أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إنجي محمود السعدني - المسافة السردية في مجموعة - حذاء سيلفانا - لهدى توفيق - دراسة في بناء القصة القصيرة















المزيد.....



المسافة السردية في مجموعة - حذاء سيلفانا - لهدى توفيق - دراسة في بناء القصة القصيرة


إنجي محمود السعدني

الحوار المتمدن-العدد: 7465 - 2022 / 12 / 17 - 11:49
المحور: الادب والفن
    


مقدمة:
يتناول هذا البحث إحدى التقنيات التعبيرية التي حددها علم السرد المعاصر في الدراسات النقدية التي تعالج الصيغة التي يحدث بها الكلام في عملية الحكي من خلال صوت الراوي الذي يستطيع أن ينقل المتلقي إلى العالم الحكائي بصورة تجعله في قلب هذا العالم ومتحداً به بوصف الراوي ناقلا للتجربة من موقع الحدث ومشاركاً فيها ومتحداً بدرجة كبيرة مع شخصياتها ومتحرك في أماكنها ومعايشاً لزمنها، أو يقترب الراوي ويبتعد وفقا لمنظور يستخدمه يجعله أقرب إلى المحايد منه إلى المندمج في العالم الذي يصوره.
- أسباب اختيار الموضوع:
وقد اخترت أن أطبق هذه التقنية على مجموعة قصصية معاصرة هي مجموعة حذاء سيلفانا للأديبة المصرية هدى توفيق لأن:
- النصوص المعاصرة تتعامل مع التقنيات السردية وفقا لرؤية حداثية متأثرة بالسياق المعرفي السائد وما يحتويه من مقولات عن التجديد في التعامل مع العمل الإبداعي.
- ولأن القصة القصيرة فن صعب من حيث دور الراوي في تكثيف رؤيته وتنويع صيغ سرده.
- ولأن المبدعة المصرية المعاصرة استطاعت أن تكتب خطاباً سردياً متنوعاً حافلاً بالأساليب المعبرة عن صوتها الفردي وقضايا مجتمعها وهي حريصة بدرجة كبيرة على تضفير خطابها السردي بواقع حياتها لدرجة تجعل كتابتها الإبدعية متقاطعة مع فن السيرة الذاتية - وإن كانت السيرة في العمل الإبداعي المتخيل تندرج بشكل غير مباشر بالطبع – لكن المسافة السردية يمكن أن تكشف لنا عن بعض أوجه هذا التقاطع.

- فرضية البحث:
- من هذا المدخل يمكن أن تصاغ فرضية البحث فيما يأتي:
- المسافة السردية تؤدي دوراً مهماً في صياغة القصة وتحدد طرق بنائها وتستخلص العلاقة بين الشخصية المرجعية للذات المبدعة والعالم الدرامي في الخطاب السردي.

- أسئلة البحث:
- تتحدد أسئلة البحث فيما يأتي:
- كيف تعاملت الكاتبة مع شخصياتها من خلال المسافة السردية؟
- كيف قدمت الكاتبة أجواء عالمها القصصي من خلال المسافة السردية؟
- كيف استطاعت المسافة السردية تقديم شخصية المؤلفة؟
هذا الطرح البحثي يتطلب ثلاثة مباحث مناسبة يسبقها تمهيد في التعريف بالمصطلح والمادة السردية موضوع التطبيق، وهذا ما سوف أقدمه في الصفحات الآتية.
- مبحث تمهيدي: المصطلح والمادة السردية:
- مصطلح المسافة السردية: المفهوم ومجال العمل:
نظر النقد البنيوي للأعمال القصصية بوصفها عملاً قائماً في ذاته معتمداً على عنصرين أساسيين هما الحكاية والخطاب.
وقد وقف جيرار جينت في كتابه خطاب الحكاية الذي خصصه لتحليل رواية البحث عن الزمن المفقود لمارسيل بروست، في مقدمة هذا الكتاب وقفة طويلة أمام مصطلحي الحكاية والخطاب مناقشا مفهوم مصطلح الحكاية بين كونه "المنطوق الشفوي أو المكتوب الذي يضطلع برواية حدث أو سلسلة من الأحداث." من جهة وكونه "سلسلة الأحداث الحقيقية أو التخيليية." من جهة أخرى، فصار كتابه التطبيقي ذاك بحثاً في ماهية المنهج البنيوي للنقد في مجال علم السرد.
واستقر الأمر مع جينيت وتودوروف على تخصيص مصطلح الحكاية للمستوى الدرامي، فالعمل القصصي "حكاية من حيث كونه يوحي بواقع ما." والعمل القصصي "خطاب: فهناك راو يروي الحكاية، يوجد بإزائه قارئ يتقبّلها."
وناقش جينيت مصطلح المسافة السردية في كتابه المنهجي خطاب الحكاية مصطلح المسافة السردية بوصفها تقنية تعبيرية تندرج في صيغة السرد من حيث طريقة الراوي في تقديم المعلومات: فالحكاية يتم تقديمها بما "يمكنها أن تزوّد القارئ بما قلّ أو جلّ من التفاصيل، وأن تبدو بذلك على مسافة بعيدة أو قريبة مما ترويه." ويضيف جينيت في هذا المقام مدخلين مهمين لدراسة القصة هما: "حكاية الأحداث وحكاية الأقوال." باعتبار أن:
- حكاية الأحداث هي العرض السردي الذي يمكن أن ينقل فيه الراوي الأحداث من مسافة تبتعد أو تقترب من التجربة الواقعية أو المتخيّلة.
- أمّا حكاية الأقوال فهي التصاق الراوي بالشخصية تماماً أو تخليه عن فعل الحكي – في الظاهر بالطبع – من أجل الشخصية، مع وجود منطقة "يتوسط فيها السارد، وتذوب فيها ردود الشخصيات." حين يكون الخطاب بالأسلوب غير المباشر في مشهد يستحضر فيه الراوي الشخصيات دون أن تتكلّم بالأسلوب المباشر. وهذه المنطقة – وإن لم تكن حوارًا مباشرًا فإنها درجة عالية من التداخل تعبر المسافة بين الراوي والشخصيات، ويطلق عليها الأسلوب غير المباشر الحر "وهو خليط قولي لعلامتين سرديتين تختص إحداهما بالسارد وتختص الثانية بالشخصية." وفي الأسلوب غير المباشر الحر يحدث تقارب كبير بين الراوي والشخصية.
لكن أعلى درجات تحقق الشخصية على حساب الراوي تحدث في المشاهد الحوارية التي تتحدث فيها الشخصيات بأصواتها في مواجهة الراوي أو في غيابه من المادة السردية الملفوظة وإن ظل في الفضاء النصي.
من هذا الطرح تأتي تقنية المسافة السردية في إطار منظومة تحليل الخطاب السردي لتصل بين مجموعة من المفاهيم هي الحكاية والخطاب والأحداث والأقوال والأسلوب السردي أيضًا، مما يجعل مفهوم المسافة السردية مركزاً مهماً يمكن من خلاله تحليل النص السردي بدرجة كاشفة لبنيته.
لكن ما تضيفه المسافة السردية يتجاوز البنية التي تغلق النص على نفسه لأن المسافة السردية تفتح قناة بين المبدع والراوي والشخصيات وتنقل إلينا المبدع بصوته وعينه وعالمه وهو يبني عالمه القصصي، وتجاوز الانغلاق في التعامل مع النص الأدبي قضية مهمة لأن النص كائن لا ينعزل عن قائله أو كاتبه من جهة ومستمعه أو قارئه من جهة أخرى، لأن المتلقي "يفسّر ما يحدث على نحو يماثل كثيرًا ما نفعله نحن في الحياة الاعتيادية." وهذه هي الرؤية التي نتعامل بها مع المادة القصصية التي سيطبّق البحث تقنية المسافة السردية عليها بما يكشف عن تفاعل التقنيات في بناء النص واستحضارها لشخصية المبدع وتفهمها لشخصية المتلقي.
ولاشك أن الأطراف الثلاثة معا: الرسالة والمبدع والمتلقي هي منظومة مؤسسة الاتصال التفاعلي التي تولد منها الأفكار والرؤى، فالنقد الأدبي سيظل دائما مفسّرا لعلاقة الإبداع بالنفس الإنسانية ولن يستطيع أن ينعزل خلف مجموعة من المصطلحات التي تغلق باب التطبيق على عالم الأدب بصرف النظر عن العالم الواقعي الذي يعيش فيه المبدع والمتلقي.
إن البحث العلمي في مجال الإنسانيات لا يقل بحال من الأحوال عن البحث العلمي في مجال علوم الطبيعة لأن الإنسانيات وفي مقدمتها علوم الأدب تتعلّق بالإنسان الفرد من جهة وجدله مع مؤسساته من جهة ثانية وتعامله مع طرائق تعبيره من جهة ثالثة فتتجلى أمامه صورة نفسه التي تستخدم تطبيقات العلوم المختلفة لدعم وجود ذاك الإنسان معنويًا على المستويات النفسية والاجتماعية والحضارية، فالعلاقة بين الإنسانيات والعلوم الطبيعية والتتطبيقية جدلية.
وكل العلاقات الإنسانية تجد لها حضورًا في الأعمال الأدبية التي تساعدنا كثيرًا على معرفة أنفسنا، فالدرس الأدبي له علاقة وثيقة بالإنسان الذي يبدعه والإنسان الذي يستقبله ويجد فيه تعبيرًا عن أحواله ومرآة لسلوكه وتفسيرا لمسيرة الإنسان في الزمان والمكان.
في مجال تحليل النص السردي يمكن أن يستخلص الباحث في هذا المجال طرقًا للتفاعل والتفاهم والتقارب تحقق للإنسان سياقاً أفضل على المستويات النفسية والاجتماعية والحضارية، وهذا لا يحدث إلا بفهم الإنسان لأشكال تواصله وطرائق تعبيره ونتيجة أفعاله وفهمه لنفسه وللآخرين من خلال الأدب السردي الذي يعد مرآة للتجربة الإنسانية المتعددة الأصوات والغايات.
ومن أشكال السرد اخترت القصة القصيرة بوصفها "وحدة أدبية تنتمي إلى النثر مستخدمة السرد في التعبير عن حدث أو مجموعة أحداث مترابطة في حيز موجز يماثل الموقف الإنساني من حيث الأجواء الخاصة بالمكان والزمان وتنتهي بلحظة اكتشاف حقيقة إنسانية أو لحظة التنوير."
وقد شاعت أشكال التعبير السردي في عصرنا الحاضر ولم يطغ الشكل الروائي على القصة القصيرة التي ظلت قادرة على التعبير عن لحظات الأزمة الإنسانية في عصر كثرت فيه الأزمات، وقد رأى فيها محمد قطب - أحد النقاد المتحمسين من مبدعي القصة القصيرة والرواية - أنها أهم الأشكال التعبيرية قائلا "هي أصلح الأشكال الأدبية على التجسيد ومن ثم التوصيل." ويضيف يوسف الشاروني فيما يتعلّق بالتجسيد في العمل الأدبي بخاصة السرد إن هذا التجسيد "ميزة من أهم مميزات الانفعال الفني" والانفعال لا يتحقق إلا إذا أحسن المبدع تمثّل العالم الفني بخاصة الحكائي بما يقنع المتلقي بمعايشته.
وفي مجال اختيار كاتبة مصرية معاصرة لتطبيق إجراء البحث على مجموعة لها فقد شهدت الساحة العربية حضوراً بارزاً للقاصة المعاصرة ومصر تعبّر بدرجة كبيرة عن مسار الأدب العربي، وترى يمنى العيد أن القصة القصيرة في إبداع المرأة العربية تميزت بسمات منها "التنويع لجهة الموضوع، والأسلوب والشكل واللغة." فاخترت القصة القصيرة ومنها اخترت مجموعة صدرت حديثًا للأديبة هدى توفيق التي تعددت مجموعاتها القصصية.
وقد آثرت أن اتخذ من أخر مجموعة لها موضوعًا للبحث، ولاشك أن الأدب المعاصر قد أفاد من مقولات الحداثة والمراجعات النقدية التي تتابعه.
من هذا الطرح سأتحدث عن مجموعة حذاء سيلفانا لهدى توفيق في العنوان الآتي للتعريف بها قبل أن يتخذ التحليل محاوره الثلاثية الخاصة بالعناصر الآتية:
- المسافة السردية وتقديم الشخصيات.
- المسافة السردية وأجواء القصة.
- المسافة السردية قناة بين الراوية والمؤلفة.


- المجموعة القصصية حذاء سيلفانا للأديبة المصرية هدى توفيق:
هدى توفيق أديبة مصرية معاصرة ولدت في بني سويف بصعيد مصر عام 1972م ونشأت بها، وتخرّجت في قسم للغة الإنجليزية بكلية الآداب عام 1995م ، ولها إبداع سردي متنوّع في مجال القصة القصيرة، فمن مجموعاتها القصصية:
- أنىّ تصير رجلاً – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة - 2007م
- عن عاقر وأحول – مركز الحضارة العربية – الجيزة - مصر - 2007م
- كهف البطء – دار الدار بالقاهرة - 2008م
- مذاق الدهشة – دار شرقيّات – القاهرة - 2010م
- الأمنية الأخيرة – إصدارات ورشة الزيتون – القاهرة 2012م
- عدوى المرح – دار الأدهم – القاهرة – 2015م
- سلامتك يا رأسي – دار نشر المحروسة – القاهرة 2015م
- وفي الأدب الروائي لها:
- بيوت بيضاء – كيان – القاهرة – 2011م
- المريض العربي – روافد – القاهرة – 2015م
- رسائل لم تعد تكتب – دار الأدهم – القاهرة – 2016م
وقد حصلت على جوائز متعددة في الإبداع القصصي من مجلة النصر وأخبار الأدب وهيئة قصور الثقافة ونادي القصة.
والمجموعة محل الدراسة هي حذاء سيلفانا – دار الكتبي للنشر والتوزيع – القاهرة – 2017م وتضم أربع وعشرين قصة قصيرة تدور في أجواء معاصرة من حيث الزمن والقضايا التي تعالجها إذ يظهر لديها جليًا أزمة الذات العربية الممزقة بالمعاناة بخاصة بعد 2011م.
وفي هذه المجموعة تعرضت الكاتبة لكثير من المشكلات التي تعج بها الساحة العربية من متغيّرات سياسية واجتماعية في ظروف عصيبة اضطرت الإنسان إلى الهجرة والاغتراب فضلا عن علاقة الإنسان بالزمن نتيجة معايشته لنمط حياة لم يكن يتوقعه وأصبح عليه مواجهته والتفاعل معه، من هذا الطرح يبدو السرد في القصة القصيرة لهدى توفيق نوعًا من مواجهة الأزمة العربية.
وقد حاولت الكاتبة هدى توفيق في مجموعة من القصص القصيرة أن ترسم خريطة لمصاعب الإنسان العربي من جهة وإصراره على مواجهة الحياة بكل مشكلاتها من جهة أخرى ؛ ليصبح السرد وسيلة للتعامل مع الواقع المحيط بالإنسان، وأحد الدعائم التي يستند إليها في إدراك أزمته وتجديد تصوراته.
ولاشك أن النماذج النصية التي سنتعتمد عليها في التحليل النقدي للمادة السردية التي كتبتها هدى توفيق في مجموعتها القصصية ستبلور محتوى المجموعة أمامنا بما يدعّم القراءة النقدية التي سندرس فيها المسافة السردية.

- المسافة السردية وتقديم الشخصيات في مجموعة حذاء سيلفانا:
المسافة السردية معيار في غاية الأهمية بالنسبة للمؤلف وهو يقدم شخصياته من خلال الراوي بخاصة إذا كان الراوي نفسه إحدى الشخصيات المشاركة في الأحداث القصصية، وتزداد أهمية هذا المعيار نتيجة اتصاله الوثيق بالمعايير الأخرى مثل الراوي وموقعه ومعرفته وعلاقته بالأجواء القصصية والأحداث التي تدور في عالم الحكاية التي يقدمها بصوته.
وتعتمد هدى توفيق على صوت الراوية الأنثى، ومعظم قصص مجموعة حذاء سيلفانا تشارك فيها الراوية بالفعل سواء في الأحداث أو الأقوال بما يفتح قناة بين الراوية في العالم القصصي والمؤلفة في العالم الواقعي.
وتمضي الراوية في مجموعة حذاء سيلفانا في المدينة لتلتقط الشخصيات ليس بوصفها عينا ترى المأزومين والمهمشين فقط وإنما بوصفها صوتا يساعدهم على البوح واجترار ما بأنفسهم مما يعود بخبرة إدراكية على الشخصيات والراوية المشاركة في الأحداث معا.
في قصة ملامح الوطن تبدأ القصة من مسافة ليست بالقريبة بين الراوية والشخصيات، فالراوية تعاني من الزحام يوم الانتخابات وتبحث عن مقعد في سيارات الانتقال الجماعي دون جدوى حيث يرفض أكثر من سائق مساعدتها وهي تعاني من ظروف صحية لا تسمح لها بحرية كبيرة في الحركة إلى أن يتاح لها مقعد بجوار سائق فتبدأ في وصفه وتقديم شخصيته: "ظللت أتأمل ملامح وجهة شديدة السمرة بعينين سوداوين سوادا لامعا غائرا في جرح دفين (لا أعرف من أين أتاه ؟) وشعره أسود ناعم ومفلفل، ولامع من "جيل" كثيف أضفى على ملامحه غزارة وعمقا.. وقلت مباشرة بعد أن جلست وارتحت وأخبرته ألا يجلس أحدًا بجانبي وسأدفع الأجرة كاملة:
- لماذا ترفض أن أركب إلى جانبك ؟ ألا تري عرجي وعكازي أيها الشاب المصري الجدع ؟ ألست مصريًا جدعًا..قل لي؟!
نظر إلى نظرة صارمة متبرما من عتابي وتهكمي، وقاد السيارة صامتا صمت القهر، لكني لم أسكت، وجاءني تحد داخلي أن أفتت هذا الحزن الذي يحاصر هذا الشاب الجميل لينشطر إلى كلمات وفضفضة لا ريب فيها.. فقلت وأنا أبتسم: هل ذهبت إلى الانتخابات؟...
لم يرد بغير نظرته الصارمة هذه، فقلت تمللا:
- طيب على راحتك.
وفجأة ملأ دهشتي بنبرة هادئة وصادمة قائلا:
- أنا لست مصريا يا أستاذة... أنا من ليبيا."
لم تدخل الراوية إلى العالم القصصي وهي تعرف شخصياتها مسبقا، على العكس تماما، فقد دخلت هذا العالم تاركة لحركة السرد أن تأتي بالشخصيات من الحكاية المتوارية في الأفق النصي إلى الخطاب السردي ليطالع القارئ معها ملامح الشخصية أولا بأول.
هذه البداية وضعت الراوية في قلب الأحداث فالمسافة بينها وبين العالم الحكائي تبدو قريبة للوهلة الأولى لكنها في الحقيقة بعيدة عن عالم الشخصيات، بعيدة عن معرفة مرجعيتها، إنها ترى للوهلة الأولى الملامح الحسية التي تظن من خلالها أن الشخصية مصرية فتخاطبه بأسلوب فيه من التهكم أكثر مما فيه من الرغبة في المعرفة، ثم تبدأ المسافة في الاقتراب حين تدخل الشخصية بصوتها فتعلن عن هويتها.
تظن الراوية في البداية أن كل الشخصيات مثلها في المرجعية أو تشاركها الاهتمامات نفسها وتؤدي السلوك نفسه، لكنها تكتشف في لحظة أن ما يعد سلوكا مهما لها لا يشاركها فيه الآخر في اللحظة نفسها، لكن هذه الحقيقة تكشف شيئا آخر هو أن شخصية الشاب تعاني ضغطا نفسيا واجتماعيا نتيجة الأحداث التي وقعت في منطقتنا العربية.
نلاحظ أن الخطاب توجه إلى الشاب بالصوت المباشر، وحطمت الكتابة المسافة حين وضعت الراوية صوتها الذي يحمل استفهامها التهكمي في سطر لكتابة وكأنه ضمن السرد ليبدأ المشهد الحواري من قريب، لكن عدم رد الشاب يقيم حاجزا بينها وبينه فينتقل خطابها في سطر مستقل بعد ذلك، وهذا يعني أن طريقة الكتابة لها دورها في تحديد المسافة السردية في المشهد الحواري السابق.
ومن الواضح أن الراوية بدأت حوارها مع شخصية الشاب بنوع من التهكم والتحدي، هذا يوضح أن المسافة على المستوى المرئي من ناحية محاكاة السلوك الاجتماعي في الدراما الحكائية تبدو قريبة لكنها على المستوى النفسي بعيدة.
وحركة المسافة السردية من الابتعاد إلى الاقتراب فرضت رؤية معينة على الصيغة السردية هي رؤية الراوي الذي يعرف أقل من الشخصية، فالسرد يبدأ بمعرفة خادعة عن طريق رؤية الراوية وهي "رؤية ذاتية داخلية" إلى "الرؤية الخارجية" ذات الطابع الموضوعي الذي يتجاوز السرد الكلاسيكي والمعالجة الرومانسية للموضوع.
يستمر المشهد قائما على حضور الشخصيتين:
- شخصية الراوية التي تحاول الاقتراب من شخصية الشاب.
- شخصية الشاب الذي يتجه إليه الخطاب فتتركه الراوية مقتربة منه ليحكي بصوته شاغلا موقع الراوي في حكايته:
"فعاجلته:
- لكن لهجتك مصرية جدا، وأيضا.. ملامحك مصرية... نعم والله مصرية بلاشك... هذا غير معقول.
واستطرد يقول بنبرة مهزومة وحزينة:
- نعم، أنا هنا من بعد ثورة 2011.. لهذا لساني اتعود على اللهجة المصرية.
قلت وصوتي قد انخفض، وتسربت إليّ مشاعر طاغية بالانكسار:
- لك حق... لا تذهب إلى ليبيا، ربما يقتلونك."
تتغيّر مشاعر الراوية وتزداد اقترابًا من الشخصية متجاوزة المسافة السردية من الناحية النفسية فتتخلص من أسلوبها التهكمي الاستفزازي وتتجه مشاعرها إلى التعاطف مع الشخصية، ويدل تعبيرها "قلت وصوتي قد انخفض" على هذا الموقف الجديد الذي تزداد فيه اقترابا من الشخصية، وتستمر عملية الاقتراب في التحقق فينتقل السرد إلى الشخصية تماما في المشهد ويشغل الشاب موقع الراوي في حكايته كما أسلفت:
"فرد بحدة صارخا من حمل ثقيل جاثم على صدره وقلب ممزق:
- لكني أريد الذهاب إلى أخي... أريد أن أعود إلى عملي في طرابلس، ألا تعرفين أني متعلم وحاصل على شهادة جامعية، وتاجر سيارات وقطع غيار محترم في بلدي، حيث امتهنت مهنة أبي رحمة الله عليه... بينما أنا عندكم سائق... أهذا عدل؟ أهذا الربيع العربي؟!
- قلت اعتذار حقيقي: اهدأ... ما اسمك؟
- محمد... أعتذر يا أستاذة... أين سكنك حتى أوصلك إليه لو سمحت؟
- شكرا يامحمد... أنا معك لأخر الخط... فسكني في الحي العاشر."
تدل تغيّر اللهجة على اقتراب الراوية من شخصية الشاب وبعد انفعال شخصية الشاب بدورها يحدث تطور في موقفه ويقترب هو الآخر من شخصية الراوية حريصًا على التعامل الإنساني معها.
استطاعت هدى توفيق أن توظّف المسافة السردية توظيفًا جيداً في اختيار الشخصية وإقامة حوار معها، ليس حواراً بالأقوال فقط وإنما إقامة حوار نفسي يحطم المسافة التي تقف حائلاً في البداية بين تعارف الشخصيتين على نحو جيد، وتظهر تحولات الشخصية عند الراوية وعند الشاب من التهكم والتحدي بالنسبة للراوية ومن الانفعال المكتوم ثم الانفعال الصارخ عند الشاب إلى التقارب النفسي الهادئ الذي يشير إلى تجاوز الانفعال الأول بحدته لدى كلتا الشخصيتين.
لعله قد أصبح من الوضوح بدرجة كبيرة أن الأحوال السياسية التي تمر بها المنطقة العربية لها دور في اختيار المؤلفة للشخصية عن طريق الراوية، وأن الانفعالات تسيطر على الشخصية سواء أكانت شخصية الراوية أم شخصية الشاب، لكن السمات النفسية الأصيلة تتجاوز هذا الصدام الاجتماعي حينما يتاح للشخصيتين التحدث بإقامة حوار بينهما تذوب فيه المسافة السردية الدالة على الظروف الاجتماعية التي بدت قاسية.
في قصة "عائشة من دارفور" تلتقي الراوية بشخصية عربية سودانية هذه المرة وتقدمها إلى المتلقي في النص من موقع عملها بوصفها موظفة إدارية بإحدى المدارس، وتبدأ القصة باستهلال ملفوظ من صوت شخصية عائشة هذه المرة: "كم هو مؤلم أن يقول لك الآخرون "كوني قوية" وليس لديهم أي فكرة عن صعوبة ما أمر به أو أتحمله."
هذه المقدمة تزيح المسافة السردية تماما فتأتي الشخصية بصوتها ومشاعرها لتعلن عن نفسها، لكن القارئ لن يعرف لماذا قالت الشخصية هذه العبارة وهل ستظل في الحديث لتقوم بدور الراوية في القصة أو أن الصيغة السردية ستنقل إلى صوت آخر ومن صاحب هذا الصوت؟!
لقد جاء عنوان القصة ليقول إن هناك شخصية اسمها عائشة من دارفور، لكن الاستهلال لم يخبرنا بشيء عن تلك الشخصية وإنما ذكر لنا عبارة بضمير المتكلمة عن شخصية امرأة في أزمة بلا تقديم من الراوي أو الراوية، فأصبح لزامًا على القارئ أن ينتظر تشكّل النص ليعرف المزيد عن تلك الشخصية، وهذا ما سيفعله القص في المقطع الآتي:
"بهذه العبارة المؤثرة تفوّهت عائشة السودانية لكي تمنع دموعها أن تنهار وهي تستحلفني أن أرحم ظروفها وأقف إلى جانبها، ولكن كيف لي أن أساعدها؟ فعائشة وافدة سودانية من دارفور، وعند قيام هذه الحرب البشعة في 2003 بسبب نزاعات قبلية وعرقية مات زوجها عام 2009 وأحرقوا كل شيء، وبالكاد استطاعت أن تهرب بأولادها الثلاثة محمد جابر لميح ، ومحمد شريف لميح ، ومحمد همام لميح ، دونما أي أوراق أو أغراض، ودخلت مصر عبر رحلة شاقة بمساعدة المفوّضية.. ولولا رحمة الله لمات الأطفال الثلاثة المقيدون لدينا في المرحلة الابتدائية في الصفوف الثالث والخامس والسادس، وظلت الأم المكلومة بغربتها وتشرّدها تكافح، فعملت كل الأعمال المتاحة لها، من خادمة في المنازل إلى بائعة في المحال، إلى عاملة نظافة في حضانة، حتى أبدعت وتفننت في فن التجميل، وفرضت موهبتها في أحد محال الكوافير في مدينة 6 أكتوبر."
تدخل الراوية النص، فيبدأ القص يأخذ شكل الصورة المرئية التي تحافظ على درجة كبيرة من الاقتراب في المسافة السردية قبل أن تزيح الشخصية المتكلمة بعد تلك المقدمة الموجزة التي انزاحت فيها المسافة السردية تماماً.
وحينما تعود المسافة السردية وتتسع المساحة بين الشخصية والراوية، وينغلق النص التصويري بطابعه الذي يقوم على الحوار في السياق القصصي، تقوم الراوية بدور المؤرخة لبعض الوقت فتقدم بعض المعلومات الأساسية عن الشخصية لتساعد المتلقي على تصوّرها، وبالطبع تبدأ المسافة السردية في الاتساع.
حقا أتت المسافة السردية في بداية المقطع بدرجة فصلت بين الراوية والشخصية لوهلة قصيرة، لكن ظل المشهد القصصي في سياق مرئي بسبب الفعل المضارع "تنهار" الذي احتفظ بوجود الشخصية في إطار مسافة سردية قريبة.
بعد استحضار الراوية لشخصية عائشة أمامها بدرجة فيها نوع من الاقتراب لاعتماد النص على المشهد المرئي، حذفت الراوية شخصية عائشة الحاضرة الآن في القص لتقدم لنا المعلومات المتصلة بتاريخ شخصية عائشة ليرى القارئ البعد الاجتماعي للشخصية، وهو بعد يرتبط ارتباطا وثيقا بواقع الوطن العربي، وهذا ما حدث في تقديمها لشخصية الشاب السائق الهارب من جحيم الواقع في ليبيا، في هذا السياق نرى الراوية شخصية جاذبة لشخصيات من ضحايا المتغيّرات التي ضربت وطننا العربي في الفترة الأخيرة.
هذه الشخصيات تحتاج إلى تعريف، تحتاج إلى تقديم تاريخي، تقديم يمهد للقارئ رؤيتها في اللحظة الآنية.
وقد أجلت الراوية تقديم البعد الاجتماعي للشخصيتين في القصتين السابقتين، وبدأت بتقديم البعد الحسي، ومن خلاله توغلت في البعد النفسي، ثم بدأ دخول البعد الاجتماعي بعد إثارة فضول القارئ لمعرفة الشخصيتين: السائق الهارب من جحيم ليبيا وعائشة الهاربة من جحيم السودان.
في تقديم شخصية السائق بدأت الراوية بمسافة سردية فيها إنكار، فابتعدت بدرجة ليست بالقليلة من الناحية النفسية عنه، ثم أخلت له المكان للحوار، فانزاحت شخصيتها لتؤكد حضوره، ثم حدث التقارب بينهما، وهذا البناء لم يستمر هنا فقد بدأت بالانزياح لتحضر شخصية عائشة في البداية، ثم أعلنت عن وجودهما معا، ثم أزاحت عائشة لتخبرنا عنها بأسلوب توثيقي، أقرب إلى العرض التاريخي، مستعيدة دور الراوي الذي يستخدم أسلوب الرؤية من الخلف" أي الذي يعرف أكثر من الشخصية ، وساعدها على ذلك الموقع الذي تشغله بوصفها موظفة في المدرسة التي يدرس بها أولاد عائشة الثلاثة الذين ذكرت الراوية أسماءهم وكأنها تقرأ هذه الأسماء من واقع سجلات المدرسة التي تحتفظ بها بين يديها.
مع أن الراوية تشغل وظيفة في القصة، فهي موظفة إدارية بالمدرسة التي قبلت أولاد عائشة الثلاثة، فإنها لم تستطع أن تكون قريبة بالدرجة الكافية من شخصية عائشة، لأنها تتعامل بمنطق التوثيق، ولا تستطيع أن تقدم لشخصية عائشة المساعدة حين أتت لتسحب أوراق أبنائها لتقدم لهم في مدرسة أقرب بعد أن عملت خبيرة تجميل في مركز بقلب العاصمة، فالأولاد لا يملكون أوراقا لأن أوراقهم احترقت في الفتن المحلية التي وقعت بدارفور، ولأن الراوية لا تستطيع التعبير عن الشخصية في هذا الموقف فقد بدأت بصوتها وأنهت القصة بصوتها لتلغي المسافة السردية بين الشخصية ومشاعرها وتتركها في الملفوظ القصصي تعبّر عن أزمتها بصوتها المباشر، بعد أن قدمتها الراوية بالمعلومات الوثائقية فقط من واقع وظيفتها الإدارية في المدرسة.
ويصبح صوت الشخصية إطاراً لبداية القصة ونهايتها بشكل دائري يحقق الأثر النفسي لدى المتلقي، ويدل على دورة حياتها المغلقة لعدم قدرتها على التوفيق بين الواقع الذي لا يعترف إلا بالأوراق وظروفها التي احترقت فيها الأوراق فكأنها تجردت من هويتها مع احتراق أوراقها: "وانهارت أخيرًا وبكت بكاء مريرًا وهي تقول:
- ياربي.. كيف تصدقونني ياناس؟! ارحموني.. ألا تعلمون ما الحرب؟! أرجوكم ارحموني.. الحرب قتلت زوجي، وأحرقت الأوراق، وهدمت بيوتنا، وشردتنا، وفرقتنا عن أهلنا وحبايبنا ووطننا... وبالكاد أنقذنا أرواحنا وأرواح أطفالنا." هذه الدائرة المغلقة اكتملت عن طريق غياب المسافة السردية بين الشخصية وصوتها.
يتكرر نمط العربي الذي جاء إلى مصر مرة ثالثة في قصة "أنا لاجئ من فضلك" والشخصية المحورية هذه المرة لأب سوري جاء يطلب إثبات قيد لابنه، وتشغل الراوية موقع موظفة الإدارة في المدرسة أيضا، ويتم التعارف بين الراوية والشخصية في مشهد تصويري قائم على الحوار المتغيّر من حيث المسافة السردية، فالمسافة قريبة بما يسمح بتصوير الشخصية، لكنها بعيدة من حيث فهم ظروفها، لذلك تقدم الراوية بمنظورها البعد الحسي للشخصية من خلال مسافة سردية تسمح بالرؤية، أمّا العمق النفسي فتترك للشخصية تقديمه بصوتها عن طريق إلغاء المسافة السردية فتتحدث الشخصية دون وسيط:
"كان يحاول التحدث بتهذب رغم صوته المكفهر بملامح الغضب الذي يشتعل من جوفه اشتعالا يطفو غرقا في عينيه وحركاته العصبية، قال:
- أريد إثبات قيد لابني...
قلت غير مهتمة كالعادة من كثرة ما يأتيني من الوافدين السوريين لآخذ إثبات قيد يثبت وجودهم ضمن الطلاب المصريين، دون أن أنظر إليه:
- لا مشكلة يا أستاذ، أريد جواز سفرك أنت وابنك، وتاريخ تجديد الإقامة الجديدة لعام 2014.
ودون توقع من رد فعله... ضرب على مكتبي بصوت مرتفع:
- أستاذة... أنا لاجئ، لاجئ سوري ولست وافدا كالباقين... أن في بلدكم دائم...
فقلت وقد ارتفع صوتي أيضا من هياجه العصبي:
- يعني إيه يافندم ؟... أنا لا يشغلني لاجئ أم وافد... أريد ختم تجديد الإقامة لهذا لعام...
وزاد الموقف توترا وصرخ في وجهي بوقاحة:
- ألا تفهمين لست وافدا أنا لاجئ، لاجئ ياناس.
وأخرج جواز سفر وكارتا أصفر سميكا."
لقد أصبحت الشخصية شيئا، أصبح "الكارت" هو الشخصية نفسها في سياق اجتماعي يحوّل الإنسان إلى شيء وهذا هو مفهوم "الشيئية" في الأدب.
من الملاحظ أن الشخصيات المحورية تقع في طريق شخصية الراوية التي تشغل موقعا في القصة يمكنها من تقديم هذه الشخصيات بطرق متنوّعة عن طريق التحكم في درجة المسافة السردية أو إلغائها في أعلى تحقق للتصوير الذي يرسم المشهد ويزيده حضورا بالحوار.
وتستخدم الراوية اللغة الشعرية أحيانا للاقتراب من الشخصية قبل أن تسمح لها بالحديث المباشر لإعداد المسرح الذهني والنفسي للقارئ وهو يسمع صوتها المعبّر عن انفعالاتها النفسية في سياق معاناتها الاجتماعية كما في قولها: "كان يحاول التحدث بتهذب رغم صوته المكفهر بملامح الغضب الذي يشتعل من جوفه اشتعالا يطفو غرقا في عينيه وحركاته العصبية..." في القصة السابقة، فقد استطاعت اللغة الشعرية تصوير الشخصية من حيث البعد الحسي، واستكشاف أعماقها من حيث البعد النفسي، قبل أن تكمل الشخصية أزمتها بالحديث المنفعل عن بعدها الاجتماعي، وهذا يوضح دور المسافة السردية في تشكيل الشخصية من قبل الراوية في الفضاء القصصي الذي يتطلب حضور الشخصية دون مسافة سردية في أحيان ليست بالقليلة في هذا الموضوع الذي يعبّر عن أزمة الذات العربية المعاصرة.
اعتمدت هدى توفيق في مجموعتها على الحركة الجدلية للمسافة السردية اقترابا وابتعادا من جهة أو إلغاء تاما من جهة أخرى في تقديم بعض النماذج القصصية لشخصية العربي القادم إلى مصر في أعقاب أزمة المنطقة العربية.
لكن استحضار الشخصيات إلى عالم الراوية وتصويرها من منطلق الاقتراب والابتعاد السردي أو التصوير الحواري استمر مع شخصيات من المجتمع المصري تتحرك في عالم الراوية من خلال المكان والزمان أو نتيجة الاجتماع في فضاء واحد مع كون تلك الشخصيات قادمة من أماكن أخرى.
فمن الملاحظ أن شخصيات مجموعة حذاء سيلفانا لهدى توفيق تتميز بالغربة والاغتراب بحكم كونها قادمة لأسباب اجتماعية كزواج المرأة مثلا في قصة "لقاء ووداع" من الإسكندرية، أو بسبب هروب الرجل من الثأر في قصة "أين وطني؟!" ليهرب مع ابنه من مدينة السادس من أكتوبر إلى بحيرة المنزلة، أو شخصية الأستاذ جوده المدرس المثالي الذي عانى من سوء تقدير المفتشة ليترك المدرسة والتدريس بعد خروجه على المعاش المبكر مبتعدا عن تعليم البشر ليزرع الأرض ويربي الحيوانات في مسقط رأسه بقريته الصغيرة في الصعيد الذي خرج منه إلى القاهرة ليعاني وعاد إليه مستمتعا بحياة تليق بعنوان القصة "أكثر من ممتاز" وتعتمد هدى توفيق على وجود الراوية في أجواء القصة لتلتقط الشخصيات وهذا المحور سنقدمه فيما يأتي.

- المسافة السردية وأجواء القصة:
في سياق تقديم الشخصيات من خلال المسافة السردية ينبغي أن نتحدث عن الأجواء التي يتم فيها استحضار الشخصيات من قبل الراوية.
تدور حركة الشخصيات في مكان، وهذا المكان يتشكّل بالكلمات التي تصوره وتضفي عليه مقومات جمالية وثقافية تثري النص وتثير الخيال كما يقول غاستون باشلار أهم من كتب عن المكان في النقد الأدبي: "إن المكان الذي ينجذب نحوه الخيال لا يمكن أن يبقى مكانا لامباليا ذا أبعاد هندسية وحسب ، فهو مكان قد عاش فيه بشر ليس بشكل موضوعي فقط بل بكل ما في الخيال من تحيّز" من هذا المتخيّل يستمد المتلقي شخصيات العالم القصصي، لكن المؤلف يستمد هذا المتخيّل نفسه من حركة جدلية مع الواقع.
استحضرت هدى توفيق شخصياتها من ليبيا والسودان وسوريا والإسكندرية والبحيرة والقاهرة، لكنها اعتمدت على مركزيتين محددتين هما مدينة السادس من أكتوبر ومحافظة بني سويف.
رأينا حركة الحياة في شوارع مدينة السادس من أكتوبر يوم الانتخابات في القصة الأولى ورأينا المدرسة في أكثر من قصة، وهذا يعني تحركها بين المكان المفتوح والمكان المغلق الذي يمكن أن ينفتح ليستحضر شخصيات تراها الراوية من مسافة سردية قريبة.
وتعد قصة أكثر من ممتاز نموذجا واضحا لربط المتخيّل القصصي في مدينة السادس من أكتوبر بالمتخيّل القصصي في محافظة بني سويف حيث تغادر شخصية الأستاذ جوده المدينة إلى القرية الأم في الصعيد في إشارة لكون الشخصية عانت اغترابا في عملها بالمدينة.
وقد صورت هدى توفيق عالم المدينة بأجواء مغتربة تلتقي فيها الشخصيات عن طريق مسافة سردية ثم تدخل في حوار فتبتعد المسافة، لكن وجود الشخصيات معا لايستغرق سوى لحظات هي الزمن في القصة القصيرة، وهذه اللحظات تحمل مادة قصصية تضم حياة الشخصية.
وتظهر المدرسة في قصص هدى توفيق بوصفها مكانا مثاليا للحديث عن الزمن أيضا:
"منذ عشر سنوات كانت هناك علاقة انتماء بين الطالب والمدرس، بين الطالب والأنشطة الفنية التي من أهمها المسرح والموسيقى، حتى حصة التربية الرياضية، واليوم ونحن في عام 2013 أصبح لا يوجد تقريبا أي أنشطة فعالة."
وقائلة هذا الكلام هي شخصية الأستاذة تماضر الموجه العام لمادة المسرح المدرسي المعلمة المثالية لثلاث سنوات في لقاء عن دور المسرح في التدريب على الانتماء، تحضر الراوية الندوة وتتأثر لكنها تتعرض لصدمة من سخرية زميلاتها لنستخرج من السياق المسافة السردية التي تصل بينها وبين الأستاذة المثالية وتفصل بينها وبين زميلاتها من المدرسات.
تظهر أجواء بني سويف بوصفها الملاذ الآمن للشخصيات سواء أكانت شخصية الراوية أم الشخصيات الأخرى، وتحرص الراوية على تقديم شخصيات بني سويف بما يمنحها جذورا في عالم القيم والهوية، فتختفي المسافة السردية بينها وبين شخصيات مسقط رأسها، كما أطلقت المؤلفة هذا التعبير في قصة "رحلة إلى مسقط رأسي" وتدخل شخصية الأم في هذه القصة ليحدث تضافر بين (الأم/ المكان) و(الأم/ الشخصية الحكائية):
"قبل أن رن جرس باب الشقة في الطابق الثالث، فتحت لي بابتسامتها الوديعة التي أفتقدها وتنساب بينها كل أوجاعي، وتكاد تصرخ روحي: آه يا أمي الغالية، ليتني أعود طفلة في حضنك."
في هذا السياق تذوب المسافة السردية على المستوى الدرامي حين تفتح شخصية الأم باب الشقة قبل رنين الجرس، وعلى المستوى النفسي حين تحدث الراوية الأم قبل أن تظهر في المشهد الحكائي.
وبعد أن تزور الراوية الأم تذهب من أجل الغرض الأساسي الذي دفعها للعودة إلى مسقط رأسها وهو جلسة محكمة للانفصال عن زوجها.
وفي السيارة التي تتجه بها إلى مقر انعقاد الجلسة تخاطب الأم بينها وبين نفسها في مونولوج تختفي فيه المسافة السردية لكنه ينقل إلى القارئ مشاعر الفقد والوحدة:
"تسمّرت نظراتي بالدهشة التي لاحظتها في مرآة التاكسي، وتساءلت في رعب صامت كيف ستفارقينني يا أمي؟"
وبمهارة تربط بين الخاص والعام يواجه سائق السيارة الراوية بأن مكان المحكمة قد تغيّر مع ما حدث من تخريب في الأحداث السياسية قائلا: "تيجي أحكي لك تاريخ الثورة من 25 يناير في المحافظة؟
قلت تبرما وغيظا من تهكمه اللاذع عليّ:
- لا... شكرا... الأجرة يا أسطى." هذا الربط بين الأم والوطن أفاد من إلغاء المسافة السردية، فجعل الأم رمزا للبلاد دون أن تقول الكاتبة ذلك مباشرة.
تبدو بني سويف نقطة التقاء الأم بالوطن ومستقر الشخصيات بعد معاناة العمل في المدينة، وتقوم المدرسة في مدينة السادس من أكتوبر بدور محوري في تجمع الشخصيات المتناثرة، لكن الكاتبة لا تكتفي بذلك وإنما تتخذ من الأماكن البينية مثل السيارة – كما سبق – والأتوبيس – كما في قصة لقاء ووداع التي أشرت إليها – فضاء لالتقاط الشخصيات ورؤيتها من مسافة سردية قريبة تحدث فيها رؤية مباشرة بين الكاتبة والشخصيات ويؤدي فيها الحوار دوراً مهماً حديث الشخصيات بأصواتها دون مسافة سردية تلغيها لصالح حضور صوت الراوية، فظلت الشخصيات حاضرة أمام القارئ بصحبة الراوية في مشاهد تصويرية.
ولاشك أن حضور الراوية المثقفة التي تلتقط الشخصيات وتستخرج منها أزماتها يذكّرنا بشخصية الذات المبدعة التي تمثلها الكاتبة خارج النص.

- المسافة السردية قناة بين الراوية والمؤلفة:
من العرض السابق للمحورين اللذين تناول البحث فيهما دور المسافة السردية في تقديم الشخصيات ودورها في أجواء القصة أيضا تبين لنا أن الراوية شخصية حاضرة ليس في انتقاء الشخصيات فحسب وإنما في المشاركة في الأحداث، وأن هذه الأحداث ترتبط بمسقط رأس الراوية أو مكان عملها في المدرسة بمدينة السادس من أكتوبر أو في مدينة بني سويف أيضًا كما نجد في قصة "أيوب المصري" حين تتحدث الراوية عن شخصية أستاذها مدرس الجغرافيا، الذي تعلمت منه المسافات في رسم الخرائط في دلالة على العلاقة بين الصورة التمثيلية التي نراها في الخريطة والعالم الخارجي.
هذا التناول يجعل شخصية الراوية قريبة كل القرب من شخصية المؤلفة، فالمؤلفة كما يقول التعريف بها في نهاية المجموعة من مواليد محافظة بني سويف وتخرجت في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة وفي قصة "أيوب المصري" يعاتبها أستاذها مدرس الجغرافيا لأنها التحقت بقسم اللغة الإنجليزية ولم تلتحق بقسم الجغرافيا لتكمل رسالته، لكنها اختارت أن ترسم العالم بأسلوب آخر، أو ترسم خرائط للنفس الإنسانية المعاصرة في سياقها الاجتماعي: "يداعبني بضحك: كيف حال الفنانة الموهوبة التي نقضت العهد ودخلت قسم اللغة الإنجليزية؟" ليس هذا فقط ما يختزل المسافة بين الراوية في القصص والمؤلفة في الواقع الخارجي وإنما السن أيضا فالراوية في قصة "المتمردتان" تتحدث عن نفسها بضمير المتكلم فنراها تبوح بعلاقتها بالزمن بعد الدخول في مرحلة الأربعينيات: "سأبدأ منتصف الأربعينيات، أعوام النضج، والصمت المرعب، تلك الحقائق المرعبة مثل أحلامي الملازمة لي." في هذا السياق لا توجد مسافة سردية وإنما يوجد البوح الذاتي الذي ينقل القص يكاد يجعل الراوية صوتا للمؤلفة.
فتقليص المسافة السردية وحرية الحركة من الراوية في قصص المجموعة لتمارس دورها في اختيار الشخصيات من خلال أجواء ترتبط بمسقط رأسها أو تشير إلى مرجعيتها يقارب كثيراً بين صوت الراوية ومرجعية الكاتبة في العالم خارج النصوص القصصية.
يضاف إلى ذلك أن الأحداث المعاصرة التي تعايشها الكاتبة هي نفسها المناخ الذي تحرص على تصويره، وقد رأينا ذلك في الانتخابات وتغيّر أماكن بعض المصالح في أعقاب يناير 2011 وأزمة الوافدين والأوراق المحترقة ومشاكل التعليم، بالإضافة إلى فشل العلاقات الاجتماعية كما في قصة "رحلة إلى مسقط رأسي" أو عدم تحقق الحياة الاجتماعية لعدم وجود الرجل المناسب في حياة المرأة كما في قصة "حذاء الصغيرة التي لم تأتِ" الذي اتخذت منه المجموعة عنوانها بشكل غير مباشر فأصبحت "حذاء سيلفانا" لتضيف الكاتبة إلى المجموعة عنوانًا يتصل بها وليس من داخلها مباشرة، والقصة رمزية لأن الحذاء هو الأمل في خطوة جديدة لحياة أكثر بهجة تتمناها الكاتبة لوطنها.
من التحليل السابق نستطيع القول إن هدى توفيق ترتبط بالراوية في المجموعة ارتباطًا واضحًا بحيث تركت جزءًا من نفسها مع الراوية، أو فلنقل تركت نفسها المبدعة تعايش القارئ في مجموعتها القصصية، وأن المسافة السردية تقنية مهمة قدمت لنا صورة عن بنية المجموعة وعلاقتها بالكاتبة التي أبدعتها.

- خاتمة البحث:
- تقنية المسافة السردية ترتبط بمنظومة من المفاهيم والتقنيات يمكن من خلالها قراءة عمل قصصي أو روائي قراءة تحليلية تكشف عن سماته الفنية وعلاقته بالواقع.
- تصوير الشخصيات في مجموعة حذاء سيلفانا اعتمد على اقتراب من تلك الشخصيات لتلتقط البعد الحسي.
- تقوم الراوية أحيانا بتقديم البعد الاجتماعي للشخصيات من خلال تحريك المسافة السردية بعيداً عن الشخصية وممارسة الراوية لدور المؤرخ الذي يتحدث بشكل توثيقي.
- يمكن أن نستشف البعد النفسي من البعد الحسي لأن المسافة السردية قريبة.
- تترك الراوية الشخصيات تتحدث عن نفسها بالأسلوب المباشر لتصوّر معاناتها النفسية والاجتماعية فتلغي المسافة السردية.
- تصوّر الكاتبة أجواء قصصها من مسافة سردية قريبة تجعل الراوية في قلب الأماكن التي تلتقط منها شخصياتها.
- يشغل مسقط رأس الكاتبة نفسها مكاناً مهماً في احتواء الراوية.
- تهتم الكاتبة بالأحداث المعاصرة مما يجعل المسافة السردية بينها وبين عالمها المرجعي قريبة وكأنها تصوّر الواقع.
- تتصل شخصية الكاتبة بشخصية الراوية فيرى القارئ صورة الكاتبة من خلال الراوية.

- مصادر البحث ومراجعه:
- بوريس أو سبنسكي: شعرية التأليف – ترجمة سعيد الغانمي وناصر حلاوي – المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة – 1999م –
- تزفيتان تودوروف: مقولات الحكاية الأدبية – ترجمة عبد العزيز شبيل – مجلة العرب والفكر العالمي – بيروت – العدد 10 – ربيع 1990م.
- جيرار جينيت: خطاب الحكاية – ترجمة محمد معتصم – عبد الجليل الأزدي – عمر حلي – المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة – المشروع القومي للترجمة – ط 2 – 1997م.
- جيرالد برنس: المصطلح السردي – ترجمة عابد خزندار – مراجعة محمد بريري – المجلس القومي للترجمة – القاهرة – 2003م.
- غاستون باشلار: جماليات المكان – ترجمة غالب هلسا – ط2 – المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع – بيروت – 1984م.
- محمد عناني: معجم المصطلحات الأدبية – العالمية للنشر – لونجمان – القاهرة – 1996م.
- محمد قطب: قراءة في القصة القصيرة – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1981م.
- هدى توفيق: حذاء سيلفانا - دار الكتبي للنشر والتوزيع – القاهرة – 2017م.
- والاس مارتن: نظريات السرد الحديثة – ترجمة حياة جاسم محمد – المشروع القومي للترجمة – إصدار المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة – ط 1 – 1998م.
- يمنى العيد: تقنيات السرد في ضوء المنهج البنيوي – دار الفارابي – بيروت – ط 1 – 1990م
- يمنى العيد: القصة النسائية العربية – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة – 2000م.
- يوسف الشاروني: دراسات أدبية – وزارة التعليم العالي – مصر – طبع مكتبة النهضة المصرية – د.ت

- المراجع الأجنبية:
- Dictionary Of Literary Terms – Rama Brothers India –Coles Editorial Board



#إنجي_محمود_السعدني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسافة السردية في مجموعة - حذاء سيلفانا - لهدى توفيق


المزيد.....




- دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة ...
- Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق ...
- الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف ...
- نقط تحت الصفر
- غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
- يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
- انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية
- مدينة حلب تنفض ركام الحرب عن تراثها العريق
- الأكاديمي والشاعر المغربي حسن الأمراني: أنا ولوع بالبحث في ا ...
- -الحريفة 2: الريمونتادا-.. فيلم يعبر عن الجيل -زد- ولا عزاء ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إنجي محمود السعدني - المسافة السردية في مجموعة - حذاء سيلفانا - لهدى توفيق - دراسة في بناء القصة القصيرة