العدوان على العراق
امريكا تربح في العراق وتخسر في السعودية
بعد انتصارها العسكري الكاسح على العراق، تسعى امريكا اليوم لقطف الثمار السياسية، وترتيب المنطقة حسب الاجندة الامريكية والاسرائيلية؛ سحب القوات العسكرية الامريكية من السعودية الى قطر، اشارة الى عدم ثقة الامريكان بالنظام السعودي مما سيزعزع مكانة السعودية كحليف رئيسي لامريكا في المنطقة.
سامية ناصر خطيب
الملف السعودي
صرّحت الولايات المتحدة انها" ستبدأ عملية سحب قواتها من السعودية مع نهاية هذا العام، معتبرة هذا الامر احد اهم فوائد الانتصار على العراق". (وول ستريت جورنال، 2 ايار). واكد الامير سلطان بن عبد العزيز، نائب رئيس الوزراء ورئيس الحرس الوطني السعودي، في لقائه بالرياض مع وزير الخارجية الامريكي، دونالد رامسفيلد، انسحاب "القوات الامريكية المشاركة في منطقة حظر الطيران في جنوب العراق، من السعودية، قائلا انه قد اصبح لا لزوم لها، مؤكدا استمرار التعاون بين البلدين وواصفا علاقة البلدين بانها قوية ولا يوجد خلاف في وجهات النظر". (الشرق الاوسط، 30 نيسان)
"من هذا الانسحاب يوجه الامريكان رسالتين هامتين للعالم العربي"، حسب "وول ستريت جورنال" (2 ايار)، "اولهما ان لا مطامع امبريالية للولايات المتحدة في ارض العراق. والامر الآخر ان القوات الامريكية التي رابطت على ارض السعودية جاءت لتحمي المملكة من صدام حسين ولمراقبة منطقة الحظر الجوي في العراق. وقد زال خطر صدام، لذا فالاسباب العسكرية زالت ايضا وعليه تستطيع القوات المغادرة".
ولكن الرسالة الحقيقية من وراء سحب القوات، والتي لم يتضمنها البيان المذكور، تكمن في ان الامريكان تعلموا بعد احداث 11 ايلول انه ليس بالامكان الارتكان على النظام السعودي. وقد ادركوا ان وجودهم العسكري في السعودية لا يهدد العائلة المالكة فحسب، ولكنه يعرّضهم لمضايقات سياسية واجتماعية، فجاء القرار بالبحث عن قاعدة بديلة اكثر امانا وحرية. وكانت الاجابة في قطر التي سمحت لهم بالتواجد في اراضيها علنا، موفرة لهم مسمار جحا للبقاء في الخليج بشروط افضل ودون الضغوط الداخلية التي تعرضت لها السعودية.
ولكن الظروف التي اضطر فيها الامريكان لترك السعودية، تشير الى مشكلة في العلاقات بين البلدين. فالانسحاب هو تعبير امريكي عن عدم ثقته بالنظام السعودي، الامر الذي سيزعزع دون شك موقع السعودية في مجلس التعاون الخليجي، كونها حليفة رئيسية لامريكا في منطقة الخليج.
على المستوى العام مرت العلاقات بين البلدين بتوتر شديد. وتشير نتائج استطلاعات الرأي التي اجريت مؤخرا، ان 97% من السعوديون ينظرون للولايات المتحدة نظرة سلبية.
ان خروج القوات الاجنبية من الاراضي المقدسة قد يعتبر "انجازا" يمكن لبن لادن ان يسجله لنفسه، كونه احد اهداف هجمات 11 ايلول على واشنطن ونيويورك، وتستطيع المملكة السعودية ان تتنفس الصعداء بان مطلب المعارضة بمغادرة الكفار للاراضي المقدسة قد تحقق.
ولكن الموضوع ليس بهذه البساطة. ان امريكا تغادر السعودية لتزيل الحجة بان "المملكة لا تستطيع احداث اصلاحات سياسية وديمقراطية، بسبب عجزها عن مواجهة التيار الديني الاصولي الذي يتهمها بالعمالة للامريكان". (نيويورك تايمز، 30 نيسان)
ولكن ادخال هذه الاصلاحات، وبضمنها توفير اماكن العمل للشباب الناقم عليها، لن يكون بسيطا على العائلة المالكة التي سيطرت على معظم ثروات البلد. وسيكون على العائلة اجراء تعديلات سياسية باتجاه اشراك الاغلبية المقموعة والمضطهدة، والتي شكلت على مدار زمن طويل تربة خصبة لانتشار التيار الاصولي.
هذا الوضع هو الذي دفع ولي العهد السعودي، الامير عبد الله، لاعداد خطة تقضي باستغلال مغادرة القوات الامريكية للاراضي السعودية، لاجراء انتخابات ديمقراطية لمجالس محلية واقليمية خلال ست سنوات. وتضيف "نيويورك تايمز" (30 نيسان) التي نقلت هذا التقدير، ان السؤال الذي سيكون على ادارة بوش الاجابة عنه هو ماذا اذا لم تُحدث هذه الاصلاحات تغييرا حقيقيا في السعودية؟ بعد ان خرجت امريكا لحرب مع العراق لتحرير شعبه، قد يطالبها السعوديون العاديون باتخاذ خطوات من اجلهم هم ايضا".
واضح ان امن العائلة المالكة هو الاهم، وهي لذلك ستواصل استجداء رضا الامريكان عليها لمجابهة التيار الديني المعارض. ولكن امريكا ايضا تعي ان هذا الامر قد يكلف العائلة سلطانها لان الرأي العام يعارض هذه العلاقة، ولذلك تأتي المطالبة الامريكية بدمقرطة النظام واحداث اصلاحات سياسية واقتصادية، وبالذات وقبل كل شيء تغيير المناهج التعليمية التي تروّج للفكر الوهابي. فامريكا تعتبر هذه التربية متشددة وتحريضية ضد الامريكان والغرب على اعتبار انهم كفار، الامر الذي شكل في رأي الامريكان تربة خصبة لنمو التيارات الاصولية الارهابية التي سددت لها ضربة 11 ايلول. المطلوب هو تغيير الثقافة والخطاب الاصولي وعصرنة المجتمع السعودي حتى يتقبل الغرب برحابة صدر اكبر.
ويصب في خدمة تشديد الحملة على التيارات الاسلامية الاصولية، اجتماع وزراء الداخلية في دول مجلس التعاون الخليجي في 7 ايار بالدوحة، حيث "اصدروا بيانا اكدوا فيه ان امن دول المجلس كل لا يتجزأ. كما دعوا لنبذ الارهاب ومحاربته بمختلف اشكاله وصوره ايا كان مصدره". (الحياة، 8 ايار)
الملف السوري اللبناني
زار وزير الخارجية، كولين باول، سورية بهدف التوصل الى تفاهم، يكون على سورية بموجبه ان تلعب دورا ايجابيا بالنسبة لعملية السلام في المنطقة وبالنسبة لمستقبل العراق، والضغط على أية عناصر يمكنها ان تعرقل او تلعب دورا سلبيا في هذا الاطار، خاصة حزب الله والفصائل الفلسطينية المعارضة.
التقى باول الرئيس السوري، بشار الاسد، ووزير خارجيته فاروق الشرع، وفي لبنان التقى الرئيس اميل لحود. ودعا باول سورية الى "ادراك الوضع الاستراتيجي الجديد في المنطقة، معتبرا ان عليها ان تدرك ان الامور تغيرت" (الحياة، 3 ايار). وقالت مصادر دبلوماسية واكبت عن قرب المحادثات التي اجراها باول في دمشق وبيروت، "ان باول شدد على رغبة بلاده في انجاح خريطة الطريق. وقالت نفس المصادر ان باول خرج بانطباع ان دمشق لن تلعب دورا معرقلا في الملفين العراقي والفلسطيني". (نفس المصدر)
وكشف باول ان مصادر سياسية في سورية ابلغته ان بلادها اغلقت مكاتب لمنظمات فلسطينية. ودعا لبنان ايضا لنشر جيشها عند الحدود مع اسرائيل وانهاء وجود ميليشيات حزب الله". (الحياة، 4 ايار)
المطلوب اليوم بعد العراق انهاء الانتفاضة وحالة عدم الاستقرار الامني التي تعيشها اسرائيل وتكلّفها خسائر فادحة في الارواح، بالاضافة الى تراجع الوضع الاقتصادي خاصة في مجالي السياحة والاستثمارات الخارجية. والبديل المطروح هو تكاتف الجهود الامريكية-العربية لانجاح مهمة ابي مازن في السيطرة على المناطق الفلسطينية ولجم الوضع الامني.
سورية التي رفضت قبل عشر سنوات اتفاقيات اوسلو بحجة انها اتفاقات منفردة تخص الفلسطينيين ولا تخص صراعها هي مع اسرائيل، جددت مطلبها ايجاد موقع لها وللبنان في خريطة الطريق الامريكية (الشرق الاوسط، 30 نيسان). اما اللبنانيون فذكّروا باول "ان بلادهم كانت وراء مجيء ابي مازن رئيسا للحكومة الفلسطينية، وامنت له الدعم السياسي والاعلامي من اجل الوصول الى هذا المنصب، وساهمت بشكل او بآخر في تقليص صلاحيات الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات". (الحياة، 4 ايار)
لقد خرج باول من سورية متفائلا بان العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ستأخذ منحى ايجابيا، وان هناك اتفاقا مبدئيا بين الجانبين على كيفية المضي بشكل ايجابي، وان المحادثات دارت في جو من التفاهم". (الصنارة، 9 ايار)
ولكن من الصعوبات الجمة التي تواجهها امريكا في احلال ديمقراطيتها المزعومة في العراق المحتل، لا يبدو ان الحلول السلمية التي تأتي بها للفلسطينيين ستحظى باي دعم. كما ان المساعي لدمقرطة العالم العربي تبقى عقيمة، في ظل انعدام البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية الملائمة لنظام سياسي ديمقراطي، وفي ظل مواصلة نهب موارد الشعوب لصالح امريكا او لصالح النخبة الحاكمة، بدل استثمارها في حل ازمة الفقر والبطالة المستعصية. ولا يتوقع ان تشهد العلاقة العربية الامريكية الا المزيد من الازمات، وتشديد آلة القمع لفرض واقع جديد على العرب والعالم.
الصبار