|
فليسقط -المونديال- ولتحيا كرة القدم
وليم العوطة
(William Outa)
الحوار المتمدن-العدد: 7468 - 2022 / 12 / 20 - 23:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
انتهت منذ أيام أكبر مناسبة رياضية لأكثر لعبة شعبيةً في العالم. كرة القدم بوصفها لعبة سهلة متاحة للجميع، حتّى من دون وجود ملاعب بمواصفات قانونية أو حتّى كرّة مناسبة. هذه لعبة لا تكلّف شيئًا وبمقدور البروليتاريين والبروليتاريات وعموم الفقراء ومتوسطي الحال التنافس في ما بينهم وتسجيل الأهداف وتزجية الوقت وتمرين الأجساد و"تنفيس" الغضب وإراحة الأعصاب...إلخ وبلا شكّ هي لعبة فيها الكثير من مظاهر العنف والمزاحمة والضرب والمخاطر، وقد تجلب معها خصومات وحروب صغيرة وعداواتٍ وتحالفاتٍ وصداقاتٍ بين المتنافسين والمتنافسات(إن اُتيح لهنّ اللعب). وللّعبة نجومها وأبطالها وأساطيرها وقصصها ونكاتها... وكمثل أيّ نشاطٍ بشريّ، فقد تتخفّى، وغالبًا ما تتخفّى، وراء هذه اللعبة عصبياتٌ اجتماعية وثقافية وجهوية ومواقع طبقية وصراعات سياسيةٌ. من يبحث في تاريخ تأسيس الأندية الكروية في أيّ مكانٍ في العالم لا بد أن يلحظ هذه المتخفيّات. هذا أمرٌ مفهومٌ و"طبيعيّ" لا يخرج عن "منطق" التاريخ البشريّ. لا شيء ينتجه البشر لا يصدر عن "رغباتٍ" تاريخيةٍ ما تنعقد فيها قيَمٌ ومصالح متنوّعة ومتباينة... وهذا حال كرة القدم أو أيّ لعبة رياضيةٍ جماعيةٍ أخرى. المونديال(التسمية التي تنسجم مع الموندياليزيشن، مع العولمة، التسمية الملطّفة للامبريالية..)البطولة الأخيرة لكأس العالم في كرة القدم أظهرت كم صارت هذه اللعبة غير شعبية، لا بمعنى الاقبال الجماهيريّ عليها، بل بطبقيتها الفجّة. كأس العالم لم يعد مناسبة للمبارزات(و"البازارات") السياسية بين الدول-القوميات الرأسمالية فحسب، بل أيضًا ميدانًا يُظهر فيه النظام الدولي، الرأسمالية العالمية، عنفه الطبقيّ الشموليّ. كرة القدم صارت لعبة للأثرياء، يمارسها لاعبون أثرياء، وتديرها مؤسساتٌ ثرية، ويحضر على مقاعد ملاعبها الأثرياء، ويشاهدها من خلف الشاشات من استطاع إلى ذلك سبيلاً، أي من استطاع دفع تكلفة مشاهدة مباريات احتكرت حقوق بثّها التلفزيونيّ أو غيره طغمةٌ من وسائل الاعلام. بُنيَت الملاعب الكروية على أنقاض أجساد العمّال المهاجرين، هؤلاء أنفسهم، ومن يشبههم في موقعهم الطبقيّ، من لا يحقّ له حضور المباريات مجانًا.استلاب فاضح أخفاه جنونٌ عموميٌّ دعّمته آليات التحكّك بالعقول والحواس والمشاعر أنسانا شروط حيواتنا المقهورة، لا من أجل تجاوزها والانقلاب عليها بل من أجل تأبيدها. عشرات لا بل مئات المليارات دفعتها تلك الإمارة الديكتاتورية الصغيرة قطر مع غيرها من الرأسماليين المستثمرين على بناء الملاعب والبنية التحتية وغيرها من المنشآت...من أجل استضافة لعبة جماهيرية لم تستفد من أرباحها سوى قلّة قليلة أقلوية من الأفراد والجماعات! أين مصالح الجماهير في ذلك؟ لاعبون يتقاضون رواتب خيالية لو جُمعت لكان بمقدورها انتشال مئات ملايين البشر من الفقر والعوز. استثمارات سياسية لقوى ارستقراطبرجوازية واقطاعية مالية معولمة، و"أهدافٌ" متتالية تريد أنظمة العنف الرأسماليّ الديمقراطيّ أو غير الديمقراطيّ تسجيلها لرفع "رصيدها" في مجموعات النظام العالميّ. بطولة هي فرصة لتسعير الحماسة القومية والوطنية(نصف الإقطاعية والبرجوازية الأصل)العمياء، والنزعات العرقية والغربمركزية أو المناطقية والهوياتية الرجعية. تمييع القضايا الحقيقية للشعوب(بالأخص شعوب الجنوب)، وإلهاء البروليتاريا عن مصالحها الحقيقية في التضامن الأمميّ وإشعال الصراعات الطبقية والاجتماعية، وتسطيح العقول والقدرات على التفكير، وإفراع المشاعر الفردية والجماعية من مضامينها الثورية والانقلابية المضادة للبنيان القمعي للنظام الدولي ومتفرعاته الاقليمية...هاكم بعض مفاعيل بطولة كأس العالم لكرة القدم. ليست مفاعيل "طبيعية" أو حتمية، ولا تنبع من "واقع الحال"(لأن هكذا هم البشر!)، بل هي، ولا نبالغ، سياسات مطلوبة، وترتيبات مقصودة تخدم في نهاية المطاف إعادة إنتاج النظام الدوليّ وتمدّه بالمشروعية وتطبّع معه وتجعله معقولاً ومرغوبًا به. هل من رؤية اشتراكية لكرة القدم وبطولاته المحلية والعالمية؟ تقتضي الرؤية الاشتراكية برلترة كرة القدم، أي استعادتها، وأيّ لعبة أو هواية أو إنتاج بشريّ آخر، من براثن القوى الرأسمالية المتحكّمة ووضعها بين أيادي من يمارسها و"ينتجها" من أجل نفسه، ومتعته وتمرين جسده. وهذا لا يتحقّق من دون خوض الصراع الطبقيّ داخل ميادين كرة القدم أو أيّ لعبة أخرى. يجب على المشروع الاشتراكيّ أن يجعل من "تشريك" كرة القدم مهمّة من مهمّاته إلى جانب ميادين الصراع الأخرى. نعتقد بأنّ الاشتراكية هي القادرة على القضاء على شروط تسليع الهوايات والألعاب واللاعبين واللاعبات. أي لعبة رياضية، في ظلّ الاشتراكية، لا تعود مهنة أو عملاً مأجوراً ومؤسسة لإنتاج القيمة الفائضة وتأمين شروط الاستغلال والاستلاب، بل نشاطًا جماعيًا حرًّا تزدهر فيه الابداعات البشرية الجسدية والذهنية والنفسية. وبدل أن تُستثمَر الامكانات الغضبية الحماسية للشعوب في تأجيج الصراعات القومية والعرقية والسياسية والفحولية الجنسية الذكورية وتوظيفها في ما يخدم ديمومة الأنظمة الرأسمالية والاقطاعية الجديدة القائمة، في الاشتراكية تكون هذه الامكانات قوّة تحرّك النضالات من أجل التحرّر والتضامن البروليتاريّ المحليّ والأمميّ العابر للجنسيات والحدود والأعراق والجندر... هذا المشروع الاشتراكيّ التحرّري، المناقض لمشاريع التمركز والاحتكار والتسليع (و"تبييض" صفحات أنظمة ديكتاتورية واستبدادية)، لن يحتاج إلى ملاعب يبنيها العمّال ويستفيد منها الأثرياء من البرجوازيين، ولن تكون أنديته مؤسسات رأسمالية ربحية تستغلّ اللاعبين وتحتكرهم أو تصنع من بعضهم طبقةً عليا ونجومًا فاحشي الثراء يخدمون، غالبًا عن وعي، استمرار منظومة الاستغلال الرياضيّ والكرويّ ويصطفّون إلى جانب "نجوم" المال والأسواق والعنف، ولا منتخباته الوطنية جيوشًا قومية. وفي المشروع الاشتراكيّ للألعاب والهوايات لن تكون كرة القدم لعبة فحولية يحتكر ساحاتها الرجال أو مغايرو الجنس.... فليسقط "المونديال"...ولتحيا كرة القدم
#وليم_العوطة (هاشتاغ)
William_Outa#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كورنليوس كاستورياديس- عن البرنامج الاشتراكيّ
-
الدولة والاستيلاء والعنف في فلسفة جيل دولوز وفليكس غواتاري
...
-
ميتافيزيقيا المعاناة جياني فاتيمو
-
للنقاش-ملاحظات عن الحراك الحزبيّ الشيوعي في لبنان
-
سلافوى جيجيك: تسعُ نكاتٍ
-
نظرية التعدديات عند برجسون - جيل دولوز
-
كورنيليوس كاستورياديس - مقتطف من -الردّ على ريتشارد رورتي-
-
اللاسلطوية (الأناركية)
-
العدمية بإعتبارها تحررًا - جياني فاتيمو
-
التحليل النفسي: خمس قضايا – جيل دولوز
-
نيتشه و الفكر الرحّال - جيل دولوز
-
دولوز والموسيقى الشعبيّة - إيان بيوكانن*
المزيد.....
-
-أرض العجائب الشتوية-.. قرية ساحرة مصنوعة من كعكة الزنجبيل س
...
-
فيديو يظهر ضباط شرطة يجثون فوق فتاة ويضربونها في الشارع بأمر
...
-
الخارجية اليمنية: نعتزم إعادة فتح سفارتنا في دمشق
-
تصفية سائق هارب اقتحم مركزا تجاريا في تكساس (فيديو)
-
مقتل 4 أشخاص بحادث تحطم مروحية تابعة لوزارة الصحة التركية جن
...
-
-فيلت أم زونتاغ-: الاتحاد الأوروبي يخطط لتبنّي حزمة العقوبات
...
-
مقتل عنصر أمن فلسطيني وإصابة اثنين آخرين بإطلاق للنار في جني
...
-
بعد وصفه ضرباتها بـ-الوحشية-... إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب
...
-
أكاديمي إسرائيلي: بلدنا متغطرس لا تضاهيه إلا أثينا القديمة
-
كيف احتمى نازحون بجبل مرة في دارفور؟
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|