عقيل الواجدي
الحوار المتمدن-العدد: 7468 - 2022 / 12 / 20 - 10:52
المحور:
الادب والفن
الحزن بذار التمرد
قراءة في نصين للشاعرة فرح دغيم
قليلون من يروِّضون الحزن فيمتطون من خلاله صهوة التمرد ، وقليلون من يبذرون حسراتهم لتسمق منها أشجار الأمل ، هم القليلون الذين يشعرونك ان المحال لامحل له في خرائط تطلعاتهم ، وان الأفق مدَّ البصر لاتحول دونه غشاوة او توهّم .
كعادتي لااجدُ الاّ الجمال وحده من يستوقفني في خِضَمِّ عالم من الكتابة والكتّاب ، اَحط رَحلي ،اَمنح مخيلتي فرصة التحليق مع النص حتى لا اَبخس جهد كاتبه .
نصان للشاعرة فرح دغيم اِستطبت التوقف عندهما ، تأملتهما بشغف المتطلع لكشف خبايا النص وروح الكاتبة ، نصان يقفان على طرفي نقيض ، أولهما يفيض حزنا وأسى ، والآخر تمردا وعنفوانا ، منهما ادركت ان الحزن لايمكنه ان يهزم الروح وان استوطنها ، لايسلبها ارادتها مهما اجتهد في ذلك ، وهم القلائل الذين يجيدون ترويض الحزن .
قبلتان لأمي ، هكذا استهلت الشاعرة فرح دغيم نصها المفعم حزنا ، حيث افتقاد الأم الذي تجلى اثر فراقها في روح الشاعرة وهي تنزف حروفها حسرة وأسى ، يأخذ بها الحنين الى عوالم لم تبق منها سوى الذكريات تغرز مُداها في كل لحظة تذكر ، اجادت الشاعرة الى حد كبير في ان ترسم عالم حزنها بكلمات انصاعت اليها طواعية فما كانت بالمتكلفة او المسهبة ، كانت تؤطر حزنها ببراعة شاعرة تدرك ماتكتب .
قبلتانِ لأمي
والقبلتانِ أنا أحياهُما أبدا
في كل يومٍ فَكُنتِ الوعدَ في خَلَدَي
وكنتُ ألثمُ ما قد خُطَّ من تَعَبٍ
في راحيتِك أيا من كنتِ لي رَغَدِي
عطَّرتِ خديَّ مَنْ للعِطرِ بعدَك مَنْ ؟
وقد رحلتِ أيا من كنتِ لي سندي
الدمعُ يثلُمُ، قلبي دُكَّ مضجَعُه
على فراقِك يا مَتْني ويا عَضَدي
آهٍ وآهٍ على كفيكِ فوحُهُما
مسكٌ يُعَطِّرُ مِن كلْتَيْهِما جسدي
بينما نجد في النص الثاني ( قلب الأرض ) ان كل هذا الحزن في نصها الأول لم يستطع هزيمة روحها ووجدانها وعنفوانها ، فرس جموح ، كانت لاترتضي من المضمار بأقصره ، متمردة غير مترددة في ان يكون الموت ثمنا لكبريائها ، أية نفس تلك التي استوطنها الحزن بكل ألمه والتمرد بكل عنفوانه !!، لاشك انها روح الشاعرة ، الشعراء الحقيقيون وحدهم من لاتهزمهم الأيام ولاتطيح بأحلامهم عواصف المحن .
هناك وراء الضباب
هناك في غور الوديان
هناك في أعالي الجبال
داخل الممرات .......
أتركوني وحدي و سيروا بأقدام خرساء
مثلما تسير السكينة على ضفاف الأنهار ...
لا تلقلقون بمعتقداتكم المشلولة
لا أريد الأنحدار الى هرطقات عقائدية ...
أغمروني بالتراب الناعم وألقوا مع كل حفنة قبضة
من بذور السوسان و النرجس و الياسمين ...
هناك قبري .... نعم هناك عند ظلال تلك
التلال تجلس روحي مع أشباح الليل و تخلد الى قلب الأرض ....
ان اللغة التي تستخدمها الشاعرة فرح دغيم ومن خلال الكثير من النصوص التي قرأتها لك ادركت انها تمتلك مساحة اطلاع واسعة وثروة لغوية من مفردات تؤهلها لصياغة جملها دون عناء ، انها شاعرة بارعة تستحق المتابعة .
#عقيل_الواجدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟