أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مزهر جبر الساعدي - غزو














المزيد.....

غزو


مزهر جبر الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 7478 - 2022 / 12 / 30 - 08:14
المحور: الادب والفن
    


(غزو)
سقوط مدوي على شاطىء رملي، مُشبع بالمياه. ارتطام شديد. وجع مؤخرة الهامة شديد. ثم اختفى كل شيء. غيبوبة شبه كاملة. لاحقا؛ بعد دقائق قليلة، أو هكذا تخيلت. فتحت عينيَ. في الوهلة الأولى؛ لم ارَ سوى الظلام والعتمة المخيفة، إنما تاليا في دقائق، تراجع الظلام والعتمة، ولم يبق منهما الا طيفهما، وراء جذع النخلة السامقة حد انها بدت لي في تلك اللحظة كأنها تعانق السماء الزرقاء فوقي. المهم في النهاية؛ خفَا الى حد ما، ألم هامتي وظهري. من ثم، تمددتُ، اقدامي غاطسة في المياه، مسترخيا ومستريحا رغم الألم، على نداوة الرمل التي اشعرتني ندواته بالبرودة، في مواجهة حرارة القيظ هذا. دقائق حاولت فيها؛ ان استرجع نشاطي وقوة بدني كي لا يخذلني ويهبط همتي في النهوض والمغادرة من هذا المكان الذي يحفُ الخطرُ فيه، من كل جوانبه. السماء زرقاء صافية حد الدهشة. حدقت في اديمها. هذا الوقت من النهار، في شهر تموز، حرارة الظهيرة، شديدة جدا. وجدتني فيها اختنق ويطفر الهواء مني. ألم كما السكاكين في ظهري ورقبتي ورأسي، رغم بلل الرمل الذي يلامسه، الذي خُفِفَ الى حد ما، منه. لذا، لمت نفسي على تعجلي في صعود هذه النخلة، ، في ظهيرة تموز هذه. لكن من الجانب الثاني؛ هناك اسباب، اجبرتني على اختيار هذا الوقت من النهار. من سوء الصدف، أو من القدر المشؤوم؛ من أن مباني السفارة الامريكية التي يجري تشيدها على قدم وساق، وعلى مدار ايام الاسبوع؛ ان تقع او يقع موقع مباني هذه السفارة، من ضمن محيط بستان النخيل خاصتي. ورثته عن ابي الذي ورثه عن جدي في سلسلة لامتناهية من الاجداد، أو هكذا تصورتها، سلسلة الاجداد، تنتهي بي أنا وريث بستان النخيل هذا، الذي يقع على ضفاف نهر دجلة، أو أن البستان يتوسد زند النهر. بالذات هذه النخلة السامقة النابتة على جرف النهر تماما. التي ترتفع عاليا حتى بدت لي وأنا اتهيأ لصعودها؛ كأنها تعانق وجه سماء صافية الزرقة حد الدهشة. عندما ارتديت قميصي الابيض الوحيد الذي طرز نسيجه؛ بنهرين، بألوان زاهية، براقة، جميلة، أخاذه. اعترضت زوجي على هذا القميص. :- اخلعه. ثم جاءت بقميص جديد، ليس في نسيجه اي شكل ولو بسيطا من اشكال التطريز. طلبت مني ان ارتديه. لكني رفضت بقوة، امدني بها، داخلي الرافض لما تريد بإصرار زوجي مني، من غير ان اتفوه حتى ولو بكلمة واحدة. وهي تلح عليَ؛ لأخلعه، وألبس بدلا منه، القميص الجديد؛ ابحرت بكل روحي وعقلي، في الصمت. القميص الجديد يرفرف بين يديها المرتجفتين بفعل غضبها وسيل كلماتها معي. لم تكن هذه هي المرة الاولى التي تعترض، بل لعدة مرات لا حصر لها. عارضتني على لبسي اياه، في كل مرة من هذه المرات التي لا عد لها، كأنها متوالية عددية. السبب في اصراري على هذا القميص العتيق؛ ظل كما هو، لم تفعل السنون فيه، من تأثير على لونه وعلى متانته، رغم ما مر عليه من الازمان المديدة، بخلاف الجديد الذي يفتقر نسيجه الى الجمال والمعنى. صعدت في قيظ تموز، بعجالة الى قلب النخلة هذه المرتفعة كأنها ناطحة سحاب. المهم ان اختياري لصعود النخلة السامقة، او انها اعلى من جميع النخل في البستان، وانها الوحيدة القريبة جدا من انشاءات السفارة الامريكية، التي تطل النخلة عليها، كونها سامقة اكثر مما يجب. :- ان القائمين على العمل فيها، يغادرون موقع العمل في هذا الوقت، لتناول طعام الغداء والاستراحة لبعض الوقت، اوضح الرقيب الامريكي محذرا اياي، من دخولي المنطقة خارج هذا الوقت. اجبته:- هذا هو ما احتاجه لقص اعذاق النخلة الممتلئة بالرطب الناضج. تسللت، في ساعة الظهيرة هذه، عندما تأكدت تماما من انه؛ لم يبق سواء حارس امريكي واحد في برج المراقبة؛ حين ابصرني، نزل من البرج، من ثم مشى جهتي، وقفت انتظره. عندما وصل ألقى التحية. وأنا اصافحه، وضعت في كف يده ما جعله يضحك منشرحا، وهو يربت على كتفي. قال لي الرقيب الامريكي المسؤول عن حراسة السفارة قبل ايام:- يجب للأمان ان تنتهي من العمل قبل انتهاء وقت الظهيرة، وقت الاستراحة وتناول طعام الغداء هذا اولا وثانيا عليك اعطاء شيئا ما الى الحارس هناك في المرصد عندما يأتي إليك. ضربت بأداة الجز العذق الاول القريب مني، الا ان ضربتي، اندفعت في الفراغ بين سعف النخلة. فتحت عينيَ على عتمة خلقتها او جلبتها الى مكاني هذا، عاصفة غبار اصفر كثيف جدا، عصفت بغته، في هذه اللحظة، حتى بدى لي المكان غارقا في صفرة ظلام حجب عني رؤية قلب النخلة التي لا يبعد منبتها عني سوى مترين اكثر قليلا او اقل قليلا. وجدت اقدامي غارقة في المياه حد الركبتين. اوجاع جسدي، وجع هامة رأسي من اثر سقوطي على ظهري، من قلب النخلة؛ بدت تؤلمني بشدة. لكني مع هذا الالم؛ تحاملت عليه، ونهضت محاولا، محاولتي استغرقت بضعة دقائق بسبب ألام جسدي ووجع رأسي المبرح؛ ان اغادر بعد انجلاء الغبرة التي جلبتها العاصفة قبل حين. اقدامي تسحب بسرعة الى اعماق المياه، يؤلمني، السحب يتواصل بسرعة. :- ما هذا الذي يحصل؟ وجدتني انظر الى جرف المياه. في اللحظة التي عرفت بها الذي يحصل؛ جسدي في ثانية، مع سروالي وقميصي اياه؛ اصبح في جوف التمساح باستثناء رقبتي ورأسي، اللذان لم يبتلعهما بعد. طنين في أذنيَ، يسألني عن الكيفية والطريقة التي وصل بهما التمساح من أعالي البحار الى مياه نهر دجلة. سرعة الابتلاع والرعب والمباغتة، لم يمنحاني فرصة لطلب النجدة. أخر ما رأيت؛ فصيل من جنود المارينز الأمريكيين، يقفون فوق رأسي..



#مزهر_جبر_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لعراق: الدعوة الى اقامة الاقاليم مرة اخرى
- حكومة السوداني: اختبار صعب في ظروف مؤاتية
- روسيا- تركيا - ايران: اتفاقات وشراكات على قواعد هشة
- خطط الصين الطموحة: ضعف هيكلي وخلل بنوي ومؤسساتي
- الصين: خطط طموحة المدى والأمد
- التأريخ: يصنع الحاضر والمستقبل معا
- القنبلة القذرة: تعامل مزدوج مع تأثيراتها المدمرة
- الحرب في اوكرانيا: صراع امريكي روسي
- العراق: تشكيل حكومة الخدمة الوطنية!
- اتفاق اوبك+ في خفض الانتاج: تأثير جدي على انتخابات التجديد ا ...
- روسيا- تركيا- ايرن: علاقة مصالح
- علاقة ايران وتركيا مع العراق: علاقة مغانم..
- أزمة تشكيل الحكومة العراقية: انفراج اضطراري في القادم من الا ...
- الصراع الامريكي الروسي على الاراضي الاوكرانية: صراع حافة اله ...
- العراق: مأزق تشكيل الحكومة
- الحرب في اوكرانيا: قاعدة انطلاق نحو نظام عالمي جديد
- الصفقة النووية: لعبة نباديلة بين الإحياء والإلغاء
- رحيل إيزابيث الثانية، ملكة بريطانيا: تصريحات وكتابات وتحليلا ...
- الاستغلال الامريكي لهجمات 11سبتمبر: نتائج عكسية
- مؤتمر القمة العربية المرتقب: الى اين؟


المزيد.....




- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مزهر جبر الساعدي - غزو