طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 7478 - 2022 / 12 / 30 - 04:02
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في الحلقة 44, تسائلت هل يمكن للأدبيات المناهضة للطب النفسي أن تساعدنا في تخيل انسان ما بعد الرأسمالية؟
السعي الى الاجابة على هذا السؤال من خلال استشفاف بذور انسان ما بعد الرأسمالية يمكن العثور عليه في كتابات الطبيب النفسي الأيطالي الراحل ورائد ما يسمى "طب النفس الديموقراطي", فرانكو بازاجاليا Franco Basaglia والطبيب والمحلل النفسي الوجودي البريطاني الراحل RD Laing. وكلاهما كانا ينتميان الى ما يسمى -الحركة المناهضة للطب النفسي-!
وقد خصص Hans Skott-Myhre كتابه الصادر في عام 2020 للاجابة على هذا التساؤل
Can Critiques of Psychiatry Help us Imagine a Post-Capitalist Future?
Reconceptualizing the Self Beyond Capitalism
https://www.madinamerica.com/2021/10/can-critiques-psychiatry-help-us-imagine-post-capitalist-future-interview-hans-skott-myhre/
والكتاب لم يترجم الى العربية او حتى لم يتم التعريف به بحدوده الدنيا! والعتب, بأقل تقدير, يقع بطبيعة الحال على أحزابنا الشيوعية واليسارية التي ترفع شعار "المدنية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية!" ولا افهم في واقع الحال, كأمر عرضي او غير عرضي, لماذا تكون الشعارات, دائما او في الأعم الأغلب, ثلاثية المحتوى مثل, أيضا, "وحدة حرية اشتراكية!" وحتى مؤتمر القمة العربية في الخرطوم عام 1967 سمي مؤتمر اللاءات الثلاث!
"دفعت ظروف الهزيمة باتجاه تبني القمة العربية قرارات "حازمة" مثل إعلان اللاءات الثلاث: "لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل"
مؤتمر الخرطوم 1967.. قمة اللاءات الثلاث
https://www.aljazeera.net/encyclopedia/events/2016/8/29/%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B1%D8%B7%D9%88%D9%85-1967-%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB
ونحن لا ندري, او حتى لا نستطيع أن نتكهن أو نخمن, كم عدد القرارات, الحازمة بالطبع, التي كان هذا المؤتمر كان قد تبناها "لو" لم تكن الظروف ظروف الهزيمة (بالضبط "لو" وليست غيرها: نحن نعيش دوما في عالم ال "لو": لو توفرت النية الحسنة أو الإرادة السياسية= لو كنا نعيش في كون آخر!). ولا ندري بنفس المقدار أو اكثر, اذا احتكمنا الى منطق هذا المؤتمر العتيد فوق العادة, كم سيكون, في حالة اللاهزيمة, عدد اللاءات, او إنها كانت ستستبدل ب "نعمات" (هل هذا جمع نعم؟ لست متيقِّنا, وجهينة ليست هنا لأتطفل عليها بسؤالي, وان كان القصد واضحا!)"
وحتى زعيم (مهد) الديموقراطية, او تؤمها السيامي او غير السيامي, الليبرالية, والخطيب المفوه (واقعا وليس سخربة, يجب ان اعترف بكل رحابة صدر), ونستون شيرشيل في خطابه في 9 October 1948 يتحدث عن ثلاث دوائر, ويقول ببلاغة منقطعة النظير انه "يستنكر ويدين" محاكمة نازييي ألمانيا والإصرار على تقديمهم للقضاء. ومن المسؤول عن كل هذه الوحشية بحق هؤلاء النازيين بعرف شرشيل؟ لا يوجب لأحدنا أن يكون عالم صواريخ للإجابة على هذا السؤال الذي لا تشب براءته أية شائبة. نعم لقد حزرتم جيدا! انهم الشيوعيون, وهل هنالك من غيرهم!؟
[ … ] It is for this reason that I deplore and condemn the stupidity which, at a time like this above
all others, persists three and a half years after the war, in endless trials of Germans who were connected
with the former Nazi regime and has only lately brought itself under the censure of all Parties in this
island except the Communists, by subjecting these aged German Field-Marshals and Generals after this
protracted delay, without the formulation of any charges, to a new, prolonged ordeal. On every ground
soldierly, juridical and humanitarian, it is known to be a wrong and base thing to do. But how foolish,
how inane—I might almost say insane—it is to make a feature of such squalid long-drawn vengeance
when the mind and soul of Germany may once again be hanging in the balance between the right course
and the wrong
"[...] ولهذا السبب أستنكر وأدين الغباء الذي في هذا الوقت اكثر من غيره، الذي ثلاث سنوات ونصف بعد الحرب، يشهد (اجراء ) محاكمات لا نهاية لها للألمان الذين كانوا مرتبطين مع النظام النازي السابق, وألتي تعرصت مؤخرًا لانتقادات جميع الأطراف في هذا الأمر باستثناء الشيوعيين( نعم يا شرشيل, باستثنائهم !)، بإخضاع المشيرين (جمع مشير, والله أعلم!) والجنرالات الألمان المسنين, بعد ذلك التأخير الطويل، دون توجيه أي تهم, لمحنة جديدة مطولة. وهي من كل النواحي, العسكرية والقانونية والإنسانية, كما هو واضح للعيان (!), أمر خاطئ تماما. يا لها من حماقة، يا له من هراء -ربما أقول أنه جنون - هذا الانتقام القذر الذي طال أمده عندما يكونا عقل وروح ألمانيا مرة أخرى متأرجحين في ألاختيار بين المسار الصحيح والمسار الباطل."
Churchill’s Three Circles
https://web-archives.univ-pau.fr/english/special/SRdoc1.pdf
ويبدو إن شرشيل لم يكن فقط زعيما لمهد الديموقراطية, بل كان أيضا خبيرا في عقل وروح المانيا! ولكن ما هما عقل وروح المانيا يا سيد, أو .Mr, شرشيل؟ انه بالطبع سر الاسرار, أو أحدها, وشرشيل اختار إن لا يبوح لنا بمكنون هذا السر.
ولكن لماذا علينا التطرق الى هذا الخطاب؟ الجواب هو إني ألقي اللوم, بنفس المقدار, على ليبراليي منطقتنا, من اتباع شرشيل او اعمامه في البيت الأبيض, لعدم الاحتفاء بهذا الكتاب وترجمته الى العربية انهم يقيمون الدنيا ليل نهار ولا يقعدوها بحديثهم (ألممل) عن فردانية الإنسان وتفرده! ولكن لم اللوم أو العتب, فقد يكون كلهم قد صدقوا خرافة نهاية التاريخ للشيخ الجليل فوكوياما, وحتى هو المسكين تراجع عن رأيه لاحقا وهم لم يفعلوا! واذا كان التاريخ فعلا قد انتهى, فليس هنالك من معنى للحديث عن إنسان (ما بعد) الرأسمالية: الرأسمالية هي النهاية, فما معنى الحديث عن نهاية النهاية, رغم امكانية الحديث بالطبع عن بداية النهاية؟
والليبرالية تثبت إنها ليست, أو بألأحرى لم تكن, على ألأقل في زمن شرشيل, توئما سياميا للديموقراطية, بل حتى إنها لم تكن تؤما لها او من احدى قريباتها. والدليل, لمن سيطالب بالدليل, هو, مثلا, كتاب "طارق علي" حول جرائم شرشيل ضد الإنسانية.
Winston Churchill
His Times, His Crimes
Winston Churchill
https://www.versobooks.com/books/3971-winston-churchill#:~:text=Even%20during%20the%20war%20against,insistence%20on%20the%20use%20of
وحسب علمي, ان هذا الكتاب أيضا لم يترجم الى العربية, لربما لأسباب منها ان طارق على "دأة" قديمة, ومنطقتنا تعيش عصر الحداثة في أعلى مراحلها! أو ان الحداثة, بعين حداثوييننا, هي الصحة والعافية بعينهما, وكلام نيتشه عن أمراض الحداثة أو عداءه لها هو من بنات خيال رجل مجنون, والدليل الفاقع سوف لن يعوزهم: ألم يمت نيتشه مجنونا!؟
ولكن من هو Hans Skott-Myhre مؤلف الكتاب؟
هانز سكوت مايره هو أستاذ الخدمات الإنسانية بجامعة ولاية كينيساو في كينيساو، جورجيا. على مدى السنوات الخمسين الماضية، عمل في مجموعة واسعة من مجالات الخدمات الإنسانية، بما في ذلك المنازل السكنية، والمراكز الصحية المجتمعية، ووحدات الطب النفسي للمرضى الداخليين، وملاجئ الشباب المشردين، وبرامج المعيشة الانتقالية، والسجون. منذ حوالي عقدين من الزمان، انتقل إلى الأوساط الأكاديمية، حيث يجري الآن أبحاثًا في تقاطعات الخدمات الإنسانية، وعلم النفس، والنظرية الثقافية، والأدب.
يستكشف كتابه كيف يمكن أن نكون أنواعًا مختلفة من الناس إذا لم نكن نعيش في مجتمع رأسمالي. يعتمد الكتاب على النظرية الماركسية وما بعد الماركسية ويقدم تحليلاً دقيقًا للكتابات المهنية المناهضة لطب النفس، بما في ذلك فرانكو باساجليا و آر دي لينج, الذين تم الاشارة اليهما في حلقة سابقة, بالإضافة إلى أعمال كتّاب القصة, بمن فيهم فرانز كافكا وغابرييل غارسيا ماركيز. من خلال هذا التحليل، يحدد مايره تصورات بديلة للذات والمجتمع تأخذنا إلى ما وراء الذاتية الرأسمالية.
في مفابلة معه,
Can Critiques of Psychiatry Help us Imagine a Post-Capitalist Future? An Interview with Hans Skott-Myhre
https://www.madinamerica.com/2021/10/can-critiques-psychiatry-help-us-imagine-post-capitalist-future-interview-hans-skott-myhre/
يقول مايره انه في عام 1971، عندما كان لا زال في المدرسة الثانوية، تطوع في مكان يسمى مركز فيركست للتخلف العقلي- التسمية تحولت الآن الى - ذوي الاحتياجات الخاصة-. لذا فإن لغة هؤلاء ذاتها كانت مثيرة للاهتمام للغاية. لقد أمضي عامًا هناك متطوعًا، حيث عمل مع الشباب الذين يجدون صعوبة في الحركة الجسدية ويواجهون صعوبة في التحدث بالطرق التقليدية. كان هو وزملائه بارعين في تقديم الرعاية العلائقية، وبناء علاقات تتجاوز المعايير العادية للطريقة التي نتفاعل بها جسديًا ولفظيًا.
على الرغم من أنه كان صغيرًا، فقد تعلم شيئًا مهمًا للغاية بقي معه طوال حياتيه المهنية. كان الدرس هو أنه يمكن تعلم الكثير في المساحات التي تم إنشاؤها بشكل علائقي بين الناس والتي لا تعتمد بالضرورة على الطرق التقليدية لرؤية الأجسام، والتفاعل معها، ونقل المعلومات شفهيًا. إن أهم الأشياء، في الواقع، ليست الأشياء التي يمكننا الانتباه إليها بوعي.
إن قدرًا كبيرًا من العمل الأكثر أهمية الذي يمكننا القيام به مع بعضنا البعض يحدث على مستويات، إلى حد ما، يمكن وصفها بكونها صعبة للغاية بالنسبة لنا للوصول إليها بطرق تقليدية باستخدامنا طرقً مادية تقليدية منسجمة مع وجودنا الفيزباوي, بطرق تقليدية للتحدث اللفظي, وبطرق التفكير التقليدية. كان ذلك في عام 1971، ثم خرج من ذلك العالم وحصل على شهادة في الأدب.
عندما خرج من ذلك العالم، دخل مايره إلى عالم شعر الشارع أو شعر المضطهدين في المدن - لا علاقة لذلك بالشعر الشعبي في العراق, الذي لا تحدده جغرافية خاصة وهو على عكس شعر الشارع ليس بالضرورة بالضد من القمع, واهزوجات الشعر الشعبي تحرك الجسد لأمتار قليلة وتترك العقول لتنصاع لقانون نيوتن الأول في القصور الذاتي. الشعر الشعبي عندنا يميت الرغبة في التغيير ويحيل الشاعر الى كاتم عصابي يتلذذ بألمه: شوسيانسيته. شعر الشارع هو قوة من قوى النصال ضد الرأسمالية, في حين يحافظ شعرنا الشعبي على الحالة الراهنة بالتنفيس عن العواطف بفجاجة وابتذال تنفّر مفردات الثورة والتغيير, ويصبح اطروحتها المضادة. احد الأمثلة على شعر الشارع هو
Street Poetry With Twenty One Pilots Tyler Joseph
https://www.youtube.com/watch?v=J6R5KQ8b4lQ
ثم حصل مايره على شهادة في الأدب المقارن، ولكنه لم يحصل على دورة في علم النفس أو أي شيء متعلق بالعمل مع الناس. كان لديه تجارب في أواخر الستينيات مع أشكال مختلفة من العمليات الذهانية، الناتجة كيميائيًا وغير ذلك. شعر وكأنه يتواصل مع الأشخاص الذين واجهوا بعض الصعوبات في التعامل مع المجتمع وكيفة تنظميهم عصبيًا. اثناء ممارسته وظيفته, قرر بسرعة أن المشكلة تتعلق بالقدرة على أن تكون ثنائي الثقافة. لذلك بدأ الحديث مع الناس: كيف يمكنك الحفاظ على هويتك؟ ما هو المهم بالنسبة لك؟ بماذا تفكر؟ ما الذي يزعجك؟ كيف يمكنك التعامل مع الناس دون أن يتم وضعك في المصح العقلي مرة أخرى؟ لذلك أصبح هذا محور عمله. لم يكن مهتمًا بشكل خاص بجعل المرضى مختلفين كثيرًا عما كانوا عليه، بخلاف القدرة على أن يكونوا ثنائيي اللغة، كما اعتاد الطبيب النفسي ومعالج الأسرة الكبير كارل ويتاكر
Carl Whitaker (1912-1995)
https://www.goodtherapy.org/famous-psychologists/carl-whitaker.html
أن يقول
schizophrenia is a disease of pathological integrity, you just don’t know how to lie as well as the rest of us.”
"إن الفصام مرض النزاهة الباثولوجية. المريض لا يستطيع أن يكذب مثل بقية الناس."
والقصد ان المريض بانفصام الشخصية يعبر عن لاوعية مباشرة بدون محصنات دفاعية. وهنالك بحوث تثبت ان كمية المعلومات bits في كلام المريض بالفصام اكبر مما هي في بقية الناس.
من أجل تدريب مايره وزملاءه, أستدعى المركز الطبيب النفسي ومعالج الاسرة الشهير سلفادور مينوشين من فيلادلفيا
Salvador Minuchin (1921-2017)
https://www.goodtherapy.org/famous-psychologists/salvador-minuchin.html
وأحضر أيضا معالجين من معهد البحوث العقلية الذين كانوا يقدمون علاجًا موجزًا والعلاج بالتنويم الإيحائي من ابتكار الطبيب النفسي ميلتون إريكسون. وقد عمل اريكسون مع
الأنثروبولوجي المتميز جورج باتيسون.
Strategic Family Therapy: Milton Ericson and Gregory Bateson
https://www.bartleby.com/essay/Strategic-Family-Therapy-Milton-Ericson-and-Gregory-F3X6FRYVJ
وجورج باتيسون
GREGORY BATESON (1904-1980)
http://www.interculturalstudies.org/Bateson/biography.htm
هو مؤلف الكتاب الضخم وفائق الأهمية
STEPS TO AN
ECOLOGY OF MIND
COLLECTED ESSAYS IN ANTHROPOLOGY,
PSYCHIATRY, EVOLUTION, AND
EPISTEMOLOGY
https://ejcj.orfaleacenter.ucsb.edu/wp-content/uploads/2017/06/1972.-Gregory-Bateson-Steps-to-an-Ecology-of-Mind.pdf
كما أحضروا معالجة الأسرة الشهيرة فرجينيا ساتير
Remembering Family Therapist Guru Virginia Satir (1916-1988)
https://www.goodtherapy.org/blog/remembering-family-therapist-guru-virginia-satir-1916-1988-0116154
و أحضروا أيضا فرانك فاريلي، الذي اعتاد أن يفعل شيئًا يسمى العلاج الاستفزازي في المصحات في ويسكونسن.
Provocative Therapy Hardcover
by Frank Farrelly , Jeff Brandsma
https://www.amazon.com/Provocative-Therapy-Frank-Farrelly/dp/0916990036
قرر مايره التعمق في الأ.بحاث السيبرنيتكية والتنويم الإيحائي لميلتون اريكسون. لذلك قام ببيع منزله، وأخذ تلك الأموال، وذهب إلى كاليفورنيا، حيث حصل على التدريب في معهد الأبحاث العقلية مع جون ويكلاند: أحد مبتكري ما يسمى علاج الأسرة الموجز
John Weakland
John Weakland, an Originator of Family Therapy, Is Dead at 76
https://www.nytimes.com/1995/07/16/obituaries/john-weakland-an-originator-of-family-therapy-is-dead-at-76.html
كان جون معلمه لمدة عقد أو أكثر .
دخل مايره المجال الأكاديمي عندما نفد اعتقاده أن ما كان يفعله مع الشباب له أي معنى. كات يقوم ببعض التدريس كعضو هيئة تدريس مجتمعي في جامعة مينيسوتا. لذلك قرر العودة للحصول على درجة الدكتوراه. أعد رسالته عن حليقي الرؤوس skinheads و الشباب المشاغبين punks واستخدم الثقافات الفرعية كقوة إبداعية، في محاولة للتمعن في بعض هذه الأفكار للعمل مع الشباب. اكتشف مايره أن القسم الدراسي الذي كان يعمل فيه لم يكن لديه أي نظام نظري بخلاف الفلسفة الظاهراتية phenomenology، وهو بالتأكيد نظام قوي، ولكنه ليس النظام الذي كان بحاجة إليه. اعتقد مايره أن حليقي الرؤوس هم في مرحلة ما بعد الاستعمار من حيث كونهم يمثلون بقايا ثقافة الطبقة العاملة. من حيث عدم كونهم عنصريين، وهم ليسوا عنصريين في الواقع، فإن الغالبية بالتأكيد ليست كذلك.
كانت استثماراته في الأوساط الأكاديمية متجذرة في حالات الطوارئ: الاستثناء - وهذا يعني أن السبب الذي جعله يكتب عن حليقي الرؤوس والمشاغبين من الشباب هو أن ابنه كان أحدهم. تمكن من مقابلتهم والعمل معهم لأنه كان يعرفهم؛ كانوا في المنزل، كانوا يسهرون طوال الليل، كانوا يتسكعون، يهربون من المنزل، كل هذا النوع من الأشياء، وهكذا ذهب إلى النوادي معهم.
يعتقد مايره ان أحد الأشياء التي يتحدث عنها في كتابه هو انتشار الملجأ-المصحة العقلية. مصطلح الملجأ هو من ابتكار عالم الاجتماع غوفمان ونظريته عن "المؤسسة الكلية" كما فصلها في كتابه 1961 فائق الشهرة
Asylums: Essays on the Social Situation of Mental Patients and Other Inmates
https://www.amazon.com/Asylums-Essays-Situation-Patients-Inmates/dp/0385000162
اي بشكل أساسي، كما يشير عنوان الكتاب، المصحات العقلية والعملية التي يتطلب من خلالها الحفاظ على سلوك يمكن التنبؤ به ومنتظم من جانب كل من "الحارس-المصحة" و "الاسير -النزيل أو المريض"، مما يشير إلى أن العديد من ميزات مثل هذه تخدم المؤسسات من خلال الوظيفة الطقسية المتمثلة في التأكد من أن كلا فئتي الناس تعرفان وظيفتهما ودورهما الاجتماعي، وبعبارة أخرى "إضفاء الطابع المؤسساتي" عليها. يخلص غوفمان إلى أن ضبط النزلاء وفقًا لدورهم, له على الأقل أهمية مماثلة لـ "علاجهم". خلص غوفمان إلى أن "إضفاء الطابع الطبي" على المرض العقلي وطرق العلاج المختلفة هي من مخلفات القرن التاسع عشر والثورة الصناعية وأن ما يسمى "النموذج الطبي" لعلاج المرضى كان شكلا مشابها لطريقة التجار والحرفيين في أواخر القرن التاسع عشر لإصلاح الساعات والأشياء الميكانيكية الأخرى: في حدود متجر أو دكان ظلت محتوياته وروتينه لغزا للعميل.
إذا, حسب مايره في كتابه, استخدمنا استعارة السرطان، وهو ورم محدود إلى حد ما، يحتوي على أشياء. وعندما ينتقل، ينتشر في جميع أنحاء النظام بأكمله, لم يعد محتواه كورم. هذا لا يعني أن الأشخاص الموجودين داخل المصح هم سرطانيون، ولكن العكس.
في الواقع, حسب مايره, إذا فكرنا في الرأسمالية كفيروس، فإن أحد الأشياء التي تقوم بها الرأسمالية هو أنها تغزو البنية الخلوية للمجتمع وتعيد تشكيل الحمض النووي الاجتماعي الخاص به بحيث يكرر نفسه بنفس الطريقة التي يقوم بها الفيروس. ثم ينتشر تدريجياً في جميع أنحاء النظام. في البداية، لكي يحدث ذلك، يجب أن يكون هناك نقطة احتواء أولية حيث يدخل الفيروس الجسم ويتركز المرض.
يستخدم دولوز وغوتاري مصطلح فجوة، ويستخدمونه بمعنى إيجابي. يتحدثون عن فجوات عدم الاتصال لأن الفجوة هي خلية داخل بنية مرضية تحافظ بالفعل على صحتها ثم تنتشر تدريجياً عبر النظام من خلال الأجسام المضادة.
يصف الأثنان الشيزوفرينيا بشكل ايجابي لأسباب لا يمكنني التعمق هنا فيها, والمهتم يمكنه الحصول على المزيد في
Living the intensive order: Common sense and schizophrenia in Deleuze and Guattari
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6175004/
الرأسمالية هي ملجأ من عدة نواحٍ. أولاً، كان الملجأ مساحة لاحتواء البؤس والفقر والاختلاف العصبي والحزن والغضب. لقد كانت مساحة لأحتواء الأشخاص الذين يعبرون عن هذه الأشياء بطرق مزعجة للمجتمع المهيمن الذي أراد وضع هؤلاء الأشخاص في مكان حيث يتم إلتخلص منهم . في البداية، كانت هذه مساحات احتواء، لكن تلك كانت الطريقة الحداثية للقيام بمثل هذه الأشياء. في الواقع لقد تم إبعادهم عن المجتمع، لكن لم يتم إزالة الأجسام. كانت تلك الأجسام بحاجة إلى إزالتها لأنها كانت الأعراض، الأعراض الواضحة للمجتمع. بالتأكيد، إحدى طرق إدارة مظهر المجتمع هي إزالة تلك الأجسام التي تعبر عن الاختلاف والمعاناة والبؤس.
يتبع
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟