أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راني صيداوي - بنات عبد الرّحمن














المزيد.....

بنات عبد الرّحمن


راني صيداوي

الحوار المتمدن-العدد: 7503 - 2023 / 1 / 26 - 16:47
المحور: الادب والفن
    


"بنات عبد الرّحمن" فيلمٌ يُصَوّرُ مجموعَةً من الأمراضِ المُجتَمَعيّةِ المُتراكِمَةِ في كُلِّ مُجتمعاتِنا. تلكَ النّاتجةِ في المُعظَمِ عَن ثقافةِ الذّكوريّةِ المُتوارَثة، المُختلِطةِ بالجَهلِ في مُعظَمِ الأحيانِ، وأحيانًا أُخرى- وهي الأكثرُ إيلامًا وتَعَنُّتًا- تكونُ بِنَفحَةِ عِلمٍ، وبِذريعَةِ ثقافةٍ وتَحَضُّرٍ، بل وباستعلاءٍ ما هو إلاّ مِن وَحيِ الخَيالْ.
فيلمٌ يَعكِسُ واقِعًا مَريرًا ظالِمًا لجميعِ شرائِحِ المُجتَمَعِ، وفئاتِهِ، وطَبَقاتِه دونَ استثناءْ. وإن كانَ يُصَوّرُ تلكَ الأمراضَ المُجتَمعيّةَ بشكلٍ مُقتَضَبٍ، فإنّهُ يُسَلّطُ الضّوءَ على تَبِعاتِها، ونتائِجِها، وتأثيرِها على النّفوسِ والشّخوص كأفرادٍ، لأنّها وبالتّالي البّوتَقَةُ التّي يُصَبُّ بها كلّ ما مِن شأنِه أن يَنهَضَ بالمُجتَمَعاتِ كَكُلٍّ ويرتَقي بها تَقَدّمًا. أو ما مِن شأنِه -كالشَخوصِ التي تناوَلَها الفيلم- أن يَسيرَ بالمُجتمعاتِ تَخَلُّفًا، ويَنحَدِرَ بها نَحوَ الحَضيض.
فَمِن عُنفٍ أُسَرِيٍّ، لزواجِ قاصِراتٍ، لتَحَرُّشٍ، فثقافَةِ العَيبِ، وَذَريعَةِ الدّينِ، وتَعايُشِ الأديانِ، وما اخُتُرِعَ من مُصطَلَحٍ يُسمّى "عُنوسةٍ"، للمثليّةِ الجِنسيّةِ وغيرِها، تأخُذكَ مشاهِدُ الفيلمِ برحلَةٍ عميقَةٍ ومُؤلِمَة. تَترُككَ مصدومًا بحقيقَةِ بشاعَةِ ملامِحِ مُجتمَعاتِنا. تلكَ التي يُصِرٌّ مُعظَمُنا على التّغاضي عَنها، وعلى عَدَمِ وجودِها. تمامًا كَمَن يضَعُ مساحيقَ تجميلٍ ليُخفيَ طَفْحًا جِلدِيًّا يُغطّي ثلاثَةَ أرباعِ وَجهِهِ، بَدَل أن يُعالِجَهُ. فقط لأنّهُ تَعَوّدَ على وجودِهِ خَوفًا مِن التّغييرِ، كما مِن آلامِ العِلاجْ.
وهنا لابدّ من ذِكرِ أنّ أحداثَ الفيلم تُشَدّدُ على موضوعِ الخَوف، والذي وإن كانَ ليسَ سَبَبًا رئيسيًّا لوجودِ تلكَ الأمراضِ المُجتَمَعيّةِ لدينا، إلّا أنّ الحَلَّ الفَردِيَّ- كما المُجتَمَعيّ- يأتي بالتّخلُّصِ منهُ، كخطوةٍ أولى نحوَ العلاجِ، تمامًا كما فَعَل جَميعُ القائمينَ على هذا العَمَلِ الفنّيّ الزّاخرْ، حينَ أصَرّ كلُّ فردٍ مبدِعٍ منهم على أداءِ دورِهِ فيه مواجِهًا خَوفَه.

هُناكِ مَن يعتَبِرُ أنّ استخدامَ الألفاظِ الخارِجَةِ في الفيلمِ كانَ خادِشًا للحَياءِ، وَأنّ رسالَةَ الفيلمِ كانَت مِنَ المُمكِنِ أن تَصِلَ دونَ تلكَ الألفاظ. أمّا أنا، فلِقناعَتي أنّ الأدَبَ وَجَبَ أن يكونَ مِرآةً للواقِعِ، أرى أنّ استخدامَ تلكَ الألفاظِ ما هو إلاّ مصداقيّةٌ واحترافيّةٌ في مَكانِها، وكانَ لابُدّ مِنها، ليسَ فقط لإحداثِ صدمةٍ لدى المُتفرّجِ والمُستَمِعِ، بل أيضًا كبِدايةٍ للتّغيير.

وهناكَ أيضًا مَن يُصِرُّ على أنّ فيلمًا كهذا بِكُلّ ما فيه، ما هو إلا دَخيلٌ على مُجتَمَعاتِنا بِحُكمِ الإرباكِ، والتّشويهِ، والتّخريب. ومَع احترامي لجميعِ الآراءِ، أرى أنّ من يُصِرُّ على ذلكَ، إمًّا شخصٌ لا يرى أبعَدَ من أنفِه، وإمّا شخصٌ يرى كلّ شيءٍ بوضوحٍ، لكنّهُ يَعمَلُ على دفنِ رأسِهِ بالتّرابِ، إصرارًا منهُ على عَدَمِ "نَشرِ غسيلِنا المُتَسِخِ" أمام الجميعِ (كما فَعَل الفيلمُ برأيِه) عِوَضًا عَن بَذلِ جُهدٍ لمُحاوَلَةِ غَسلِهِ، والتّخلُّصِ من رائحتِهِ الكريهَة، وما فيهِ من بُقَع.

أمّا ما أضحَكَني حُزنًا ممّا قَرَاتُ لِمَن لا أتّفقُ معهُم بالرأيِ نَقدًا لهذا الفيلم
-وهُم للأسفِ كُثُرٌ ومنهُم كُتّابٌ ومُثقّفون- فهوَ ما كتَبهُ هؤلاءِ يُحارِبونَ بِهِ الفيلمَ، وجميعَ العاملينَ عليهِ، من كاتِبٍ ومُخرِجٍ، فمُنتجينَ، فمُمَثِّلينَ، فمُصَوّرينَ دون حتى أن يَرَوا مَشهدًا واحِدًا منهُ (باعترافِهم) متذرّعينَ أنّ مشاهدَتهُ لا تُشرّفُهُم، كَونَهُ (حَسبَ رأيِهِم كما كتبوهُ أيضًا) مُنافٍ للأخلاقِ والمبادئ الشّرقيّةِ التي توارثوها وتَرَبُّوا عليها -وكأنّ سُمُوَّ الأخلاقِ يَنتَقي جِهَةً أو رقعةً جغرافيّةً دونَ غيرِها!- هؤلاءِ بما كَتَبوا وقالوا ذكَّروني بالجاهِلِ المِسكينِ الذي قَتَل المرحوم فَرَج فودة، الذي حينَ سُئِلَ أثناءَ مُحاكَمَتِهِ عَن الكتابِ الذي قرأَهُ لفَرَج فودَة، والذي استَلهَم مِنهُ أنّهُ -أي فودة- مُرتَدُّ (كما صُوِّرَ لَه)، قال إنّه لا يعرِفُ القراءَةَ، ولا الكتابة. ومع أنّ هؤلاءِ الكُثُرُ الآنَ يعرفونَ القراءةَ والكتابة، إلّا أنّهُم قَد يتساوونَ مع ذاكَ الجاهل بمستوى الجَهل وللأسف.
وفي النّهايةِ لا يسعُني إلّا أن أثنيَ على جميعِ القائمين على هذا الفيلم المُتميّزِ (دونَ استثناءٍ)، وأن أُشَدّدَ على أنّي أراهُ شُعلَةَ أمَلٍ للتَّخلُّصِ من كثيرٍ من الأمراضِ المُجتَمَعيّةِ وشوائبِها.



#راني_صيداوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يومٌ مُنتَظَرْ
- كَضَوءٍ تَفَتّقْ بِصَدرِ العَقيقْ
- الصّلاةُ في زَمَنِ الكورونا
- حَقيقةُ حُلُمٍ
- الحُبُّ في غِمدِ الحَياة
- إرثٌ
- جدالٌ بيزنطي
- غلّبني
- خيّاطٌ و أعظم


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راني صيداوي - بنات عبد الرّحمن