أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - دوران الوجود حول مفهوم الرب وقضية الموت ح1















المزيد.....

دوران الوجود حول مفهوم الرب وقضية الموت ح1


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7486 - 2023 / 1 / 9 - 04:42
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


من الحقائق الدينية التي تميز بها الفكر الديني وبني نظامه الذاتي والماهوي حوله، هي فكرة أن الوجود موجود ومتعلق وجوده بالله إيجابا وعدما بلا خيار أخر حتى لو أفتراضا، فلا وجود من غير الله ولا عدم مع وجود الله، فالمنحنى الأعتقادي هنا يتعلق بحقيقة مطلقة تصنع ذاتها من كون الله الرب الخالق الصانع هو العلة والسبب والقوة والباعث والمسيطرة لحركة وتنظيم الكون الوجودي مطلقا وتماما وكاملا، وهو بالنتيجة من يقرر مصير كل الوجود بإرادته وأشاءته التي لا يعرف أحدا كيف ومتى ولماذا كانت أو تكون، وبالتالي فالوجود محض أستسلام سلبي لقانون قد خلقه الله وأمتلك أسراره وحده، وليس من حق كائن من كان في الوجود أن يطلع عليه أو حتى يفهمه إلا بالقدر الذي يصرح به الله، وعلى أن يتوافق مع وظيفة الكائن المقدرة سابقا والمحسوبة بدقة لا تفريط فيها ولا إفراط لا في النظم ولا في الضرورة.
طبعا هذا النظام الشمولي والقوانين التي تسيره بالدقة والتمامية والأنضباط لس متفقا فيه ولو على الظاهر بين قطبي المعرفة البشرية العلم والدين، الأمر هنا محل خلاف شديد بين العلم الذي يرجع كل شيء في الحركة والوجود والحدوث لعلة أولية تنبع من طبيعة المادة ذاتها بأعتبارها هي شكل الوجود الأساسي والمحسوس، طبعا المادة علميا لا تعني فقط بناء الذرة وما فيها من حضور فاعل وطاقة مكنونة، بل وحتى القوى المؤثرة على حركة مكونات الفاعلية الوجودية لها "قوى وقوانين ضرورية لازمة حقيقية"، أنما ما يشاع عن المعرفة الدينية ولا أقول الدين أنها تربط كل ذلك بإرادة لله وإشاءته بمبرر أو غير مبرر لكنه بالضرورة أن الأمر حكيم، يعني عند المتدين الفكري وليس المتدين الإيماني، أن كل ما يجري في الوجود لا يخصه ومن غير المحبذ البحث عن والسؤال فيه.
وهنا وقع الفكر الديني والخطاب الصادر عنه بأن الحكمة تعني أن الأمر لا تسأل عنه، فالله يسأل الكل ولا من أحد يحق له سؤال الله وهذا منتهى الحكمة والأيمان (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء (23 ) 1، هذا الخلاف إذا بين فكر ممكن له وجائز عليه التعدد والتلون وليس الدين النظام العام الموحد الذي يجمل الفكرة تماما من الديان دون أن يتدخل بها الإنسان ويحاول أستمالته لمحدداته العقلية الذاتية والخاصة، وهو وأحدا من أسباب تضاؤل المد الديني في المجتمعات التي تصيغ مفكرتها الذهنية العقلية على قواعد المنطق العلمي وأنجازات المختبر بأعتبارها قليلة الأحتمالية والظنية وتعدد الآراء الذاتية، فهي تمتحن لقواعد وقوانين ثابتة ومعتمدة مسبقا بالبقين فيها ومنها.
النظريات المعرفية والفلسفية جميعها تدرس الوجود من زوايا محددة ومحصوصة، فمنها يعود بدراسة الوجود إلى القيم المنطقية الطبيعية مثلا وترى فيه محاولة متكررة أو لنقل حدوث متكرر لظواهر معتادة ونمطية وفق قانون صارم، هؤلاء هم الطبيعيون الذين يرون في النظام الطبيعي نتاج كونية الوجود وماهويته المحددة بذاته، وهناك من يقرأ ويدرس الوجود من خلال نظريات العلة والمعلول والسبب والمسبب والباعث والمبعوث، هؤلاء الفلاسفة الوجوديون الذين يرون في الوجود قانون حدي مصدرة طبيعة الوجود الأصلية وأرتباطها بقوانين الفيزياء والكيمياء والفلك، دون أن يروا للعالم الوجودي جوانب خفية أو غير معلومة كلا حسب زمانه ومكانه، المهم في هذه الفلسفات والأفكار لا نجد القواعد والأسس التي يقدمها الدين كما في المقدمة ويطرح نظريته التي تقول "نحن من الله وإليه نعود"، بمعنى أن الله هو بدايتنا وهو نهايتنا وفق قانونه الوجودي المرعي، هذه الخصيصة لم يفهمها العلم ولا تدركها المعرفة التجريبية والنظرية من دون تأثير الإيمان بالله وفكرته الكونية.
إذن الدين والفكر الديني لا يرى في الوجود الموجود عنصر منفصل عن الواجد ولا من الممكن أن يكون هذا الوجود الموجود خاضع في كل الأحوال لقوانينه الطبيعية التكوينية بما يدور، بالمجمل أن الله هنا يتدخل في كل صغيرة وكبيرة منها ما يمضي وفق ما مثبت ومنها ما يخضع للتغيير والتبديل وفق مقتضيات ذات الإرادة حتى لو كان ذلك خلاف المنطق القانوني الأنضباطي الذي وضعه الله للوجود قبل الحدوث والإيجاد، هذه النظرة ليست أعتبارية ولا تأملية ولكن تؤخذ من النصوص بسياقها الخاص لتطبق كقانون عام نتيجة القراءة البشرية التي من غير الممكن أن تتوافق مع منطق الله (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) الرعد (39 ) 2، هنا وقع الخلط بين مفهوم أن النظام الكوني محتفظ بإصالته أم أنه ممكن أختراقه بمعرفة الأسباب، ومن كلا الحالين نفذ الإنسان منهما في محاولة العبث بهذا النظام ونشأ موضوع السحر قديما، والأبداع العلمي الإعجازي حاليا.
لم يقدم المشروع الديني الفكري من حيث أنه صانه أو خالق تالي للوجود وتقويمي كمعيار فاصل بين الوجود والترك، أي أضافة إيجابية لمشروع الإنسان الطبيعي المستهدف أصلا برسالة الدين (لتعارفوا، لتعمروا الأرض، لإصلاح الوجود)، وركز وأسس في كل طروحات على فكرتي أساسيتين هما الإيمان والكفر والجنة والنار الحياة والموت بأعتبارهما تمام الجدلية الوجودية مع أننا نقر بالوصف الأخير لكن هذا لا يعني أننا نجعل الموت والحياة مشكلة بقدر من ما نصنع منها برنامج حق كما هما أصلا حق، ومن دون أن ننفي بالطبع أي مشروع حياة خارج هاتين النقطتين إن كان لا يعارض منطق الإمكان والتماهي مع قوانين الوجود ومنها على سبيل المثال البحث عن الخلود وربما درجة أقل منه أو أكثر، لذا فلا عجب أن نرى العقل الديني العام لا يقرأ إلا بالأبيض والأسود فقط وينفي وجود منظومة ألوان أخرى عداهما، لأنه لا يملك إلا الثنائية القاهرة التي أسست إيماننا القديم.
إذا الفكر الديني بما أنه صدر أو يصدر من جهة فوقية أو ينتسب لها بعنوان مقدس قهري سلطوي، ليس بالإمكان البشري أن يحاور الديان فيها وليس المتدين ولا أن يعترض على قوانينه، يعود ذلك لحقائق العقل المطلقة المسلم بها من زمن الفطرة الأولى وتكوين العقل المصبوب البدوي الأول، أولا لشعور نفسي حقيقي بالعجز عن أي محاولة بهذا الأتجاه يأمل منها أو عليها أو بها تغيير مجريات حادثة بسيطة/ فكيف الحال لو كان الأمر متعلف بالكبريات، وثانيا أن لا جهة معلومة أو ممكنة تستطيع أن تربط هذا التواصل بين الله والبشر إلا الدين أو من خلاله مما ولد محورية ثانية داخل المحورية الأساسية، وهكذا عندما ندخل المحور الثاني سندور حول محور النص ومقصده ودلاته في محور داخلي أخر لننتهي في النواة الأساسية التي لا شيء هندها إلا الرجوع في الأتجاه المعاكس تسلسلا عبر المحاور ذاتها إلى المحور الكبير الله، هنا صار الدين والديانة وقوانين الله الديان منها المشرعة ومنها المفترضة أيضا بخبر مشرع ومنها اللا مدركة واللا محسوسة الغيب وما بعد الغيب هي سيدة الأفكار التي على الإنسان أن يدور عقلا فيها، ومنها عليه أن يكيف كل حركة وجودية يمر بها أو تمر عليه على أن المحور الأساس فيها هي إرادة الدوران حول المحور (إنا لله وإنا إليه راجعون).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. . قول تعالى ذكره: لا سائل يسأل رب العرش عن الذي يفعل بخلقه من تصريفهم فيما شاء من حياة وموت وإعزاز وإذلال، وغير ذلك من حكمه فيهم؛ لأنهم خلقه وعبيده، وجميعهم في ملكه وسلطانه، والحكم حكمه، والقضاء قضاؤه، لا شيء فوقه يسأله عما يفعل فيقول له: لم فعلت؟ ولمَ لم تفعل؟( وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) يقول جلّ ثناؤه: وجميع من في السماوات والأرض من عباده مسئولون عن أفعالهم، ومحاسبون على أعمالهم، وهو الذي يسألهم عن ذلك ويحاسبهم عليه، لأنه فوقهم ومالكهم، وهم في سلطانه. (تفسير الطبري)
2. . قال ابن عباس : يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا أشياء الخلق والخلق والأجل والرزق والسعادة والشقاوة وعنه : هما كتابان سوى أم الكتاب ، يمحو الله منهما ما يشاء ويثبت . وعنده أم الكتاب الذي لا يتغير منه شيء . قال القشيري : وقيل السعادة والشقاوة والخلق والرزق لا تتغير فالآية فيما عدا هذه الأشياء وفي هذا القول نوع تحكم . قلت : مثل هذا لا يدرك بالرأي والاجتهاد ، وإنما يؤخذ : توقيفا ، فإن صح فالقول به يجب ويوقف عنده ، وإلا فتكون الآية عامة في جميع الأشياء ()تفسير القرطبي)



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطقوسية التعبيرية ح 3
- الطقوسية التعبيرية ح2
- الطقوسية التعبيرية ح1
- الرمزية الألوهية والقداسة ح2
- الرمزية الألوهية والقداسة ح1
- الرب الله في الديانة العراقية القديمة ح 3
- الرب الله في الديانة العراقية القديمة ح2
- الرب الله في الديانة العراقية القديمة ح1
- المشتركات العقائدية بين الدين العراقي وفروعه الإبراهيمية ح 2
- المشتركات العقائدية بين الدين العراقي وفروعه الإبراهيمية ح 1
- الله والماء والحضارة ح3
- القداسة والشخصنة وأوهام الربوبية دون الله في الديانات الإبرا ...
- تشرين العراق 2019 بعيون ملونه.... ح4
- تشرين العراق 2019 بعيون ملونه.... ح3
- تشرين العراق 2019 بعيون ملونه.... ح2
- تشرين العراق 2019 بعيون ملونه.... ح1
- أحلام الخيبة ومنامات لا تشبه الموت
- الله والماء والحضارة ح1
- القيمة العملية لدور الله في نشأة الحضارة العراقية ح2
- القيمة العملية لدور الله في نشأة الحضارة العراقية ح1


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - دوران الوجود حول مفهوم الرب وقضية الموت ح1