|
متى تبدأ السعادة الزوجية ومتى تنتهي؟
فلورنس غزلان
الحوار المتمدن-العدد: 1698 - 2006 / 10 / 9 - 11:13
المحور:
العلاقات الجنسية والاسرية
السعادة أمر نسبي، فما يسعد أحدهم ربما يشقي الآخر، وتختلف النظرة إليه من مجتمع لآخر، وتتحكم به عوامل بيئية وتقليدية وموروث ثقافي وعلاقات اقتصادية اجتماعية ينتج عنها قيما ً معينة تحدد هذه العلاقات وتضفي عليها شرعيتها، أو نشوزها، كما ترتبط إلى حد كبير بمُثل وقوانين تعبر عن المجتمع المحيط بالأسرة، التي تمثل هذا الرابط السعيد أو التعيس، ولكي نبحث عن جذور السعادة الأسرية علينا أن نراها في منظارها المجتمعي الشرقي ، حيث تعيش الأسرة العربية ، التي انتمينا وننتمي إليها..لكن تقلص الكون أمام العلم والمعرفة والتكنولوجيا، وانفتاح الدول والمعارف على بعضها أدى لتطور الكثير من المفاهيم المجتمعية، وجعل من إطار السعادة الزوجية وجوهرها صورا تختلف عنها في الماضي القريب ..وتدفع باتجاه اكتساب قيم جديدة متنوعة وتتعلق بالذات بعلاقة طرفي السعادة ( المرأة والرجل )، وحول علاقة كل منهما بالآخر ومدى استيعابه له وفهمه ومحبته تتوقف مباديء هذه السعادة وعناصرها الأساسية. وباعتقادي أنها تبدأ مع تعرف هذين الطرفين على بعضهما واتفاقهما على تكوين أسرة ، لكن هذا التعاقد ليس تعاقدا لشركة أو لموقف سياسي ما ، إنما هو تعاقد إنساني لبناء حياة وانبثاق حيوات وصنع نواة لمجتمع ، إما أن تكون ناجحة أو فاشلة، لهذا فبناؤها يعتمد قبل كل شيء على" الحـــــب والاختيـــــار... والحب بمعناه العاطفي وصدق المشاعر ، لا شك أنه عنصر هام جدا من عناصر النجاح، إنما لا بد من تضافر عناصر أخرى تشكل دعامات البناء لسعادة تقف على قدميها وتواجه ريح الزمن وتقلبات الطقس الزوجي. لكن الطرق التقليدية في الاختيار غالبا ما تتم من خلال اتفاقات يقوم بها الأهل في الكثير من الأوساط الشعبية في بلداننا، وتتحكم فيها علاقات القربى أو التصاهر، وزاد عليها في الآونة الأخيرة ونتيجة للتردي الاقتصادي، العلاقات الطبقية أو المصلحية للأسر المتصاهرة، دون الأخذ بعين الاعتبار لانعكاس هذا الوضع مستقبلا على الزوج والزوجة، اللذين لم يشاركا في اختيار وتقرير مصيرهما، وفي معظم الحالات يحق للرجل أن يختار، لكن المرأة لا تملك نفس ودرجة هذا الحق، وما عليها سوى موافقة ما يراه الأهل!!. بالتأكيد أن الأمر لم يعد على هذه الصورة من القتامة ، لكنه يسير مع التطور العكسي ، الذي تمر به المنطقة وانتشار الحركات السلفية أدى ويؤدي إلى نكوص في العرف والتقاليد ونكوص في وضع المرأة ، فالـــحـــب في مجتمعاتنا يحمل صفة ( التــــابــــو )، وعلاقة الرجل بالمرأة تتم غالبا بعد الزواج، وينحصر دور الأسرة في الإنجاب والمحافظة على اسم الزوج وأسرته، وفي غالب الأحيان، فإن الرجل يقوم بالزواج ليس انطلاقا من حبه لتلك المرأة وتفضيله الحياة معها، لأنه يجد فيها جزأه الناقص ويجد فيها شريكه الوحيد في مسيرة العمر طالت أم قصرت، ويتقبل السيء فيها كما الحسن ويرتضي لها كل ما يرتضيه لنفسه، وينطبق عليها الأمر بالمثل...لكن الواقع يبدو لنا اليوم أكثر تعقيدا منه بالأمس، وهذا بحد ذاته مؤسف ومدعاة للبحث والدراسة كي نخرج من أزماتنا ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وثقافة المجتمعات البائسة كمجتمعاتنا..فيبدو لي أن الرجل الشرقي في المجتمعات المغلقة نوعا ما، يسعى للزواج من أجل..... ( الســـــــتــرة )، وهذا يعني أن الزواج طريقه الوحيد لممارسة حقه في الجنـــس، وليس أمام المرأة كذلك إلا هذا الباب لتعيش حياة متجانسة ومتوازنة جسديا ونفسيا، وغالبا ما يقع المحذور...أي أن الوئام الجنسي المنتظر يسقط عند أول تجربة من أيام الزواج، وأسبابه عديدة ولا مجال لطرحها هنا، لكنه يمكننا القول أن:ـــ
الاختيار والانسجام العاطفي واللقاء الفكري والتفاهم النسبي العام على عموميات الحياة ومستويات المعيشة والدخل ،تلعب جميعها دورها الهام، بالإضافة لثقافة المرأة والرجل في الأمور العاطفية والجنسية. وكيف يمكن للمرأة ، التي ربيت تقليديا وبطرق متخلفة أن تتمكن من استيعاب رغبتها ورغبة زوجها ، دون عُقد اجتماعية ودينية تحملها برأسها وتعتقد أنها مقدسة وعليها احترامها وتطبيقها؟!، وكم من النساء والرجال أيضا فقدوا طعم الوئام والحياة الطبيعية نتيجة للجهل بأبسط أمور الحياة وأكثرها حميمية؟!. .بل كم من العلاقات الأسرية الفاشلة نتجت عن عدم مقدرة الرجل على قراءته لزوجته وحاجاتها النفسية والجسدية؟، والأمر يتعلق بدرجة أكبر وأوسع أيضا بالنسبة للمرأة، بما تعانيه من محاذير وموانع تسد أمامها سبل الإطلاع والتجريب والمعرفة، فالمقاييس التي تنطبق على الرجل تعتبر بمثابة وصمة عار بالنسبة للمرأة، كم من أنثى اتهمت بالغموض؟!! ...وهذا يعود بكل تأكيد ...لتربيتها، والتي تستند على ثقافة من يحمل أكثر من وجه ليعيش ...وبالتأكيد أني أرى هذا الأمر ينطبق على رجلنا الشرقي أيضا، وهل هناك أكثر صدقا من مثلنا الشعبي المتداول " الكذب ملح الرجال"!! ويستخدمه الرجل في غدواته وروحاته، معتقدا أن المرأة لا يمكن أن تؤتمن على سر، أو " ما بتنعطى وش " حسب مثلنا الشعبي ـــ!! وهنا يكمن أهم عامل تقوم عليه السعادة وهو :ــ
الثـــــقـــة ....
والثقة تعني بين الرجل والمرأة، وتقوم على أساس المحبة والانسجام وفهم كل منهما للآخر، ويصل حد الاكتمال عندما يتوج با لاحتــــــــرام.........وأقصد به احترام الشخصية والرغبات والآراء والأفكار واستقلاليتها وحقها في هذه الاستقلالية، وأعني أنه يمكن للمرأة أن تحب زوجها وتحترمه وتختلف معه فكريا، ولماذا نريد من المرأة أو الرجل أن يكون أحدهما نسخة مصورة عن الآخر ، فكم من امرأة تردد ما يؤمن ويقول زوجها ، وفي أعماقها تمارس عكس قناعاتها؟!! أو تسيء لكيانها ولأنوثتها، لكنها تسوق له باعتباره يمثل الطاعة كواجب زوجي!!! ولماذا الطاعة تقع على طرف دون الآخر؟...
أعتقد أن الموضوع متشعب وكي نخوضه بدقة يحتاج لوقت طويل وبحث فيما قاله المختصين ومراجعة لما كتبه علماء الأسرة والجنس والحياة الاجتماعية وعلماء النفس ، ولا يمكننا إلا محاولة طرح وجهات نظر مختصرة ومبتسرة ، بل تظل باعتقادي منقوصة ، تعرج في صعودها وهبوطها...بين المواقف ومن خلال التنقل بين الأفكار لانعدام الأسس الميدانية لدراسة منطقية واقعية صادقة، تدرس وقائع معاشة على الأرض.
أما قناعة المرأة برجل اليوم، فهذا أمر فيه الكثير من التباين بين المجتمعات من جهة والأفراد من جهة أخرى، بل وبين المدن والأرياف، بين انتماء المرأة لمجتمع منفتح ، تمارس فيه حقها وتُحترم إنسانيتها وتقوم بدورها كفاعل حي في المجتمع وكائن مشارك في الفعل والقرار سياسي كان أم قانوني أم اجتماعي، ومدى إيمان وقناعة الرجل بهذا الدور وقبوله بأن يتخلى عن دوره الفحولي ، وليس الذكوري فقط،. أي سيد الموقف وسيد القرار وسيد المجتمع، والمرأة مجرد تابع ...يتبع ويلي ويعيش في الظل ويطبق وينفذ ، ويطيع ويرضى رضاء العبد بطاعة السيد،...لا أقصد من هذا الحديث تخلي المرأة عن أنوثتها أو استرجالها كما يحلو للبعض أن يطلق مثل هذه الصفات على امرأة ترفض ...دور التابع...أو العبد ..وتسعى لقوانين تحميها ، لأنها بالتالي تريد بكل الصدق أن تحمي الأسرة نواة المجتمع، من غول الزواج بثانية، وغول الطلاق التعسفي ، وغول الرمي بها إلى سلة المهملات بعد أن أصابها العجز وأنجبت له الذرية الصالحة...وإلى ما هنالك.. حماية الأسرة تقوم على الالتقاء بين رجل يفهم هذه المرأة وعلى نفس المستوى من الفهم والاستيعاب، وهذا لا يأتي نتيجة لقاء عابر ، أو اعجاب بجمالها ودرجة علمها، ومنبتها الأسري، بل لكل ما تحمله أيضا في رأسها، لأن الشكل الخارجي ...يصبح عاملا ثانويا بعد مدة من الزواج، والتعايش والتفاهم يقوم على ما سبق وذكرت من أمور الفهم والتكامل والاحترام وووو............لهذا أرى أن الاختيار يقوم على معرفة الرجل بالمرأة ومعرفتها به، ولم يعد ممكناً تطبيق طرق الزواج التقليدية، التي عاشها والدينا على ما نعيشه نحن، وما سيعيشه أبناءنا، وعلينا يقع عاتق تغييرها ، من أجل سعادة الأجيال القادمة، ونجاح الأسرة وتفادي الأخطاء وعوامل الفشل.
ولأختم حديثي يمكنني القول أنه يمكن :....للسعادة أن تنتهي حين تبدأ، كما يمكنها أن تعمر طيلة الحياة ، ويمكنها أن تبدأ متأخرة أحيانا، بعد أن يتم الاكتشاف ...
#فلورنس_غزلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف نفهم لغة الحوار في بلاد العرب والإسلام؟!
-
ليس لي...............وليس لكم
-
صرخة في وادي النوم السوري من أجل معتقلي الرأي
-
الطوفان يغرقنا ونحن لا نجيد العوم ولا استخدام المجداف
-
- النصر الإلهي بدون طيور أبابيل
-
أتعود الإنسانية إلى حروب الأديان وعصور الظلام؟
-
نبز العالم أجمع بسلطات من نوع منقرض
-
مثل شباط مافي على حكيه رباط- مثل شعبي سوري-
-
الحادي عشر من سبتمبر زلزال من صنع البشر لا من الطبيعة
-
ماهو دور الشباب في صناعة المستقبل؟
-
عالم الأشباح والكوابيس السورية
-
المرأة السورية والحجاب
-
صارت كبيرة بحجم بيروت
-
ما الذي ينتظر المنطقة بعد حرب ال 33 يوماً...حزب الله...سورية
...
-
هل يحق لإيران امتلاك السلاح النووي، وعلى من يشكل خطراً؟
-
دور المواطن الفرد في دولة الاستبداد والفساد
-
الشرق الأوسط الجديد بين نفوذين، الإيراني من جهة والإسرائيلي
...
-
بين الشد الإيراني والجذب العربي، يغلي مرجل المنطقة
-
هل ستتمكن الحكومة اللبنانية من بسط سيادتها على كل الأرض اللب
...
-
لن تخرج سورية من الشرنقة، طالما أن نظامها حريص على إضاعة الف
...
المزيد.....
-
الوكالة الوطنية توضح حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في المن
...
-
ما حقيقة اعتقال 5 متهمين باغتصاب موظف تعداد في بابل؟
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الاسري على الفتيات 73% والذكور 27%
-
بعد أكثر من عام على قبلة روبياليس -المسيئة-.. الآثار السلبية
...
-
استشهاد الصحافية الفلسطينية فاطمة الكريري بعد منعها من العلا
...
-
الطفولة في لبنان تحت رعب العدوان
-
ما هي شروط التقديم على منحة المرأة الماكثة في البيت + كيفية
...
-
الوكالة الوطنية تكشف حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في البي
...
-
تحديد عيب وراثي رئيسي مرتبط بالعقم عند النساء
-
فوز ترامب يهيمن على نقاشات قمة المرأة العالمية بواشنطن
المزيد.....
-
الجندر والجنسانية - جوديث بتلر
/ حسين القطان
-
بول ريكور: الجنس والمقدّس
/ فتحي المسكيني
-
المسألة الجنسية بالوطن العربي: محاولة للفهم
/ رشيد جرموني
-
الحب والزواج..
/ ايما جولدمان
-
جدلية الجنس - (الفصل الأوّل)
/ شولاميث فايرستون
-
حول الاجهاض
/ منصور حكمت
-
حول المعتقدات والسلوكيات الجنسية
/ صفاء طميش
-
ملوك الدعارة
/ إدريس ولد القابلة
-
الجنس الحضاري
/ المنصور جعفر
المزيد.....
|