إنهم يكذبون بوقاحة

اتريس سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 7477 - 2022 / 12 / 29 - 21:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

إنهم يكذبون عليكم إستخفافًا بكم وإعتمادًا على جهلكم، فابحثوا وتحققوا !
أكثر ما يصدمني هو بجاحة و وقاحة وجرأة العديد من المواقع العربية وأهم المؤسسات الإعلامية العربية في تزوير وتمويه المعلومة إعتمادًا على حقيقة أن أغلب المتابعين في البلدان الناطقة بالعربية لا تبحث وراء المعلومة ولا تعتمد على المصادر الموثوقة أو الرئيسية للتحقق من المعلومة بل تقفز فرحًا أمام أي معلومة تداعب عواطفها وتصل قلة الأمانة العلمية والصحفية إلى درجة أن هذه المؤسسات تنقل الخبر بشكل صحيح عندما يكون موجه للمتابعين الأجانب عبر نسختها الأجنبية فهي تعرف أن كذبهم وتدليسهم سيكشف وسيكون الثمن مصداقيتهم وسمعتهم ومتابعتهم،
كنت قد قرأت منذ عدة أيام تقريرًا حول تغير نسبة معتنقي الأديان في إنكلترا و ويلز في عام 2021 مقارنة بعام 2011 عنوان التقرير الصادر عن مكتب الإحصائيات الوطنية الحمكومية ONS Office for National Statistics الدين، إنجلترا وويلز: التعداد 2021 (ديانة المقيمين المعتادين والتكوين الديني للأسرة في إنجلترا وويلز، بيانات تعداد 2021.)
Religion, England and Wales: Census 2021 (The religion of usual residents and household religious composition in England and Wales, Census 2021 data).
وللصراحة لم أهتم بكتابة مقال عنه فعدد الناس المعتنقين لفكرة ما ولو أن له تأثير في النسيج المجتمعي والتشريعات وغيرها إلا أنه لا يعني بأي شكل من الأشكال صحة الفكرة و كذلك الزيادة لا تعكس قوة الفكرة وإنتشارها بسبب الصحة أو الإقتناع ولكن قد يعود هذا للعديد من العوامل الأخرى كالمواليد والدعم المالي والإيديولوجي وحتى التسويق الجيد للأفكار ولكن اليوم صدمت بتقرير من AJ+ التي تدعي نقل المعلومة بصحة والتابعة لمجموعة الجزيرة Al Jazeera Media Network (صور التقرير مرفقة، بالإضافة إلى رابط التقرير في التعليقات) يقولون فيه حرفيًا:
- الإسلام الأسرع إنتشارًا..
- هل تتحول المسيحية إلى ديانة أقل في بريطانيا؟
- 46.2% مسيحيون، المسيحية لم تعد ديانة الأغلبية في إنكلترا وويلز بل تراجعت إلى ما دون النصف.
- ارتفع عدد المسلمين في بريطانيا بنسبة 44% خلال 10 سنوات 2011-2021.
- قرابة 4 ملايين مسلم في بريطانيا، المسلمون يشكلون 6.5% من مجموع السكان.
طبعًا من يقرأ هذا الكلام يعتقد أن الإسلام هو الديانة الأكثر و الأسرع انتشارًا في إنكلترا وويلز (طبعًا بريطانيا تتضمن بالإضافة لهما إسكتلندا، ويضاف لهما إيرلندا الشمالية لتصبح المملكة المتحدة) وأن رقم 44% بجانب كلمة مسلمين رقم كبير ولكن في الحقيقة فهذا تزوير مقصود أو ما يمكن تسميته تدليس وهو إقتطاع المعلومات ونقلها بطريقة توحي بغير معناها بل يضاف إليه كذبهم الصريح.
رجعت للتقرير وأجريت الإحصائيات بنفسي (الجداول توضح المعلومات والبيانات التي سأنقلها لكم الآن):
عدد السكان لعام 2021 (أحدث إحصائية) في إنكلترا وويلز مع نسبتهم المئوية هي كالآتي (يعني ماذا تمثل هذه الفئات حاليًا من العدد الكلي):
- المسيحية: 27.5 مليون (46.2%)
- اللادينية: 22.2 مليون (37.3%)
- الإسلام: 3.9 مليون (6.6%)
- الهندوسية: 1.0 مليون (1.7%)
ترتيب نسبة الزيادة مقارنة بعدد السكان لعام 2021 (يعني كم زاد تمثيل هذه الفئات حاليًا من العدد الكلي):
- اللادينية: 8.1 مليون (12.1%)
- الإسلام: 1.2 مليون (1.7%)
- الهندوسية: 0.182 مليون (0.22%)
- المسيحية: -5.8 مليون (-13.2%)
ترتيب نسبة الزيادة مقارنة بعدد الفئة نفسها في عام 2011 (يعني كم زاد عدد هذه الفئات بالنسبة لعددها السابق وليس بالنسبة لغيرها):
- اللادينية: 8.1 مليون (57.4%)
- الإسلام: 1.2 مليون (44.4%)
- الهندوسية: 0.182 مليون (22.2%)
- المسيحية: -5.8 مليون (-17.4%)
إذًا نرجع لادعاءات AJ+ ونتحقق منها:
- الإسلام الأسرع انتشارًا: (كذب واضح، الأسرع انتشارًا هي اللادينية وبفارق كبير عن غيرها)..
- هل تتحول المسيحية إلى ديانة أقل في بريطانيا؟ (صحيح)
- 46.2% مسيحيون، المسيحية لم تعد ديانة الأغلبية في إنكلترا وويلز بل تراجعت إلى ما دون النصف. (صحيح)
- ارتفع عدد المسلمين في بريطانيا بنسبة 44% خلال 10 سنوات 2011-2021. (تدليس؛ ارتفاع العدد مقارنةً بعددهم السابق وليس مقارنة لا بعدد السكان ولا عدد أي فئة أخرى).
- قرابة 4 ملايين مسلم في بريطانيا، المسلمون يشكلون 6.5% من مجموع السكان. (صحيح؛ ولكنه لا زال أقل من التحول اللاديني) وبهذا نجد الكذب الصريح الذي سيصدقه الملايين لأنه يداعب عواطفهم دون بذل جهد التحقق من المعلومة رغم سهولة التحقق
في دراستي للماستر وأثناء محاضرات أساليب المقارنة و المحاججة والمناظرة طرح لنا أستاذ المادة موضوع مهم جدًا وهو أن أهم أساس من أسس الطرح أو المناظرة والذي يضفي عليها الموثوقية هو التحكيم ووجود ثمن يدفعه المدلس أو الكاذب لأنه إن أمن هذا الثمن لن يتورع عن إنتهاك الأمانة العلمية والأدبية في الطرح والمناظرات، و عندما سألناه ما الثمن الذي يمكن أن يدفعه أحد في مناظرة عامة أو إن كان ينشر في موقع غير محكم بطريقة علمية أو أكاديمية أو قانونية، كان جوابه السمعة والمصداقية، فالشخص أو الجهة التي تخاف على سمعتها ومصداقيتها وتعتقد أن من يقف في صفها هو باحث عن الحقيقة وسيتخلى عنهم إذا تبين كذبهم لما كان تجرأ على الكذب من أجل تمرير فكرة أو من أجل انتصار مؤقت في مناظرة لأنه سيكشف ويكون الثمن غاليًا.. ولكننا في مجتمعات شعبوية تحب من يكذب عليها وتصدق الكذب ما دام يدعم فكرتها ومعتقدها، مجددًا العدد لا يعني أن الفكرة صحيحة

#اتريس_سعيد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات