أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيد الوكيل - تشكيل الفراغ















المزيد.....



تشكيل الفراغ


سيد الوكيل

الحوار المتمدن-العدد: 1702 - 2006 / 10 / 13 - 07:00
المحور: الادب والفن
    


يرى كانط : ( إن الزمان هو الصورة المميزة لخبرتنا ) . ويعنى هذا إن الزمن لاينفصل عن الذات ، باعتبار أن الخبرة مكون أساسى من مكونات الذات ،فالنمو العقلى والنفسى والحسى للإنسان يقع عبر الزمن ، وهذا النمو هو المظهر الوحيد الذى يعرفه الإنسان للزمن ،لأن الزمن فى الواقع ضائع ومفقود ، ولايبقى دليل على وجوده إلا فى الذاكرة الإنسانية كأرشيف للذات ولأن الذاكرة هى التى تعمل على توضيح الذات بخبراتها المختلفة ، فأنت حين تنظر إلى أثر ما ، تدرك ما طرأ عيه من تغير عبر مقارنته بصورته الأولى التى فى الذاكرة ، فتدرك الزمن ، كما أن الأحداث التى انتهت تبقى ـ فقط ـ فى الذاكرة ، وإذا كانت الذات تستدعى خبراتها الفنية والجمالية من الذاكرة ، فيمكن التأسيس على ذلك بأن الأدب هو فن زمنى ، بمعنى أن الزمن هو وسيط السرد عن خبرات الحياة ، تماماً كما هو وسيط هذه الخبرات ، أو بمعنى آخر وسيط الحياة نفسها مادام الإنسان يعيش فى الزمن ، ومن ثم ..فكل من الزمن والأدب والحياة تبدو كمترادفات لشيئ واحد. إن إدراك الإنسان لهذا التلازم بين الزمن والأدب ليس شيئاً عارضاً او محدثاً ، حتى أن البنيات الحكائية الأولى فى الثقافات الإنسانية عرفت هذه الاستهلالة التى نبدأ عندها بـ .. كان ياما كان. غير أن الاهتمام بدرس الزمن فى الأدب هو أمر حديث نسبياً ، ومتزامن مع الفلسفات الحديثة التى أعطت مفهومات أكثر عمقاً ووضوحاً للزمن عن ذلك المفهوم الغامض عند الإنسان القديم ، ومن ذلك التمييز بين الزمن كخبرة فردية إنسانية تعيش فى الوجدان وهو المفهوم الأدبى للزمن، والزمن كمفهوم موضوعى وعام يدخل فى صميم اهتمام الفيزياء. وهناك فوارق مهمة بين المفهومين ، فنحن سنتفق موضوعياً على تحديد زمن واقعة ما حدثت فى الماضى تماما كما نتفق على أن 5 يونيو 67 هو يوم النكسة ، لكن تلقينا الوجدانى لهذا التاريخ يتفاوت على نحو فردى بحسب خبرة ووعى وثقافة كل منا، والإنسان طوال الوقت يدرك هذا الفارق بين المفهومين وعلى نحو واضح ، حتى يمكن القول إنه يتعامل دائما وكأن هناك زمنين وليس زمنا واحداً ، وبعيداً عن هذه المفارقات الظاهرية ، فكل مفهوم منهماً يحمل إشكالياته وتناقضاته الداخلية ، فالزمن الفيزيقى يحمل إشكاليات الحركة والمقاومة والكتلة والمسافةإلى آخرهذه المفهمومات الفيزيقية التى تتعلق بالزمن ،والزمن الوجدانى ينطوى ـ أيضاً ـ على إشكالياته وتناقضاته ، من حيث إدراكنا لطبيعة وجود الزمن ، فالماضى ـ انتهى ـ غير موجود ، والمستقبل ـ لم يأت بعد ـ غيرموجود ، كل ما هو موجود الحاضر فقط ( الآن) ،لكن هذا الحاضر لايمكن تقسيمه كنقطة أولية فى خط ممتد من النقاط المتلاصقة ،بمعنى أنه لايحمل تفاوتاً أو تبايناً داخلياً ، وهكذا فالزمن جدلاً غير موجود بامتداده ـ كماض وحاضر ومستقبل ـ سوى فى وعينا بذاتنا، وهذا التلازم بين الزمن والذات يجعله بالضرورة نسبياً ومتفاوتاً بغير تكافؤ ، فالثانية الواحدة يمكن أن تشكل عمقاً زمنياً فى الذات أكثر مما تمثله ساعات كاملة من الزمن الموضوعى وذلك بحسب رصيدها فى الوجدان ومدى ما تتضمنه من خبرات وذلك هو رهان كتابة تيار الوعى كما نراها عند( جيمس جويس وفرجينيا وولف ومارسيل بروست )، وبهذه الطريقة يمكن للأدب أن يفتح أفق الزمن على آخره ، ليمتد ليس فقط فى عمق الماضى بل فى أحشاء المستقبل ، والعكس ـ أيضا ـ ممكن فالأدب يمكنه اختزال الزمن وإعادة ترتيبه واختيار لحظاته على نحو حر تماماً ، فنحن حين نقول : ( فى الصباح ذهبت إلى عملى وفى المساء التقيت صديقى ) فنحن نسقط ـ فى الحقيقة ـ زمناً كمياً وموضوعياً من وعيناـ بين الصباح والمساء ـ على الرغم من وجوده فى الواقع ،ومن المؤكد أن هذا الوجود ليس فارغاً بل مشغولاً بالكثير من التفاصيل ، ولكنهالاتدخل فى وعينا ولاتؤثر فى خبرتنا بالموضوع الذى نتحدث عنه ، بمعنى أنها ليست جزءاً من الذات الساردة ، ووفق آليات الحذف والإضافة والاختيار هذه بوسعنا القول بإن الذات الساردة تصنع زمنها الخاص ، وإن النص الأدبى هو التجلى الجمالى لهذا الزمن ،وإن تفرد الذات الساردة هو تفرد وجدانى ينشأ عبر علاقة الأديب بالزمن باعتبار أن الذات الساردة هى الصوت الفنى لذات الكاتب وباعتبار أن ما نطلق عليه ذواتنا هو فى الحقيقة وعينا الخاص بالزمن. السرد إذن هوالتعبير الملموس لوعينا الخاص بالزمن ، ،فالحدث يتم فى الزمن ، وإذا كان النص القصصى فى بنيته مجموعة من الأحداث المرتبة زمنياً على نحو خاص ، فإن دراسة السرد لاتخلو بالتأكيد من دراسة الزمن على الأقل على نحو ضمنى ،غير أن النص الأدبى ليس مجرد مجموعة من الأحداث المرتبة ،بل هو ـ أيضاـ طريقة فى تشكيل الحدث ، وكأن السرد فى أحد معانيه هو فن تشكيل الزمن ، تماماً كما نقول إن العرض المسرحى هو فن تشكيل المساحة أو المكان ، وهو تعبير نستفيد فيه من (بيتر بروك) فى كتابه الهام ( المساحة الفارغة ) ، والذى تعمق بفضل عدد من الدراسات السيميولوجية فى المسرح " "، التى تقدم درساً عميقاً لبنية العرض المسرحى بوصفها مجموعة من العلامات التى تعطى معنى جمالياً للمساحة الفارغة ، بمعنى انه يتجاوز الفراغ من حيث هو حيز إلى الأليات التى تعيد تشكيله، وبنفس الطريقة فالسرد يتجاوز الزمن الموضوعى الذى يقع فيه الحدث من حيث هو حيز أو إطار إلى مجموعة من الآليات التى تعيد تشكيله. وثمة إفادة أخرى من الدراسات المسرحية التى أضافت المتفرج على نحو باكر فى عملية إنتاج العرض المسرحى ، ثم حذت الدراسات الأدبية حذوها بعد أن اتجهت النظريات الحديثة إلى القارئ باعتبار أن النص ـ نفسه لاوجود له إلا فى وعى القارئ ، وهو ما يضطرنا لأن نضع فى الاعتبار ونحن نتحدث عن زمن السرد .ما يمكن تسميته بزمن القارئ . أبعاد الزمن القصصى نظرياً فقط ، يمكن للنقاد أن يفصلوا بين زمن الحدث وزمن سرده ،غير أن النص الأدبى لاينهض كمجوعة من العناصر المستقلة ، وإنما كوحدة كلية ذات روابط ووشائج متداخلة ، وهذا التداخل يشعر به القارئ فى غمار توحده مع النص و هو يعمل على سرد الأحداث ، ويعنى هذا أن للقارئ دورًا فى تحديد أبعاد الزمن فى النص ، باعتبار أن فعل القراءة هو فى أهم تصوراته ، إعادة إنتاج للنص . بهذا المعنى يأخذ الزمن بعداً ثلاثياً بإضافة القارئ فى عملية إنتاج النص ، ليصبح على النحو التالى : زمن الحدث ، زمن السرد ، زمن القارئ . إن أبسط تصور لفهم زمن القارئ يحدث عندما يلتقط القارئ بعض الإشارات التى تعمل كمحفزات لتحريك زمنه الخاص ، فعندما يعرض النص لواقعة ما، فقد تستثير لدى القارئ ذكريات وقعت له فى زمن مختلف ، ومن ثم يقفز هذا الزمن إلى لحظة القراءة ، ويعمق الروابط الشعورية بين القارئ والنص ،بمعنى أنه يعمل على تفعيل النص على نحو خاص بقارئه ،وبهذه الطريقة يصبح زمن القارئ جزءا من زمن النص على نحو ما. عادة ، يحدد النص إطاراً زمنياً للحدث ، ويمكن للقارئ أن يسهم ـ من ناحيته ـ فى تحديد أبعاد هذا الإطار اعتماداً على خبراته الحياتية والقرائية لنصوص أخرى ، فقصة ( شتاء الخوف )"3" لبهاء طاهر،تمنحنا انطباعاً عاماً منذ العتبات الأولى ، بأن الفضاء الزمنى للحدث هو فصل الشتاء ، عندئذ يمكننا استدعاء شتاءاتنا الخاصة ، هذا إذا نظرنا للشتاء كزمن موضوعى ومحدد لفصل من فصول السنة ، أما إذا تلقيناه كمجاز داعم للخوف ، ومعمق للشعور به ، فقد يمكننا تحرير الحدث من فصل الشتاء وإطلاقه فى فضاء عام يشمل كل أزمنة الخوف ، وربما عند الانتهاء من القراءة ، سيتكون لدينا إطار زمني أكثر تحديدأ ، بحيث يغطى شتاء الخوف تلك الفترة من تاريخ مصر الحديث فى النصف الثاني من القرن العشرين ،وهى فترة احتدام الصراع بين المثقف والسلطة ، تماماً على نحو ما يلهمنا كتاب محمد حسنين هيكل ( خريف الغضب ) الذى يغطى ـ موضوعياً ـ فترة حكم السادات فى السبعينات . وبرغم اتساع الفضاء الزمنى بفعل القراءة ، وتعدد مستوياته فى قصة ( شتاء الخوف ) ، فإن الحدث يلتزم إطاراً زمنيا، ليقع تحديداً فى ليلة واحدة من فصل الشتاء ، يشير إليها النص على النحو التالى ( 1959 ..خرج صلاح عمران من بيته بعد منتصف الليل وهو يحمل حقيبة ثقيلة ). أما السرد ، فيمكنه أن يعبث فى هذا الإطار فيضيقه ، أويوسعه ، أى أنه يعيد تشكيله ، فإذا كان الحدث يقع تحديدا بعد منتصف ليلة فى شتاء 1959 ، فإن السرد يخبرنا بان صلاح عمران خرج من بيته يحمل حقيبة ثقيلة مكتظة بالكتب ، ليلقى بها كتاباً بعد كتاب فى النيل خشية أن تضبطها الشرطة فى بيته ، وعلى القارئ أن يتخيل ـ بإيعاز من السرد ـ الزمن الذى يحتاجه رجل خائف فى ليلة شتوية يمشى فى منتصف الليل بحقيبة ثقيلة ليقطع المسافة من ميدان الجيزة إلى كوبرى عباس ، ثم يفتح الحقيبة ليلقى بالكتب واحداً واحدأ بعد أن يتأملها متحسرأ على قيمتها وذكرياتها معه. وهكذا فالإشارات المحددة لزمن الحدث داخل النص ليست ملزمة للقارئ ، إذ يتم استقبالها على نحو خاص يسهم فى تقديره السرد ، ويضع القارئ اللمسات الأخيرة له وفقاً لخبرته بالواقع ، لأن الزمن كما يقول كانط هو الصورة المميزة لخبرتنا. السرد يمنحنا القدرة على تخيل زمن الحدث وتجاوزه فى آن ، بمعنى أن زمن الحدث سيعمل كمحفز على إطلاق أزمنة أخرى يعبر عليها السرد للخلف أو للأمام ، أى أن السرد يحقق انحرافاً لزمن الحدث والقارئ يحقق انحرافاً لكليهما معاً. يقول ديفيد لودج فى الفن الروائى : (إن أبسط طريقة لحكاية قصة ، هى التى يفضلها منشدو القبائل نفس تفضيل الآباء عند نوم أبنائهم ،هى البدء من البداية والمضى قدما حتى الوصول إلى النهاية ، أو حتى يتغلب النوم المستمعين ، ولكن حتى فى قديم الزمان ، أدرك القصاصون النتائج الشاقة التى يمكن الحصول عليها بالانحراف عن الترتيب الزمنى للأحداث )"4". إن هذا الانحراف الزمنى الذى يحققه السرد والذى يشير إليه (لودج) هو ما يجعل من قص حكاية ما عملاً فنياً وليس مجرد إخبار عنها ، أو هو طاقة التشكيل التى يطلقها السرد فى زمن الحدث ، بالحذف أو بالإضافة أو بإعادة الترتيب حتى يحقق السرد زمنه الخاص . وغنى عن التوضيح أن إشارة ( لودج ) عن النتائج الشاقة ، تضمر انحيازاً لعمليات الانحراف الزمنى التى يقوم بها السرد لأنها فى النهاية الملمح الظاهر لفنية الحكاية ، وهى الرؤية الجمالية للذات الساردة . ولكن كيف يتجاوز بنا السرد زمن الحدث؟ فى تلك الليلة الشتوية التى خرج فيها صلاح عمران من بيته ، رحنا كقراء نتتبعه إلى كوبرى عباس ، ولكنه ما يكاد يخطو بنا بضع خطوات حتى يتوقف أمام فيللا بركات باشا ، فتذكره الفيللا بليلة أخرى سابقة على ليلتنا تلك ، وهى ليلة زفاف حبيبته على رجل آخر ، أما نحن فسنتبعه من جديد وهو يسرد علينا أحداث ليلة الزفاف ، ومع ذلك لن نفقد علاقتنا لحظة بالليلة الشتوية والتى لم تنته بعد ، نحن فى الحقيقة ننتمى إلى تلك الليلة التى خرج فيها صلاح عمران من بيته ،ومع ذلك يمكننا أن ندرك ليال أخر تتقاطع معها ، لأن فضاء الحدث يمكنه احتواء ليال أخر ، ولأن إدراكنا للزمن ليس خطيا فى اتجاه الأمام بحيث يصعب علينا الخروج عنه أو الرجوع إلى الوراء ، بل يمكننا أن نتجول فى الزمن بحسب معطيات السرد ، ويعنى هذا أن زمن الحدث الذى يبدو محدوداً نسبيا ، مكتنز بطاقة زمنية أكبر مما نتوقع . وهكذا فإن الانحراف الزمنى الذى يحدثه السرد ، ليس مجرد حيلة لتضليل القارئ ، بقدر ما هو إطلاق لطاقة الزمن فى الحدث ليعين القارئ على إدراك جمالى له أو هو بمعنى آخر طاقة السرد المكتنزة فى الحدث . وسيمتلئ الزمن الذى يقطعه صلاح عمران من بيته إلى كوبرى عباس بشراك زمنية أخرى غير فيللا بركات باشا التى ذكرته بليلة زفاف حبيبته ، وسوف يصبح كل واحد منها محفزاً لمزيد من السرد ،إن النص ـ فى الواقع ـ يحتشد بتلك المحفزات التى تظهر عبر صور عدة ، فالأشياء التى من قبيل فيللا بركات باشا او الصور الفوتوغرافية أو التذكارات والآثار والروائح والأماكن والتواريخ تصلح كمحفزات للسرد الذى يحضر بزمنه ، أى أننا فى النهاية سنمضى وراء حلقات متداخلة من السرد والزمن الذى يعلن عن نفسه مع بداية كل دفقة سردية جديدة على نحو مانرى .. ( بالأمس فى الصباح اندهش صلاح عمران عندما دخل الأستاذ جابر.........). ( فى ساعة متأخرة من الليلة التى حذره فيها الأستاذ جابر غادر صلاح عمران البيت ......). بعد منتصف إحدى الليالى استقبل النقيب سيد علوان الصحفى صلاح عمران ....). تمفصلات الزمن لقد أشرنا إلى أبعاد ثلاثة للزمن رأينا أنها أكثر حضوراً فى الوعىالنقدى عند دراسة النص الأدبى دراسة زمنية ، وظنى أن هذه التصنيفات تتضمن أزمانا أخرى أشار إليها كثير من الباحثين ببعض التفصيل ، غير أن هذه التصنيفات الدقيقة ظلت محاطة ببعض التحفظات من قبل الباحثين أنفسهم ، من ذلك ما يشير إليه (عبد المعطى بو طيب)"5" بوصفه زمن الكتابة وهو يتعلق بالمدة الزمنية التى يتطلبها فعل كتابة النص ، وهو يفرق بينه وبين زمن الكاتب خشية الالتباس ، ومع ذلك فهو يتحفظ بأن إدراك زمن الكتابة أمر غاية فى الصعوبة ، فليس من الضرورى أن تتوفر لدينا معلومات عن تاريخ بداية ونهاية الكتابة ، وشان هذا مايطلق عليه ( زمن القراءة ) ويفرق بينه وبين زمن القارئ ، ويقصد به ( المدة الزمنية التى سيحتاجها القارئ لإنجاز فعل قراءة عمل حكائى معين ، وهو زمن من الصعب ـ أيضا ـ تحديده فضلاً عن كونه غير فاعل فى السرد . ويمثل جيرار جينت فى ( خطاب الحكاية )"6" مرجعا رئيسيا لكثير من الباحثين المولعين بمثل هذه التمفصلات ففى معرض إشارته عن المدى أو السعة الزمنية للنص ، يشير إلى وظيفة التمفصلات الزمنية المفارقة لزمن الحكاية ، أى تلك اللحظة التى تتوقف عندها الحكاية / الحدث لتخلى المكان لزمن آخر مفارق لزمن الحكاية . وجينيت .. يقسم هذه التمفصلات على نوعين ، الاسترجاعات والاستباقات ، ثم يعود لتقسيم الاسترجاعات إلى داخلية وخارجية ويطلق على الاسترجاعات الداخلية مصطلح ( غيرية القصة ) ، ويصنفها بدورها إلى استرجاعات تكميلية ( أو حالات تضم المقاطع الاستعادية التى تأتى لتسد بعد فوات الأوان فجوة سابقة فى الحكاية ) وأخرى تكرارية ويسميها ( التذكارات) . إن جهداً على هذا النحو قد يكون ضروريا بالنسبة لباحث فى المنهج وعندما يتناول الزمن على نحو تقنى من الوجهة النظرية ، أما ونحن بصدد دراسة تطبيقية ، فيمكن لنا أن نضّمن هذا التحريك التقنى للزمن عبر قراءة النصوص نفسها ، على نحو إشارتنا بمعرض قراءة (شتاء الخوف) لبهاء طاهر ، إلا إن جيرار جينت يتحدث تحت عنوان ( فى اتجاه اللاوقتية ) عن ما يطلق عليه ( الخطاب التعليقى ) ، وهو خطاب غير زمنى لا يستدل من المضمون على تحديد وضعه المفارق بالقياس إلى زمن آخر سابق أو تال له ، ومثل هذا الخطاب قد يرد فى النص عبر إشارات لازمنية محددة ، كما أنها لا تأخذ طبيعة الحدث الذى يتضمن زمنا ما ، ولكنها مع ذلك " ذات تزمن ليس هو تزمن الحدث " . تبدا قصة ( دنيا وآخرة ) - 7 -لعزة بدر وتنتهى بلا حدث واحد يقع فى زمن السرد ، ومع ذلك ، فالقصة محتشدة بالعلاقات الزمنية ، بل يمكن القول ، توظيفا لعنوان النص ، إنه حالة من حالات التأمل الشاسع للزمن ، فبين الدنيا والآخرة تنشأ علامة على حياة بأكملها ، وبكل أزمنتها . القصة كلها تروى عبر ضمير المتكلم ، وتنبثق من مجرد مثير شيئى يفتح طاقة الزمن عن آخرها ، والزمن هكذا ليس استرجاعاً ولا استباقاً لأنه لا ينطلق من لحظة مفصلية ولا ينطوى على مفارقة ، ومع ذلك فكل أحداث القصة تقع فى زمن سابق على وجود المثير ، وهو هنا ذلك البسـاط الذى يتمـدد تحت قدمى الرواية ، ويحمل فى نسيجه قصاصات من أقمشـة قديمة تخص الراوية وأسـرتها . الطريف أن الأمر لايتم على سبيل التذكر ، فالرواية تقرأ القصاصات أو تستنطقها لتنبئها بذلك التاريخ الذى لم تشهده : ( أرقب فيها خطوط طفولتى .. بوسعى أن المح أقمشة حمراء وبيضاء ، وقد ثبتت بقاياها ببراعة فى نسيج السجادة المتعددة الألوان ، فى موضع ما تراكمت ياقات من النايلون تنبئ بأن أمى قد احتفت بمولدى كثيراً لأن بقايا القماش التى انطوت إلى جانب بعضها كاهرامات صغيرة متجاورة قد امتدت فيما بينها شبكة من الخيوط المتواصلة بغير انقطاع ، توحى بهذا الحنان الذى به تدفأت ، وتلك المحبة التى أحاطتنى بأكثر من ذراع ) . إن الطريقة التى تقرأ بها الراوية قصاصات القماش لا تتشابه مع طريقة الجيولوجى وهو يقرأ تاريخ الحياة فى طبقات الأرض إلا فى شكلها الخارجى ، فالجيولوجى يتعامل معطيات كمية وموضوعية فى حسابات الزمن ، أما الراوية فى قصة (دنيا وآخرة ) فالسجادة ـ بالنسبة لهاـ محفز جمالى للسرد ، موشوم بالزمن ويعمل على نحو تفاعلى مع الذات ، فالقصاصات تقوم بدور الشخصية فى السرد وتحكى لنا حكايتها ، وحين تتجاور القصاصات فالحكايات أيضا تتجاور ، وكأنها تحدث جميعا فى لحظة واحدة هى لحظة تأمل الرواية للقصاصات ، أى أن الزمن لا يستدعى من الماضى ، بل هو كامن فى القصاصات ، أو هو على نحو أدق ، حاضر الآن رغم علمنا بانتهائه ، إنها لحظة من التداخل النادر بين الماضى والحاضر تنتج كإحداثية لتقاطع زمنين تمثل السرد كله . علامات الزمن يقول كانديدو بيريت جاييجو"8 " (مايهمنا سيكون ملاحظة موقع الإشارات الزمنية وأدائها فى السرد وكيفية توزيعها فى سياق يتحرك كآلية زمنية ، وهذه الآلية تحترم مكوناتها ، كآلة تجرى عمليات جمع وطرح وضرب وقسمة على كميات موجهة وتبحث فى الحال عن ناتج هذه العمليات ، ويصير منهج " التوزيع "المعيارى هذا بيانا من الأشكال والتجانسات ، وتدلل هذه الأفعال المنفصلة عن بقية النص على ديناميكية استخدمات معينة، وتوضح أين يمكن أن توجد فضاءات مكشوفة او غير مدمجة فى ذلك المخطط الإجمالى من التلاحمات الذى هو الرواية ، ويمكن على هذا الأساس فهم عملية الشئ / صورته على أنها خطة استخدامات للفضاء بل يمكن أن نقيمها على أساس من الحوافز / ردود الفعل ) . يميل ( كانديدو بيريت جاييجو) وهو باحث سيمولوجى إلى قراءة العلاقات الداخلية للنص السردى بوصفها مجموعة من العلامات ، وهو يطبق منظوره السيمولوحى على دراسة الزمن فى الرواية ، ليس كتوقيتات أو تمفصلات تقنية ولكن كفضاء تعمل على خلقه وتوسيعه بشكل مستمر مجموعة الإشارات الزمنية التى يحتشد بها النص فى كل لحظة . إن هذه الإشارات الزمنية قد تظهر كقيم إسلوبية ... " من قبيل ( هذا الصباح ـ فى تلك الليلة ـ الآن على أن .. ، أفكر لو سافرت فى الصيف ) وهكذا تتشكل سلاسل من الإمكانات الزمنية وتتسع فى حلقات تندمج فيها مع الأحداث الأدبية ، يقول كانديدو بيريت جاييجو ( من هنا تنشا خطة لكل فضاء وزمنه الخاص ، وتشق الرواية لنفسها طريقاً كلعبة متكررة ، فيترتب زمن على كل موقف عاطفى، وينبنى قالب يصلح لتطور كل ممارسة ) إن عنوان النص (دنيا وآخره) كعلامة يفتح أفقا شاسعاً من الزمن ، يبدو كفراغ يمكن شغلة بمجموعة من العلامات / القصاصات ،إن نقطة انطلاق السرد لا تمثل حدثا يرقى فى فاعليته ودراماتيكيته لحدث خروج صلاح عمران من بيته فى( شتاء الخوف) ، ومع ذلك فهى كافية كعلامة لتفجير طاقة السرد المحتشد بعلامات أخر تعمل على شغل الفراغ الزمنى بين دنيا وآخره . وكما يمكن أن تظهر هذه العلامات فى شكل إشارات صريحة للزمن ، يمكن أيضاً أن تظهر كأشياء ، يقول شعيب خليفى ( إن الأشياء والكيانات تتزمن حتى تصير ذات قيمة ومشروعية ، تفرز رؤية تنعكس على مرآة الكرونوتوب ) - 9 -، وحيث الكرونوتوب مصطلح نحته " باختين " يقصد به الفضاء الذى تشغله خصائص الزمن والمكان داخل كل جنس أدبى . إن السجادة فى ( دنيا واخرة) تتعين بداهة فى المكان وتحمل خصائصه ، كقصاصات من أقمشة ملابس لسكان المكان ، وهى ذات قيم تدل على مستواهم الاجتماعى ، وطبيعة العلاقات العاطفية بينهم ، وهى فى نفس الوقت تحقق كل هذا عبر نسيج زمنى يتداخل فى فضاء واحد مع المكان ويعملان معا كعلامة تدل على الشخصية . يقول آلان روب جرييه (( كل حائط وكل قطعة أثاث فى الدار كانت بديلا للشخصية التى تسكن هذا الدار ، غنية أو فقيرة قاسية أو عظيمة ، هذا بالإضافة إلى أن هذه الأشياء كانت تجد نفسها خاضعة لنفس المصير ولنفس الحتمية ... )) - 10 -. إن قراءة الزمن كعلامات جمالية يدلنا على فهم أوسع لشفرات النص سواء تلك التى تتعلق بالأحداث أو بالشخصيات فى حال تفاعلها مع الزمن والمكان ، ويمكننا التقاط هذا التفاعل الذى تكاد تصرح به الراوية وهى تستنطق السجادة لتشغل حيزاً من الفراغ الزمنى ، كما تشغل حيزاً من الفراغ المكانى ، وكأنها تشغل فى النهاية فراغ ذاتها ، أليس الزمن فى أحد تصوراته هو خبرتنا الخاصة أو هو بدرجة ما يتمثل عبر وعينا بذاتنا؟ وليس من قبيل المصادفة أن تتحدث الرواية عن الفراغ كمشكلة جمالية على نحو مانجد فى قولهاوهى تصف السجادة (( تمددت على الأرض ، وكان أجدر بها أن ترفع على الجدار لوحة تزين الفراغ الأبيض الذى يتمدد بلا ذاكرة ، كانت مشكلتى فى تلك الساعة هى مقاتلة كل فراغ ، وكان كل جدار فراغ مشكلة جمالية لم تكن أبداً بسيطة وأنا أستند إلى الفراغ .. ظهرى للحائط ، خالية الوفاض إلا من هذه السجادة القديمة التى بقيت تحت قدمى منذ ولدت وحتى الآن )) . إن السجادة ، شأن كل الأشياء ، شاهد على خبراتنا وتجاربنا الشخصية ، بل هى شاهد على المزاج العاطفى لنا ، ولها القدرة على أن تدمجنا كشخصيات فى فضاء واحد مع الزمن والمكان ، وبوسعنا أن نكتفى هنا بدور الأشياء كمحفزات زمنية ، ومن ثم كمحفزات للسرد ، تماما كحدث خروج صلاح عمران من بيته فى( شتاء الخوف) غير ان الأشياء ليست مجرد أحداث تقع ثم تنتهى ، إذ تظل فى علاقة متفاعلة معنا ، بمعنى أنها لا تظل كمجرد شاهد يحمل آثار الماضى ، بل يمكن للشخصيات أن تسقط عليها من كوامنها النفسية و الذهنية والعاطفية فى كل لحظة . ويلحظ مصطفى الضبع هذا الملمح فى علاقة الشخصية القصصية بالأشياء من الساردة منظور زمنى ، ويعنى به مستوى الخبرة والتجربة التى تمثلها الذات من حيث هى ذات رائية للأشياء (( تتاثر عملية الرؤية بالعامل الزمنى للسارد أو من تقديم الأشياء من زاوية رؤيته ، ويعنى بالزمن خبرة الإنسان بالأشياء عبر مراحل عمره ، فالنص قد يقدم من وجهة نظر طفل أو شيخ ، وعندها لابد أن تختلف زاوية الرؤية وتتاثر صورة الأشياء بهذه الزاوية )) . - 11 -بوسعنا أن نقول .. إن السرد يمنح الأشياء زمنها ، تماماً ، كما أن الأشياء تمنح السرد زمنه ، غير أن هذا التحريك لطاقة الزمن السردى فى الأشياء مشروط بموقف الذات الساردة ، عندئذ ، تقف الذات فى مواجهة صريحة مع الأشياء كموضوع ، وكأن الزمن ،هوأحد صور التفاعل بين الذات والموضوع ،إنه موقف جمالى يعبرعنه جوته بمقولة ( الشعروالحقيقة) . ويرى ( ميرهوف ) "12"إن هذه النتيجة المتحصلة للعلاقة بين الموضوعى والذاتى فى إدراك الزمن عبر مجرى الشعور وفى الذاكرة ، إنها أهم مفتاح لتركيب الشخصية وبنائها لهوية الذات . أسلبة الزمن : يحصر كانديدو بيريت جاييجو الإشارات التى ترد فى النص عن الزمن إلى فئتين ، الأولى يسميها (tm ) ويقصد بها تلك الإشارات المحددة مثل قولنا ( كان الوقت مساء ...) ، والثانية ( ta ) وهى تلك الإشارات الممددة ( نسبة إلى مدة ) ، ويقصد بها تلك اللحظات أو المدد الزمنية التى تتضمن وقت المساء ، فالمساء شاشة تتسع لخمسة او ستة تخصيصات فى هذه الفترة الزمنية المجملة ، وهذه الإشارات الزمنية تتداخل وتتشابك فيما بينها وتتحرك فى السرد ، أى أن السرد ينضبط وفق إيقاع زمنى . ويمكن ملاحظة أن الإشارات الزمنية لا تكتفى بدورها كمحفزات لتحريك الأحداث ودفعها فى اتجاهات زمنية مختلفة ، ولكنها أيضا قد تعمل كمحفزات عاطفية وانفعالية ، فالمساء فى قصيدة لمطران إشارة لتحريك انفعالات ذاتية . وكأننى آنست يوماً زائلاً فرأيت فى المرآة كيف مسائى فضلا عن ذلك ، فالإشارات قد ترد فى النص على نحو مجازى كوصفنا لغانية بأنها فتاة ليل ، إن هذا التعبير الاصطلاحى ليس له رصيد فى علاقتنا بالزمن إلا باعتبار أنها أقدم مهنة فى التاريخ ، وكل الرصيد الذى يحركه التعبير فينا هو أخلاقى لازمنى ، ومثل هذه الإشارات لاتعمل كمحفزات للسرد . غير أن هذا التوسيع لاستخدامات الزمن فى النص هو ما يدعو كانديدو بيريث يقول : (( يمكن تفصيل كل الحبكة طبقا لقاعدة زمنية تشير إلى أشياء محددة )) ، بمعنى أن كل الطروح الخاصة بموضوع الرواية تجتمع بين إشارات زمنية سواء محددة ™ او ممددة (am) .. (( وكأن ثمة آلة توقيت ( ساعة ) إسلوبية فى مكان ما من السرد ، وهذه الساعات تدق فى روايات عديدة ، وهى فى نهاية الأمر شواهد على أن البطل لايستطيع الفرار من طبيعته الخاصة )) . ولأن النص لايمثل حياة إلا بشروط أدبيته ، فإن تحليل الزمن فيه سيخضع لشروطه الأدبية أيضاً ، أى أنه يقترب به من التخييل وينأى به عن أن يكون مجرد وظيفة للزمن فى الحياة ، فليس ثمة علاقة حتمية بين الزمن السردى والزمن الحقيقى ، وهكذا لا يمكننا تحليل الزمن فى السرد إلا إذا اعتبرناه ملمحا من ملامح الإسلوب ، شأنه شأن الحوار والوصف ، وكلاهما فى الأساس نشاط لغوى وفعل تخييلى ومن ثم يمكن قراءته كعلامات. من المهم أن نؤكد على أن هذه النظرة إلى الزمن كأسلوب ، تستكمل كثيراً من الدراسات التى تعمل على دراسة الزمن كتقنية ثم لاتمتد ظلالها لتغطية الأنساق الدلالية التى تعمل فى البناء الموضوعى للنص ؟ ولعل السبيل الوحيد لقبول هذه الدراسات هو قيمتها المنهجية لدى أى باحث يستفيد من نتائجها كـ( داتا) أو كقيم معرفية مفيدة للبحث، فالباحث فى أدب نجيب محفوظ سوف يستفيد على نحو كبير من الجزء الخاص بالزمن فى دراسة محمد السيد إبراهيم ( بنية القصة القصيرة عند نجيب محفوظ )"13" لتضمن له سلامة الإجراءات وتمده بزخم هائل من المعلومات الهامة عن الزمن فى قصص محفوظ ، فالدراسة معنية بهذا الأمر على نحو إحصائى دقيق كمدخل لمن يريد دراسة قصص محفوظ دراسة موضوعية ، وهى بهذه الطريقة أكثر تحديداً وتخصيصاً من دراسة (جينت) للزمن فى ( خطاب الحكاية) ، ومع ذلك فكلاهما لايغنياننا عن دراسة الزمن كعلامات تمكننا من معرفة القيمة الجمالية فى استخدام نجيب محفوظ لتقنية الاستباقات مثلا ً ، والتى يشير محمد السيد إبراهيم إلى أن محفوظاًً استخدمها لألف وتسعمائة وتسع عشرة مرة كما جاءت على لسان شخصيات قصصه . نحن أميل إلى التعامل مع الزمن بهذه الطريقة التى تجعل من الإشارات الزمنية علامات يمكن توظيفها جمالياً ودلالياً لصالح النص ، وهى طريقة لا تتعارض بل تدعم الاستخدام التقنى والإحصائى لزمن السرد وتستفيد منه، لأن محاولات الكتاب الخلاص من خطية الزمن لا تعنى ـ أبداً ـ الخلاص من الزمن نفسه ، وعمليات ترتيب الزمن على نحو خاص حتى فى كتابات تيار الوعى لاتعنى شيئاً للقارئ إلا بقيمتها الجمالية والدلالية ، والتى هى فى حد ذاتها بمثابة أسلبة للزمن ، فكما أن النص هو نسق من العلامات ، وإذا كان الزمن علامة داخل هذا النسق ، فانه يمكن دراسته كلغة ، كنظام ، فكل نص يصنع نظامه الخاص فى استخدماته للزمن ، وعندئذ تدخل إشارات الزمن الاستباقى مثل ( فى منتصف ليلة من شتاء عام ..) كمادة لغوية ، فى صلب النظام الزمنى ، فعند كل ذكر لإشارة من هذه الإشارات التى يعج بها النص ، سيضع السرد لبنة جديدة فى بناء النظام الزمنى للنص متفرداً. سيحدث هذا ـ ربما ـ منذ العتبات الاولى للنص وحتى نهايته ، فعلى نحو ماراينا فى ( شتاء الخوف ) ، حيث لا يمكننا تجاهل الفضاء المجازى الذى يفتحه العنوان ، ومن ثم لايمكننا تجاهل تاويله أو قراءته كعلامة فى نسق من العلامات الأخرى ، فتلك اللحظة التى يتوقف فيها السرد عن خروج صلاح عمران من بيته فى طريقه إلى النهر ليخلى مساحة زمنية لظهور حدث آخر له زمن مختلف هو تلك الليلة التى عرفت زفاف حبيبته على رجل اخر ، هذه اللحظة علامة جديدة تنضم الى العلامة السابقة لتمنح الشخصية بعداً جديداً وتمنح السرد مزيداً من الثراء والتعقد ، وليست مجرد حيلة تقنية هدفها تضليل القارئ ، او مجرد نوع من استعراض الإمكانات والمهارات الخاصة بالكاتب فى استخدام الزمن . إن كثيراً من الأعمال الأدبية تفضل أن تعلن عن نفسها منذ البداية إعلانا زمنياً ، فتربط عناوينها بإشارات زمنية وكأنها تريد لفت الانتباه إلى دلالة الزمن فى موضوعها ، وغنى عن الذكر أن كثيراً من هذه الإشارات قد تاتى صريحة ... الأيام ـ طه حسين الأيام الصعبة ـ محمد البساطى الأيام السعيدة ـ نعيم عطية فى هذا الصباح ـ أبو المعاطى أبو النجا ليل ـ إبراهيم الحسينى وش الفجر ـ يوسف أبورية كما أنها قد تأتى مضمرة مثل ... عشاء برفقة عائشة ـ محمد المنسى قنديل العشاء الأخير للجنرال ـ ربيعالسبروت أحلام رجال قصار العمر ـ محمد البساطى هذا فضلاً عن الإشارات الزمنية التى تدخل فى فضاء مجازى بالوصف أو بالإضافة كما نجد فى .. الضحى العالى ـ يوسف أبو رية أبواب الليل ـ سعد مكاوى أصوات الليل ـ محمد البساطى شتاء داخلى ـ أحمد زغلول الشيطى بحيرة المساء ـ إبراهيم أصلان إن الدراسة الإسلوبية للزمن تجعلنا نشعر بقوة الزمن فى عنوان مثل ( أحلام رجال قصار العمر ) "14" وهو ما لا توفره لنا النظرة إلى الزمن كتقنية ، فالقراءة الإسلوبية للزمن هنا ، هى التى توجهنا الى النزوع الشعرى والتشكيلى فى العنوان ونحن نقرأه كعلامة ، فالأحلام توحى بزمن طيفى عابر ، والرجال الموصفون بقصر العمر ترشيح لصورة الحلم / فكرة الزمن العابر ، وهكذا يبدو العنوان الذى يكاد يخلو من الزمن الصريح وكأنه تكثيف حاد لمعنى الزمن ، وسنلحظ أن العامل المشترك بين البنية الإسلوبية للعنوان ودلالته هو الاختزال ، فكلاهما يسعى لاختزال الزمن . وليس من قبيل المصادفة أن القصة تفصح عن إشاراتها الزمنية منذ اللحظة الأولى ، فالسطر الأول فى القصة يقول ( ولدت أيام الحرب ) ونلاحظ أن هذه العبارة التى تعلن عن مولد البطل وتربطه بزمن الحرب تحتل السطر الأول وحدها كأنه مفتتح للسرد ، ومن ثم يعمل كعلامة تتجاور مع العنوان وتدعمه ، وسنعرف بعد ذلك أن الراوى هو ذلك الطفل الذى يحكى سيرته فى فترة واقعة بين حربين ، وكأن قد ولد أثناء الحرب الاولى التى مات فيها أبوه ، وبعد سنوت تزوجت أمه من رجل آخر ، وعندما بدأت العلاقة بينهما تتوطد كأب وابنه ، يستدعى الرجل لحرب أخرى ويموت فيها ، وكأن الحرب تطيح بأعمار الرجال وتلقى بظلال اليتم والفقر على الطفل وأمه ، إن الموت يترصد الرجال ، وينتظر الأطفال حين يكبرون ، وهكذا يفقد الرواى / الطفل كل رغبة فى تقدم الزمن الذى لا يمهله فرصة الأمان . زمن الحرب / زمن الموت ، زمن مخصوم من حيوات الناس ، والنص يختزل حياة الطفل لتقع سرديا بين زمنين للموت ، وهكذا فالحرب ـ نفسها ـ ليست هدفاً من أهداف النص بقدر ما هى علامة على زمن مخصوم من الحياة ، وحيث سيرة الإنسان تستهلك بسرعة لتنقصى فى الزمن ، ومن ثم فهاجس الراوى هو هاجس زمنى ، وهكذا فهو يترصد للزمن وإشاراته فى كل لحظة تمر ، وقد يفسر هذا الترصد للزمن تلك الإشارات الكثيرة عن الزمن فى قصة قصيرة ، فلا تكاد تخلو دفقة سردية جديدة من إشارة زمنية ، وسنشير فقط إلى تلك الإشارات المحددة ™ ، وسنتغاضى الآن عن الاشارات الممددة (am) ، المتضمنة للإشارات الصريحة والتى قد تظهر كافعال وممارسات . ـ أذكر تلك اللحظة عندما كنت ارفع ساقى .... ـ ذات ليلة لمحت مقعداً فى الحوش ..... ـ فى وقت قصير أصبح لى ثلاثة من الأصدقاء .... ـ فى المساء كنا نلتقى حول الولد الكبير ..... ـ فى صباح الخميس كنت أصعد التل ..... ـ بعدها بشهر والتاريخ مكتوب على الفرن ولدت . ـ فى الصباح الباكر تبدو النباتات و الأشجار أكثر خضرة وارتواء ـ كنت أجلس بعد صلاة العشاء ... ـ فى الصباح كانت تضع صينية ـ فىالمساء كانت تمد ذراعيها وتنفضه و ... ـ فى الأيام الأولى من الزواج توقف العمل ... ـ كنا نخرج معاً فى الصباح ... ـ كناً فى الصيف وكانت ... ـ فى كل ليلة ، كانا يتفقان على ... ـ لقد مر أسبوعان على رحيله .. ـ فى الأسبوع الثالث وضعت أمى طفلاً ... ـ فى الصباح كانت أمى تحمله . ـ فى المساء استلقيت فى الحجرة الصغيرة . هذه بعض الإشارات الزمنية الصريحة ، والنص فى الحقيقة يزخر بتلك الإشارات حتى لتكاد تحكم كل سطر فيه وكل جملة ، وتحكم كل الفضاء الدلالى للنص بمعنى يستدعى مقولة كانديدو بيريت جاييجو ـ ( يمكن تفصيل كل الحبكة طبقا لقاعدة زمنية تشير إلى أشياء محددة ) ، ومن ثم ، لايمكننا تجاهل كل هذه الإشارات فى أية دراسة أسلوبية ،كما لايمكننا الاكتفاء بإحصاءها إجمالاً لنخرج بموقف واحد أى كانت قيمته، فكل إشارة هى إحداثية جديدة ومحفز جديد لسرد مكتنز بدلالاته وجمالياته، ولاشك أن هذا الحشد الإشارى للزمن هو فى حد ذاته إسلوب أو حيلة اتخذها السرد ليدعم فضاءه الدلالى ( الدلالة الكلية ) ، وكأن ثمة رغبة لدى الذات الساردة فى إحصاء كل دقيقة ، وكل لحظة تنقضى وتذهب بأحلام رجال قصار العمر . تشكيل الزمن : يقدم عبد السلام الكلكلى على دراسة الزمن فى روايات جمال الغيطانى من حيث هو جدل حى وممتد بين الماضى والحاضر ، ويتخذ من البنيوية منهجاً فى قراءة العلامات التى تلعب دوراً فى تحديد دلالات تعمل فى النهاية وفق آلية الإسقاط ، حيث يسقط من الماضى الذى تتخذه روايات الغيطانى فضاء لها على الحاضر المعاش / زمن كتابة النص باعتبار ( أن زمن الكتابة هو المجسد للحاضر ، إنه لحظة غاية فى الأهمية لأنه يختزل بالضرورة القضايا الساخنة المتفاعلة الحية المؤثرة فى وجدان الكاتب وفكرة ) "15"، ونتيجة لهذا الكلام عن القضايا الساخنة المتفاعلة الحية المؤثرة ، فالككلى يستفيد من الدراسات الاجتماعية فى دراسة الزمن المسقط عليه / الحاضر فى ظرفه السياسى . هذه الدراسة تفترض مسبقا أن ثمة صلة وثيقة تربط بين الزمن الفنى المتخيل فى النص ، وزمن كتابته ، ومعنى ذلك أنها تحيل المتخيل الزمنى إلى علامات لها قوة الواقع ، إن الدراسة تقدم نموذجاً جيداً لهذا المعنى .. الزمن بين المتخيل والواقع ، غير أن المشكلة تكمن فى أن الباحث سيظل أسيراً لتلك الالية العقيمة أو لتلك الدائرة المغلقة بين المتخيل والواقع الذى سيظل مرجعاً لايمكن فهم النص بدونه وذلك عندما يلهث وراء العلامات التى تحيلنا إلى خارج النص ربما ، تلك هى خطيئة الإسقاط ، فظنى أن كل علامة فى النص لاتعمل إلا لصالح النسق الداخلى / لإضاءة هذا النسق وكشف آليات العمل فيه لا فى الواقع الذى لانعرفه. الماضى ـ هنا ـ ينظر إليه كفضاء مواز لفضاء الحاضر ، مما يحيلنا إلى رؤية جزئية للزمن ، ويصبح موضوع الدراسة هو تلك المقاربة بين الفضائين . من المهم جداً أن ننتبه إلى طبيعة نظرة السارد إلى الزمن ، هل هو مجرد فضاء / إطار ، كمرحلة تاريخية تدور فيها الأحداث ، أم هو فاعل فى تشكيل السرد ، كطاقة لتحريكه وتوسيعه على نحو جمالى ودلالى ؟ تقدم لنا ( بحيرة المساء ) "16"لإبراهيم أصلان نموذجاً جيدا لدراسة الزمن ، كظواهر تقنية و أسلوبية تعمل فى النص على نحو يدفع إلى تشكيلة جمالياً ودلالياً ، ثم يمنحنا فرصة أخيرة ـ فى هذه الدراسة ـ حين نتعرف على الزمن كموضوع ، من حيث هو أزمة لشخصيات النص ، وهى شخصيات هامشية فى صميمها تعيش طوال الوقت على هامش الزمن ، فالزمن لا يعنيها إلا كوقت يجب أن يمر ليصل بهم إلى نهاية ما قد تكون أولى باهتمامهم . تطالعنا ( بحيرة المساء ) لإبراهيم أصلان ، بإ شارة واضحة إلى الزمن / المساء . غير أن هذا التحديد القاطع للزمن لا يستهدف الزمن متفرداً ، بل كبحيرة ، حيث تفتح فضاء مجهضا للزمن من حيث هو حركة / نهر ، فالزمن ليس نهراً كما نفهم من مقولة الفيلسوف الأغريقى ( الإنسان لا ينزل النهر مرتين ) ، بل هو بحيرة راكدة تماماً ، نلاحظ هنا تجاور الزمان والمكان أو تداخلهما . إذا كان عنوان النص ، لايشير إلا إلى النص ذاته ، فإنه يمكننا قراءة العلامات الزمانية والمكانية معاً عبر فكرة الركود هذه . يبدأ النص هكذا ( فى النصف الأخير من الليل ، كان الجرسون قد وضع بضعة مقاعد على شاطئ النيل ، ولم أكن اعرف أحداً من أفراد الجماعة التى كنت منضماً إليها معرفة وثيقة ولكن صديقى كان يعرفهم ) . الزمن هنا هو الليل ، لكننا فى نصفه الأخير ، وهو ينسحب ويشحب على نحو يرهص بنهاية الحدث / جلسة الأصدقاء على شاطئ النيل / النهر الذى لا يتوقف عن الحركة ، إن موقعهم بالتحديد على هامش الحركة ، إنهم فى بحيرتهم يستهلكون الوقت بملل واضح ، وبلعب الطاولة . بالكاد انتهوا من النصف الأول من الليل ، وهاهم يتطلعون لانتهاء النصف الثانى ، ومع ذلك فعلاقة الراوى لم تتوثق بهم بعد ؟ إن هذا الزمن مهما كان بطيئاً ، ومهما كان امتداده فينا كتاريخ / ماضى وحاضر ، فهو لايعمل على توثيق علاقتنا بالعالم / بالمكان ، الذى سوف نغادره حتماً فى النهاية ، المكان نفسه مجرد مقهى لالتقاء العابرين ، إنه مكان مؤقت ، والجالسون فيه مهمشون فى الزمان والمكان ، إن كل شئ هنا راكد أومجهض يوحى بالموت ، وسوف نرى ـ بعد قليل ـ أن الموت سيظهر كهاجس ملح على أحد شخصيات القصة . هل أفصح النص عن كل هذا ؟ أم أنه جهد القراءة / التأويل لعلامة مكتنزة بالدلالة ، ليس فقط عن نفسها ، ولكن بعلاقاتها مع علامات زمنية ومكانية أخرى بل ولغوية أيضاً ، وجميعها تتجاور أو تتقاطع مع بعضها ، إنها شبكة من العلامات التى هى النص نفسه. دعونا ننصت لحركة السرد المدفوعة بمثل هذه العلامات ، كمحاولة لفهم أعمق لفكرة الزمن المجهض فى ( بحيرة المساء ) ، لنكون أكثر اقتناعاً بأن النص الذى يعلن عن نفسه بإشارة إلى زمن محدد / المساء ، لايتحدث فى صميمه إلا عن السكون / الصمت / الموت / حيث لازمن ، على نحو يذكرنا بأمرئ القيس .. فيالك من ليل كأن نجومه بكل مغار الفتل شدت بيذبل نقرا فى بحيرة المساء: (الجو كان حاراً لدرجة أن الكافورة التى انتصبت أمامنا على الطوارلم تصدر عنها طيلة الوقت أى نأمة ، لم يكن هناك أثر للهواء فى ذلك الوقت الكتأخر من الليل ، وبدا سطح النهر ساكنا ، وفى لون الرصاص المصهور ) . الراوى هكذا يسقط من إحساسه ببطء الزمن على كل شئ حوله ، الهواء ، النهر ، الشجر ، إننا أمام زمن نفسى بالتأكيد يتداخل على نحو مؤثر بالزمن الواقعى ، غير أن هذا البعد النفسى لايمكن إدراكه من مجرد الإشارات الزمنية الصريحة ، بقدر ما يظهر عبر النشاط اللغوى فى وصف الزمن ، فاستخدامه للفعل ( بدا ) فى ( بدا النهر ساكنا ) ، يعنى أن النهر لم يكن ساكنا بالفعل إلا بقدر رؤية الذات الساردة له ، وهكذا يصير الزمن تجسيداً للإيقاع الداخلى للذات ، ولعل تكرار كلمة ( الوقت ) مرتين فى النص ، يشير إلى تخصيص مددى للزمن ( المساء ) ، بما يعنى أنه زمن استثنائى وخاص بزاوية الرؤية التى ينظر بها الراوى ، وهكذا تخلق اللغة علامات أخرى تكسب الإشارات الزمنية معناها، بما يعنى مشروعية قراءة الزمن كخصائص إسلوبية . يقول الراوى فى بحيرة المساء ( عندما التفت إلىّ صديقى وقال وهو يبتسم ..مالك ؟ قلت لاشئ )). لا شئ يحدث فى الحقيقة ، لأن الأحداث تقوم فى الزمن ، أما جلسة الأصدقاء على جانب النهر / الزمن ، فهى علامة على وجودهم خارج الزمن ، بما يعنى أن الزمن يتحرك بعيداً عنهم ، إنهم ثلة من المهمشين الذين اجتمعوا لتزكية الفراغ ، لهذا فإن وجودهم على المقهى لايمثل حدثاً ، إنه فقط محاولة لاستهلاك مساحة صامتة من الزمن الآنى . لنقرأ هذا الحوارالقصير بعناية خاصة.. (قال صديقى موجها كلامه إلىّ اتحب أن ننصرف؟ كما تريد بعد قليل ننصرف أشعلت سيجارة الأحداث تمنح الزمن وجوده ، تماماً كما أن الأحداث لاوجود لها خارج الزمن ، فعندما يغيب الزمن تغيب الأحداث ويصبح كل شيئ بلا معنى أو أهمية وتنعدم قيمة الأولويات ، فالانصراف الآن أو بعد فترة متساويان وكلاهما بلا أهمية ، إن هذا المعنى لايمكن إدراكه إذا اكتفينا بالدراسة التقنية للزمن كاستباقات واسترجاعات مهما بلغ عددها فى النص. يتميز الحوار عند إبراهيم أصلان عموماً ، وفى بحيرة المساء خصوصاً بقدر عال من الحياد الزمنى ، بمعنى أن زمن الحوار فى النص مساو تماماً لزمن الحوار فى الواقع ، فالشخصيات تتبادل الكلمات بنفس الطريقة التى يستخدمها الناس فى الواقع ، قد يبدو هذا مبالغة فى محاكاة الواقع يأباها الفن ، لكن هذا لايشغلنا الآن ،فقط نريد من هذه الملاحظة الإشارة إلى أن الحوار غير محمل بتمفصلات زمنية من شأنها أن تدفع حركة السرد إلى الأمام أو إلى الخلف ، بل يبدو الحوار وكأنه وقت مستقطع من زمن السرد البطيء أصلاً بسبب الوصفية العالية ، وكأن الحوار ـ هكذا ـ نوع من التكريس الرأسى لنفس اللحظة الزمنية التى يعمل السرد على كشفها، أو وكأنما الحوار هنا فى خدمة حركة الزمن لا حركة السرد ، فإذا كان الحوار واحداً من الأساليب التى تعمل فى بنية النص بقوة ، فإن زمن الحوار ـ نفسه ـ سيكتسب أهمية خاصة فى هذا العمل المتجه لتفعيل الأفق الدلالى والجمالى للنص . الحوار هنا ليس فقط لاستهلاك الفراغ ( من الأحداث والزمن ) ،ولكنه أيضاً يعكس أزمة الشخصيات فى علاقتها بالزمن ، ومن ثم فالحوار الذى يقوم بين الراوى وأحد جلساء المقهى يدور حول تلك الأزمة ، إن هاجس الموت هو المسيطر على ذلك الجالس قرب الراوى ويتبادل معه حديثاً عابراً وبغير سابق معرفة وكأنه مؤرق برغبة فى البوح ، فيما يبدو الراوى غير معنى بأى شئ خارج ذاته الفارغة وكأنما لاوجود للعالم أصلاً .. ( منذ مدة وصلنى أن المقابر الموجودة فى باب النصر ستزال . هززت رأسى ..قال : ستزال هى والمقابر الموجودة عند السيدة نفيسة . لماذا وصلك؟ قال بحذر وكأنه يخشى أن أنصرف عنه ماهو ؟ الخبر إننى أملك مقبرة هناك أنت تملك مقبرة هناك أقصد أنها موجودة فى زمن بعيد جداً ، وأنا الموجود الآن من العائلة ). وعلينا مرة أخرى ملاحظة الحوار ببعض الدقة ، الحوار يستهلك من داخله بدون أى تطور ، الأسئلة ليست جادة ، والإجابات لاتضيف ولاتفسر جديداً ،بل تبدو كتكرار للأسئلة ، وعموما فالجمل والمعانى تتكرر على نحو يوحى بالضجر والموات . بعد هذه الملاحظات حول الحوار، علينا أن ننصت إلى إيقاعه الذى يبدو تجسيداً لإيقاع الزمن الراكد ، الزمن يمنح إيقاعه للحوار كما منحه من قبل للوصف ، السرد فى مجمله يتشكل عبر هذا الإيقاع ، الذى هو فى الحقيقة أزمة الشخصيات كلها وموضوع النص فى مجملة ، لهذا ، من المشروع جداً أن نقول ، إنه لايمكن دراسة الزمن كموضوع للنص ، بمعزل عن دراسته كإسلوب ، إن هذا الجدل الفنى العميق بين الوصف والحوار ولغة كل منهما ودوره فى تشكيل السرد هو ماتوفره لنا الدراسة الإسلوبية للسرد والتى لاتتعارض بطبيعة الحال مع الدراسة التقنية له بقدر ما تستفيد منهاوتحتويها. والآن .. هل بوسعنا أن نقول كما يقول كانديدو بيريث جايجو ..إن ثمة ساعة فى مكان ما من السرد تدق ، وإن كل شئ فى النص ..كل شئ يتحرك وفق هذه الدقات، وكأنها موجودة من قبل بداية النص أ و وكأنها أول شئ يتكون فيه ليبقى حتى لحظة النهاية ؟ لننظر إلى تلك النهاية التى علقها إبراهيم أصلان فى الفضاء لتظل شاهداً على ركود الزمن الذى شكل السرد منذ البداية / العنوان. ( .. ولم يكن الرجل على مقعده ، بل كان واقفاً هناك على الشاطئ فى أعلى المنحدر ، كأنه جزء من الركود الرمادى الذى ذابت فيه المنطقة ، تأملته طويلاً ، لم تصدر عنه أى حركة ، كان فقط واقفاً يتبول ، وساقاه منفرجتان ، ورأسه مدلى إلى أسفل )). هكذا ترى الذات الساردة المشهد الأخير . ترى إلى مدى كان ( كانط ) منصفاً ودقيقاً ، عندما قال .. إن الزمن هو الصورة المميزة لخبرتنا. * * *


المصادر والمراجع1. الزمن فى الأدب ـ هانز ميرهوف ـ ترجمة أسعد رزق الله ـ العوضى الوكيل ـ منشورات سجل العرب 2. الفضاء المسرحى ـ أكرم اليوسف ـ دار مشرق مغرب ـ دمشق .3. شتاء الخوف ـ قصة لبهاء طاهر من مجموعة قصص ذهبت إلى شلال ـ أصوات أدبيةـ العدد 241 .4. الفن الروائى ـ ديفيد لودج ـ المشروع القومى للترجمة ـ المجلس الأعلى للثقافة .5. اشكالية الزمن فى النص السردى ــ عبد المعطى بوطيب ــ مجلة فصول ــ المجلد الثانى عشر ــ العددالثانى .6. خطاب الحكاية ــ بحث فى المنهج ــ جيرار جينت ــ المشروع القومى للترجمة ــ المجلس الأعلى للثقافة .7. دنيا وآخرة ــ قصة لعزة بدر ــ من مجموعة أعناق الورد ــ إبداعات المرأة ــ مكتبة الأسرة 2003 8. الفضاء / الزمن ــ اقتراب سيسيولوجى ــ كانديدو بيريت جايجو ــ مجلة فصول ــ المجلد الثانى عشر ــ العدد الثانى .9. شعرية الرواية الفانتاستيكية ــ شعيب خليفى ــ المجلس الأعلى للثقافة.10. نحو رواية جديدة ـ آلان روب جرييه ـ ترجمة مصطفى إبراهيم ـ دار المعارف .11. الأشياء وتشكلاتها فى الرواية العربية ـ مصطفى الضبع ـ حوليات الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة الكويت ـ رسالة 213 ـ الحولية 24 .12. الزمن فى الأدب ـ هانز ميرهوف ـ ترجمة أسعد رزق الله ـ العوضى الوكيل ـ منشورات سجل العرب .13. بنية القصة القصيرة عند نجيب محفوظ ـ دراسات فى الزمان والمكان ـ محمد السيد محمد إبراهيم ـ كتابات نقدية ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة .14. أحلام رجال قصار العمر ـ قصة لمحمد البساطى من مجموعة ( أحلام رجال قصار العمر ) ـ دار الفكر المعاصر .15. الزمن الروائى ـ جدلية الماضى والحاضر عند جمال الغيطانى ـ عبد السلام الككلى ـ مكتبة مدبولى , 16. يحيرة المساء ـ قصة لإبراهيم أصلان ـ من مجموعة قصص ( بحيرة المساء ) ـ الهيئة العامة للتأليف والنشر .



#سيد_الوكيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيد الوكيل - تشكيل الفراغ