عماد صلاح الدين
الحوار المتمدن-العدد: 1696 - 2006 / 10 / 7 - 09:39
المحور:
القضية الفلسطينية
لا زلت أذكر ذلك التصريح الصحفي الذي أدلت به وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي لفني في أواسط الشهر الماضي وذلك في مؤتمر صحفي مشترك جمعها مع وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس حيث قالت في حينها : إن حكومتها ستواصل التعامل مع محمود عباس , لكنها أضافت أنه سيتعين على عباس أن يتخذ قرارات صعبة بشأن علاقته مع حماس ومما قالته ليفني أيضا وقتها " حان الوقت لأن يقرر محمود عباس هل ستعمل السلطة الفلسطينية وفق شروطه أو وفق شروط " الارهابين " , وتابعت قائلة " آمل أن يتخذوا القرار الصحيح من أجل تغيير الوضع ".
السؤال الذي يطرح نفسه هل السيد عباس استجاب لطلب السيدة ليفي التي هي في الاساس مطالب أمريكية وصهيونية وحتى من بعض الدول العربية , والتي تاتي زيارة كوندوليسا رايس اليوم إلى المنطقة لتؤكدها ؟
لنرى الذي جرى على أرض الواقع ومن ثم نحكم إذا كان عباس قد استجاب أو لم يستجب .
عندما جاء بلير رئيس الوزراء البريطاني في جولته المكوكية المعروفة الغرض كما عودنا عليها بلير إلى المنطقة وإلى إسرائيل والأراضي المحتلة على وجه الخصوص , وحيث كان غرضه الرئيس محاولة تهدئة الجبهة الداخلية الفلسطينية نظرا للمآزق التي وقعت وتورطت فيها أمريكا وإسرائيل ولا سيما فشلهما في الحرب الاخيرة على لبنان وفي القضاء على حزب الله الذي يعتبرونه اليد الاستراتيجية الطويلة في المنطقة ، أرادت أمريكا وإسرائيل إجراء بعض التقييم والتغيير والتعديل في الادوات والتكتيكات لمواجهة محور الشر الممتد من إيران وحتى حماس على حد تعبيرهم , هذا التكتيك الجديد لتحقيق الهدف الاستراتيجي الصهيو- أمريكي والغربي في المنطقة والمتمثل بالقضاء على إيران ومشروعها النووي يتطلب وكما تبين من المواجهة والحرب العداونية على لبنان مبدأ معالجة المأزق بالتجزئة وعدم أخذ المحور المراد القضاء عليه دفعة واحدة ، وثانيا لا بد من التهيئة والتمهيد الاعلامي على مستوى الرأي العام الاقليمي والدولي بما يعطي المبرر وان كان ظاهريا زائفا لأمريكا والصهاينة ومعها أطراف أوروبية وكذلك عربية رسمية في مواجهة هذا الراي للانقضاض على إيران .
هذا هو التوجه الامريكي والصهيوني في تكتيكاته المعدلة ابتداء , لكن الامر كما يبدو لم يرق لإسرائيل ومعها أمريكا أن يكون على هذا النحو وبالذات فيما يتعلق بتهدئة الجبهة الداخلية الفلسطينية, ذلك لأن التهدئة على هذا النحو وما سيتمخض عنها من الموافقة الامريكية والاسرائيلية على حكومة الوحدة الوطنية وما تقتضيه من رفع الحصار المالي والسياسي عن الشعب الفلسطيني ستكون بمثابة مكاسب لحماس ولو مؤقتا ، ذلك لأن لجوء أمريكا وإسرائيل إلى محاولة تهدئة الساحة في فلسطين كان نتيجة لاخفاقات أمريكا وإسرائيل وتورط الأولى في كثير من المآزق , بمعنى أنه ثمن سيدفع في كل الاحوال بسبب صمود المقاومة وحالة الصمود سواء في فلسطين أو ما جرى مؤخرا في لبنان ، ولذلك فإن أمريكا وإسرائيل عدلت عن هكذا تكتيك إلى آخر يبدو أنه أكثر فاعلية .
هذا التكتيك الجديد يقوم على أساس ضرب الداخل بالداخل عبر التنازع الفصائلي أو الطائفي . الذي شجع أمريكا وإسرائيل على هكذا نهج هو وجود تيار عربي رسمي ومحلي فلسطيني لديه أجندة ورؤى حلولية تختلف حتى النقيض من تيارات وأنظمة المقاومة والممانعة في المنطقة ، فهذا الواقع الموجود على الساحة الفلسطينية والعربية والاسلامية شجع أمريكا وإسرائيل لأن تضغط على تيار الحل الفلسطيني والعربي ليحسم قراره مع ما تسميه أمريكا وإسرائيل بمحور الشر ، هذا الحسم ربما يصل إلى حد المواجهة ، لأن هؤلاء أصحاب الاجندة الامريكية والصهيونية باتوا بقبولهم للحسم مع أبناء جلدتهم ووطنهم لايقبلون بالشراكة معهم حتى في سياق الحد الادنى الجامع كبرنامج وطني للعمل على مستوى الداخل والخارج ما لم يتماشوا مع اجندتهم التي تقوم على صيغة السلام الامريكي والصهيوني .
في الشأن الفلسطيني رأينا كيف أنه وبعد زيارة بلير إلى الاراضي المحتلة من أجل غرض تهدئة الجبهة في الساحة كما أسلفنا فيما سبق بدأت الاحاديث تدور بشكل جدي عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ، وتم الاتفاق ما بين عباس والسيداسماعيل هنية على محددات لبرنامج حكومة الوحدة الوطنية وتفائل الجميع فلسطينيا على هذا الاتفاق الذي تحدث كثيرون أنه جاء بضغط وتأثير المقاومة في فلسطين وبالتحديد نتيجة انتصار وصمود المقاومة في لبنان , بالفعل هذا هو السبب نحو هذا التوجه الامريكي والاسرائيلي، حيث المقاومة والصمود والمآزق الامريكية الكثيرة فرضت عليهم تهدئة بعض الجبهات ولو بثمن ، لكن الذي جرى أن تيار الانبطاح والعمالة في فلسطين ولبنان والمنطقة العربية وعلى وجه التحديد المثلث الجديد المصري والسعودي والاردني ،هذا التيار يريد أن يقدم خدمة جليلة وعظيمة لانقاذ الامريكان والصهاينة وحفظ ماء وجههما حتى ولو على حساب مصلحة شعوب المنطقة العربية والاسلامية
عودة إلى عباس وهنية وقضية الاتفاق على حكومة الوحدة وبرنامجها , فما أن أراد عباس السفر إلى الولايات المتحدة لحضور الدورة الحادية والستين للجمعية العامة للامم المتحدة حتى أعلن بقدرة قادر عن الحوار والمفاوضات بشان تشكيل حكومة الوحدة قد تم تجميدها إلى اشعار آخر ريثما عودته على الاقل من نيويورك , وفي تلك الزيارة إلى نيويورك التقى عباس السيدة لفني وبوش على هامش دورة انعقاد الجمعية العامة ، وتلقى عباس في هذين اللقائين توجيهات أمريكية وإسرائيلية مباشرة كانت لفني قد أكدت عليها سابقا في سياق المؤتمر الصحفي المشترك مع رايس حول ما يتوجب على عباس فعله تجاه حماس ، وهذه التوجيهات المباشرة تعلقت بأنه لايمكن القبول بحكومة وحدة وطنية مالم تعترف حماس بشروط الرباعية بشكل مباشر .
وعلى هذا الاساس رأينا كيف أن عباس أطلق تصريحه الشهير من على منصة الامم المتحدة من أن أية حكومة قادمة ستعترف بإسرائيل وما أن وصل إلى عمان والقاهرة قادما من نيويورك حتى التقى عباس مع عدد من القيادات العربية والصهيونية في عمان ومن بينها الأمير بندر بن سلطان وعمر سليمان مدير المخابرات المصرية ويوفآل ديسكين رئيس جهاز الشاباك الاسرائيلي بالإضافة إلى أطراف أردنية , حيث أخبره هؤلاء جميعا أن عليه أي عباس أن يحسم أمره مع حماس لأن أمريكا والصهاينة ولفيف من الأنظمة العربية لا يمكن أن يقبلوا بحكومة وحدة وطنية فيها حماس , ولذلك قالوا له بأن يعطي الإيعازات لزلم الرئاسة وفي مقدمتهم الناطق الاعلامي بإسمها نبيل عمرو لتحميل حماس مسؤولية فشل الحوار حول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية , ثم بعد ذلك ليعلن عباس أن المفاوضات بشأنها عادت إلى نقطة الصفر وأنه سيستانفها من جديد ومن الصفر حينما يعود إلى غزة.
اجتمعت اللجنة المركزية والتنفيذية لحركة فتح وأوعزت إلى عباس بعدم الذهاب إلى غزة لأنه لافائدة ولا طائل من وراء ذلك على حد تعبيرهم ، وأن حماس فقط تريد جرجرتهم وإنها لا تريد القبول بالشروط الدولية وفي مقدمتها الاعتراف بإسرائيل.
إذن طالما أنه تم البت في موضوع عدم الشراكة مع حماس في حكومة الوحدة الوطنية استجابة للرغبة الامريكية والصهيونية وتابعيهم من أنظمة العهر العربي فتم اتخاذ القرار من التيار المتصهين في فتح لرفع حالة الضغط على الحكومة داخليا وصولاإلى الانقلاب العسكري أو الميداني إن لم تفلح ما سبقتها من إجراءات وأدوات ، وعلى هذا الاساس اجتمع عباس ومعه عبدربه بأعضاء اللجنة التنفيذية فاقدة الصلاحية والشرعية ليحملوا الحكومة وحماس مسؤولية حالة الحصار وانقطاع الرواتب وفشل الحوار بشان تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، هذا هو موقفهم الرسمي والنظري.
أما على أرض الواقع وبعد أن فشلت كل الجهودالانقلابية غير العسكرية والتخريبية سواء على المستوى المحلي أو الاقليمي أو الدولي لاسقاط الحكومة الشرعية المنتخبة ، لم يبق أمام هؤلاء سوى المراهنة على سلاح الداخل الفعال وهي إحداث الفتنة الداخلية والحرب الاهلية ليتحقق بالنار مالم يتمكنوا من تحقيقه بالخنق والحصار وعلى هذا بدأ تيار التخريب والتدمير والفلتان الامني المتصهين أكثر من الصهاينة انفسهم بإعطاء الاوامر لرخيصي الذمم ممن يسمون أنفسهم بمنتسبي الاجهزة الامنية وهم قلة لا يمثلون أبناء شعبنا بالاعتداء على الاماكن والمؤسسات العامة وقطع الطرق وإشعال الاطارات والتعدي على اصحاب المحلات التجارية وفرض الاضراب بالقوة في قطاع غزة وغيرها من الامور التي تمس سير حركة المنفعة العامة للناس , ورغم أن هؤلاء اللذين يسمون أنفسهم بمنتسبي الاجهزة الامنية ممنوع عليهم القيام بالمظاهرات والاضطرابات وحتى عقد الاجتماعات لنقد السلطة الفلسطينية بموجب القانون، وبالتحديد قانون الخدمة المدنية رقم 8 لسنة 2005 , إلا أن السيد عباس والمشهراوي وعزام الاحمد وغيرهم ووسائل وأبواق إعلامهم يعتبرونهم متظاهرين ومحتجين وأن أية حكومة ستسقط إن حاولت قمع إضراب واحتجاج هولاء !! فما معنى كل هذا سوى أن هؤلاء المخربين والمدمرين والمعطلين لحركة الناس يأتمرون بأمر من سبق ذكر أسمائهم وغيرهم .
القوة التنفيذية التي شكلها وزير الداخلية بموجب القانون الاساسي والذي يخوله هذا القانون ذلك، لأن من صلاحياته حفظ الأمن والنظام وتنفيذ القوانين وعدا عن ذلك أن قادة الاجهزة الامنية المحسوبة على فتح لم تستجب لتعليمات وزير الداخلية وعباس نفسه أعلن عن ضم هذه الاجهزة مباشرة إلى مؤسسته الرئاسية علما أن تبعية هذه الاجهزة بموجب القانون تكون للوزير المختص وهو بالطبع وزير الداخلية وليس الرئيس هنا عباس , هذه القوة التنفيذية رغم شرعية وقانونية تأسيسها يعتبرها نبيل عمرو عنصر تأزيم في الشارع الفلسطيني بغزة أما فرق الموت والفساد الدحلانية والرجوبية والمشهراوية وغيرها فهذه لابد من بقائها لأنها قوة المحافظة وصمام الأمان لبقاء الفساد والتخريب وبالتالي بقاء هؤلاء على رأس مصالحهم وامتيازاتهم ودكاكينهم الخاصة.
ان ما يجري الآن في قطاع غزة والضفة هو مشروع فتنة وحرب اهلية ارادته وخططت له امريكا واسرائيل عوضا عن استحقاقات فشلهما في مشروع ما يسمى بالشرق الاوسط الجديد , فبدلا من أن تقوم أمريكا وإسرائيل بتكرار فشل القوة في المواجهة الشاملة أو التنازل لصالح بعض الجبهات تكتيكيا للاستعداد والتقاط الانفاس فوكلت الامر إلى تكتيك أكثر فاعلية وتأثير في قصم ظهر المشاريع الوطنية والمشروع الوطني الفلسطيني تنفذه أطراف داخلية لا علاقة لها لابوطن ولا بفتح سوى مصالحهم هم واسيادهم كما يجري الآن في فلسطين وكما يروج له - كذلك - على قدم وساق في لبنان والسودان , وللأسف قبلت هذه الاطراف الداخلية مستويات الخلاف والنزاع والمواجهة كافة محليا وعربيا والابتعاد عن كل ما يوحد جهودهم حتى في سياق حدها الادنى, فالدول العربية لم تتفق على المبادرة العربية في تقديمها كمشروع إلى مجلس الامن وطالب بعضها بالرجوع الى المفاوضات بالصيغة القديمة العبثية التي ثبت فشلها , وأما عباس فنسي المبادرة ونسي وثيقة الاسرى وعاد إلى سابق عهده حول خارطة الطريق أحادية الجانب!!.
نعم لماذا الكذب على انفسنا وعلى شعبنا وامتنا , لماذا لانقول الحقيقة وهو أن هؤلاء من مبارك حتى عباس يستجيبون وحرفيا لاسيادهم الامريكان والصهاينة , أليس الذي ذكرناه هو ما تريده أمريكا وإسرائيل ، إنهم لاشك مخلصون لاعداء امتهم وشعوبهم , لقد استجاب عباس لما طلبته لفني منه , فها هو قد سد كل الطرق والمنافذ لتشكيل حكومة وحدة وطنية وها هو يتجول من عاصمة إلى عاصمة ليتزود بالمزيد من الآراء والمشورات حول كيفية مواجهة حماس وحول كيفية اسقاطها وحكومتها وهو مشغول جدا الرئيس عباس بالوساطة القطرية وغيرها للضغط على حماس لاطلاق سراح جلعاد شليط .
إن قبول عباس بمشروع الفتنة الصهيو – أمريكي سيجر نارا ودمارا على الفلسطينيين جميعا وعلى مشروعهم الوطني , فهلا توقف عباس قليلا وتعقل ؟
هو يعرف أن حماس لا يمكن أن تقبل في كل الاحول بالاعتراف بإسرائيل وأنها مارست أقصى درجات المرونة عبر وثيقة الوفاق الوطني لتكون فقط وفقط هي مرجعية أية حكومة وحدة وطنية ، أما خيارات عباس الاخرى وبالتحديد ما يتعلق بحكومة تسيير الاعمال أو التمهيد بدماء الفلسطينيين إلى انتخابات مبكرة , فهي خيارات تعني الدم والدمار ولن ترحم أحد ولن تستثني أحد وربما يكون في المقدمة عباس ومن معه , فهل يرحم عباس نفسه وقبل كل شيء هذا الشعب العظيم الذي يعاني مر الاحتلال وقسوته ، افلا يكفيه الاحتلال البغيض ؟!.
أيتها الانظمة العربية ويا مؤسسة الرئاسة تساموا قليلا منأجل شباب وأطفال وغيرهم حتى لاتسفك دماؤهم , تساموا قليلا من أجل فلسطين والامة أم أنكم جئتم من أرض اخرى فحكمتمونا ، إن مشروع الفتنة والحروب الاهلية التي تجيء إليكم بها افعى الشر" رايس" والذي طلبته لفني من عباس سابقا لهوأقسى وأفظع مشاريع التخريب والتدمير لفلسطين والمنطقة العربية بعد أن فشلت كل مشاريعهم السمومية السابقة للاستيلاء على المنطقة ومقدراتها واذلال أهلها وأبنائها ، ففرق تسد الكولونيالية الاستعمارية ما برحت تفارق المنطقة منذ أن غزوها، فلا أهلا ولا سهلا بك كوندي.
5- 10- 2006
#عماد_صلاح_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟