دينيًا سردي، ولهذا نتساءل ككائنات عاقلة: من هو آدم الذي استهل به جعفر الصادق زيارة وارث؟
نرجع الى مقام الولي الفقيه ونطرح أمامه هذا السؤال مطالبين بإجابة قاطعة نهائية من نائب أعلم الأولين والآخرين.

..............................

(1) عن محمد بن علي الباقر “عليه السلام” أنه قال: قد انقضى قبل آدم الذي هو أبونا ألف ألف آدم/ التفسير الكبير للفخر الرازي،19: 117.

أما الطريقة البحثية التي اتبعها الرازي في مسألة آدم "الإنسان الأول" نورد لها المصدر كامًلا:

((المسألة الثانية: ثبت بالدلائل القاطعة أنه يمتنع القول بوجود حوادث لا أول لها، وإذا ثبت هذا ظهر وجوب انتهاء الحوادث إلى حادث أول هو أول الحوادث، وإذا كان كذلك فلا بد من انتهاء الناس إلى إنسان هو أول الناس، وإذا كان كذلك فذلك الإنسان الأول غير مخلوق مع الأبوين فيكون مخلوقاً لا محالة بقدرة الله تعالى. فقوله: (ولقد خلقنا الإنسان) إشارة إلى ذلك الإنسان الأول، والمفسرون أجمعوا على أن المراد منه هو آدم عليه السلام، ونقل في “كتب الشيعة” عن محمد بن علي الباقر “عليه السلام” أنه قال: قد انقضى قبل آدم الذي هو أبونا ألف ألف آدم، أو أكثر، وأقول: هذا لا يقدح في حدوث العالم بل الأمر كيف كان، فلا بد من الانتهاء إلى إنسان أول هو أول الناس، وأما أن ذلك الإنسان هو أبونا آدم، فلا طريق إلى إثباته إلا من جهة السمع/ التفسير الكبير 19: 117)).

نتبين مما أوردنا من مصدر أن الرازي يؤكد على أن لا سبيل للبحث في مسألة آدم "الإنسان الأول" إلا عن طريق السمع، وهذا ما ظل معمولًا به عند المسلمين، ومنهم الشيعة، الى يومنا هذا، فالمسلم الشيعي يبحث عن آدم الأول - الإنسان الأول عن طريق النصوص والإستماع للمنابر فهو يسمع عن وعن وعن ولا يغادر هذه العنعنة.

#محمد_ليلو_كريم (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات