|
المرأة والرواية: نتوءات الوعي النسائي بين الاستهلاك والانتاج
عبد النور إدريس
كاتب
(Abdennour Driss)
الحوار المتمدن-العدد: 7446 - 2022 / 11 / 28 - 17:07
المحور:
الادب والفن
د. ادريس عبد النور أستاذ باحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس – مكناس /المغرب أستاذ مادة اللغة العربية وعلوم التربية والنقد النسائي والثقافة الرقمية [email protected] ملخص: الكلمات المفاتيح: الرواية النسائية، متخيل المرأة ، الجسد الأنثوي، زينب فواز العاملية، عفيفة كرم. كانت المرأة دوما مصدر إلهام لجل الأعمال التي أبدعها الرجل منذ القدم شعرا ونثرا، وقد عايشت صورة المرأة مخيال الشعوب قديما وحديثا فكانت أصدق شخصية ساعدت الروائي في نقل عمق تصوراته عن الحياة، وقد احتلت بذلك الصدارة في إقناع القارئ بصدق الحياة المتخيلة القصصية منها والروائية والتي تصور المرأة كذات فردية تعيش ضمن الشرط اللغوي للمؤلف تارة كشخصية محورية تبتدئ في وعي الكتابة متجلية ابتداء من العنوان وتارة كشخصية تحكمها الدونية كما في واقعها اليومي الذي تحياه، " فصورة المرأة في الرواية كانت تتعدى وجودها الفردي لتعبر عن حقائق أبعد من هذا الوجود" (1 ). Sommaire: ,Mots clés : Le roman féminin, L imaginaire de la femme, Le corps féminin,afifa karam, Zainab Fawaz Al-Amiliah. La femme a été toujour une source d inspiration pour la plupart des œuvres que les hommes ont créées depuis l Antiquité, poésie et prose. L image de la femme a vécu l imaginaire des peuples, anciens et modernes. Elle était la personnalité la plus vraie qui a aidé le romancier à transmettre la profondeur de son perceptions de la vie, et a donc pris l initiative de convaincre le lecteur de la véracité de la vie fictive, y compris des histoires et des romans, qui dépeignent des femmes. En tant qu individu vivant dans la condition linguistique de l auteur, parfois en tant que personnage central qui commence dans la conscience de l écriture, manifestée à partir du titre, et parfois comme un personnage gouverné par l infériorité, comme dans sa réalité quotidienne qu elle vit.
1- المرأة والرواية: من الاستهلاك إلى الإنتاج. 1-1-التوظيف الروائي لصورة المرأة. لقد ارتبط ظهور الرواية بتحرر الشعوب من الاضطهاد فأصبحت الرواية متصلة عن قرب بنهضة الوطن وتحرر المرأة وقد ذهب د.طه وادي إلى اعتبار أن" الرواية تدين لهذين العاملين قبل غيرهما من أسباب وجودها وازدهارها في مصر" (2 ) على أساس أن ازدهار الرواية العربية الحقيقي في ثلاثينات هذا القرن يرتبط بشكل واضح بتعلم المرأة وتحررها، الشيء الذي يبين عن امكاناتها الواسعة في احتواء ومعالجة الظواهر المختلفة، ولعل الرواية العربية تتميز عن نظيرتها الأوروبية في العناية بهذه الثيمات وبأدواتها التقنية التي تنتشلها توا من الزمن الشعري لتأسيس بدايات لها أسئلة وجودية خاصة بها تحتفل بنهاية الشعري وانتفاء معنى السعادة معه. إن الرواية هي فن الشخصية بامتياز وهي "الفن الذي يقدم تجربة إنسانية من خلال تصويره لمجموعة من الشخصيات في واقع محدد زمنيا ..ومكانيا" (3 ) - فكيف عبرت الرواية عن طريق تقديمها لصورة المرأة بالعمل الفني عن واقع ما تعيشه المرأة بالمجتمع؟. لقد اشتغلت الرواية بمصر وغيرها من البلدان العربية على صورة المرأة باعتبار شخصيتها الرهيفة ولحساسيتها العالية في التعبير عن الواقع المعيش أكثر من صورة الرجل ذلك أن المرأة تملك شخصيية قصصية من إحدى أدوارها الكبرى، كما عرفنا مع شهرزاد ألف ليلة وليلة ، إقناع القارئ بصدق الحياة السردية التي تصورها تلك الحياة المتخيلة إذ هي تتحرك داخل الفضاء السردي ( القصصي والروائي) كرمز للنوع الأنثوي " من هنا نرى أن قاسم أمين كان على وعي حين أكد أن تحرير المرأة ليس مطلبا إنسانيا فحسب بل إنه ضرورة للتقدم القومي " ( 4). فالمرأة بهذا تمثل بحساسيتها واتزانها العاطفي قيم المجتمع فهي أكثر تمثيلا للنوعية في حين أن الرجل يعتبر أكثر تمثيلا للفردية، وصارت المرأة متمركزة في دائرة الرواية بمصر في مرحلة عاش فيها العالم العربي تحت نير الاستعمار. وقد احتلت المرأة في الرواية العربية بمصر البطولة لعدة روايات الفترة الأولى بدءا من صفحة العنوان للعديد من العناوين على مدى سبعة وثلاثين سنة (1906-1943) والجدول التالي ( 5) يبين ذلك: الجدول رقم:1 عنوان الرواية المؤلف السنة عذراء دانجوان محمود طاهر حقي 1906 زينب محمد حسين هيكل 1914 إحسان هانم عيسى عبيد 1921 ثريا عيسى عبيد 1922 ابنة الملوك محمد فريد أبوحديد 1926 حواء بلا آدم محمود طاهر لاشين 1934 سارة عباس محمود العقاد 1938 زنوبية محمد فريد أبو حديد 1941 سلوى في مهب الريح محمود تيمور 1943
فما نلاحظه في هذا الجدول هو احتواء كل العناوين على أسم مؤنث يأخذ دور البطولة بالرواية في واقع عربي مليء برفض الآخر كأنثى متصدرة لعالم الحكي، فعالم البطولة العربية عالم عرف مروره في الزمن عبر الرجل، وهذا ما خلق التحول في أبوية النظام الاجتماعي لصورة المرأة التي يخترقها السلب منذ عصور خلت. كما أن كل الروائيين المذكورين قد كانوا "واعين بارتباط حركة المرأة بالمجتمع من ناحية، ومن ناحية أخرى بدلالة المرأة كرمز ثري موح للتعبير عن الوطن" ( 6). وتجد النساء في الانتحار الأدبي ملاذا للخلاص" فحين يفشلن في إفهام الزوج أو المجتمع يشعرن بأن الطريقة الوحيدة المتاحة لهن هي أن يضعن حدا لحياتهن " ( 7) وقد وجدت الناقدة بثينة شعبان في ظاهرة الانتحار ظاهرة اجتماعية أدبية تستحق الدراسة تقول " لإلقاء الضوء على حقيقة أن النساء يخترن أسوأ بديل ممكن لأنفسهن(..) الخلاص الفردي، إذا كان يمكن للموت أن يسمّى خياراّ ( 8). لقد كان على المرأة أن تدخل صراعا مزدوجا لتأكيد ذاتها وحربين مركبتين لتحقيق وجودها المادي والمعنوي تختزلهما د. بثينة شعبان في مكونين اثنين: " حربا ضد الاستعمار إلى جانب الرجل وحربا ضد عوامل الكبت والقمع التي يفرضها المجتمع على امرأة وفي طليعتها السفور والحجاب، ثم اختيار المرأة لشريكها وأنماط حياتها بأن تتعلم وتشتغل" ( 9). لم تكن قضية المرأة فيما أنتجه الروائيون سوى قضية المؤلف، لا تعبر سوى عن زاوية خاصة للنظر لا ترقى إلى كونها قضية مجتمع بكامله، وقد وُظِِّفت المرأة لتعكس أزمة ذلك المجتمع التواق للحرية بما تمتاز به من حساسية مرهفة على تكثيف الإيحاء بحجم الظلم المجتمعي. ولم تكن لقضية الحب من معنى في هذه المرحلة التي عاشتها الرواية العربية بمصر سوى التعبير الرمزي عن أزمة الحرية وفساد الأوضاع الاجتماعية عبر أزمة طبقية متعفنة وقد خلص د.طه وادي إلى أنه" كانت صورة المرأة في الرواية (فردية) تعبر عن أزمة الفرد في علاقاته بمجتمعه" (10 ). 1-2- ملامح التوظيف الفني للمرأة بالرواية العربية. - من أين استمد الروائيون ملامح الصورة التي قدموها في الرواية؟ - أين تكمن حدود العلاقة الفنية لصورة المرأة بالمجتمع؟. لقد استغل الروائي المرأة وقضيتها ووظفها توظيفا فنيا شخصت فيه أزمة الأديب ذاته وجسدت له مشكلة العصر، فيبدأ الروائي عمله الفني بالتطرق للحب ومشكلاته ثم ينتقل إلى مستوى ثان يتطور:" إلى نوع من الاحتجاج الفردي السلبي على بعض أزمات التفاوت الطبقي ومشكلات العصر السياسية والأيديولوجية "( 11). شكلت سنة1945 ومع نهاية الحرب العالمية الثانية نهاية فترة المد الرومانسي والبداية القوية للمدرسة الواقعية في الأدب والتي دشنها الروائي نجيب محفوظ برواية " القاهرة الجديدة". ويعتبر إحسان عبد القدوس عند الناقد طه وادي بمثابة "الحلقة الأخيرة في إفلاس الرومانسية في مجال الرواية" ( 12) نظرا للشكل والمضمون الباهتين برواياته ونظرا لسطحية بعده الفني فيما يتعلق بواقعية الشخصيات والأحداث باستثناء البطولة النسائية التي تستقطب كل تفتقاته الإبداعية في إبراز مظاهرها وإلتباساتها. لقد وظف إحسان عبد القدوس الجنس في روايته " أنا حرة" وجعله محورا لأزمة الفتاة " أمينة" التي كان كفرها بما يحيط بكينونتها شاملا ما عدا الرجل الذي تأله في نظرتها له كمعبود للجسد،" وضاع منها رأسها كما تعود أن يضيع كلما التقت بشفتيه" ( 13). لقد اختزل إحسان عبد القدوس عالم المرأة في تابع ومريد لإرادة الرجل المانح للسعادة القصوى في معبد الجنس المقدس " أحست بهذه النار تسري في جسدها كأنها نغمات الحياة، ثم أحست بوجهه فوق وجهها، وعبير عبق من أنفاسه يلفها كأنها رقدت عارية فوق المذبح المقدس، وأعمدة من أبخرة المسك والعنبر تحيط بها، بينما أصابع الساحر المقدس تباركها" (14). لقد انبثق التعامل مع الجسد الأنثوي للتعبير عن انهيار قيم عجزت عن خلق صيغة لها بالأخلاق والمثل الاجتماعية العربية فقدمت المرأة العربية وحدها في البحث عن حريتها، الحرية التي لم تصبح هدفا في ذاتها وإنما وسيلة لتحقيق المطالب الملحة للجسد كتعبير عن أزمة الحرية التي تحياها الفتاة العربية على المستوى الطبقي. إن قضية التحرر الاجتماعي قد فاضت بالرواية العربية، فالبطلة مؤمنة بضرورة استقلال المرأة الاقتصادي لممارسة متكافئة مع الرجل في ممارسة استقلالها العاطفي فأمينة بطلة المتن الروائي " أنا حرة" تقول " لازم يبقى معايا شهادة علشان ما اضطرش اقعد في بيت مش عايزة اقعد فيه. وأبقى حرة وجوزي يفهم أني زيي زيه أقدر أستغني عنه زي ما يقدر يستغني عني" ( 15). لقد شغلت حرية المرأة عددا كبيرا من المفكرين في العصر الحديث ، فقد وجد هؤلاء وعلى رأسهم قاسم أمين أن العلل التي يشكو منها المجتمع العربي تعود في قسم كبير منها إلى جهل المرأة ومن ذلك جاءت البطولة الشكلية للمرأة بالرواية لتعميق أزمة مجتمعية مطمئنة على كيانها المتعفن الآسن ضمن واقع أصبح يتحرك بسرعة ومن ذلك اعتبر جورج لوكاتش أن" سلبية بطل الرواية ليست ضرورة شكلية، بل إنها تميز علاقة هذا البطل بروحه وبالعالم المحيط به" (16). وقد ضمنت الرواية التي أعطت البطولة للمرأة البدايات الأولى للمغامرة المفترضة للأنثى على المستوى الإبداعي فأصبح محتوى الشكل الفني للرواية يؤرخ لروح ناهضة تسير نحو المعرفة لتدرك نفسها كما قال لوكاتش " إن الرواية هي شكل المغامرة (..) ومحتوى هذا الشكل هو تاريخ هذه الروح التي تذهب إلى العالم لتتعلم كيف تعرف" (17 ). وقد كان الشرط الوجودي للمرأة ينزع إلى تحقيق هذا الشرط في ممارستها الكتابة عن ذاتها والذي شكل تحول الارتسامات إلى سلوك أدخل المرأة المبدعة في صراع مع العالم الخارجي ، وقد أصبحت المرأة من هذا الموقع، موقع الكتابة، منخرطة في ذلك الصراع " ذلك أن روحا قادرة على إخراج جميع مضامين عمقها الخاص، بوسعها أن تكون ممتلئة ومكتملة، حتى وإن عرض لها أن لا تدخل أبدا في علاقة اتصال مع الواقع الخارجي الغريب" ( 18). 1-3 – لَعْـنَـة الجسد الأنثوي. لقد ناضل الجيل الثاني من الروائيات (أنظر(ي) الجدول/ ضد المفاهيم المغلوطة التي تحملها مجتمعاتهم حيال جنس النساء "وبذلك حاولت الروائيات العربيات تحرير صورة المرأة من كونها " جسدا " أو " جنسا"، كما حاولن تثقيف الرجال حول الأبعاد الفنية لحياة النساء" (19). فالمرأة وهي تستشعر ثقل العادات والتقاليد لم تناد بالانفصال عن الرجال ولم تطالب النساء بتاتا بانحلال العائلة بل " كن مصممات على تغيير المواقف، بحيث تتمكن النساء من نيل حريتهن ولعب دورهن على قدم المساواة مع الرجال ضمن البُنى القائمة " (20). كانت المبدعات العربيات يكتبن انطلاقا من نفس الهاجس الذي دفع سيمون دي بوفوار لأن تجعل مشكلة المرأة هي مشكلة الرجل بالأساس، ورغم ذلك فما زال مفهوم الرجل عن المرأة يتشجر بشكل يبدو من الصعب تصحيح أفكاره المحملة بكل ما هو سلبي اتجاه النساء وقد تبين للدكتورة نادية العشيري أن " .. المرأة تجرّ وراءها تاريخا مُثقلا من الصعب الانفلات منه، تاريخ يكاد ينكر عليها أي شيء إيجابي " ( 21). وقد انخرط الإبداع في ترسيخ هذه الصورة عبر روايات ما يزال النقد الأدبي يضعها في قمة هرم المتخيل العربي من بينها رواية " بداية ونهاية " لنجيب محفوظ الذي يرتضي بطله ّحسنينّ لنفسه تحويل صراعه من أسباب اضطهاده الطبقي إلى أنثى المضطهد الذي يتخيل أنه حين يمارس الجنس معها " سيقول لي كل جزء من جسدها الحار (سيدي)، وهذا كل ما أتمناه في هذه الحياة، إذا اخترقتها جنسيا فكأنني اخترقت الطبقة كلها " (22 ). وفي رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح أحاط "مصطفى سعيد" وهو في بلاد المستعمِر " نفسه في غرفة نومه بالمرايا كي يتخيل أنه حين يغزو جسد امرأة إنجليزية فهو يغزو أجساد جميع النساء الانجليزيات" ( 23. لقد اختُزلت المرأة في وظيفتها البيولوجية وتجنست قضيتها وهاجسها نحو التحرر، وتشيأ جسدها فتفاعل الرجل مع هذا التجنيس حيث أصبح " ينظر إلى الجنس كعملية عدوان وقنص وصيد وغزو وانتصار وإذلال يصدر عن نفسية المقهور" ( 24) وحتى أن هذا الطرح ونظرا لاستثماره بالمتخيل العربي شكَّل منهجا عند جورج طرابيشي الذي صاغ ثنائية ضدية غريبة جعلت الرجل يتحربأ مع المواقف التي تعترضه فهو رجل ضعيف أمام سيده، وهو باعتباره آلة قضيبية رجل قوي أمام أنثى سيده وهذا الموقف " جعل الكثيرين من أبناء المستعمرات المقهورين والمخصِيّْين نفسيا يهتفون بينهم وبين أنفسهم عند مرآهم لامرأة بيضاء نقية البشرة: هذه امرأة إذا ركبتها فقد ركبت أمة بكاملها "( 25). أما إحسان عبد القدوس في مجموعته القصصية "منتهى الحب" فقد قابل ما بين تشبث الرجل بالتقاليد وبين تشبث المرأة بتفتحها، فهو يقول في قصة " الملاءة اللف" " كان يمكن أن تكون سعيدة بزوجها، لولا أنه أصر على أن تضع البرقع وملاءة اللف، كلما خرجت من بيتها في طريقها إلى بيت مخدومها.ورفضت.." (26 ) فبقدر ما يستهزئ القاص هنا من بلادة العادات التي تطلب من المرأة تشديد الحجاب خارج البيت، يضع المرأة في نفس الصورة التي تأسطرت في مجتمع الرجال وهي صورة المرأة التي تستعمل عقلها في الشر فقط ، فهذه القصة تزكي الافتراض الشعبي العام الذي يؤمن بأن كل النساء زانيات محتملات، ف"حميدة" بعد أن خانت زوجها مع الأسطى إبراهيم تستجيب لتصورات زوجها حول المرأة التي تشتغل خارج البيت وتقول" سماح بأه يا خويا .. برضه الواحدة مصيرها تعقل " ( 27) وقد جعل إحسان عبد القدوس مفهوم العقل عند المرأة مرتبط بالخيانة وهي دعوة للمجتمع التقليدي للحيطة من اشتغال المرأة باعتبار الحضور القوي لأسطورة الفحولة : صورة التواجد الضروري للمرأة بالبيت، وصورة التدخل الشيطاني بين رجل وامرأة منعزلين تحت سقف واحد، بالرغم من أن صورة المجتمع المصري أنذاك قد تغيرت مما يسمح للمرأة بالعمل، يقول في نفس القصة " وذهبت حميدة إلى بيت مخدومها في الصباح الباكر.. ودخلت إلى غرفة الأسطى إبراهيم السائق ..وخلعت البرقع والملاءة اللف" ( 28). لقد عبر الرجال بالمتخيل الروائي عبر الأزمنة السردية على رجولة نسقية تحضر متوهجة أدبيا من خلال امتلاك الجسد الأنثوي، الجسد الذي يثير رغبة الرجل ويقع صريعه وهو الجسد الممتلئ دوما بالجمال والفتنة والإغراء حتى أن أروى بنت الخطوب بطلة رواية وداد سكاكيني عندما فكرت في المآسي التي حلت بها وجدت أن جسدها هو الذي أصابها بلعنته من فرط جماله تساءلت "كيف يمكن لها أن تجعل ملامحها خشنة وتقلل من جاذبيتها الأنثوية " ( 29)، وهي إذ تفعل تسحق اديولوجية الغزو "الأنثوية" حيث تتمكن المرأة من عبور نهر الرجال دون أن يصيبها البلل كما هو الحال في روايات حميدة نعنع، " الوطن في العينين" (1979) و " يجرؤ على الشوق" (1989)، التي ضمنتها رؤيتها لعالم الرجال كامرأة غير عادية عندما تقول وحيث الرجال يعرفون جميعهم أن " نادية بطلة حميدة نعنع "،" لا تقصد بصفتها أنثى...بل لم يعد هذا الوجود الأنثوي يثير في أذهانهم تلك الشهوات الساذجة إلى جسد المرأة.. العلاقة معها شيء آخر.. دخول في عالم الرؤى.. والقدر.. والجنون.. والحلم".( 30) وعبر الرواية كلها قدمت الروائية وداد سكاكيني معالم قديسة (كرابعة العدوية) تحاول الوقوف ضد كل القيم التي تعتبر المرأة متاعا جنسيا، وتؤكد المركزية الصوفية للمرأة عندما تقاوم أهواء النفس وتتعالى على صغائر الحياة وكبائرها محافظة بذلك على طهارتها وعفتها، وتصبح بذلك مستحقة لشاهد قبر جميل كتب عليه " هنا تستلقي الطهارة النسائية التي طالما دنّسها الرجال دائما" (31 ). إن النقد الأدبي لم يعط لأدب المرأة الروائية حقها من جانب الموضوعية فقد تم تقييم إنتاج المرأة الإبداعي بنفس المنظور الذي يرى منه الرجل أنثاه، وقد سعت العديد من الروائيات إلى صياغة صورة جديدة للمرأة في وعي الرجل وانتشالها من لعنة الجسد الذي كبّل انطلاقتها نحو المساواة والتحرر على مستوى الواقع فكان" الجمهور المستهدف هو الرجال وليس النساء، والهدف هو تغيير المواقف حيال النساء.وفي نهاية هذه الروايات يدرك الرجال أنهم ضحية سوء فهمهم للنساء" ( 32) ، وكان من ضمن أدواتهن لهذا السبيل ممارسة التخييل الأدبي ف" حين كان التخييل مكانا للحرية ، فقد وجدت فيه المرأة الفضاء الأرحب لتجريب حريتها وانعتاقها، ذلك لأن في المتخيل تأخذ المرأة المكانة التي يرفضها الواقع"( 33). فإذا كانت بطلات روايات هذه الفترة عاجزات عن الوعي بحدود غنى الجسد الأنثوي في جعله من آليات الصراع والنضال لترسيخ قدم في بالوعة الطين الجارفة بقيمها المجتمعية الصدئة انتقلت بطلات روايات الفترة الثالثة إلى إضفاء طابع الخصوصية في إنتاجاتهن الروائية على صعيد التقنيات من حيث أن التقنيات بدورها تعتبر ذات محتوى كما قال د.عبد الله العروي ، ولا من حيث الموضوع الذي يكتشف معه المتلقي العديد من الجزر الأدبية المهجورة في أدبنا العربي ، فأن ندع البطلة تصرخ فما ذاك حسب الناقدة بثينة شعبان سوى نصف الطريق ف " استجماع الشجاعة للصراخ أو الكلام أو الرفض أو الاعتراض هو نصف الطريق لكسب المعركة" ( 34). وبذلك صرح د. بدوي طبانة أن الأديبات كنّ مضطرات إلى تجنب التعبير عن الانفعالات الوجدانية والعواطف الجياشة التي تفيض بها شاعرية نفوسهن ولغتهن" ما يزال بين المرأة العربية وبين صدق التعبير عن عواطفها ومشاعرها مراحل طويلة لها صلتها بالحياة الناهضة والنفوس المتجددة" (35 ). وحيث اعتبرت المرأة باستمرار موضوعا لإغراء الرجل، فقد تعددت القيم التي تُلجم هذه المفاتن من انطلاقها داخل القيم الأخلاقية والتي تقف وراء اللعنة التي تصيب الجسد الأنثوي، باعتباره متواجدا ضمن منظومة المقدس، ساكنا بالمخيال الشعبي كمسئول عن خروج الرجل من الجنة ، فجسد المرأة بهذا الاعتبار له نفس المكانة بين المقدس والمدنس " فهذا الجسد الذي يعتبر نجسا يتم التعامل معه بقداسة، إنه الرجس والطهر في الوقت ذاته" (36 ) 2- الرواية النسائية: التأسيس وترتيب فوضى البدايات 2-1- زينب فواز العاملية وفجر الرواية العربية استطاعت المرأة في سوريا أن تنتزع من المجتمع حقوقا (ولو نسبية باعتبار المرحلة) مكنتها من الدخول في حقول إنتاجية كبرى اقتصادية وفكرية وخاصة ما يتعلق بالحقل الأدبي حيث برزت العديد من الكاتبات والشاعرات والمبدعات فتاريخنا " يتضمن حلقات مشرقة برزت فيها نساء عديدات لا تزال في حاجة إلى من يلقي عليها مزيدا من الضوء حتّى تنكشف الظروف والمناخ العام الذي ساعدهن على الإبداع وعلى البروز ." ( 37) ولهذا ظهر جيل " من الكاتبات اللاتي عمدن في كتاباتهن إلى الدفاع عن المرأة والمناداة بالمزيد من حريتها ، كما أنهن استطعن أن ينجحن في كثير من المجالات التي عملن بها في حقول الأدب " (38 ). فنبغت من الجيل الأول: زينب فواز العاملية ، عائشة تيمور، لبيبة ماضي هاشم، عفيفة كرم، لبيبة ميخائيل صويا ، باحثة البادية ووردة اليازجي ومن الجيل الثاني: صبرية محمد، هيام نويلاتي ،هند سلامة، فتحية محمود الباتع، كوليت خوري، انعام مسالمة، سعاد زهير، أمينة السعيد، ماجدة العطار، صوفي عبد الله، كاترين معلوف داغر، عزيزة الأبراشي، سحر خليفة، وداد سكاكيني،إميلي نصر الله وليلى بعلبكي ... لقد تم تجاهل الكتابات النسائية التحررية الأولى المشحونة بالاحتجاج والرفض، بالرغم من انخراطها في مضمار تحرر وتقدم المرأة العربية بشكل واضح جنبا إلى جنب رواد النهضة العربية الحديثة أمثال ، جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وقاسم أمين وخاصة الأديبة السورية زينب فواز العاملية التي طالها النسيان وهي التي كانت وراء تأليف عدة كتب منها " الدر المنثور في طبقات ربات الخدور" و" الرسائل الزينبية " و مسرحية " الهوى والوفا " ورواية" حسن العواقب" وقد يتفاجأ المتتبع لما يعرف أن روايتها هاته مع رواية" غادة الزهراء" قد صدرتا عام 1899. إن زينب فواز بهذه الرواية (حسن العواقب) تعتبر من رائدات الرواية العربية على المستوى الزمني وعلى مستوى طرح المسألة النسائية ضمن كتاباتها، تتلوها المبدعة لبيبة ماضي هاشم بروايتها " قلب الرجل " التي صدرت سنة 1904، وفي نفس السنة نشرت اللبنانية لبيبة ميخائيل صويا روايتها " حسناء سالونيك.." وبذلك نرى أن رواية "زينب" التي صدرت سنة 1914، لمحمد حسين هيكل تبتعد زمنيا وبشكل موضوعي عن أن تكون الرواية المؤسِسَة للرواية العربية كما يؤرخ لذلك العديد من النقاد. إن التهميش الذي طال الرائدة زينب فواز وحجبها حقها في تصدر الروائيين والروائيات العرب تأسيسا وإبداعا لم يكن عن حسن نية خاصة وأنه قد أُرخ لمن هم دونها في المكانة إبداعا وفكرا وقد جاء على لسان الشيخ أحمد عارف الزين صاحب " مجلة العرفان" (م8.ج6 آذار 1923):" من لم يسمع بذكر هذه النابغة العاملية في هذا القرن سواء في سوريا أو مصر، أو سائر الأقطار العربية؟.. فزينب لم تكن أبدا مجهولة منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن العشرين.. فمن يطلع على مقدمات كتبها وما كان يأتيها من تقريظ لهذه الكتب يجد فيها دليلا على شهرتها في الأوساط الأدبية والفكرية في ذلك الحين" ( 39). ويمكن التدليل بهذه القولة على أن زينب فواز قد استيقظت في فجر الرواية العربية لتحتل موقع الصدارة والريادة بروايتها "حسن العواقب" منشورات الدار الهندية، القاهرة والتي شغلت هاجس النقد أنذاك ، وقد رأت د.بثينة شعبان في هذه الرواية أنها تتوفر على، " معظم عناصر الرواية الحديثة من شخصيات وموضوع وجو روائي "( 40) وقد ضمنت زينب فواز مقدمة إحدى رواياتها رؤيتها النقدية بمنظور روائي حديث في تاريخيته، يجعل من الرواية صورة للواقع في أشكاله غير الفجة ربطت فيها بين الاجتماعي والسياسي جسدت فيها العقلية المتحكمة في النخبة السياسية التي حكمت وما تزال في العالم العربي تقول " بما أن الروايات الأدبية هي أهم نوع من الكتابة تعكس فكر المرء وتفيد وتمتع، وبما أن الروايات تعيد إنتاج صورة للواقع وليس الواقع بحالته الفجة، فقد قررت أن أكتب هذه الرواية آملة أن تفيد وتمتع" ( 41) . وقد حازت رواية "حسن العواقب" حظها الوافر من النقد حيث كتب رئيس تحرير جريدة النيل، حسن حسني باشا عنها كلمة بالمصدر السابق نفسه سنة 1899 يقول " قرأت رواية حسن العواقب للكاتبة الشهيرة التي لا توازي شهرتها شهرة، وذلك لفكرها النيّر وقلمها المبدع ، فوجدت الرواية تتمتع ببنية جيّدة ومواضيع بعيدة المنال ومزايا أدبية جميلة.نأمل أن تستمر كاتبتنا بمنح عصرنا الحاضر مثل هذه الكتابات الأدبية القيّمة". 2-2 - الروائية عفيفة كرم وإشكالية التلقي. إضافة للبعد النظري الذي أبدته زينب فواز في مقدمة روايتها نهجت عفيفة كرم ( 42) نفس المنحى، حيث طلبت في مقدمة روايتها " بديعة وفؤاد" من قرائها أن يقرؤوها بحياد تام وبعدم اعتبار ما جاء في الرواية كجزء من حياتها الشخصية " واللافت للنظر هو أن عفيفة كرم تتوسل إلى قرائها كي ينسوا أن المؤلفة هي امرأة سورية وألا يحكموا على روايتها بناء على ذلك. وتطلب منهم أن ينسوا ذلك تماما ولو كان فقط لفترة قراءة الرواية وألا ينتقدوها لأنها كتبت عن الحب والزواج" ( 43). إن عفيفة كرم وهي تدرك بعمق المرحلة التاريخية التي تكتب فيها ومدى المحافظة التي تسيطر على المجتمع التقليدي آنذاك تكتب لتمارس انتقاد العادات والتقاليد البالية التي عفّى عليها الزمن والتي ترهن مجمل الحياة المادية والعقلية لنساء عصرها، وإذا كانت د. نادية العشيري ما تزال تستشعر هذا الحيف في تلقي إبداعات النساء أو الكتابة في موضوع المرأة مع نهاية القرن العشرين حيث تقول: " فكلما تطرقنا إلى هذا الموضوع، لا نستطيع أن نمنع أنفسنا من التخوف من ردود الفعل عند الآخرين"( 44)، فكيف نتصور تلقي المجتمع الذكوري وهو في نشوته التاريخية لأدب المرأة التي " تخرج " عن الطوق مع بداية القرن العشرين" وهكذا تُظهر المقدمة بوضوح أن المؤلفة مدركة بعمق للمعوّقات التي خلقها لها جنسها ولحقيقة أن الرواية التي تكتبها امرأة تُقرأ وتُفسّر بشكل مختلف عن الرواية التي يكتبها الرجل.وتطلب قراءة موضوعية لعملها وحكما محايدا" ( 45) ولو تستمر هذه القراءة في حيادها و لزمن القراءة فقط، إن هذه النظرة للتلقي الأدبي الذي عبرت عنه عفيفة كرم يشكل حاليا إحدى التقنيات الأساسية المعاصرة في نظرية الرواية وهو" وجوب إعطاء القارئ القدر الكافي ليفهم أهم ظواهر القصة وليس القصة كلها ؟ لماذا لأنه مطلوب من القارئ أن يشارك في إبراز المضمون " ( 46). إن الروائية عفيفة كرم تعالج في روايتها " بديعة وفؤاد" موضوعا اعتبرته د.بثينة شعبان من بين المواضيع التي ما يزال الوعي الفكري حائرا في إيجاد حل لها وهي العلاقة بين الشرق والغرب، تقول " فقد أكدت عفيفة كرم في روايتها على سبيل المثال ، على أخطار هجرة الشباب ودعت إلى التركيز على تحسين الأحوال في الأوطان كي لا تستنزف البلاد الأجنبية قدراتها المحلية ونبقى منهكين ومستكينين" (47 ). ودون أن نضيف استشهادا آخر على أسبقية كل من زينب فواز وعفيفة كرم في باب الأسبقية الأدبية في عالم الرواية العربية نحيل جورج طرابيشي على رواية هذه الأخيرة ليجد فيها صيغة لمنظومته ولمنهجه المتجاوز في تجنيس العلاقات الحضارية حول الشرق والغرب، قبل أن يعيد إلحاق هذا التأسيس القضيبي للرواية العربية مع رواية " عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم، وبعدما نفى وجود هذه العلاقة الحضارية بالرواية النسائية العربية سابقا عندما قال : " وأنه لمِمَّا يستوقف الانتباه أن موضوع العلاقة الحضارية لم يأخذ طريقه قط إلى الرواية النسائية العربية" (48 ). فرواية عفيفة كرم تتحدث عن مفهوم الشرق والغرب بالمعنى الذي يتجنسن فيه هذا المفهوم وبالعلاقة مع التصرفات الجنسية للمرأة " وتصبح السفينة التي تنقل نساء لبنانيات إلى الولايات المتحدة نوعا من الصالون الأدبي، تروي فيها النساء تجاربهن ويتحدثن عن المشاكل التي يواجهنها في البيت والمجتمع" ( 49). ف" بديعة" بطلة رواية عفيفة كرم بعد عودتها من الولايات المتحدة تنخرط في التصدي لأسطرة نساء الغرب على مستوى التفسخ الجنسي كما تتصدى لإشاعة الانفلات الجنسي للنساء في الغرب مع تركيزها على وجود متخلقين في الشرق كما في الغرب. 2-3- تهافت النقد أو الوأد الأدبي المزدوج. إن ما أجمع عليه النقاد من أن رواية " زينب" لمحمد حسين هيكل ، تعتبر أول رواية في الأدب العربي يجانب الصواب من جهة واحدة فقط، فهي بحق ثاني رواية يكتبها رجل تكون بطلتها أنثى ،لا غير، بعد رواية "عذراء دونجوان" لمحمود طاهر حقي سنة 1906، يتأسس فيها من منظور ذكوري وعي تعسفي بقضايا المرأة النفسية والعاطفية والاجتماعية والسياسية ، بحيث أن هذه الرواية قد جاءت بعد ثلاثة عشر رواية كتبتها نساء عربيات. (أنظر الجدول رقم 2). ومن أهم الاستشكالات المفهومية في تلقي الرواية النسائية هو الحضور المرجعي الأخلاقي والمجتمعي للقارئ كما للقارئة من حيث القيم المتوارثة التي تجعل النساء " خائنات محتملات دائما لعشاقهن وأزواجهن، حيث تطفو قصة ديزدمونا إلى السطح في أعمال غربية وعربية" ( 50). لقد كان لعنوان هذا الفصل أن ينطلق من طرح مسألة "الإنتاج قبل استهلاك صورة المرأة بالرواية" باعتبار حتمية الأسبقية الزمنية والفنية التي دلّلنا عليها لمبدعات أسسن لفجر الرواية العربية والنسائية مع نهاية القرن التاسع عشر(1899)، ومن هذا المنظور الذي وضعنا فيه النتاج الأدبي في سياقه التاريخي تبين لنا أن هذا الإبداع بغناه ومتخيله يتجاوز زمنه ساهمت فيه أديبات مبدعات في ولادة الرواية العربية إلى جانب مبدعين رجال أمثال سليم البستاني و جرجي زيدان وفرنسيز مراش و محمد حسين هيكل وغيرهم. ولقد وضعت حسب الجدول رقم (2) التالي: عنوان الرواية المؤلفة السنة عدد رواياتها حسن العواقب زينب فواز 1899 واحدة+ غادة الزهراء زينب فواز 1899 واحدة+ قلب الرجل لبيبة ماضي هاشم 1904 واحدة حسناء سالونيك لبيبة ميخائيل صويا 1904 واحدة بديعة وفؤاد عفيفة كرم 1906 ثمانية(أنظر(ي) الهامش43 بين عرشين فريدة عطايا 1912 واحدة
التسلسل الزمني للرواية العربية كما يشير إلى ذلك التاريخ الذي يبتدئ بسنة1899 كرواية عربية أولى، من جهة كما يشير كذلك إلى جعل زينب فواز رائدة الرواية العربية والرواية النسائية على السواء، فما على النقد العربي الموضوعي مسترشدا بأحدث مناهج البحث المعاصرة – نظرية جمالية التلقي- سوى أن يعيد النظر في المسلمات التقليدية الكثيرة التي تغزو الأدب والقراءة ومجمل دراساتنا الأدبية والنقدية، و أن يصحح سجل الرواية العربية دون الانقياد إلى تحليلات مُتأرضنة تسعى جاهدة لتبيان عبقرية المدن والأقاليم، القاهرة أو بيروت أو لبنان أو....، خدمة للقضية الأدبية ببلادنا العربية. وإذ لا يمكن أن نفصل بين جمالية الخطاب الأدبي النسائي وجوهر قضية المرأة وإذ نعتبر أن قضيتها لوحدها بمثابة وسيلة إبداعية ذات جرأة لغوية تفيض بالسرد (قصة ورواية ) إلى منابع النضج الفني، بما أنها هي البناء الأول لخصوصية أدب المرأة .وفي هذا المسار الأول الذي اتخذته المرأة في عملية الإنتاج الأدبي والذي تطورت فيه واستوعبت التجربة الاجتماعية عبر عالم الهموم الذاتية الصادرة عن وعيها بقضاياه كامرأة. لقد أصبح الاشتغال على الجسد الأنثوي والكتابة به من طرف المرأة خصوصية ثابتة وظفته للتعبير عن الذات كجزء من المجتمع. فما حقيقة رأي دة. ماجدة حمود التي تقول فيه " لم نجد قبل الخمسينات رواية سورية تتسم بالنضج الفني، سواء كانت لروائيين أم لروائيات (..)وهذا طبيعي لأن الرواية ابنة الحياة الحديثة ، أي ابنة المدينة بكل ما تعنيه من تشابك في العلاقات الاجتماعية، ونشوء طبقة وسطى تعنى بالتعليم وتستطيع شراء الكتب لكونها تملك وقتا لمطالعتها، ومن المعروف أن الرجل بدأ الانغماس في هذه الحياة قبل المرأة، فاستطاع الخروج من مستنقع الانحطاط، وبدأ الاحتكاك بالعالم، فاتصل بالغرب مبدع الرواية، عن طريق الدراسة والسفر" ( 51). إن ماجدة حمود تقول بنضوب معين الإبداع قبل الخمسينات وتعزو تقدم الروائي السوري في هذا الباب لانتمائه فقط للمدينة ، فما هذا الانطباع في نظرنا سوى حكما عاما ينفي خصوصيات واضحة تجلت في وجود الروائيتين زينب فواز الرائدة وعفيفة كرم التي عاشت في قلب حضارة الغرب بنيويورك كصحافية متمرسة. خلاصات : إن الروائية زينب فواز العاملية من" جبل عامل" في جنوب لبنان كما تعرفه الخريطة اليوم، والتي نعتبرها أول مؤسِّسة للرواية العربية والنسائية على السواء، إنها روائية من مواليد سوريا قبل التقسيم ، ففي عصر زينب فواز لم تكن هناك سوريا ولبنان بلدين منفصلين بل كانت الخريطة تقول إنها سوريا فقط. ولا داعي لتذكير صاحبة " الخطاب القصصي النسوي.." بأن عفيفة كرم لها جنسية سـورية وقد كـان اتصالها بالغـرب " مَبدَع الرواية" عن طريق الدراسة والسفر إلى أمريكا وقد شغلت منصب نائب رئيس تحرير جريدة الهدى في نيويورك وهي بالطبع تحوز الوقت كله للمطالعة والكتابة ... ويكفينا تدليلا على ما جاء بالصفحة 15 من هذا المؤلف من إقرارها بالشكل الروائي لكل عمل يعتمد التخييل ويتجاوز حرفية الواقع ، القول بأن أحداث رواية " بديعة وفؤاد" تجري بين لبنان والولايات المتحدة، " واللافت للنظر هو أن عفيفة كرم تتوسل إلى قرائها كي ينسوا أن المؤلفة هي امرأة سورية وألا يحكموا على روايتها بناء على ذلك"( 52) والظاهر أن دة.ماجدة حمود قد اتبعت النصيحة بكل أمانة فنسيت أن المؤلفة تنتمي إلى سوريا. لقد كانت منطلقات بحث د.ماجدة حمود في كتابها المذكور خاطئة في التأريخ الأدبي للرواية النسائية السورية وبالتالي العربية. ولهذا فقد وأدت الناقدة و بملامس" أدبية" ناعمة فترة كاملة من تاريخ الرواية بسوريا(من 1899إلى1950) مستعملة نفس مقاييس الوأد للنقاد العرب كجمال الغيطاني ومحمد دكروب وغيرهم( 53). أما الباحثة رشيدة بنمسعود في كتابها " المرأة والكتابة، سؤال الخصوصية/ بلاغة الاختلاف " فقد سبقت د.ماجدة حمود في التأريخ للكتابة النسائية مع مطلع الخمسينات معتبرة أن أساس اهتمام النقاد بهذه الإبداعات يرجع " أيضا لانتسابها إلى الجنس الثاني الذي أخذ الكلمة بدخوله إلى ميدان اقتصر تاريخيا على الرجل" ( 54). إن التركيز على اعتبار رواية ليلى بعلبكي وأخريات عند رشيدة بنمسعود التي تقول " ومع مطلع الخمسينات، تعالت صيحات نسوية مشحونة بالاحتجاج والثورة والرفض.."( 55) قد ألغى نصف قرن من زمن النساء العربيات المبدعات وقد جعل رواية ليلى بعلبكي كائنا إبداعيا بدون جذور مما يخلق تساؤلات منهجية حول البدايات الأولى. المصادر والمراجع
[1] - د. طه وادي" صورة المرأة في الرواية المعاصرة" دار المعارف،القاهرة،الطبعة الثانية سنة 1980، الصفحة: 5.
[2] - نفس المرجع ، ص:6.
[3] - نفس المرجع السابق ص: 49.
[4] - نفس المرجع ص:56-57.
[5] - أخذا عن المرجع السابق ص:58.
[6] - المرجع السابق ص: 59.
[7] - دة.بثينة شعبان" مئة عام من الرواية النسائية العربية" تقديم محيي الدين صبحي دار الآداب للنشر والتوزيع بيروت، الطبعة الأولى 1999،ص : 56.
[8] - نفس المرجع ص : 56-57.
[9] - نفس المرجع السابق، الصفحة5.
[10] - د.طه وادي ، نفس المرجع السابق ص:120.
[11] - نفس المرجع السابق ص:121.
[12] - نفسه ص:163.
[13] - إحسان عبد القدوس" أنا حرة" دار الهلال سنة 1945، ص:176.
[14] - نفس المرجع ص: 176.
[15] - "أنا حرة" ص: 100.
[16] - جورج لوكاتش" نظرية الرواية " ترجمة الحسين سحبان ، منشورات التلال ،الرباط الطبعة الأولى 1988،ص: 85.
[17] - نفس المرجع ص: 84-85.
[18] - نفس المرجع ص: 106.
[19] - دة.بثينة شعبان ، المرجع السابق ص: 69.
[20] - نفس المرجع السابق ص: 69.
[21] -أنظر كتابنا " الكتابة النسائية، حفرية في الأنساق الدالة.الأنوثة..الجسد.. الهوية." من تقديم د. نادية العشيري، مطبعة سجلماسة مكناس الطبعة الأولى، شتنبر 2004.
[22] - نجيب محفوظّ بداية ونهاية" مكتبة مصر، القاهرة، بدون تاريخ، ص: 245.
[23] - الطيب صالح "موسم الهجرة إلى الشمال "دار الأضواء، بيروت، الطبعة الرابعة عشر، 1987، ص: 43-48
[24] - د.لطيفة الزيات" صورة المرأة في القصص والروايات العربية" دار الثقافة الجديدة، القاهرة،سنة 1979، ص: 80.
[25] - د.جورج طرابيشي ،نفس المرجع السابق ص:9-10.
[26] - احسان عبد القدوس،" منتهى الحب" قصة ملاءة اللف، دار القلم، المطبعة الجديدة بيروت-لبنان،ط الأولى غشت 1971 ص:82.
[27] - إحسان عبد القدوس،" منتهى الحب" نفس المرجع السابق ص:86. التشديد مني.
[28] - نفس المرجع السابق ص: 86.
[29] - وداد سكاكيني " أروى بنت الخطوب" دار الفكر العربي ، القاهرة، سنة 1949، ص: 40..
[30] - حميدة نعنع ، " من يجرؤ على الشوق" دار الآداب ، الطبعة الأولى سنة 1989، ص: 109.
- وداد سكاكيني، المرجع السابق، ص:132.[31]
- دة.بثينة شعبان نفس المرجع السابق ص: 79.[32]
[33] - دة. زهور ﮔرام " السرد النسائي العربي، مقاربة في المفهوم والخطاب" شركة النشر والتوزيع- المدارس- الدار البيضاء الطبعة الأولى سنة 2004 ص: 19.
[34]- دة.بثينة شعبان نفس المرجع السابق ص: 88.
- د. بدوي طبانة " أدب المرأة العراقية في القرن العشرين" دار الثقافة بيروت الطبعة الثانية سنة 1974، ص: 30.[35]
- ليانة بدر " هل هناك لغة نسائية في القصة " مجلة آفاق ، مجلة اتحاد كتاب المغرب ، أكتوبر 1983، ص: 133.[36]
[37] - أنظر(ي) كتابنا،" الكتابة النسائية، حفرية في الأنساق الدالة.الأنوثة..الجسد.. الهوية." نفس المرجع السابق التقديم.
[38] - د.علي نجيب عطوي " تطور فن القصة اللبنانية العربية ،بعد الحرب العالمية الثانية، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت الطبعة الأولى 1982، ص: 234.
[39] - للمزيد من الاطلاع انظر (ي) "الرواية العربية أنثى" لجوزيف كورية شاهين.
[40] -" مئة عام من الرواية النسائية العربية" نفس المرجع السابق ص:48.
[41] - حسن العواقب المطبعة الهندية القاهرة ص: 37. عن المرجع السابق ص: 48
[42] - اشتغلت عفيفة كرم قبل كتابة روايتها بالصحافة فقد كانت أمينة تحرير جريدة الهدى بنيويورك ،وقد أصدرت ملحقا أسبوعيا سنة1911، تحت عنوان " المرأة السورية في نيويورك"بعد ذلك أصدرت مجلة شهرية تحت عنوان " العام الجديد"، وبعد روايتها " بديعة وفؤاد" كتبت سبعة روايات أخرى..(غادة عمشيت، فاطمة البدوية، ملكة اليوم، ابنة نائب الملك،Nancy styar ، محمد علي الكبير،كليوباترة) جاء هذا الجرد للروايات بكتاب " نساء من بلادي " تأليف نادية الجردي النويهض،المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت سنة 1986، ص: 217.
[43] - دة.بثينة شعبان نفس المرجع السابق ص: 54.
[44] - دة.نادية العشيري – ملامح في صورة المرأة من خلال بعض مصادر الأدب الأندلسي- أعمال ندوة المرأة والكتابة ، سلسلة ندوات 8 جامعة المولى إسماعيل كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مكناس ، 1995، ص:81.
[45] - " مئة عام من الرواية النسائية العربية" نفس المرجع السابق ص:54..
[46] - " الأفق الروائي" د. عبد الله العروي، حوار مع محمد بنيس ،مجلة الكر مل العدد 11، سنة 1984، ص: 171.
[47] - د.بثينة شعبان" المرأة العربية في القرن العشرين" دار المدى للثقافة والنشر ،سوريا، الطبعة الأولى سنة 2000،الصفحة: 10-11.
[48] - د.جورج طرابيشي " شرق وغرب رجولة وأنوثة ، دراسة في أزمة الجنس والحضارة في الرواية العربية" دار الطليعة بيروت الطبعة الثالثة 1982 ص: 13.
- دة.بثينة شعبان ،نفسه ص: 56.[49]
[50] - دة بثينة شعبان المرجع السابق ص: 57-58
[51] - دة.ماجدة حمود" الخطاب القصصي النسوي ، نماذج من سوريا" دار الفكر ،دمشق الطبعة الاولى سنة 2002، ص: 13. التشديد منّي
[52] - دة.بثينة شعبان ،المرجع السابق نفسه ص: 54.
[53] - للمزيد من المعلومات أنظر(ي) الصفحة رقم 51 -55 من كتاب " مئة عام من الرواية النسائية العربية"
[54] - رشيدة بنمسعود ، المرأة والكتابة ، سؤال الخصوصية /بلاغة الاختلاف، إفريقيا الشرق الطبعة الأولى سنة 1994 ص:75.
[55] - رشيدة بنمسعود ، نفس المرجع السابق ص: 75.
#عبد_النور_إدريس (هاشتاغ)
Abdennour_Driss#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أناقة الوجدان الشعري وتأسيس العذرية الجمعية في الشعر الهذلي
-
الكتابة النسائية من السنن الثقافي إلى النسق النقدي-قراءة في
...
-
مرثية الشجرة، في رثاء أمي
-
تماهي شعر عبد النور إدريس
-
نوارة الواتساب
-
مرثية الى روح الشاعر محمد الميموني
-
عري في زمن كورونا شعرعبد النور ادريس
-
توشيات جاهلية شعر عبد النور ادريس
-
وشوشات كورونية على خط الجمر شعر عبد النور ادريس
-
الادارة التربوية واقع الممارسة بين النظرية والتطبيق د. عبد ا
...
-
الكتابة بصيغة المؤنث المشروخ قراءة في المجموعة القصصية أنين
...
-
التجسيد المثالي للمرأة في شعرية اللغة العربية للدكتور ادريس
...
-
صعقة الملائكة
-
نظرية الاستراتيجيات الفردية بين الميكانيزمات العامة والخاصة
-
غرفة فرويد
-
الإشهار وآليات اشتغاله: وما يزال الحصان يصهل النساء
-
جمجمة السيد إيغود
-
حرية قصة قصيرة جدا
-
حوار مع الدكتور نور الدين أمزيان المنسق الوطني للتنسيقية الو
...
-
أنخاب باخوص أو معلقة إفران
المزيد.....
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|