|
ذات حضن
محمد حبش كنو
الحوار المتمدن-العدد: 7470 - 2022 / 12 / 22 - 04:38
المحور:
الادب والفن
تدلت بين يديه ذات حضن كدالية عنب تشربت ماء فارتخت أوراقها بطرا .. نظرت إلى عينيه وأخفضت رأسها فتناثر شعرها خلف ظهرها حتى كاد يلامس الأرض واتخذت رقبتها من الأمام شكل قوس الهلال تحتها صفحة صدر ممتد كأنه سهل فسيح ثم نظرت إلى المرآة الكبيرة خلفها وإلى النافذة الواسعة الممتدة على طول الصالون وقالت له أشعر أنني معلقة .
قال لها مبتسما كمن يضمر الفهم : معلقة .. ماذا تعنين ..؟؟؟
ردت عليه وهي ما زالت تحدق في المرآة وقالت : كأنني معلقة ما بين الأرض والسماء .. ما بين احتواء المكان والفراغ .. ما بين الشعور بدفئك والبرود .. ما بين الامتلاك والضياع .. مشاعر لا أستطيع وصفها لكنها تختلج في داخلي كعصافير تبحث عن شيء مفقود .
قال لها أتدرين لماذا سميت المعلقات السبع بهذا الاسم ..؟؟؟
قالت : سمعت أنها كانت تعلق على أستار الكعبة .
قال : بل لأنها ظلت معلقة على أستار القلوب .. قالوا فيها أقوالا كثيرة منها ما ذكرتيه وكلها أسباب مادية لكنهم تغافلوا البعد المعنوي والمعنى العميق فكثيرة هي الأشعار التي قيلت عبر تاريخ العرب بل كان جل كلامهم شعرا لكن هذه القصائد وحدها علقت في قلوب الناس وتملكت أفئدتهم .
أشعار رددها الناس قديما وما زلنا نردد أبياتها وهي تحمل بعدين غريبين فكثير من أبياتها أصبحت جزءا من حياتنا لكن بعض أبياتها تتحدث عن معنى التعلق حرفيا وهو الشعور الذي حدث معك بالضبط .
ألا ترين ما قاله عنترة وهو يصنف كأجمل ما قالته العرب في الغزل :
إني ذكرتك والرماح نواهل ... مني وبيض الهند تقطر من دمي فوددت تقبيل السيوف لأنها ... لمعت كبارق ثغرك المتبسم
هل تعلمين ما هو الشعور الذي أحس به عنترة وهو في أحلك ظروف المعركة .. لقد توقف به الزمن فعلق في الزمن ونسي المعركة فذكرته لمعان السيوف بثغر عبلة المبتسم حتى ود لو قبلها حبا .
إنه شعور ما بين الحب والحرب .. ما بين شراسة السيوف وحنانها .. ما بين توهان عنترة في شجاعته وبأسه و حنانه و رقته .. إنه الزمن العالق الذي يفصل بين الزمنين .
لطالما فكرت هل من الممكن إيقاف الزمن أو إرجاعه إلى الخلف .. كأي طفل كانت تستهويني مشاهد إيقاف الأشخاص في الأفلام بحيث يتجمد كل واحد في مكانه متخذا وضعية معينة ثم يتوقف بهم الزمن وكان البطل أحيانا هو الوحيد الذي يتحرك بينهم .
منذ اكتشاف البوزيترون في ثلاثينات القرن العشرين وعلماء فيزياء الكم يعتقدون أن هناك زمنا يرجع إلى الخلف فالبوزيترون هو عكس الإلكترون فكل شيء في الكون له مناظر أو معاكس ولأن الإلكترون سالب الشحنة يتقدم مع الزمن فإن البوزيترون موجب الشحنة يمشي عكس الزمن .
بين الزمن الذي يجري إلى الأمام والزمن الذي يرجع للخلف هناك الثقوب السوداء التي تعتبر حدا بين الزمنين يتوقف فيه الزمن وتبتلع كل شيء بما فيه الزمنين فهي إذن النقطة التي يتعلق فيها الزمن .
كثيرا ما فكرت ماذا كان يفعل الله قبل أن يخلق الكون برمته بما أنه أزلي عكس الكون المخلوق على يديه ولا يتجاوز عمره أكثر من ثلاثة عشر مليار سنة فماذا كان يفعل الله قبل هذه السنوات بترليونات السنين دون خلق ودون ملائكة ودون بشر ودون كون ..؟؟؟؟
لعل الجواب أن الله كان معلقا ليس إلا فهذا هو الزمن المعلق الذي لم يكن فيه شيء .
سر الكون برمته في المعلق بين الشيئين في النقطة المعلقة بين الوجود واللاوجود وهو السر المخفي خلف نهاية الكون التي لا يستطيع العقل البشري تفسيرها أو تصورها أبدا على مبدأ أنه لو كان هناك حد لنهاية الكون فماذا خلف هذا الحد فإذا قلنا بأنه اللاوجود فأين يتمدد الكون وكيف يتمدد في اللاوجود ولو قلنا بأن شيئا ما موجودا فهذا يعني أنه جزء من الكون إلى ما لا نهاية وهذه استحالة ولكن السر هو أنه شيء معلق بين الوجود واللاوجود .
في المحصلة فإن النقطة المعلقة تلغي الكثير من الثنائيات في الكون بما فيها الثنائيات المعنوية .. الخير والشر .. الحب والكراهية .. العبقرية والجنون ونستطيع من خلال ذلك فهم الأشياء بشكل مختلف عما اعتدناه وفسرناه .
كثيرا ما حيرني ما أقسم الله به في القرآن و شعرت أن هناك حلقة مفقودة فهو يقول دائما لا أقسم وهو يقصد القسم كقوله لا أقسم بهذا البلد وقوله فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه قسم لو تعلمون عظيم وهذه الجملة الأخيرة تؤكد بشكل واضح بأنه قسم رغم أنه يقول لا أقسم فما هي الحلقة المفقودة ..؟؟؟
حقيقة إنه القسم المعلق فلا يليق بالله أن يقسم بما هو أدنى منه وبالمقابل يريد الرفع من قيمتها فأصبحنا أمام القسم واللاقسم .. بين النقطة المعلقة بينهما حيث يدرك الله وحده كل أسرار الوجود .
أنت حين شعرت أنك معلقة وصلت إلى الكمال حيث السر المخفي في الكون فكل شيء حده ضده فقمة الفرح البكاء وقمة الحزن حين ينفلت العقل هو الضحك والجنون ولكنك إن علقت سلمت وشعرت بالسعادة الأبدية .
نظرت إليه وهي معلقة بين يديه تستمع إليه فانتصبت كأفعى برية مشدودة القوام واحتضنته حتى غاصت فيه .
#محمد_حبش_كنو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما ضاع حق وراءه مشاغب
-
إن يكن قلبي جريحا .. موشح على الطراز الأندلسي
-
الحجاب عادة أم عبادة . نظرة تاريخية على ضوء قضية شهيدة الحجا
...
-
رواية سفر الرجوع
-
سوريا والتحركات الكردية بين واشنطن وموسكو .. حلول مؤجلة كردي
...
-
وطن أحمر
-
حينها أدركت بأنني كردي
-
إلا رسول الله كلمة حق يراد به باطل
-
البرلمان هو الحل المنقذ لأكراد سوريا
-
فلسفة الوجود واللاوجود
-
عن كورونا والسياسة والقمح والشعير
-
حرب المعابد
-
الأزمة السورية وملاحم آخر الزمان
-
معركة إدلب الكبرى بين الوهم والحقيقة
-
حتى لا يتحول الكرد إلى السمكة الثالثة
-
دراسة عن تنظيم القاعدة والعمال الكردستاني كنموذجين في الحرب
...
-
تناقض الصراعات الداخلية الأمريكية تلقي بظلالها على مشاريعها
...
-
وداوها بالتي كانت هي الداء .. عفرين وآخر أوراق الكرد
-
ماذا وراء سقوط الطائرات في سوريا ..؟؟
-
حين تلمع الفاتيكان وجه القاتل
المزيد.....
-
وفاة بطلة مسلسل -لعبة الحبار- Squid Game بعد معاناة مع المرض
...
-
الفلسفة في خدمة الدراما.. استلهام أسطورة سيزيف بين كامو والس
...
-
رابطة المؤلفين الأميركية تطلق مبادرة لحماية الأصالة الأدبية
...
-
توجه حكومي لإطلاق مشروع المدينة الثقافية في عكركوف التاريخية
...
-
السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي
-
ملك بريطانيا يتعاون مع -أمازون- لإنتاج فيلم وثائقي
-
مسقط.. برنامج المواسم الثقافية الروسية
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
موسكو ومسقط توقعان بيان إطلاق مهرجان -المواسم الروسية- في سل
...
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. -تعريفة- ترامب وتجارة الكلمات بين ل
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|