سعيد مبشور
الحوار المتمدن-العدد: 7447 - 2022 / 11 / 29 - 20:33
المحور:
كتابات ساخرة
انقطاع الأمطار يعري سوأة مسؤولينا الذين يربطون برامجهم الحكومية بما تجود به السماء من غيث، ويربطون بذلك مصير مئات الإجراءات الاجتماعية والسياسية بالغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى.
سيقول صاحبي: إذن هم يدعوننا أن نخرج لندعو لهم ونستسقي الغيث لتتحقق برامجهم ليس إلا، هذا إن لم نقل إن هطول الأمطار يعني سقي ملايين الهكتارات التي يملكونها هم والطبقات المتحالفة معهم من أجل نهب وتهريب الثروات وتجفيف ينابيع الحياة بما فيها المياه الجوفية التي هم أكبر مبذريها, ثم بيني وبينك يجدر بهم أن يطلبوا المطر على قدر البنية التحتية وقواديسها التي عمرها ستون سنة ولا زالت بضع قطرات من المطر تغرق أزقتنا وشوارعنا.
لا يا صديقي صلاة الاستسقاء من السنن التي تعيد تحديد اتجاه البوصلة في العلاقة بين العبد وربه، ومن ثم فإعلان التوبة هو إعلان قطيعة مع الشروط السببية لانقطاع الغيث بحسب التصور الإسلامي، وتحويل المعاصي إلى رصيد في بنك التوبة يصرفها طهارة من الذنوب وحسنات مرشحة لأن تتضاعف باستمرار.
سيرد صاحبي، بأن هذا التصور لا يختلف عليه أحد، ولأن التصور الإسلامي يتجاوز الجانب الطقوسي ويعطي مفهوما أشمل للعبادات، فالرحمة التي نتوخاها من صلاة الاستسقاء يجب أن تصبح حالة دائمة ودائبة في مجتمعاتنا حتى تتحقق من خلال أدعيتنا وصلواتنا، ألم تسمع بهذا النداء الكوني المبهر: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، ألا يجدر بمسؤولينا مثلا أن يرحمونا من الفساد والرشوة والغلاء وسوء أوضاع قطاعات الصحة والتعليم وكافة الحقوق، وأن يرحمونا من كذبهم وتلاعبهم بعواطفنا ومشاعرنا وعقولنا، وأن يرحمونا من التخلف ويضعوا بلادنا على سكة التطور، ونحقق الديمقراطية التي ما لبثنا نردد منذ أكثر من خمسين عاما أننا بصدد التحول إليها ولذلك نرفع شعار "الانتقال الديمقراطي"، والذي حصل في الحقيقة هو أن الديمقراطية انتقلت ولكن إلى غيرنا، وانتقلت من القسم الذي كانت فيه وبقينا نحن في الصف الابتدائي، حتى صرنا نبدو بالنسبة للدول التي انتقلت حديثا إلى التحول الديمقراطي أننا أكبر التلاميذ في القسم الابتدائي بسبب أننا نرسب كل عام، في حين ينتقل غيرنا إلى القسم الموالي.
أفحمتني يا صديقي، وأقنعتني أن الأمطار وحدها لا تكفي كي تغيثنا.
#سعيد_مبشور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟