أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منذر ابو حلتم - هذه القطرات الصغيرة !














المزيد.....

هذه القطرات الصغيرة !


منذر ابو حلتم
قاص وشاعر ، عضو رابطة الكتاب الاردنيين

()


الحوار المتمدن-العدد: 7480 - 2023 / 1 / 2 - 11:20
المحور: الادب والفن
    


صوت سقوط القطرات يتوالى برتابة قاتلة .. هذه القطرات الصغيرة اللعينة تتساقط منذ ايام على رأسي .. فأشعر بها تضرب دماغي بقوة وعنف
احدق في العتمة الرمادية المحيطة بي .. احاول تحريك رأسي يمنة ويسرة .. لكن الألم يعتصر عنقي فأغمض عيني مستسلماً لضربات القطرات المستمرة ..
احاول ان اريح تفكيري فربما تمكنت من النوم .. ابدأ بعد القطرات …واحد .. اثنان .. ثلاثة .. اربعة ..
الهواء يلفح وجهي لدرجة مؤلمة وانا انزل سلم الطائرة ، الثلج يتساقط بغزارة .. اثبت القبعة جيداً على رأسي واغلق قبة معطفي ..
اضواء المطار لا تخفف كثيراً من قتامة الجو ..! اشير إلى سيارة متوقفة .. وفي المقعد الخلفي اتنهد بارتياح وانا اتأمل نهر الدانوب وهو يسير غير عابئ بالثلج المتساقط ..
بعد ساعتين في صالة الفندق الدافئة .. كنا نجلس معاً .. وكانت تبدو سعيدة وهي تبتسم بعينيها الزرقاوين ..
– دقيق في مواعيدك كالعادة ..
كتبنا معا برنامج الزيارة .. وساعدتني في ترجمة بعض النشرات التي لم افهمها تماماً ..
في صالة الفندق كانت ساعة حائط ضخمة تدق برتابة .. وهدوء .. بينما كان بندولها الضخم يتارجح يميناً ويساراً ..
القطرات توالي سقوطها الرتيب بعنف اشد .. والرطوبة تخنقني ..
الزنزانة ضيقة وانا جالس على المقعد الحديدي منذ ايام .. كم يوماً مر على وجودي هنا دون نوم ؟ .. احاول ربط الحوادث ومقارنة التواريخ .. لكن العتمة الرمادية وسقوط القطرات على رأسي يشل تفكيري ، وحافة المقعد الحديدي تشد بقوة على قدمي المصابة فيمتد الخدر المؤلم النابض إلى ظهري .. اتنفس بعمق باحثاً عن الهواء ..
كان شعرها غريب اللون .. ووجهها ابيضاً صافياً رغم انها لا تضع شيئاً من مساحيق التجميل .. وحين كانت تلتفت كان شعرها يتموج مثل تلك الموجات الصغيرة على سطح الدانوب ..
كانت شديدة الحماسة .. تتحدث بسرعة وثبات وتسألني كثيراً عن فلسطين ..
قالت لي مرة :- احسدكم .. اتمنى ان اكون معكم
وعندما قلت لها :- لديكم هنا معركتكم ايضاً ..
قالت دون تردد :- حروب التحرير هي الحروب الحقيقية .
في قاعة المسرح الكبرى .. تحدثت هي بلغتها عن فلسطين وعن القضية الفلسطينية وعن التضامن الاممي مع الشعب الفلسطيني … وعندما قدمتني للجمهور الكبير الجالس في الصالة فوجئت بصوت التصفيق الذي استمر طويلاً ..
شكرتها وشكرت الحضور .. بلغتهم .. ثم بدأت أقرأ قصائدي باللغة العربية .. بينما كانت هي تتولى الترجمة بطريقة معبرة ..
كنت القي ابيات القصيدة .. بينما عازف شاب يقوم بالعزف على الجيتار .. الالحان كانت هادئة وجميلة .. وتتناسب مع نبرة صوتي صعوداً وهبوطاً ..
الهدوء التام اثناء قراءتي .. والتصفيق الحاد بعد الترجمة .. وذلك الشعور بدفء العلاقة الانسانية جعلني ارتجل قصيدة جديدة ..
وبعد الامسية استوقفني عدد من الطلاب العرب .. بالقرب من درج الصالة الكبير .. كانوا يصافحونني بحماسة .. وكانت هي بجانبي تصافحهم بحرارة ايضاً .. بينما اصوات عشرات الاقدام تصعد وتهبط الدرج الكبير .. كان صوت الخطوات رتيبا قويا …!
سقوط القطرات يتوالى .. ربما مر يوم آخر على وجودي هنا ..! القيد الحديدي يؤلم قدمي بشدة .. والعتمة الرمادية مستمرة كليل لا ينتهي ..
اتشبث بالواقع .. هم يريدون مني ان انهار .. ان اتشتت .. ان افقد احساسي بالزمان والمكان .. ليتمكنوا من تفكيك عقلي بسهولة
في ساحة المدينة الباردة ودعتني بحرارة وحماسة .. قالت لي انها متأكدة من اننا سنلتقي مجدداً .. وحين ابتعدت السيارة رفعت يدها من بعيد بشارة النصر ..
كان نهر الدانوب يخترق المدينة بصمت عندما حلقت الطائرة .. وعندما اغمضت عيني في مقعد الطائرة المريح .. رحت في نوم عميق ..!
– نحن نعرف عنك كل شيء
– الافضل لك ان تتكلم
– سنكسر قدمك الاخرى .. ونجعلك معاقاً تماماً
وفوق رؤوس المحققين كانت ساعة حائط قديمة تدق برتابة وقوة
في الممر الضيق في باحة السجن كان عشرات الجنود يصطفون على الجانبين وفي ايديهم هراوات سوداء .. وكان على المعتقلين ان يمروا ركضاً بين الصفين .. بينما تنهال عشرات الهراوات على رؤوسهم واجسادهم .. لكنني لم اكن استطيع الركض .. جندي قال لي ضاحكاً :- هيا اقفز .. اريد ان اراك تقفز مثل الضفدع
لكنني لم اتحرك .. وعندما افقت كنت متورماً تماماً
مطار جنيف مزدحم كالعادة .. ورغم المطر لم يكن الطقس بارداً جداً ..
صديقي الذي كان ينتظرني ناداني من بعيد .. عانقني بقوة .. وقال ضاحكاً :- ها قد كبرت اخيراً ايها العنيد .. انظر إلى هذا الشيب
وكانت شعرات بيضاء كثيرة تلمع في رأسه ايضاً ..
في المساء .. وفي المقهى المزدحم بالقرب من محطة القطارات ..جلسنا .. وانضم الينا اصدقاء اخرون .. بعد نصف ساعة كان صوت القطار وهو يقترب من بعيد .. رتيباً قوياً يزداد قوة شيئاً فشيئاً …
آه .. القطرات اللعينة تواصل ضرب رأسي بايقاعها الرتيب .. والنوم حلم مستحيل ..
خطوات تقترب وتبتعد .. كم يوماً مر على وجودي هنا ..؟!
كم يوماً مر دون ان انام ؟ .. لا ادري .. كل ما اعرفه هو انني يجب ان لا افقد شعوري بالزمان والمكان .. وما بين الدانوب وجنيف وزنزانتي .. كان ايقاع القطرات الرتيب يتوالى مثل كابوس اسطوري لا ينتهي …!



#منذر_ابو_حلتم (هاشتاغ)       #          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وطن انت ام ليل من الأسفار
- منطق ..
- ثلاث غيمات فقط !
- سأبتدع اعيادا كثيرة
- وتصرخ حولي ريح الغياب ..
- لا بأس .. فامض !
- ما جدوى ؟
- كالنبض في سقف الغمام
- قطرة عطر .. وقصص اخرى
- ما قاله الصدى
- شمس باردة
- المنارة .. وقصص اخرى
- العصفور الخشبي
- الحكايات ....
- وحيدان .. كنجمتين !
- حان انصهارك ...
- وكنا ان دعتنا الريح ..
- قبل خرائب النكبة
- خطوة للصباح
- كالنبض في سقف الغمام ..


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منذر ابو حلتم - هذه القطرات الصغيرة !