|
إمبراطورية بلغار في صفحات التاريخ
ديار الهرمزي
الحوار المتمدن-العدد: 7476 - 2022 / 12 / 28 - 18:18
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
گوروم خان البلغار هو القائد الذي قاد البلغار في معركة فيرسينيكيا (813 )م. كان يدينون ديانة المعروف عنهم أنهم كانوا توحيديين. في النقوش الإغريقية من بلغاريا الدانوبية ويبدو أن للذئب عندهم أيضًا معنى ميثولوجيًّا خاصًّة. يفترض أن الإله المتكلَّم عنه هنا هو إله السماء تنكري. والظاهر أن التنكرية شملت عدة شعائر شامانية. ماذا تعرف عن إمبراطورية البلغار؟ متى تأسست؟ أين تأسست؟ ما هي لغتهم؟ هل هم من آسيا الوسطى؟ هل هم من بقايا الهون الكبرى ؟ من الذي أتى بهم إلى شرق أوربا؟ البلغار كانوا قوم شبه رحل من الشعوب التركية التي ازدهرت في منطقة السهوب القازوينية وفولغا في القرن السابع الميلادي. وأن أصولهم ترجع إلى آسيا الوسطى حيث ظهروا كشعوب خيالة. تأثر البلغار خلال ترحالهم غربا عبر السهب العظيم بعادات الشعوب التي مروا بها كالهون والإيرانيين والهندو أوربيين. تشير الدراسات الجينية الحديثة التي أجريت على شعوب التركية في آسيا الوسطى إلى وجود صلة شعوب أوراسيا وأوروبا وكانوا يتحدثون لغة تركية بلغارية من فرع اللغات الأويغورية. إضافة إلى ذلك، حافظ البلغار على الألقاب العسكرية وعادات وتقاليد شعوب سهوب أوراسيا والمعتقدات الدينية كعبادة الإله السماوي تنكري. أصبح البلغار شبه مستقرين في السهب القزويني خلال القرن السابع حيث أنشؤا إمبراطورية بالغاريا القديمة عام 635 والتي انصهرت في إمبراطورية الخزر في 668. في عام 679 احتل الخان أسباروخ سكيثيا الصغرى فاتحا بذلك مويسيا ومكونا الإمبراطورية البلغارية الأولى. غدا البلغار في البلقان نخبة سياسية وعسكرية حيث اندمجوا مع الشعوب السابقة كالتراقيين والفلاك وتبنوا الثقافة السلافية منشئيين البلغاريين الحديثين. هاجر ما تبقى من البلغار البونتيون في القرن السابع إلى نهر فولغا حيث أوجدوا فولغا بلغاريا وقد حفظ ذلك الشعب على هويته حتى القرن الثالث عشر. يدعي تتار الفولغا والتشوفاش انحدارهم من بلغار فولغا. هاجر البلغاريون البنطسيون الباقون في القرن السابع إلى نهر الفولغا، وأسسوا بلغاريا الفولغية، وحافظوا على هويتهم حتى القرن الثالث عشر. يدعي تتر الفولغا والشعب الشوفاشي أن أصولهم تعود إلى البلغار الفولغي. ثقافة البلغاريين هي ثقافة البدو في آسيا الوسطى وفي بعض المناطق شبه مستقرة ، الذين كانوا يهاجرون كل موسم في طلب المراعي الوفيرة، وكذلك بحثًا عن تواصل حضاري واقتصادي بينهم وبين المجتمعات المستقرة. وباتصالهم مع الثقافات المستقرة، بدأ البلغار يحترفون الحدادة والنجارة وصناعة الفخار. وكان من شأنهم أن القبيلة الحاكمة سياسيًّا تسمّي مجمع القبائل باسمها. هذه المجامع كانت تشجعها عادةً قوى ملكية، لأن التعامل مع حاكم واحد أسهل من التعامل مع عدة رؤوس قبائل. في المجتمع البدوي كانت القبائل منظمات سياسية تقوم على القرابة، ولها قوة منتشرة. تطورت القبائل تبعًا لعلاقاتها مع الحضارات المستقرة، ولم تكن تستطيع غزوهم إلا بفضل العصبية القبلية. إذا كان لغزو البدو هذه الحضارات أثر سلبي على اقتصاد المنطقة ونموها، فإن هذا سيبطئ اقتصادهم ونموهم الاجتماعي والحضاري هم أيضًا. في الحالة البدوية كان التواصل بين البدو والحضر محدودًا، وطالما كان للبدو نظام جزية قاسٍ. عندما وصل البلغار إلى إقليم البلقان، عاشت أجيالهم الأولى حياة بدوية في الخيام، ثم تبنوا نمط المستقرين ( السلافيين )في البناء ونمطهم الموسمي أو المستقر في الحياة. لم يمكن التفريق بين المستوطنات السلافية والبلغارية إلا بنمط مقابرهم. لا يعرَف عن دين البلغار إلا القليل، ولكن المعروف عنهم أنهم كانوا توحيديين. في النقوش الإغريقية من بلغاريا الدانوبية، وصف الملوك البلغار أنفسهم بأنهم «حكّام من الرب»، وهو ما يعني السلطة ذات الأصل الإلهي، ويوحي بفكرة حضور الإله في كل زمان ومكان. تقول النقوش الفارسية من مدينة فيليبي (837):
إذا تحرّى الحقيقة إنسان، رآه الله. وإذا كذب، رآه الله أيضًا. أحسن البلغار إلى المسيحيين (البيزنطيين) إحسانًا كثيرًا، ولكن المسيحيين نسوهم. ولكن الله يرى.
يفترض أن الإله المتكلَّم عنه هنا هو إله السماء تنكري. في الإملاء الصيني يسمى جنلي، وفي التركي تانكارا وتنكيري، وهي أقدم كلمة تركية منغولية معروفة. قد تعود أصول تنكري إلى معاهدة تشونغو، التي حددت حدود الصين في القرن الثاني قبل الميلاد. يرجح أن الاتفاقية شملت أطرافًا من أسلاف المنغوليين وأسلاف الترك. وفي التركية الحديثة، الكلمة التي تدل على الرب هي تانري، وهي مشتقة من الأصل نفسه. والظاهر أن التنكرية شملت عدة شعائر شامانية. وحسب رأي مرسيا مكدرمت فإن تنكرا هو الإله المذكر المرتبط بالسماء والنور والشمس. وشملت العبادة أيضًا كفؤ تنكرا المؤنثة، وهي الإلهة الأصلية أوماي، إلهة الخصوبة. ويرتبط ختمهم الذي وجد كثيرًا في بلغاريا القروسطية بالإله تنكرا. ومع ذلك، فإن معناه الدقيق واستعماله لم يزل غير معروف. أقدس الكائنات عند تنكرا هي الأحصنة ، ولا سيما الأحصنة البيضاء. وجدت ألواح برونزية عليها رسومات للشمس والأحصنة وحيوانات أخرى في المواقع الأثرية البلغارية. قد يفسر هذا عدة محرمات بلغارية، منها محرّمات مرتبطة بالحيوانات. يعتقد رافيل بوخاريف أن وجود دين توحيدي حاكمي بين البلغاريين، أي الهينوثية، كما وجدها أحمد بن فضلان (في القرن العاشر) حول الأتراك الأوغوز أقرباء البلغار، جعل دخول الإسلام أسهل إلى بلغاريا الفولغية. وكانوا إذا أصابتهم مصيبة أو حادثة سيئة، نظروا إلى السماء ودعوا: «بير تنكري!». وهي عبارة باللغة التركية تعني: «بالرب الواحد الأحد». ووجدت إشارة أخرى إلى تنكري في نقش إغريقي منقوص وُجد في معبد مفترض قرب مادارا، قُرئ هكذا مبدئيًّا: «الخان سيبيغي أومورتاغ، الحاكم بأمر الله... كان... وقرّب إلى الإله تنكرا قرابين... إيتشورغو بوالا... ذهبًا». وسجلت مخطوطة عثمانية أن اسم الله في البلغارية «تانغري». واستُعمل جزء من دليل إثنوغرافي لدعم أن البلغار عبدو تنكري (أو تنكرا)، وهو تشابه هذا الاسم مع اسم «تورا»، اسم الإله الأعلى في الدين التقليدي للتشوفاش، الذين طالما نُظر إليهم على أنهم خلَف بلغار الفولغا. ولكن دين التشوفاش اليوم مختلف اختلافًا كبيرًا عن التنكرية، وهو شكل محلي من تعدد الآلهة، وسبب اختلافه الاعتقادات الوثنية التي أخذوها عن سكان الغابات أصحاب الأصول الفينية الأوغرية، الذين عاشوا في جوارهم، وبعض الاعتقادات المأخوذة من الإسلام. كان الوثنية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بنظام القبائل القديم، وحُفظ فيه على بقايا من الطوطمية والشامانية حتى بعد عبور الدانوب. ترتبط مقاطعة شومن عادة في الأدبيات الآثارية بالشامانية. في القرن التاسع، رُوي أن البلغار قبل كل معركة كانوا «يمارسون السحر ويغنون ويطلقون النكات وبعض أنواع العرافة». روى ليوتراند الكريموني أن بايان بن سيمون الأول (893–927) كان يحوّل نفسه إلى ذئب باستعمال التعاويذ السحرية. وروى كليمنت الأوخريدي عن عبادة البلغار للنار والماء، وفي القرن الحادي عشر ذكر ثيوفيلكت الأوخريدي أن البلغار قبل التنصر كانوا يقدسون الشمس والقمر والنجوم، وكانوا يقرّبون إليهم الكلاب قرابين. ويُزعَم أن قبيلة دولو كانت تعدّ الكلب حيوانها المقدس. لم يزل البلغاريون إلى اليوم يستعملون عبارة «هو الذي يقتل الكلب»، بمعنى «هو الآمر الناهي»، وهو أثر من أيام قتلخان قبيلة الدولو كلبًا للإله تنكرا. وجدت بقايا للكلاب والغزلان في مقابر البلغار، ويبدو أن للذئب عندهم أيضًا معنى ميثولوجيًّا خاصًّة. كان البلغار يحرقون موتاهم أو يدفنونهم، وعادةً ما يدفنون معهم أشياءهم الخاصة (من فخار أو أسلحة) وطعامًا وحيوانات مقدسة. بسبب عبادة البلغار للشمس، كانوا يفضلون الجنوب. كانت مبانيهم وأضرحتهم الأساسية تتجه إلى الجنوب، كذلك خيامهم التي كانت أبوابها من الجنوب عادةً، وأحيانًا قليلة من الشرق. أظهرت التنقيبات الأثرية أن البلغار كانوا يدفنون موتاهم على المحور الجنوبي الشمالي، ويكون رأس الجثة إلى الشمال، لكي يواجه وجهها الجنوب. أما السلافيون فكانوا يحرقون موتاهم ولا يدفنونهم، ويضعون رماد الجثة في جِرار، ومع التحول إلى المسيحية صار البلغار والسلافيون جميعًا يدفنون موتاهم على المحور الشرقي الغربي. وُجِد المثال الوحيد على المقابر البلغارية السلافية المختلطة في يستريا قرب مدينة هستريا الأثرية، على ساحل البحر الأسود.
المراجع...
^ Waldman, Mason 2006، صفحة 108.
^ Fiedler 2008، صفحة 151: "...ethnic symbiosis between Slavic commoners and Bulgar elites of Turkic origin, who ultimately gave their name to the Slavic-speaking Bulgarians."
^ Shnirelʹman 1996، صفحة 22–35.
^ Waldman, Mason 2006، صفحة 106–107.
^ D. Dimitrov (1987). ""Old Great Bulgaria"". Prabylgarite po severnoto i zapadnoto Chernomorie. kroraina.com. Varna.
^ Golden 2011، صفحة 54.
^ Golden 2011، صفحة 118.
^ Fiedler 2008، صفحة 200.
^ Curta 2006، صفحة 161–162.
^ Sophoulis 2011، صفحة 84–86.
↑ أ ب Sophoulis 2011، صفحة 84.
^ Shnirelʹman 1996، صفحة 30–31.
↑ أ ب MacDermott، Mercia (1998). Bulgarian Folk Customs. Jessica Kingsley Publishers. ص. 21–22. ISBN 9781853024856. مؤرشف من الأصل في 2020-04-03.
^ Fiedler 2008، صفحة 208.
^ Sophoulis 2011، صفحة 88.
^ Bukharaev، Ravil (2014). Islam in Russia: The Four Seasons. Routledge. ص. 80–82, 83. ISBN 9781136807930. مؤرشف من الأصل في 2020-04-03.
^ Maenchen-Helfen 1973، صفحة 268.
^ Sophoulis 2011، صفحة 82.
^ Fiedler 2008، صفحة 159.
#ديار_الهرمزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دولة خزر المنسية
-
الشامانية أقدم دين في تاريخ الانسان
-
الحرب التركية اليونانية (1919-1922)….
-
معاناة التركمان في العراق الديمقراطي
-
نواة الحضارة الانسانية بدأت من بلاد الرافدين
-
وجود أسماء توركمانية في الحضارات القديمة هل هي محض صدفة ام م
...
-
أحياء ومحلات القديمة في خانقين
-
آثار التاريخية لمدن القديمة في سوريا
-
أورشو مستوطنة في تركيا:-
-
أسطورة اغوز خان
-
حضارة مو mu civilization
-
مردمان المدينة المفقودة
-
حضارة لولوبيون.
-
العثمانيون أو آل عثمان سلالة تركية....
-
حضارة أون تاش (ايلام)
-
ماذا تعرف عن بيروبيجان (اوبلاست) الدولة اليهودية؟
-
ماذا تعرف عن الفلسفة الإسلامية؟
-
ما هي الفلسفة، وما تعريفها، ومتى نشأت؟
-
الفلسفة السياسية/ ديار الهرمزي
-
مقهى الشابندر في صفحات التاريخ.. بحث وتقديم: ديارالهرمزي
المزيد.....
-
متحدثة البيت الأبيض: أوقفنا مساعدات بـ50 مليون دولار لغزة اس
...
-
مصدر لـCNN: مبعوث ترامب للشرق الأوسط يلتقي نتنياهو الأربعاء
...
-
عناصر شركات خاصة قطرية ومصرية وأمريكية يفتشون مركبات العائدي
...
-
بعد إبلاغها بقرار سيد البيت الأبيض.. إسرائيل تعلق على عزم تر
...
-
أكسيوس: أمريكا ترسل دفعة من صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا
-
ميزات جديدة لآيفون مع تحديث iOS 18.4
-
موقع عبري يكشف شروط إسرائيل لسحب قواتها من الأراضي السورية ب
...
-
مصر.. -زاحف- غريب يثير فزعا بالبلاد ووزيرة البيئة تتدخل
-
تسعى أوروبا الغربية منذ سنوات عديدة إلى العثور على رجال ونسا
...
-
رئيس الوزراء الإسرائيلي: ترامب وجه لي دعوة لزيارة البيت الأب
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|