عزيزو عبد الرحمان
الحوار المتمدن-العدد: 7492 - 2023 / 1 / 15 - 02:48
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تصوف فرويد حقيقة ام صدفة
الدكتور عزيزو عبد الرحمان
دكتور العلوم علم النفس
جامعة الجزائر
من الوهلة الأولى يبدو السؤال غريبا وربما غير متوقع كيف يمكن طرح سؤال للربط بين عالم غربي حديث ومدرسة إسلامية قديمة
الحقيقة ان الأصول موجودة مند القدم قلو رجعنا الى أصول كلا من الطرفين لوجدنا ان فرويد من عائلة يهودية متدينة تمارس الكابالا وهي مدرسة صوفية ظهرت في القرن الثاني عشر زمن الاندلس اين ظهر التصوف الإسلامي أيضا وسوف نحاول ان نعرض في هدا المقال هده العلاقة ومبرراتها
من هو فرويد وما مرجعيته الفكرية ؟
يعرف فرويد (Freud) في أدبيات علم النفس أنه كان طبيب أعصاب نمساوي و أنه مؤسس مدرسة التحليل النفسي - سوف نأتي لتعريفها لاحقا - ، اسمه الحقيقي سيغيسموند شلومو فرويد - Sigismund Schlomo Freud وهو كما يبدو اسم يهودي ، Schlomo هو النطق العبري لكلمة سليمان ، ولد هدا الطبيب في 6 مايو 1856 من والدين يهوديين من في مورافيا (Moravia) وهي منطقة تاريخية في شرق جمهورية التشيك ــ، تقول المراجع المتوفرة ان ابويه كانا يهودين من يهود الحاسيديم وهي حركة ظهرت في القرن التاسع عشر ودعت إلى عبادة الرب وطاعته ومحبة إسرائيل
تخرج فرويد كطبيب من جامعة فيينا سنة 1881 وحصل على إجازة في طب الأعصاب سنة 1885 وقد طور فرويد نموذجًا للبنية النفسية تشتمل على الهوية والأنا والأنا الأعلى . افترض فرويد وجود الرغبة الجنسية ، والطاقة الجنسية التي تستثمر بها العمليات والتراكيب العقلية والتي تولد ارتباطات جنسية ، كما افترض وجود دافع الموت ، ومصدر التكرار القهري ، والكراهية ، والعدوان ، والشعور بالذنب العصبي. ولاحقا طور فرويد تفسيرًا ونقدًا واسعًا للدين والثقافة.
يهود الحاديسيم والتصوف :
الدي يقرا عن حركة اليهود الحاسيديم يجدها حركة تدعو الى التأمل الروحي وقد بحثت هده الحركة طويلا في حركة الكابالا الصوفية والتي تعد حركة صوفية شرقية إنبثقت كشكل بدائي للباطنية اليهودية في القرن الثاني عشر الميلادي في الاندلس - والمعروف ان التصوف بدا في القرن الثاني عشر ميلادي من الاندلس ثم تفرع بعد دلك الى مداهب وطرق وفي هدا الاطار قال رينولد نيكلسون (Reynold A. Nicholson) وهو مستشرق إنگليزي. تخصص في التصوف و الأدب الفارسي ويعتبر من أفضل المترجمين لأشعار جلال الدين الرومي إنّ التصوّف هو البقعة المشتركة التي تلتقي فيها نصرانية القرون الوسطى بالدين الإسلامي وتقتربان كثيراً. ويبدو ان الاندلس قد وفرت بيئة خصبة الاتقاء الأديان وتعايشها فوسع المسلمون فكر التصوف نحو الأديان الأخرى فهدا الشيخ الأكبر ابن عربي يقول :
لقد صار قلبي قابلاً كلّ صـورة
فمـرعى لغزلان وديــر لرهبـــان
وبيـت لأوثـان وكعبـــة طائـف
وألــواح توراة ومصحــف قــرآن
أدين بدين الحب أنّــى توجــهت
ركائبـــه فالحـب دينــي وإيمانــي
وكان الحاخام إبراهيم بن ميمون (Abraham Maimonides) وهو من مواليد سنة 1186 م وقد عرف في كتب المسلمين باسم موسى بن ميمون بن عبدالله القرطبي شخصيةً قياديةً على الصعيدين الديني والسياسي في عصره، كما كان من أكثر ممثلي هدا النهج الصوفي في العبادة اليهودية عاش في الاندلس ومصر وفاس وقد كان كان أوحد زمانه في صناعة الطب ومتفنن في العلوم
اعيد تشكيل هده المدرسة بعهد النهضة اليهودية في القرن السادس عشر الميلادي في فلسطين العثمانية. ثم تطورت في القرن العشرين فيما يسمى بالتجديد اليهودي وانتشرت في اوساط روحانية غير يهودية أيضا ، وقد قام فكر هده الطائفة على المبادئ التالية :
- الالتصاق : ان غاية الانسان هي الالتصاق بالرب ويكون دلك عن طريق الصلاة ونجم عن دلك فكرة العزلة لدى هؤلاء والانفصال عن المجتمع البشري والارتماء في أحضان الطبيعة بما يضمن له التسامي والالتصاق بالله وهي نقاط تتشابه كثيرا مع العزلة والخلوة في التصوف الإسلامي
- محورية الزعيم : وهو حلقة الوصل بين الله سبحانه وتعالى وبين الحسيديم. وعبره يمر كل الفيض والخبرات من السماء إلى أرواح الحسيدين وهي فكرة لا تختلف في جوهرها عن فكرة القطب والغوث في التصوف الإسلامي و أعلى مرتبة يصل إليها الصوفي وهو من ملك الطلسم الذي يشرح الكون
مما سبق يبدو ولا شك ان عائلة الطبيب فرويد كانت يهودية متدينة متصوفة فهل سار فرويد على هدا النهج ام خالفه ؟
في سنة 1945 قام باحث عربي في علم النفس الاجتماعي اسمه يوسف مراد يعتبره العرب من أبرز علماء النفس أسس مدرسة مستقلة في علم النفس عرفت باسم مدرسة علم النفس التكاملي. قام بإصدار قاموس المفردات العربية في حقل التحليل النفسي ووجد ان مصطلح اللاشعور unconscious مصطلح تم عرضه مرتين مرة لدى ابن عربي في كتاب فصوص الحكم ومرة عند فرويد فهل كان هدا التشابه صدفة ؟
كتب بعدها المستشرق الفرنسي هنري كوربن (Henry Corbin) وهو فيلسوف ومستشرق فرنسي صبّ اهتمامه على دراسة الإسلام فترجم أمهات الكتب ومنها كتب ابن عربي ان مفهوم الخيال في مدرسة التحليل النفسي يوافق كله اجمالا وتفصيلا مفهوم الخيال لدى بن عربي باعتباره حقلا وسيطيا بين الروح والعالم المحسوس ويضرب مثلا بقول ابن عربي المشهور : حين انظر الى نفسي في المرآة فهل صورتي في المرآة حقيقة ام وهم ؟ يقول انها من جهة حقيقة ومن جهة وهم وبما أن الثالث مرفوع فانها خيال مجال وسطي بين الملموس والمحسوس
يبدو ان هدا ما دفع الشيخ أبو الوفا التفاتازاني- فيلسوف مصري، وشيخ مشايخ الطرق الصوفية في مصر في الفترة من 1983 إلى 1994.- استاد التصوف بجامعة القاهرة للقول ان كلا من التصوف والتحليل النفسي يقومان على مبدا الاستبطان (Introspection) وهو حيز مرتبط بالباطن لا بالظاهر فلا تفصح عنه الا رغبات الجنس والاحلام
وهدا ما دفع عبد الحليم محمود وهو عالم أزهري ووزير مصري سابق وشيخ الأزهر في الفترة بين عامي 1973 و 1978. الى القول ان كل شيخ صوفي هو معالج تحليل نفسي بالضرورة
ما تفسير هدا الالتقاء الفكري بين الصوفية والتحليل النفسي ، الحقيقة ان هناك عدة نقاط مشتركة نوردها فيما يلي :
- المرجع الفكري واحد وهو الشرق فاليهود هم مشارقة
- وفرت بيئة الاندلس محيطا خصبا لتلاقي الديانات في سلام تام فلم يكن هناك فرق بين المسلم واليهودي طالما كان صالحا ومواطنا
- تمت ترجمة الفلسفة اليونانية، ولا سيما أعمال أفلاطون وأرسطو إلى اللغة العربية في بداية الفترة الإسلامية المبكرة، مما ساهم في حراك الفلسفة الهيلينية. وفقا لتوفيق الحكيم مما اعطى الأصل المرجعي الواحد لأفكار الشرق القديم لاحقا في الاندلس
خلاصة القول أن الصلات بين الصوفية في الإسلام والفكر الفرويدي واضحة وعميقة. لكن هل أوجد المفكرون الإسلاميون هذه الروابط بين التحليل النفسي والإسلام؟ لقد فعلوا ذلك، مشيرين في كثير من الأحيان إلى التقاليد المشتركة لتفسير الأحلام، بالإضافة إلى الأسلوب المشترك لفهم النصوص والأحلام من خلال العلاقة بين المعنى الكامن والظاهر ضمن المعرفة الدينية. كما أدرك المفكرون الإسلاميون التشابه الغريب بين علاقة المحلل والمحلل (النفسيين) وبين الشيخ (أو المعلم الروحاني) وتلميذه في الصوفية
المراجع :
Anjum, Tanvir (2006). "Sufism in History and its Relationship with Power". Islamic Studies. 45
David Assaf, The Regal Way: The Life and Times of Rabbi Israel of Ruzhin, Stanford University Press (2002). pp. 101–104.
David Assaf, The Regal Way: The Life and Times of Rabbi Israel of Ruzhin, Stanford University Press (2002). pp. 101–104
Eric R. Kandel The Age of Insight: The Quest to Understand the Unconscious in Art, Mind and Brain, from Vienna 1900 to the Present. New York: Random House 2012, pp. 45–46.
Esposito, John L. (2003). The Oxford dictionary of Islam. New York: Oxford University Press, Inc.
Fitzpatrick and Walker 2014, p. 446Paper originally prepared by Hatsuki Aishima for an international conference "Sufism, Culture, Music" held from 12 to 15 November 2005 in Tlemcen, Algeria Archived 11 October 2009
Ford & Urban 1965, p. 109
J. Forrester The Seductions of Psychoanalysis Cambridge University Press 1990, pp. 75–76.
Jambet, Christian, ed. (1981). Cahiers de l Herne no. 39: Henry Corbin (in French). Paris: L Herne. pp. 40–41. ISBN 2851970399. English translation of the entire interview with Philippe Nemo courtesy of L Association des Amis de Stella et Henry Corbin. Quoted in Cheetham, Tom, The World Turned Inside Out, p. xi
Joel E. Kramer, "Moses Maimonides: An Intellectual Portrait," p. 47 note 1. In Kenneth Seeskin, ed. (September 2005). The Cambridge Companion to Maimonides
Lazarus, A. A. (2005). Multimodal therapy. In J. C. Norcross & M. R. Goldfried (Eds.), Handbook of Psychotherapy Integration (2nd ed., pp. 105–120). New York: Oxford.
Mannoni, Octave, Freud: The Theory of the Unconscious, London: Verso 2015 [1971], pp. 146–47.
Mendel Piekarz, Ben ideʼologyah li-metsiʼut, Bialik Institute (1994), OCLC 31267606. pp. 151–152 Dynner, Men of Silk, p. 27.
#عزيزو_عبد_الرحمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟