|
بمناسبة يوم التضامن الإنساني
قاسم المحبشي
كاتب
(Qasem Abed)
الحوار المتمدن-العدد: 7470 - 2022 / 12 / 22 - 02:34
المحور:
المجتمع المدني
يعد الإنسان أضعف الكائنات الحية عند اللحظة البيولوجية فإذا تركت الطفل الإنساني بدون رعاية حانية فلن يعيش أكثر من بضعة ساعات في العراء كما تعيش الحيونات الأخرى وتدبر حالها دون أن نراها. من هناك جاءت الحاجة إلى الرعاية الاجتماعية للكائنات الضعيفة فالتضامن ليس فكرة ولا قيمة أخلاقية ولا ثقافة مدنية فحسب بل هو جوهر وأصل كل حياة اجتماعية مشركة من مجتمع النمل والنحل والقرود الى مجتمع الانسان العاقل ، ولا وجود لأي مجتمع بدون قيم تضامنية من أي نوع من الأنواع، وليس هناك أي فرق في حقيقته الحاجة التضامنية الفعلية سوى كان ذلك في مملكة الحيوان أو عالم الانسان؛ فقط الفروق تكون في نوعية التضامن؛ إما أن يكون تضامنا فطريا غريزيا كما هو الحال في مملكة النحل والنمل والقرود والغربان ما شابهها وإما يكون تضامنا تقليديا ميكانيكيا بداعي العصبية والحمية وروابط الدم والقرابة والعشيرة والقبيلة والمذهب والطائفة والحزبية وما شابها من صيغ التضامنات التقليدية في حياة الجماعات البدائية التي يكون الانتماء اليها ميكانيكيا بدون إرادة حرة ولا اختيار وهذا هو نمط التضامن الميكانيكي العمودي حسب دور كهايم ، وأما يكون تضامنا مدنيا عضويا كما هو حال تضامن المجتمعات الحديثية المؤطرة في كيانات وهيئات مؤسسية رسمية ومدنية قانونية، إذ يكون التضامن فيها ذات طبيعة أفقية يعتمد على الحرية الفردية والاختيار الفردي النابع من حرية الارادة وليس على المرجعيات والهويات السابقة لها ، وباختصار يظل التضامن ضرورة حياتية وصيغة ممكنة لديمومة الحياة المشتركة للكائنات الحية في كل زمان ومكان وهكذا ظل النمل مجتمعا تضامنيا بينما الصراصير لا تتضامن لان كل صرصور يعيش وحده. لا وجود لمجتمع مدني بدون قوة تضامنية فعالة وقادرة على حماية نفسها ومجتمعها ضد أي عدوان خارجي أو داخلي؛ قوة تضامنية عضوية قادرة على الدفاع عن أعضاء مجتمعها والوقوف ضد كل ما يهدد سلامه السياسي والاجتماعي والمدني، وهذا هو المبدأ الفعّال في كل حياة اجتماعية مشترك من خلية المجتمع الأولى العائلة حتى الهيئة العامة للأم المتحدة، إذ أن قيمة ومعنى المنظمات والمؤسسات والكاينات والأطر من أصغرها الى أكبرها يتحدد بقدرتها وقوتها التضامنية الفعلية وليست المتخيلة. غير أن التضامن بالنسبة للإنسان لا يقتصر على الدعم والاسناد بل يكتسب معاني الرغبة بالاعتراف بالقيمة والكرامة ورغبة الإنسان بالاعتراف كما قال آدم سميث (هي الرغبة الأكثر التهابا في الطبيعة الإنسانية إذ لا يوجد شخص يستطيع أن يبقى غير مبال بسمة اعتراف الآخرين به ولا يوجد ثمن نحن مستعدون لدفعه لكي نحظى بهذا الاعتراف وقد تخلى البشر بإرادتهم غالباً عن الحياة، وذلك لكي يحظوا بعد موتهم بسمعة لم يستطيعوا الحصول عليها والتمتع بها في الحياة) نقصد بالاعتراف هنا التقبل والموافقة، والتقدير والاحترام والإحساس بالآخر بوصفه كائنا جديرا بالتقدير والأهمية والاعتبار بعكس الاستبعاد والتهميش والازدراء والإنكار والإقصاء والقمع والاحتقار..إلخ من الصفات السلبية النمطية التي يتم إلصاقها بالآخر المختلف أو المعايير أو المغاير. والاعتراف يرتبط بقيم إنسانية أخرى أهمها التسامح الذي يعني احترام وقبول وتقدير التنوع والانفتاح تجاه الآخرين المختلفين، والإقرار بحق الاختلاف والتفاهم والفهم، بعكس اللاتسامح الذي يقوم على الجهل والتعصب والانغلاق والاستعلاء والتكبر والتطرف والعنف والإكراه، فالتسامح لا يعني بالضرورة أن نحب الجار بقدر ما يجب علينا أن نجتهد لاحترامه حتى ولو بالقدر الضئيل) وهو يقوم على أساس رسوخ الفكرة الجوهرية لكرامة كل بني الإنسان حتى أقلهم موهبة وشأنا، بالتالي فكرة حق كل منا في أن تكون له أفكاره الخاصة به حتى وإن كانت أكثر الأفكار منافية للعقل، ومخالفة للرأي العام، وهذا هو المعنى من قول فولتير: إنني مستعد أن أقدم حياتي ثمناً في سبيل حقك في التفكير والتعبير بحرية فيما نعتقده وإن كنت على خلاف كامل مع رأيك. وقد حظي مفهوم الاعتراف باهتمام عدد من الفلاسفة والمفكرين منذ أقدم العصور، ففي اليونان كان المثل الأعلى للحرية (هو عليك أن لا تغضب من شبيهك إذا تصرف على هواه في ظل القانون) وفي الحكمة الصينية (لا يمكننا الاستغناء عن الآخر وأنت الآخر بالنسبة له) وفي ديننا الإسلامي الحنيف (عامل الناس كما تحب أن يعاملوك) إذ يمكن للمرء أن يتحمل كل مصائب الدنيا مقابل أن ينجوَ من الاحتقار والإهمال والازدراء. وهذا هو ما دفع الفيلسوف الألماني المعاصر إكسل هونيت إلى تاليف كتابة المهم (النضال من أجل الاعتراف) 1992م إذ أكد أن كثيرا من النزاعات الاجتماعية والسياسية التي وجدت في الماضي أو الموجودة اليوم ربما تجد أسبابها في مسألة الاعتراف، التي من دونها يستحيل فهم الدوافع العميقة لمساعي وكفاح الناس وغاياتهم.ولسنا بحاجة إلى التذكير بتلك المعاني الإنسانية السامية التي أوصى بها القرآن الكريم في تعامل الناس بعضهم مع بعض ومنها: العفو والصفح واللين واللطف والرفق والرحمة والشفقة والتواضع، والإنصاف ومنع التنابز بالألقاب، والمودة والمحبة والحوار والتصالح التسامح والتعارف والاعتراف والعدل والبشر وإفشاء السلام. ..قال تعالى (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات) والأمر كذلك يعد الاعتراف من أسمى الفضائل الإنسانية وأكثرها أهمية للتعايش والسلام والاستقرار والعدل والخير والجمال والنماء والازدهار. إنه الرغبة الثاوية التي تعبر عن الحاجة الفطرية عن كل كائن إنساني إلى أن يعترف به كذات وقيمة عاليتين جديرتين بالتقدير والاحترام لذاتهما وفي ذاتهما ومن أجل ذاتهما، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، وهي حاجة تأتي مباشرة تماما بعد الحاجات الفيسولوجية، وحاجات السلامة والأمان في هرم عالم النفس الشهير أبراهام ماسلوا. وباعتبارنا كائنات اجتماعية في غاية الحساسية لا نستطيع تنمية هويتنا وبناء علاقة إيجابية مع أنفسنا ومع غيرنا من الناس من دون الاعتراف الإيجابي بذواتنا الإنسانية كقيم عليا يجب أن تحترم. إذ دون الاعتراف المتبادل يستحيل الاندماج الاجتماعي للناس في مجتمع منظم ومنسجم ومستقر ومتعاف ومزدهر.
#قاسم_المحبشي (هاشتاغ)
Qasem_Abed#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدين والتدين والإنسان والبيئة
-
على طريق مؤتمر الاستشارة الفلسفية والعلاج بالفلسفة
-
بروميثيوس اليمن الذي لم يفقد الأمل
-
نزع السحر عن العالم والمس الأخير
-
في المجتمع والنظريات الاجتماعية
-
في تحولات النقد والعقل وميلاد الحداثة
-
الإعلام الرقمي، الخصائص ، التحديات ، الفرص
-
المؤسسات العامة بوصفها شبكات حماية للمجتمع
-
تأملات في نهاية عالم كنا نعرفه
-
فلسفة التاريخ في القرن التاسع عشر
-
في معنى التاريخ وفلسفته
-
في فلسفة التاريخ النقدية
-
الإنسان مبدع العلوم وموضوعها
-
حينما لا تجد الذات من يعينها
-
حوار عام عن الديني والفضاء العمومي مع الأستاذ الدكتور بن شرق
...
-
من سؤال الإنسان إلى سؤال التاريخ
-
الكائن والكينونة والاسطورة
-
ما يشبه الحوار حول مشروع تدريس الفلسفة للأطفال مع صالح الوائ
...
-
أزمة التربية والتعليم في عالم سريع التغيير
-
في فلسفة اللغة والثقافة والهوية
المزيد.....
-
رايتس ووتش: الدعم العسكري لإسرائيل يعتبر انتهاكا للقانون الد
...
-
الأمم المتحدة تحذر جنوب السودان من -شلل سياسي-
-
لافروف ووزير خارجية إثيوبيا يبحثان تعزيز التنسيق بينهما في ا
...
-
هيومن رايتس ووتش تدعو الغرب لوقف بيع الأسلحة لإسرائيل
-
الأمم المتحدة: غزة أصبحت كوم دمار
-
بيروت.. RT ترصد معاناة النازحين
-
الأمم المتحدة: 70% من ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة من ال
...
-
يين المحاكمات والاعتداءات.. أيّ مستقبل لحرية الصحافة في تونس
...
-
الأمم المتحدة تؤكد ضرورة محاسبة إسرائيل على انتهاك القانون ا
...
-
إسرائيل.. منظمة حقوقية تعلق على قانون ترحيل أفراد عائلات -من
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|