|
نَقَاهَة
عبد الله خطوري
الحوار المتمدن-العدد: 7453 - 2022 / 12 / 5 - 00:48
المحور:
الادب والفن
لست أدري كيف توغلتُ في ملصق ألبوم بينك فلويد الموسوم"A Momentary Lapse of Reason"(١).لم أشعر إلا وأنا داخله أتملى عن قرب ما يحدث ولا يحدث حريصا أن لا يحدس وجودي المشوش أحد.لقد كنت قريبا من آلقرب بعيدا من آلبعد ألاحظ أرمق أتابع تلتقط بآبئي آلمئون آلألوان وآلأشكال وتفاصيل آلخطوط آلغامقة والدقيقة وآلشفيفة وآلباهتة.صامتا ظللت طيلة مكوثي في آلمجال أقنص ما أمكن ما خيل لي لحظة آبقة فارقة عَلِيَّ أغنم الفرصة لأفقه ما يمور داخلها.كل شيء بدا ساكنا هادئا واجما كخشوع فجر جديد أو وَجل ميلاد ملتبس أو ترقب متوجس.دنوتُ أكثر. وإذا بآلمعالم تتضح معالمها..شاطئ رملي.بحر زلالٌ أزرقُ.ماء صاف كأديم سماء يُحلقُ فيها إنسيٌّ يحاولُ جاهدا التنصلَ من جاذبية لا تليق بمقام الأحلام.شمس صيف في غير أوانها بيضاء وهاجة تناغي في سُفور صُفرة الرمال.العديد من الأَسِرَّة بأفرشة مخملية منضدة بشكل مرتب يليق بمقام مَنْ يُقبل على آحتضار أخير؛ وهي إذْ تظل كذلك، تُدْخل في النفس انطباعا بأننا في مَشفى من الدرجة الرفيعة.تمتد هذه الأسِرة في صورة مستقيمة على آمتداد الشاطئ آتجاه البحر.على إحداها شخصٌ جاثٍ يضع يده اليُمنى على فخذه الأيمن واليسرى يُسند بها جبهته على طريقة أرسطو في الصور المدرسية، لكن الشخص لا يفتأ يغير وضعية جِلسته، والحقيقة أنه لا يتوقف عن الحركة وهو جالسٌ لا يبرح مضطجعه في آنطباع المحكوم بوثاق صارم غير مرئي، لكنه موجود كائِنٌ مُتَحَكِّم في كل شيء ولا يسمح للجالس إلا بسكنات خفيفة وحركات في ذات المكان؛ وإذا أمعنا النظر، نلفي رأسَ الرجل مطرق إلى الأسفل واليد اليسرى تساعد في ضبط توازن الرقبة حتى لا تميل أكثر من اللازم في آتجاه دون آخر ولا تسقط الهامةُ نحو الأسفل.يبدو أنه يفكر أو يتأمل أو هو في حالة آسترخاء على شاكلة هواة اليوغا أوهو ممسكٌ بنعليْه الخفيفيْن في تخمين يحاول مراودة الأمواج بُعيد قليل، أو يلعب فقط، نعم إنه يلهو ربما بما يشبه لعبة إلكترونية يستعيدُ بها زمنا خلا من طفولة آبتسرَها زمنٌ جائرٌ..هكذا يبدو...جهة اليمين، طيفٌ من خيول أو دواب.ملامحها غير واضحة للعيان.المهم أنها بأربع قوائم وبرقاب مطرقة إلى الأسفل، لا لتتأملَ أو تفكر، وإنما لتأكل شيئا ما؛ لكن ما عساها تقتات في فضاء رملي ساحلي قاحل مقفر لا تبن لا شوفان فيه؟عددها لم يكنْ محددًا، ربما ثلاثة ربما أكثر، فالأشكال عبارة عن ظلال تتشابك تتداخل حتى يكاد يمتزج بعضها ببعض لتخلق تشويشا في ضبط مكوانتها وتفاصيلها الدقيقة...جهة الشاطئ، حيث تعانق بعضُ الأمواج اليابسةَ، تلثمها بدَعة وسكينة، يمكن معاينة مجموعةٌ من الكلاب واضحة المعالم، هي فعلا كلابُ حراسة من النوع الألماني في هيئة المتربص بشيء ما. تقعي على أَلَيَاِتها المجدورة وآذانها منتصبة.أعْيُنُها ترنو جهة الرجل صحاب الرأس المطرقة إلى الأسفل بطريقة تذكرنا بسعيد مهران(٢)الهارب من مطارديه ليل نهار.. قبالته مباشرة، فراشةٌ بيضاء من فراشات المستشفيات في مهمة صباحية تُرتب فيها ملاءات وأفرشة المضاجع.إنها ممرضة شابة بلباس العمل الشفيف.يطوق خصرَها وصدرَها ستارٌ ناصعُ البياض تستعمله في أشغال الصيانة والعناية بغرف وردهات البناية التي توجد ربما في مكان ما لا يظهر للعيان، مكان يُوثق لِتَماس محتشم بين شاطئ طبيعي وملحقة آستشفاء..يبدو أن المجال كمصح هانز كاستوربْ(٣) مخصص لمرضى في طور النقاهة ليستعيدوا عافيتهم في جو ملائم بَعيد عن كل ما يمكن أن يشكل حالة آنتكاس، خاصة وأن الفضاء محاط بالطبيعة من كل مكان، مائية جهة البحر ونباتية جهة الغابة بصخورها الناتئة التي هناك، وهوائية حيث العَنانُ يعانق العنانَ دون طوق دون حصار في آنتظار أنْ يكملَ الفتى هناك إتقانَ الطيران من خلال أحلام الليل والنهار؛ بَيْدَ أن حضور كلاب الحراسة يُذَكر بمحدودية فيزيائية الأحلام والحركة؛ فعلى صاحبنا_المريض بنوع من الأمراض التي لا نفقهها، ربما يكون مرض شغف الحياة أو وجعها_ عليه أن يستفيد ويغنم من كل شيء ما شاء وكيف أراد، لكن في حدود القوانين المعمول بها..لا يُسمحُ هنا بالحركة إلا ضمن نطاق محدد مخصوص معلوم مسبقا...إنها الحياة إذن في إحدى صلافاتها آلمعهودة، نعيشها وكفى في رضًى وقَبُول بما يُعْطَى لنا ويُمنحُ، وأي محاولة لفك الطوق تُرجِعُ صاحبَها الى حالة المرض السابقة ويُقصَى عن نقاهته القَشيبة ويُكتبُ في ورقة آستشفائه: مريضُنا عاودته حالة آنتكاس حادة، لا يسمح بخروجه الآن، فآلمرجو الانتظار إلى إشعار آخر....
☆إشارات: ١_ألبوم المجموعة الإنجليزية بينك فلويد الموسوم ب(A Momentary Lapse of Reason )خرج عام ١٩٨٧
٢_سعيد مهران:الشخصية الرئيسة في رواية(اللص والكلاب)نجيب محفوظ
٣_هانز كاستورب:الشخصية الرئيسة في رواية(الجبل السحري)للالماني توماس مان
#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اِنْتِشَاء
-
تْمَزْكِيدَا
-
شِحَاذَة
-
سَأكْتُبُني
-
وَفِي آلْأَجْوَاءِ بَقَايَا ذُبَاب
-
مقْصَلةُ آلأعْمار
-
عْلَاشْ؟!
-
رِسَالَةٌ إِلَى شَهْرَزَاد
-
كَبْوَةُ آلْحُرُوفِ
-
أَرَى مَا لَا يُرَى
-
بُوسِيضُونْ مََازيغِي
-
طَيْفٌ
-
اَلشَّعْبُ
-
هِيجُو
-
لَمَّا آنقطعَ بُويَبْلانُ عن بُويَبْلانَاتِهِ
-
فُصُول
-
تَااااهُوووهُ
-
كَانَ يُحِبُّ آلْفَرَاشَاتِ
-
جَحيمٌ مُرْتَقَب
-
خَريف جَديد
المزيد.....
-
قبل إيطاليا بقرون.. الفوكاتشا تقليد خبز قديم يعود لبلاد الهل
...
-
ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية
...
-
حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
-
عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار
...
-
قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح
...
-
الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه
...
-
تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
-
مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة
...
-
دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
-
وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|