|
الموجات الفكرية والأدبية في الإسكندرية تاريخيًا
ياسر جابر الجمَّال
كاتب وباحث
(Yasser Gaber Elgammal)
الحوار المتمدن-العدد: 7486 - 2023 / 1 / 9 - 11:16
المحور:
الادب والفن
إنه من الضروري لفهم أدب الإسكندرية المعاصر وبخاصة في النصف الثاني من القرن العشرين أن يلم تاريخيًا بحركة الشعر على مر العصور منطلقًا من الخصائص الذاتية لهذه المدينة وسماتها المميزة، "لقد شارك في إبداع هذا التراث الباذخ الذي ندعوه شعر الإسكندرية شعراء من جميع البلاد واللغات والعصور, كاليماخوس، وثيوكريتس، وأبوللونيوس وليكوفرون من العصور القديمة الهللينستية، وابن قلاقس، والبوصيري، وظافر حداد، وتقية الصورية من العصور الوسطي الإسلامية، وكفافيس، وأونجاريتي، ومارينيتي، وراؤول ولكنسون، وهنري تويل، وميشيل زغيب، وشارل ثابت، ولويس فلوري، وألك سكوفي، ورنيه تاسو، وبيرم التونسي، وإيليا أبو ماضي، وخليل شيبوب، ويوسف فهمي الجزايرلي، ونقولا فياض، فضلاً عن عبدالرحمن شكري، وحسن فهمي، وعثمان حلمي، وعبدالعليم القباني، ومحمود العتريس، وكمال نشأت، وأحمد مرسي، وعبدالمنعم الأنصاري، وفؤاد طمان، وعزيرة كاتو، وسواهم من اليونانيين، والإيطاليين، والفرنسيين، والمصريين، والشوام، والمغاربة الذين ولدوا في الإسكندرية ونشأوا فيها، أو هاجروا إليها، أو مروا بها مرور الكرام. فإبراهيم عبدالقادر المازني لم يكن في الإسكندرية إلا زائرا أو سائحا، لكنه شارك في بناء تراثها الشعري، ومثله أحمد زكي أبو شادي، وأمل دنقل، ومحمد إبراهيم أبو سنة، وكثيرون آخرون. فالإسكندرية لم تكن لكل شعرائها وطنًا أو مسقط رأس فقط، بل كانت بالنسبة لهم حلما أو فكرة"( ). ( أ ) شعراء الإسكندرية في العصر القديم: يتوقف فهم الطبائع النفسية والموقف من الوجود بقضاياه المختلفة كالحب والحياة والموت في أي من عصور الثقافة المختلفة في الإسكندرية على فهم النشأة والمكونات الأولى، ويعد المكون اليوناني أصلاً من أصول هذه الثقافة، فلقد تتابع على الإسكندرية عدد من الفلاسفة والشعراء، لابد من الوقوف عند تأثيرهم الذي امتد عبر العصور" يمثل كاليماخوس مدرسة الإسكندرية الشعرية، وهو المؤسس الحقيقي لها، ولد في برقة (بليبيا) ووفد إلى الإسكندرية في عهد بطليموس الثاني فيلادلف فاشتهر بها، وكان كاليماخوس باحثاً فقد وضع فهارس لمكتبة الإسكندرية - مع بعض تلاميذه - تقع في (120) مجلدًا، وذكر أن لفائف البردي التي تشتمل الواحدة منها على كتاب واحد بلغ عددها 400 ألف لفافة، وأخرى تشتمل على (90) ألفًا، وتوجد في مكتبة الإسكندرية - الحالية - شرفة سميت (شرفة كاليماخوس) تقديرًا لدوره. كون كاليماخوس جماعة شعرية أسماها بلياد أو الحمام، وانطلق من رؤية جديدة للشعر، فقد رفض أن يكون الشعر في عصره ملتزمًا بشكل الملحمة وحجمها، ودعا إلى القصيدة القصيرة جدًّا، على أن تكون موجزة ومبتكرة ومركزة مع الاهتمام بأناقة العبارة وجمال الموسيقى والاهتمام بالتجربة الذاتية. وقد عاش كاليماخوس سبعين عاما من 310 -240 ق.م"( ). تميزت الإسكندرية بنوعٍ من الكتابة يختلف شكلاً ورؤيا عن الكتابات التي سادت في اليونان، ولم تتوقف هذه الموجات الجدلية عند كليماخوس ورفاقه وتلاميذه، وإنما جاء بعده ثيوكريتوس، فأضاف مناخًا جديًا وروحًا أبعد عمقًا، فقد" استقطبت الإسكندرية عددًا كبيرًا من الشعراء، يأتي في مقدمتهم ثيوكريتوس، وهو أول من كتب القصائد الرعوية، وصور حياة المزارعين واحتفي بالطبيعة، وكذلك أراتوس الذي نظم القصائد العلمية في الفلك، وهيرونداس أيضًا الذي اشتهر بقصائد فكاهية يستلهم فيها الحياة الشعبية اليومية، وظهر ليكوفرون الذي كتب أيضًا في ذلك العهد صورًا شعرية سيريالية، ونذكر أرسطو فانيس البيزنطي أيضًا الذي اهتم بالنقد بجانب كونه شاعرًا، وفيليتاس شاعر المراثي، وموسخوس الشاعر الفكاهي الذي صور في شعره أصحاب الحرف من صيادين وباعة ومهرجين، وماخون الذي اشتهر بالمسرحيات الشعرية الفكاهية، وكان أبولونيوس هو الشاعر الوحيد الذي ولد بالإسكندرية من بين هؤلاء الشعراء جميعهم، وبالرغم من أنه كان من مؤسسي جماعة الحمام التي تدعو إلى كتابة القصائد القصار، إلا أنه كتب ملحمة كبيرة خالف بها اتجاه الجماعة وهى ملحمة (رحلة السفينة أرجو)، وقد أدى ذلك إلى اشتعال المعارك الأدبية آنذاك"( ). وعلى هذا لابد من الإشارة إلى التنوع والتعددية في الموقف والمضامين والأشكال التي اختص بها الشعر في الإسكندرية، فحقق لنفسه شخصية مختلفة ومتميزة بين شعر الأمم في تلك المرحلة، "يتضح من هذا العرض الموجز السريع أن شعر الإسكندرية في أزهى عصوره امتاز بالتنوع الذي حقق له الثراء الفني، وكان معظم هؤلاء الشعراء باحثين، منهم من وضع فهارس المكتبة مثل كاليماخوس، ومنهم من كان أميناً عاماً لها مثل أبولونيوس، وامتاز الشعر بالتجديد في الرؤية والبناء والأغراض، مع وجوده في منظومة تجمع أطرافه تمثلت في جماعة ذات الفلسفة الواضحة في ملامح التجديد التي دعت إليها"( ). ويقف الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي في دراسته عن الشعر السكندري عند التساؤل فيقول: "لكن ما هو شعر الإسكندرية؟ هل هو الشعر المكتوب عنها الذي يتحدث عن المدينة ويصف وجوه الحياة فيها، أم أن هناك خصائص أخرى يتمثل بها هذا الشعر ويتميز؟ يجب أولاً أن نعرف أن هذا التراث يضم أعمالاً تعتبر الآن ذخيرة بشرية منها ما نظمه كاليماخوس في شكل الإبيجراما، وهي شكل شعري مكثف يتألف من بضعة أبيات، تبدأ بالوصف وتنتهي بالحكمة أو العبرة, وقد عرف اليونانيون هذا الشكل قبل أن ينظم فيه كاليماخوس، لكن كاليماخوس هو الذي قدمه على غيره من الأشكال وأعطاه طابعه المميز، فإذا ذكرت الإبيجراما الآن ذكر كاليماخوس وذكرت الإسكندرية، وكما تنتمي الابيجراما للإسكندرية تنتمي لها قصائد ثيوكريتس الرعوية، وملحمة أبو للونيوس البطولية، وشعر ثيوكريتس كله جزء لا يتجزأ من شعر الإسكندرية، وكذلك ملحمة أبوللونيوس الأرجونوتيكا أو بحارة الأرجو التي يعتقد بعض النقاد أنها الأصل الذي خرج منه نصف الأدب الحديث، فليس القدر هو الذي يحرك الأحداث فيها كما كان الحال في ملاحم هوميروس، وإنما روح المغامرة، أي الإنسان، ثم نصل إلى العصور الوسطي الإسلامية فنجد شعر ابن قلاقس، والبوصيري، وظافر حداد، وسواهم من المصريين، والأندلسيين، والمغاربة، والشوام الذين عاشوا في الإسكندرية خلال تلك العصور، أو زاروها، أو استوطنوها"( ). وهذه الإشارة الأخيرة من حجازي تعضد ما ذهب إليه الباحث من تحديد للأصول العقلية والروحية التي أنتجت الشعر في هذه المرحلة القديمة وبخاصة عند كليماخوس وثيوكريتس.
#ياسر_جابر_الجمَّال (هاشتاغ)
Yasser_Gaber_Elgammal#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصورة بناء سيميائي متعدد
-
السيد حافظ خمسون عامًا من العطاءات الثقافية والفكرية دراسة ف
...
-
سميائية الإيقاع الموسيقى في القصيدة العربية .
-
سلطة المكان وأثرها في تكوين شخصية الإسكندرية الفكرية
-
في رحيل محمد عناني (النص المترجم والنص الموازي)
-
الاغتراب المعرفي عند ابن باجه في ضوء كتابه تدبير المتوحد
-
المنجز المعرفي للكاتب الكبير السيد حافظ (مجمل أعمل الكاتب ال
...
-
عتبات نصية معاصرة (الشعر السكندري في النصف الثاني من القرن ا
...
-
السيد حافظ بين سرد السيرة ومذكرات السرد دراسة في الموقف والد
...
-
النص بين مبدعه وناقده
-
نجيب محفوظ وأحلام فترة النقاهة بين المؤثرات النفسية والاتجاه
...
-
الإبداع والتلقي
المزيد.....
-
وفاة الممثل الأميركي هدسون جوزيف ميك عن عمر 16 عاما إثر حادث
...
-
وفاة ريتشارد بيري منتج العديد من الأغاني الناجحة عن عمر يناه
...
-
تعليقات جارحة وقبلة حميمة تجاوزت النص.. لهذه الأسباب رفعت بل
...
-
تنبؤات بابا فانغا: صراع مدمر وكوارث تهدد البشرية.. فهل يكون
...
-
محكمة الرباط تقضي بعدم الاختصاص في دعوى إيقاف مؤتمر -كُتاب ا
...
-
الفيلم الفلسطيني -خطوات-.. عن دور الفن في العلاج النفسي لضحا
...
-
روى النضال الفلسطيني في -أزواد-.. أحمد أبو سليم: أدب المقاوم
...
-
كازاخستان.. الحكومة تأمر بإجراء تحقيق وتشدد الرقابة على الحا
...
-
مركز -بريماكوف- يشدد على ضرورة توسيع علاقات روسيا الثقافية م
...
-
“نزلها حالا بدون تشويش” تحديث تردد قناة ماجد للأطفال 2025 Ma
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|