ثورة البابكيين + ثورة الزنج في العراق

فلاح أمين الرهيمي

الحوار المتمدن-العدد: 7485 - 2023 / 1 / 8 - 13:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

1) ثورة البابكيين :
إن الدوافع لهذه الثورة اقتصادية – اجتماعية كانت وقودها ومادتها ولحمتها جماهير الفلاحين المقهورة والمحرومة والمظلومة من أطياف وقوميات مختلفة فكان الفلاح والمضطهد والجائع من الفرس والكرد والأرمن والروم وغيرهم من قبائل وراء القفقاس وكانت الدوافع للثورة هي قوانين علاقات الإنتاج الاقطاعية التي كانت سائدة بأشكالها القديمة الساسانية في تلك المنطقة التي كانت محضر حق الملكية للأراضي الزراعية واستثمارها في فئة قليلة العدد من الدهاقنة والخانات (السلاطين الأتراك ورؤساء الأقاليم) وكانت هذه الفئة تستغل الفلاحين أسوأ استغلال دون فرق بين العبد والحر والأرقاء الفقراء ... كما أن هذه الثورة كانت ذات طابع اجتماعي تقدمي حيث تقدمت ببرنامج ومشروع اقتصادي – اجتماعي ثوري وديمقراطي يدعو إلى نزع ملكية الأراضي الزراعية الواسعة من الذين اغتصبوها من الفلاحين وتوزيعها من جديد على جميع الفلاحين الكادحين مما يدل على أن طابع هذه الثورة طابعاً إنسانياً وواقعياً تقدمي ويعيد الحق إلى أهله الحقيقيين ويلغي النظام الإقطاعي البغيض.
2) ثورة الزنج في العراق :
ترتبط هذه الثورة ارتباطاً مباشراً بأسوأ حالات مظاهر الاستغلال الاقطاعي للقوى البشرية العاملة في الأرض وكانت المواجهة هنا مباشرة بين القوى المستغلة الكادحة وبين ملاكي الأراضي الزراعية إن الحقيقة لهذه الظاهرة تكمن في الأرض التي تعود في الأصل إلى هؤلاء الفلاحين الأصليين في منطقة البصرة جنوب العراق وكانت الدولة العباسية منحازة إلى جانب الاقطاعيين وملاكي الأراضي ففرضت ضرائب كبيرة ومرهقة على الفلاحين مما جعلهم يهجرون أراضيهم تحت وطأة الضرائب الثقيلة وقسوة الجباة وكانت هذه الأراضي في الأصل مشاعية وكان الفلاحون يستغلونها ويعيشون من إنتاجها منذ عصور كثيرة حيث كان آباؤهم وأجدادهم يستغلونها ويعتاشون من خيراتها .. وقد أصبح الفلاحون لا يملكون منها شيئاً وسيطر عليها التجار الأثرياء حسب قاعدة الخصخصة لأملاك الدولة وهجرها الفلاحون للتخلص من أعباء الضرائب واستثمرها ملاك الأراضي وأصبح الفلاحون يعملون في حراثة وزراعة تلك الأراضي لمصلحة التجار الكبار وكانت أعداد كبيرة من الفلاحين قد هجرت الزراعة بسبب ظروف العمل القاسية وقلة الأجور وهاجروا إلى المدينة والعمل في المدن من أجل توفير لقمة العيش ... إن أصل الزنج من شرق أفريقيا جذبوهم التجار الكبار للعمل في أراضيهم وفي مدينة البصرة حيث انفجرت ثورتهم وكان عملهم على شكل جماعي في منطقة البصرة حيث تمتد المستنقعات في أراضي واسعة وكان عليهم أن يجمعوا تلك المستنقعات وأن يزيلوا الطبقة الملحية (السباخ والشورج) كي تصبح أراضي صالحة للزراعة وكان ملاكي الأراضي يفرضون عليهم جمع تلك الأملاح وحملها على البغال إلى أسواق البصرة لبيعها والاستفادة من أموالها لصالح ملاكي الأراضي .. كما كان قسم منهم يعملون في استخراج الدبس من التمور وكان يطلق عليهم غلمان الدباسين والتمارين كما كان قسم منهم يعملون خدم في البيوت إضافة إلى استغلالهم في الأعمال الشاقة الأخرى فكانت حياتهم تتسم بظلم فادح حيث كانت أعمالهم مرهقة لا يحتملها الإنسان وقد أنهك أجسامهم الجوع والتعب وكانت البيئة التي يعملون بها تشكل مرتعاً للأوبئة والأمراض الفتاكة وكانوا يسكنون بمجاميع كبيرة في دهاليز أو قاعات كبيرة قديمة لا تصلح حتى للحيوانات بدون عوائل وبعيدين عن أوطانهم الأصلية مما جعل هذه المجاميع المضطهدة من عمال وشغيلة الأرض يطلق عليهم بشر إلا أنهم لا يحملون إلا صورة الإنسان فأصبحت مشبعة بدوافع الانفجار الثوري وعوامل الغضب والحقد الاجتماعي المشروع حيث وجدت وتعرفت على الشخصية الثورية (علي بن محمد) الفكر المعبر عن معاناتهم وآلامهم قائداً منظماً لهم وكانت استجابتهم له سريعة مما جعلت ثورة الزنج تزحزح كراسي الخلافة العباسية وتهزه بشكل عنيف بعد أن استطاعت هذه الجماهير الثائرة أن تهزم جيوش الخلافة العباسية خلال خمسة عشر عاماً.
صحيح أن هذه الثورة (ثورة الزنج) فشلت وانتهت لأنها حينما انفجرت ليس لها برنامج يحدد أهدافها إلا أن عدم امتلاكها للبرنامج ليس يرجع إلى نقص في مضمونها الاجتماعي الثوري وإنما يرجع إلى نقص في مدى الثورة الأيديولوجية بين جماهير الثورة وقيادتها لأن علي بن محمد حينما قاد ثورة الزنج لم يكن لديه الوعي الفكري في صياغة أيديولوجية لهذه الفئة الكادحة الثورية ولذلك لم يكن مؤهلاً فكرياً في صياغة أيديولوجية طبقية تشكل برنامج ومخطط يحدد أهداف الثورة .. كما كانت تلك الجماهير الثائرة متخلفة فكرياً واجتماعياً بحيث لا تستطيع صياغة برنامج وهدف لثورتها كما كانت ثورة الزنج طبقية محصنة ولم تكن عنصرية بين أسود وأبيض بدليل ظروفها الاقتصادية – الاجتماعية كما كانت بنية قيادة الثورة من البشرة البيضاء (كعلي بن محمد وأعوانه علي بن ابان ويحيى بن محمد ومحمد بن سليم) وكانت مجاميع كبيرة من الفلاحين قدموا للثورة المساعدة والمساندة وهم من غير الزنوج .. وأخيراً ينبغي الإشارة إلى أن ثورة الزنج في مدينة البصرة كانت الثالثة من نوعها إلا أنها كانت الثورة الأكبر.

يتبع ...

#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات