مختار سعد شحاته
الحوار المتمدن-العدد: 7499 - 2023 / 1 / 22 - 16:49
المحور:
الادب والفن
بعدَ منتصفِ الليلِ، سيطرقُ بابَكَ صديقٌ، يحاولُ نزعَ الكمامةِ عنْ وجهكَ، يُدْنِيكَ قليلاً منْ وجهِهِ، ويقولُ: أَتَرى؟ الفاكسينُ يعملُ جيدًا هذهِ المرة!!
ثُمَّ يُزيحُ حوائطَ الغرفةِ في الاتجاهاتِ الأربعةِ داخلَ قلبِكَ، ليتمدَدَ جسدُكَ لأولَ مرةٍ على راحتِهِ دونَ خوفٍ مِنْ قانونِ الجذبِ العظيم...
وأنتَ في خوفٍ أنْ يكتشفَ العالمُ سجنَكَ، أو ترفضَ أطرافُك التمدَدَ، تحاولُ معتذرًا أنَّ القهوةَ أمامِكَ مغليةٌ في الصباحِ، وما يصلحُ للنورِ، غيرُ مناسبٍ في المساء...
تستجْدِي لوحةَ المفاتيحِ أنْ تُعلِنَ نهايةَ النصِّ، وتعُودَ للنومِ ككلِ الناسِ الطبيعيين. مُنذُ متى وأنتَ طبيعيٌّ ككلِّ الخلقِ؟!
الحبكاتُ الروائيةُ التي طاوعَتْ ماضيك الثخينِ، انتهتْ، والقائِمُونَ على مدرسةِ التجريبِ في الحُبِّ، يُلزِمُونَكَ حبكةً أخرى، تسمحُ لأطرافِكَ بالتمددِ، واستشعارِ الخطر هذهِ المرةِ ألفَ مرةٍ فوقَ المعتادِ، حتَى ولو كانَ الوضعُ يبدو مستقرًا كما تراه...
نوحُ في الانتظارِ، يعرفُ أنَّ الناجينَ لهمْ أملٌ معلقٌ في رقبةِ الخشبِ، وأنَّ الحياةَ لنْ تعودَ كما كانت هذه المرة...
في المرةِ الأخيرةِ كانَ عليهِ أنْ ينادِيَ في الناسِ والحيوانِ والطيرِ، لكن في تلك الدورةِ من حياتِكَ، سينادِي نوحُ لأجلِك وحدك، وسيصنعُ على عينك سفينةَ نجاتِك المرتجاة، بعد اختبارِ صلابتِك في وجهِ الطوفان...
كلُ عالمِكَ القديمِ محكومٌ بالغرقِ، وأنتَ ونجمةٌ في سفينَتِكَ ستمضيانِ نحو مجهولٍ كبير، في صحبة نوحَ الجليل...
ستدركُ فنَّ المعجزاتِ حصرًا على سطحِ السفينة، حين يحميكَ ويعيدُ الحياةَ إلى جسدك من جديدٍ، ويجعلُ من نجمتِكَ أجملَ امرأةٍ في الوجودِ، حتى يغيضَ الماءُ، وينبتَ زرعٌ للحياةِ جديدُ...
نوحُ معجزتكَ الأولى في الزمن الجديد، لكنكَ هذه المرة لنْ تذبحَه، ولن تُلقِي به في البئر، ولن يبتلعَهُ حوتُ المعضلاتِ، ولن يموتَ على الصليبِ، وسيُخرجُ يدَهُ للناس بيضاءَ بغير سوءٍ، وسيَخرجُ من مطارِ المدينة التي حاصرتك، ويبني معكَ عالمك الجديد...
نوح سيجيء بالماء، والخبز، وبذور الشعير، وعلى كتفه الأيمن هدهدٌ يغني، وعلى كتفهِ الأيسرَ مفتاحُ الحياة...
بعد منتصف الليل سيطرقُ بابكَ في صورة صديقٍ، فاسمح له بالدخولِ، وتأكد أنَّ الفاكسينَ ناجحٌ، وأنَّ مسبحتك النورُ، وأن السجون اختفت، واستعدت الدنيا للحياةِ بعدَ الطوفان العظيم...
نوحُ سيأتي، يوزع السنوات الطِوال على الراغبين في الحياة، وأنتَ ونجمتُك ركابُ السفينة...
فلا تخاف.
القاهرة/ يناير 2023
#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟