|
هل يعوضنا العلم حكاياتنا السحرية؟ قراءة في فيلم - ثلاثة آلاف من الاشتياق- «Three Thousand Years of Longing-
سهير السمان
الحوار المتمدن-العدد: 7501 - 2023 / 1 / 24 - 00:55
المحور:
الادب والفن
( كانت القصص والأساطير ذات يوم هي السبيل الوحيد لجعل وجودنا المحير متماسكا) هل تذبل الحكايات السحرية والأساطير مع التقدم العلمي، أم يبقى لكل منّاحكايته السحرية التي قد لا يصدقها أحد؟ مع التطور المهول لكل جوانب الحياة، وانتفاء مركزية الأرض، وظهور التفسيرات العلمية لظواهر الوجود، يبقى علينا أن نخلق حكاياتنا ونرويها، ربما ما يجعلنا نتمسك بهذا، هي الرغبة في استمرارنا وخلق الدهشة، والعودة بالأمنيات التي أصبحت عنصرا من عناصر الاستهلاك الحديثة لأمنية واحدة، تبقي لنا السحر الحقيقي لهذا العالم، وأن نكون حكاية خالدة نرويها بأنفسنا، وليست للتاريخ الذي سيكتبه المحاربون أو المنتصرون. ( الفيلم من إصدار 2022، بطولة “إدريس إلباً و “تيلدا سوينتون" إخراج الاسترالي جورج ميلر) في فيلم ثلاثة آلاف عام من الاشتياق تعود سحر الحكاية، مع عالمة السرديات إيلثيا بيني " حين تسافر إلى تركيا لحضور مؤتمر حول العلم وحكايات الأساطير، ولكنها أثناء المؤتمر تستطيع أن ترى شخصيات الحكايات القديمة، في استعارة نفسية داخلية لرفضها موت تلك الأساطير القديمة للعقل البشري، ونفيها من العالم، حيث تضعها تلك الحكايات في نهاية مشوارها العلمي أمام قلق وجودي .، فهل أنهى العلم تفسيرات الظواهر الكونية، أم أن الأساطير لا تزال تفتح أمامنا العديد من التساؤلات؟ يظهر لها الجني وهي تغسل زجاجة ملونة ابتاعتها من احد المحلات القديمة في تركيا، لم تخف أو تقلق، وكأن إيمانها بوجود هذه المخلوقات حقق رغبتها في رؤيتهم، وهذا ما قاله لها الجني. لم يستطع الجني أن ينتزع منها أمنية لتنقذه من سجنه، ولكنها نجحت لأن تجعل منه ساردا لحكايته. ( وهو ما سنصل إليه في آخر الفيلم أن تحرره وبقاءه كان نتيجة قدرته على سرد حكايته ) يطرح الفيلم شكلا جديدا ومعناً آخر لحكاية قديمة، حكاية الجني والأمنيات، فالجني هنا فاقد القدرة والقوة، يتمتع بالرغبة والاشتياق، بل هو الحكاية نفسها، والذي أصبح يتمنى أن يعود إلى موطنه، ولكن بسبب خوضه في تجارب العشق والشوق، سجن ثلاثة آلاف سنة. ( حكايته الأولى كانت مع ملكة سبأ، "شيبا" ، أحبها بجنون، أعاد الفيلم سردية الملكة المذكورة في الكتب المقدسة، وهنا منح الفيلم سردية ورؤية مختلفة للحكاية ، كانت والدتها من الجن، ولم تذهب الملكة شيبا لسليمان، بل هو من أتى إليها محملا بالهدايا، ومارس سحره وعلمه لتيزوجها، فقررت حلق شعرساقيها لتسلمه نفسها) إليثيا لا تنتمي إلى حكاية، بل كانت مراقبة لها من الخارج، لا تحيا المشاعر والقدرة على التعبير عنها، حتى زواجها الوحيد لم يستمر لأنها لا تملك الحميمية، ولم تصنع حكايتها، فعقلها كان لعنتها. كان ظهور الجني بمثابة اكتشاف مؤلم لحقيقتها، المرآة التي عرتها أمام نفسها، فكيف لها أن تملك أمنية، وهي لاتحتاجها، فالأماني لا تكون إلا لمن عاش، أما هي بحسب تعبير الجني لم تعش، وبمنطق الجني هي "شخص غير حقيقي، وليس هو". أن تحيا وتخطئ، وتنتظر الغفران فهو الخلاص، وهي تُدرك الآن أنها أكثر تعاسة من الجني الذي عاش العشق ، وامتلك الحكاية، والخطيئة المروية، ويحلم بالخلاص . يسألها الجني : هل أنت حية من الأساس يا أليثيا؟ يضعها أمام حقيقة خوفها وجبنها، فهي لم تتخلى عن الحياة زهدا، أو تدينا، أو رغبة للوصول إلى لحظة التنوير كما يفعل البوذيون والرهبان، هذا الجبن الذي غلفته بصورة أكاديمية، وعلمية، لم يعوضها معنى الحياة الحقيقي، قد يكون الحب والعشق هو صفة الوجود الحقيقي، أو بمعنى آخر، الحب هو الصفة الخالدة للحياة، التي لم تستطع أن تصل إليه، بل أن الكثير من الناس يغادرون الحياة دون أن يدركو معناه الحقيقي. يضعنا الفيلم مجددا حول رغباتنا وأمنياتنا، أمام أنفسنا التي غاب عنها سحرها، وألقها الوجودي، بل يحفز من جديد أسئلتنا البدائية نحو الوجود، لننشئ نحن أجوبتنا، وتفسيراتنا له، ربما يجعلنا نقف قليلا، نأخذ أنفاسنا بدلا من اللهاث في هذا العالم لتحقيق رغبات مزيفة. وأخيرا تمنح إليثيا أمنيتها للجني، تُخبر الجني أنها تتمنى أن يُحبها ويشتاق لها مثلما أحب حبيباته في حكاياته، طلبت منه أن تحيا الحب معه. يحقق لها امنيتها، وينتقل معها إلى موطنها، تحيا معه كنبتة تؤنسها، كمرآة تنظر من خلالها إلى نفسها، كصفحة وجود لحقيقتها التي ألغتها سنين طويلة بين الكتب والدراسات العلمية، تشتاق إليه، وتنهل من حكاياته، ولكن الجني بدأ يذبل فهي لاتمتلك حكايتها الخاصة، فتقرر أن تمنح الجني خلاصه وتخبره بأمنيتها الأخيرة، وهي أن يعود إلى وطنه. و بعد ثلاث سنوات من رحيله تمتلك حكايتها وهاهي تجلس على مقعد في إحدى الحدائق لتكمل كتابة حكايتها، وفي اللحظة التي تغلق فيها دفتر مذكراتها، يعود لها الجني، ولكن هذه المرة دون أمنيات ،بل جاء من عالمه بإرادته، لأنه أحبها، وتدرك أخيرا أن الحب هو ما يبذل دون مقابل، وهاهي تمتلك حياة حقيقية وليست فقط حكاية تروى .
#سهير_السمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوبوغرافية الأغنية الشعبية اليمنية أوبريت هيا نغني للمواسم أ
...
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|