أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله عطية شناوة - من المسؤول عن تخلف اللغة العربية؟














المزيد.....

من المسؤول عن تخلف اللغة العربية؟


عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي


الحوار المتمدن-العدد: 7467 - 2022 / 12 / 19 - 00:32
المحور: الادب والفن
    


اللغة منتوج بشري، تطورها أو تخلفها مرهون بتطور أو تخلف مستخدميها والمكلفون بتطويرها، تتأثر بأنماط تفكيرهم، بقدرتهم أو عجزهم عن تجريد الأفكار وتفكيكها وإعادة تركيبها بعيدا عن مسلماتهم وأحكامهم المسبقة. أي أنها ليست وجودا مستقلا، بذاته عن مستخدميها، يحفز تطورهم أو يعيقه، أنما العكس صحيح.

الإنسان منتج اللغة، بامكانه، وبيده إزالة ما تحجر منها وما أصبح مستعص على الفهم، وإضافة ما يساعد على الفهم، وليس الإكتفاء بصب اللعنات على عجزها المزعوم. فركودها وتخشبها من ركود ذهنه، ونموها وتطورها من حيوية فكره.
عجز لغة ما عن مواكبة التطور العلمي التكنولوجي، مؤشر على عجز المجتمع الذي يستخدمها عن النهوض. وكل المجتمعات التي تطورت ادخلت تغييرات عميقة على بنية لغاتها بما يستجيب لمتطلبات النهوض العلمي التكنولوجي.
ولهذا لا يمكن لمجتمع متحجر يرى مستقبله في ماضيه ان ينتج لغة نامية متطورة، تستجيب لحاجات الحاضر والمستقبل.

ربط اللغة بالمقدس من العوامل المعيقة لتطورها، وحل هذه المعضلة مرتبط بالوعي الجمعي، فمع تطوره يصبح بالإمكان إدراك ان المقدس لم يخلق اللغة، وانما هي سبقته ورافقته، وكان استقلالها عنه مشروطا على الدوام بهامش التحرر من هيمنة الفكر الديني.
لكن لغتنا العربية وفي أنكار لهذه المسلمات تتعرض لهجوم دائم ينطلق أساسا من فئات لا يحسن أفرادها الكتابة والتعبير، وربما النطق، عجزا، أو تكاسلا، وبدلا من أن يسعوا الى تطوير ملكاتهم اللغوية يلجأون الى تحميل اللغة أسباب تعثرهم، ويجهدون في البحث عن مبررات لتعثرهم، ويكيلون لها الإتهامات بالتخشب والتقعر.

ويحظى هؤلاء بدعم نظري من جانب نخب ثقافيه تتبنى حكما مسبقا على اللغة العربية بالتحجر والعجز عن أستيعاب تطور العلوم والتكنولوجيا، وتتفتق أذهانهم عن مقترحات من قبيل أستبدال الأبجدية، أو إلغاء الحروف التي يجد البعض صعوبة في نطقها، أو حتى التخلي الكامل عن اللغة العربية، وأستبدالها بإحدى اللغات العالمية، ويمضي بعضهم أبعد من ذلك فيروج لوهم إحياء لغات منقرضة لحضارات الشعوب القديمة التي سكنت المنطقة.

ويرفض أصحاب هذا الطرح، المنطق العلمي الذي ينطلق من ان اللغة ـ أية لغة ـ هي طرف في علاقة جدلية طرفها الآخر هو الإنسان، يتأثر بها ويؤثر فيها، ومع كل نقلة الى أمام يحرزها المجتمع، ونخبه الفكرية والثقافية، تحقق لغته قفزات متناسبة، ففي العصر العباسي عندما انتعش المجتمع العربي، قفزت اللغة العربية قفزات هائلة، واستوعبت منجزات الشعوب التي سبقت العرب حضاريا: السريان والفرس واليونان والرومان، وجرت ترجمة المنجز الفلسفي اليوناني، ومنجزات، الشعوب التي ذكرناها في مجالات الطب والموسيقى وإدارة المجتمع. وساهمت في هذه القفزات، قامات ثقافية وعلمية من ورثة تلك الحضارات. واعتبرت بغداد وقرطبة حاضرتا الثقافة والعلوم في تلك الحقبة.

وبعد سبات القرون الذي أعقب سقوط بغداد عام 1258 وما رافقه من جمود الفكر والقيم، بدأت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حركة تنوير جنينية ومحاولات نهوض متعثرة، انعكست في أكتساب اللغة والأدب العربيين لغة مجددة، أقل عزلة عن العصر ومنجزاته، الثقافية والعلمية، وأقل إنعزالا قيميا ومفاهيميا. ولا يمكن إلا من باب المناكدة الطفولية إنكار شوط التطور الكبير الذي قطعته اللغة العربية في سبعينات القرن الماضي، مقارنة بما كانت علية في سبعينات القرن التاسع عشر، وبلغ التطور، حسب زعمي، حد اعتبار اننا نتعامل مع لغتين مختلفتين.
هل معنى هذا أن لغتنا قد تمكنت من مجاراة التطورات الهائلة التي تحققت خلال القرن العشرين في العالم؟

كلا، أبدا. لم تتمكن من ذلك. وهذا مرتبط بالقطب الآخر في العلاقة الجدلية بينها وبين مستخدمها، إذ ظل المستخدم عاجزا عن تطويرها، وبدلا من ان يقر بمسؤوليته عن العجز، صار يرميها به، ولهذا علاقة لا يمكن التستر عليها بطروحات ترمي إلى خلق إغتراب بين الأنسان ولغته، طروحات تؤكد ان اللغة العربية هي لغة ((الغازي العربي الهمجي الذي حطم حضاراتنا السابقة، ويدمر حاضرنا ومستقبلنا))، وانها أداة لأسلمة للمجتمعات.

وحقيقة الأمر أن اللغة العربية ليست لغة دين ولا لغة قومية. هي، وبسبب ظروف تأريخية ترتبط بتوسع الدولة العربية التي أستخدمت الدين في فتوحاتها أو غزواتها، صارت لغة سائدة في مجتمعات عديدة، مثل ما صار الحال لاحقاً مع الاسبانية والإنغليزية والبرتغالية والفرنسية، التي أنتشرت في بقاع مختلفة من العالم، وأيضا تحت راية الدين المسيحي الذي أستخدم للتغطية على الطبيعة الأستعمارية للغزو الأوربي. والعربية، مثل أي لغة أخرى تحمل الشيء ونقيضة وهي تستجيب للمتأسلم وتتخشب معه، وتستجيب للا ديني، وتكون طوع بنانه في تفنيد طروحات التأسلم.

خطورة الطروحات المناهضة للغة العربية في انها تعتم على الواقع، تنشر مشاعر الإحباط والدونية، وتجعل من الإنسان عدو نفسه، دون ان يشعر بذلك، وتحيي نزعات التعصب الإثني، بما يؤسس لإنقسام نفسي وثقافي خطير بين مكونات مجتمعاتنا، ويشكل تهديدا للسلم المجتمعي يصعب التكهن بمدياته وعواقبه الكارثية.

وأخيرا يمكن القول أن معاداتنا للغتنا هي معاداة لذاتنا الجمعية، لأن لغتنا هي وسيلة من وسائل توطيد لحمتنا وتعاوننا، وخزيننا الفكري والروحي الذي لا يمكن التفرط به بأي حال من الأحوال.



#عبدالله_عطية_شناوة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرة مكثفة لخريطة الصراع العالمي
- ((الصوابية)) القيمية تقترب من التحول إلى دين
- السدة ـ راغبة خاتون
- الشقيقان اللدودان .. سوريا والعراق
- إلغاء مفاعيل تشرين هدف الحكومة الإطارية
- نظرة على العراق ... دولة المليشيات
- سرديتان زائفتان في الحرب الأوكرانية
- حديث قديم يفضح وقائع جديدة
- تآكل ديمقراطية السويدية
- بوتين وشحة الخيارات
- الجدل حول الزعيم
- القضية الفلسطينية ضحية الإحباط العربي
- نظرة متأنبة لنتائج الانتخابات السويدية الأخيرة
- الأنتخابات السويدية: إلى اليمين در
- مالذي يؤلمني ويشدني للعراق؟
- الصدر جاد هذه المرة
- دور العامل الثقافي في التحولات الاجتماعية
- جبهة الإستنارة والموقف من الدين
- مآخذ الحسين على يزيد
- صراع الحيتان الإسلاموية الشيعية الحالي في العراق


المزيد.....




- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله عطية شناوة - من المسؤول عن تخلف اللغة العربية؟