|
السوفييت وتقسيم فلسطين: إضاءات على كارثة تاريخية وأيديولوجية وجيو - سياسية (الجزء الرابع)، مسعد عربيد
مسعد عربيد
الحوار المتمدن-العدد: 7467 - 2022 / 12 / 19 - 08:13
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
• ركائز الموقف السوفييتي: السوفييت وحق "الشعب اليهودي" في فلسطين كيف بَرّرَ الاتحاد السوفييتي موقفه من تقسيم فلسطين والاعتراف بالكيان الصهيوني ككيان استعماري استيطاني على حساب شعبٍ آخر؟ في الإجابة على هذا السؤال، لا بدّ من الإشارة إلى تشابك عوامل ومصالح عديدة في صياغة هذا الموقف، ومن بينها عوامل براغماتية سياسية وإستراتيجية وأيديولوجية ودوغمائية وأخرى سوفييتية داخلية. وسوف نقسم النقاش فيها إلى المحاور التالية: أولاً: السوفييت وحق "الشعب اليهودي" في فلسطين ثانياً: عوامل إستراتيجية والمصالح السوفييتية ثالثاً: عوامل سوفييتية داخلية رابعاً: نظرة السوفييت إلى العرب والفلسطينيين ▪️▪️▪️ أولاً: السوفييت وحق "الشعب اليهودي" في فلسطين في عرضه للرؤية السوفييتية في حل الصراع العربي - الصهيوني في فلسطين، تطرق أندريه غروميكو إلى عدة مشاريع مقترحة لتنظيم مستقبل فلسطين وحل المشكلة اليهودية، ومن بين هذه المشاريع: 1) تكوين (دولة واحدة) عربية يهودية، يتمتع فيها العرب واليهود بحقوق متساوية. 2) (تقسيم فلسطين) إلى دولة عربية وأخرى يهودية. 3) إنشاء (دولة عربية) في فلسطين دون اعتبار لحقوق السكان اليهود. 4) إنشاء دولة يهودية في فلسطين دون اعتبار لحقوق العرب. مضيفاً أن الموقف السوفييتي يرى أن الحل العادل لابد أن ينبني على الاعتراف بالمصالح المشتركة للشعبين في فلسطين. "وهكذا خرج الوفد السوفييتي بنتيجة هامة، وهي أنه لا يمكن حماية مصالح الشعبين العربي واليهودي إلا بتكوين (دولة عربية يهودية ديمقراطية مستقلة) يكون لكل من الشعبين فيها حقوق متساوية." وأردف غروميكو قائلاً:" ومن المعروف أن هذا الحل مرغوب فيه داخل فلسطين نفسها". وصولاً إلى قوله:" وأنا أكرر أن هذا الحل لا يجب الأخذ به الا إذا ثبت أن العلاقات بين العرب واليهود تبلغ من السوء حداً يمتنع فيه التعاون السلمي بينهما والذي لا يرجى منه أي إصلاح." (1) فلسطين: "شعبان متساويان" صرّح أندريه غروميكو، ممثل الاتحاد السوفييتي في الأمم المتحدة آنذاك، في خطابه بتاريخ 14 أيار 1947 من على منصة الجمعية العمومية للأمم المتحدة ب:"... إنّ واقع أن سكان فلسطين يتألفون من شعبين، يهودي وعربي، هو واقع غير قابل للنقض، ولكل شعب منهما جذور تاريخية في فلسطين". وهو موقف يتناقض مع الخطّ الأيديولوجي والسياسي، الذي تميز به الاتحاد السوفييتي والحركة الشيوعية في كفاحهما ضد الحركة الصهيونية على مدى العقود التي تلت ثورة اكتوبر 1917. (2) دولة ثنائية (يهودية - عربية) أم تقسيم فلسطين؟ رأى الاتحاد السوفييتي أن الحل الأفضل للصراع العربي - الصهيوني المحتدم في فلسطين هو قيام "دولة يهودية - عربية واحدة بحقوق متساوية لليهود والعرب"، وإذا تعذر تحقيق ذلك، فلا مفرّ من تقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين: يهودية وعربية. وقد عبّر أندريه غروميكو في خطابه يوم 14 أيار 1947 عن هذا الموقف بالكلمات التالية: "إنه لا يمكن حماية مصالح الشعبين إلاّ في إقامة دولة عربية - يهودية أو تقسيم البلاد إلى دولتين عربية ويهودية". في ذلك الخطاب ذكر غروميكو إمكانية إقامة دولة مشتركة، غير أن مولوتوف وزير الخارجية السوفييتي وجّه في 30 أيلول 1947، تعليمات إلى نائبه، أندريه فيشينسكي، الذي كان موجوداً في نيويورك تدعوه إلى "عدم معارضة موقف الأغلبية بشأن تقسيم فلسطين". وفي اليوم نفسه أرسل مولوتوف إلى فيشينسكي، وفق ما ورد في تلك الوثائق، رسالة جاء فيها ما يلي: "عندما وجهنا غروميكو للحديث على إمكان إقامة دولة ثنائية القومية في فلسطين، باعتبار ذلك أفضلية أولى، فقد كان هذا الأمر راجعاً إلى عوامل تكتيكية. لم نرغب في أن نأخذ على عاتقنا المبادرة إلى إقامة دولة يهودية. بيد أن موقفنا الحقيقي يعبر أكثر عن الإمكانية الثانية بشأن إقامة دولة يهودية مستقلة… ينبغي عليكم [المقصود البعثة السوفييتية في الأمم المتحدة] أن تؤيدوا موقف الأغلبية الذي يعتبر الأكثر ملاءمة لموقفنا الأساس في هذه المسألة". وعلى ضوء هذه التعليمات تمت صياغة خطاب غروميكو في 26 تشرين الثاني 1947. وعندما أصبح وزيراً للخارجية السوفييتية لاحقاً، عاد غروميكو ليؤكد تأييد بلاده لقرار تقسيم فلسطين من منطلق أنه يوجد في فلسطين شعبان، أحدهما عربي والآخر يهودي، ولكل منهما جذور تاريخية، وأنه "لا حل لقضية فلسطين إلاّ بالاستقلال والديمقراطية التي تحفظ حقوق السكان الفلسطينيين على اساس العدل والمساواة، أما إذا لم يكن هناك طرق إلى تفاهم العرب واليهود على هذا الحل فهو أمر مؤسف، وعندئذ لن يكون من حل إلاّ التقسيم". (3) تجاهل الموقف العربي من قرار التقسيم في سبتمبر 1947، دعم الاتحاد السوفييتي التوصية التي رفعتها لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين UNSCOP والتي تدعو إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية. وفي 26 نوفمبر 1947، خلال المناقشة العامة التي سبقت التصويت على قرار التقسيم، طرح غروميكو الدعم السوفييتي "لحق الشعب اليهودي" و"ارتباطه التاريخي" ارتباطًا وثيقًا بفلسطين لفترة طويلة من التاريخ. أمّا عن الحق العربي، فقد تجاهل الاتحاد السوفييتي المعارضة العربية لتقسيم فلسطين باعتبار أن موقف الدول العربية يشكل "ظلماً تاريخياً" و"غير مقبول". (4) أكذوبة "حرب الاستقلال" اليهودية ابتلع كثيرون من القادة السوفييت، سواء بتأثير من الحركة الصهيونية أو لحسابات ومصالح أخرى، أكذوبة أن الصهاينة يخوضون في فلسطين "حرب استقلال" ضد بريطانيا كما يسمونها، وأنه يتوجب على الاتحاد السوفييتي دعمهم في هذه الحرب، كون هذا الدعم أحد ركائز ومبادئ السياسة الخارجية السوفييتية. (5) مصالح اليهود في فلسطين وفي العالم رأى غروميكو أن قضية فلسطين لا تمس مصالح اليهود في فلسطين وحدها، وإنما تمس مصالح اليهود في شتى أنحاء العالم. ما يعني، وما يمكن استشفافه من هذه التصريحات، بأن اليهود في العالم يشكلون "شعباً" واحداً، وهو ما يتناقض مع رأي لينين والبلاشفة منذ بدايات القرن العشرين بأن إطلاق صفة "الأمة" على اليهود يمثل موقفاً رجعياً. (6) استثمار المحرقة (الهولوكوست) النازية منذ المحرقة النازية ليهود أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، نجحت الحركة الصهيونية، ولا تزال حتى يومنا هذا، في استثمار هذه القضية سياسياً وإعلامياً وإنسانياً من أجل تبرير "حق اليهود" في إقامة دولتهم الاستيطانية في فلسطين: ترسيخ عقدة الذنب في الضمير الغربي (وبعض الضمير العالمي أيضاً) من خلال حملات دعاية كبرى واختراق الإعلام والوعي العام. وفي سياق الأوضاع السياسية التي سادت العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة الغرب الأوروبي والأميركي، يرى بعض المحللين أن هذه المحرقة كانت أحد العوامل التي دفعت السوفييت إلى تأييد قرار تقسيم فلسطين وإقامة دولة يهودية فيها والاعتراف بها لاحقاً. ففي تاريخ 14 أيار 1947، أشار غروميكو في خطابه سابق الذكر إلى: ▪️ "الويلات" و"المعاناة غير العادية" لـ "الشعب اليهودي" أثناء الحرب العالمية الثانية، وأسهب في الحديث عن الهولوكوست قائلاً؛ -️ إن الشعب اليهودي عانى خلال الحرب من "حزن ومعاناة لا توصف. من الصعب التعبير عنها في الإحصاءات الجافة ". -️ وإن اليهود تعرضوا لـ "إبادة جسدية شبه كاملة". -️ وإن "مئات الآلاف من اليهود يتجولون في بلدان مختلفة من أوروبا"، وكثير منهم في مخيمات النازحين حيث "ما زالوا يعانون من الحرمان الشديد. . .. لقد حان الوقت لمساعدة هؤلاء الناس، لا بالكلام، بل بالأفعال. . .. هذا واجب للأمم المتحدة"؛ ▪️ عَجْز الغرب (دول أوروبا الغربية) عن الدفاع عن اليهود الناجين من المحرقة "بلا وطن، ولا مأوى، وبدون وسائل للعيش"، وتأمين "حماية الحقوق الأساسية للشعب اليهوديّ" من الفاشيين. ▪ فشل الغرب، كما يرى غروميكو، في فهم تطلعات الشعب اليهودي إلى إقامة دولة خاصة به؛ وعدم أخذ هذه التطلعات بالاعتبار وإنكار حق الشعب اليهودي هذا سيكون ظلماً وسلوكاً غير عادل؛ وسيكون من غير المبرر حرمان الشعب اليهودي من هذا الحق، لا سيما في ضوء كل ما مر به خلال الحرب. ▪️ ليخلص غروميكو إلى أن "واقع أن سكان فلسطين يتألفون من شعبين، يهودي وعربي، هو واقع غير قابل للنقض، ولكل شعب منهما جذور تاريخية في فلسطين"، وعليه، رأى غروميكو إن تقسيم فلسطين إلى دولتين منفصلتين سيكون حلاً ذا أهمية تاريخية، لأن هذا القرار سوف يلبي "المطالب المشروعة للشعب اليهودي". خلاصة يُستخلص مما جاء أعلاه: أ) أن نستنتج أن السياسة السوفييتية كانت ترى بأن تقسيم فلسطين هو الحل المنطقي إذا لم يستطع الشعبان العربي "واليهودي" في فلسطين، من وجهة النظر السوفييتية، العيش معاً، وبالتالي لم يبقَ إلاّ خيار التقسيم. ب) اعتراف السوفييت بحق اليهود "بأن يكون لهم وطن ودولة في فلسطين" على نحو مماثل ومساوٍ لحق عرب فلسطين وسكانها الأصليين بان يكون لهم ايضاً دولة مستقلة خاصة بهم. ج) وهذا يعني أن السوفييت وجدوا في تقسيم فلسطين "الحل الأمثل والأكثر عدالة" بالنسبة للعرب واليهود في فلسطين. وهو ما أكده غروميكو في قول مفاده إن السوفييت يعتقدون أن القرار الذي يمكن ان يتخذ حول تقسيم فلسطين يتطابق مع المصالح القومية الأساسية لكلٍ من اليهود والعرب، وان الاتحاد السوفييتي لا يمكنه إلاّ أن يؤيد طموحات أي دولة وأي شعب مهما كان وزنه صغيراً في الشؤون الدولية، وذلك في نضاله ضد التبعية الأجنبية وبقايا الاضطهاد الاستعماري.
#مسعد_عربيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السوفييت وتقسيم فلسطين: إضاءات على كارثة تاريخية وأيديولوجية
...
-
السوفييت وتقسيم فلسطين: إضاءات على كارثة تاريخية وأيديولوجية
...
-
السوفييت وتقسيم فلسطين: إضاءات على كارثة تاريخية وأيديولوجية
...
-
في أسباب وهن الفكر السياسي العربي: استهداف الوطن العربي ودور
...
-
مشروع التحرير الوطني الفلسطيني: قراءة من أجل التاريخ والمستق
...
-
مدخل إلى قضايا الوعي وإشكالياته: الوعي الشعبي بين الحقيقي وا
...
-
مدخل إلى قضايا الوعي وإشكالياته: الوعي الشعبي بين الحقيقي وا
...
-
نحو فهم مادي للعِرق في أميركا
-
التفكير بجائحة كورونا … ك-مفترق طريق-: نحو الإطاحة بالرأسمال
...
-
تراثنا ... وكيف نقرأه في زمن الهزيمة: مراجعة نقدية (الجزء ال
...
-
تراثنا ... وكيف نقرأه في زمن الهزيمة: مراجعة نقدية (الجزء ال
...
-
تراثنا ... وكيف نقرأه في زمن الهزيمة: مراجعة نقدية (الجزء ال
...
-
تراثنا ... وكيف نقرأه في زمن الهزيمة: مراجعة نقدية (الجزء ال
...
-
تراثنا ... وكيف نقرأه في زمن الهزيمة: مراجعة نقدية (الجزء ال
...
-
إشكاليات العِرق والتمييز العنصري في الولايات المتحدة: جدلية
...
-
توظيف العُنصرية في الاقتصاد والسياسية - إشكاليات العِرق والت
...
-
إشكاليات العِرق والتمييز العنصري في الولايات المتحدة نحو فهم
...
-
إشكاليات العِرق والتمييز العنصري في الولايات المتحدة نحو فهم
...
-
إشكاليات العِرق والتمييز العنصري في الولايات المتحدة نحو فهم
...
-
إشكاليات العِرق والتمييز العنصري في الولايات المتحدة نحو فهم
...
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|