|
برلمان بلا قيود وديمقراطية بلا حدود..!
باقر الفضلي
الحوار المتمدن-العدد: 1696 - 2006 / 10 / 7 - 09:51
المحور:
كتابات ساخرة
بعيدا عن القدح أو المدح، بعيدا عن النقد أو العتب، فالبرلمان العراقي اليوم وبشكله الديمقراطي الذي قد يحسد عليه، يسجل إنموذجا للبرلمانات الجماهيرية الشعبية الإفلاطونية، التي قلما وجدت لها شبيها في التأريخ. فالجميع من أعضاء وهيئات رئاسية ورئيس وحجاب وكتبة و..الخ من موظفين وحراس، يسبحون في فضاء من أعلى درجات الحرية والديمقراطية، لا تحده حدود ولا يطوله البصر. لأعضاءه كامل الحق في التعبير عن آرائهم وقول ما يحلوا لهم حتى لو كان ذلك شتماّ أوإهانة، أو تهديدا، وهكذا دواليك. البرلمان العراقي الموقر، وهو نتاج أعظم عملية إنتخابية بنفسجية ديمقراطية شهدها العالم في القرن الحادي والعشرين، والتي باركتها أم الديمقراطيات؛ الولايات المتحدة الأمريكية والعالم المتمدن، ربما هو الوحيد بين أقرانه من برلمانات العالم، من تتجلى في جلساته، وبوعي تام، أسمى صور الحرية والديمقراطية، بل وفاق في تجسيده لهذه الحقوق، حتى الهيئة العامة للأمم التحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان..!
البرلمان العراقي فذ في كل شيء، ودمقراطي في كل شيء، وسمح ومتسامح في كل شيء. وجميع سكانه من رئيس وأعضاء، متمسكون بشعار سيدنا المسيح (ع) : "إذا ضربك أحد على خدك الأيمن، أدر له خدك الأيسر." رئيسه وأعضاءه متضامنون متكافلون وإن إختلفوا؛ مشتركهم واحد ومصيرهم واحد وإقتصادهم واحد؛ متسامحون وإن أصابهم ما يخدش أو يجرح الكرامات؛ لا يثير عواطفهم غليظ الكلام، ولا تهز مشاعرهم إساءة أو تجريح؛ الشفافية مبدأهم، والدعابة رائدهم، والحلم والحكمة ديدنهم؛ حواريون فيما أؤتمنوا عليه، ولسان حالهم يقول: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ.)، عصاميون فيما جبلوا عليه؛ لا تهزهم الشدائد، ولا تخل بتوازنهم المصائب؛ صابرون مصابرين، ثابتون في مناصبهم كالأوتاد..!؟
لا غرابة ولا وجه تعجب، فديمقرطية البرلمان العراقي أسمى من أن تحدها حدود، أو تحكمها سنن وشرائع. فيها تمتزج جميع الألوان، وتحلق في أجواءها جميع اللغات واللهجات. وتتميز عن غيرها؛ أنها الأولى من نوعها في العالم، إذ يملك فيها العضو ما يحلو له مما يشاء، من قول أوفعل. فهو الشعب وممثل الشعب، والشعب حر فيما يريد، وتلك وبلا منازع سلطة الشعب، والشعب فوق الجميع..! فهل هناك من يعتقد العكس..؟؟!
فما يحسبه المرء "أحياناّ" خروجاّ أو إنحرافاّ عن الديمقراطية التي ألفتها المجتمعات الديمقراطية، من تصرف يظنه شاذاّ يصدر من أي من الأعضاء أو حتى من قبل الرئيس، وهذا "نادرا" ما يحدث، وإن حدث فعن "طيب خاطر"، فهو الخطأ بعينه، فديمقراطية البرلمان العراقي، هي الوحيدة؛ ديمقراطية بأمتياز. وهناك وتحت قبة البرلمان فقط ، يجد الإنسان نفسه حراّ وبأختيار، وهناك فقط، تجد مقولة الفاروق عمر بن الخطاب (رض) الشهيرة (متى أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)، تجد مكانها في الممارسة العملية الحقيقية. فتحت قبة البرلمان فقط، يتساوى الجميع، فلا سيد ولا مسود، ولا رئيس ولا مرؤوس، والكل أحرار فيما يقولون وما يفعلون. وتحت قبة البرلمان فقط، تفقد الكلمات والألفاظ معانيها؛ لتسبح في فضاء من الحرية، واسع بلا حدود؛ فالكلمة وأن غلظت، والإساءة وأن جسمت، فهي كنار إبراهيم (ع)، برداّ وسلاماّ على الجميع..!؟
فتحت قبة البرلمان "يمكن" أن مفردة مثل ((القندرة))، "وهي مفردة شعبية شائعة الإستخدام"، تقابل في المعنى مفردة أخرى كمفردة "قانون"، فالكلمات وإن تمايزت في اللفظ، فإنها وطبقاّ "للغة" البرلمان "المستحدثة"، يمكن أن تتطابقان في المعنى، والتشابه بين المفردات هنا، هو كتشابه ((البقر)). كما وإن المفردة نفسها، لم تعد تمتلك معناها القديم، وبالتالي، وطبقا لنظرية الإستحداث في بناء المفردات اللغوية "البرلمانية" الحديثة، لم يعد هناك بعد، ما يخجل منه، أو يعاب عليه، إن إقترنت، أو جرى التعويض بها بدلا عن مفردة أخرى وفي موقع آخر. وربما قد "يحار" البرلمانيون أحيانا، بسبب من فضاء الحرية الواسع، للخيار بين مفردة مثل ((القندرة)) وهي الأخرى، "مفردة برلمانية" ومن مقاس جديد يصلح لكل الإستخدامات، بإعتبارها من المفردات "الديمقراطية" الجديدة، بمعناها الحديث، وهي تعني "قانون"، والقانون من المفردات الديمقراطية حكما، وبين مفردة أخرى، مثل مفردة (الشريعة) وهي من المفردات الراسخة تأريخيا، وتنأى في معناها ومبناها عن كل ما يمت بصلة لمعنى المفردة السابقة. واللبيب من البرلمانيين من يحسن الإختيار بين مفردة ((القندرة البرلمانية)) و مفردة((الشريعة البرلمانية))، دون أن يثير غضب المتحمسين من مجلس فقهاء اللغة المحدثين، رئيسا أو مرؤوسين..!؟
والنائبات في البرلمان العراقي محصنات، معززات مكرمات؛ فأخوتهن من النواب قوامون عليهن في كل شيء، ولا يكلف الله نفساّ إلا وسعها، وليس عليهن من الموجبات، أكثر مما تفرضه (الشريعة) من فروض الطاعة والولاء؛ فسيد البرلمان؛ أخوهن الأكبر وحامي حماهن، وصائن كرامتهن؛ والبرلمانيون من الرجال أخوتهن في السراء والضراء؛ فإن مسهن " لا قدر الله" من زجر أو سخرية أو حتى بعض التطاول على كراماتهن، بسبب من وقوعهن في خطأ في إختيار المفردات المناسبة، فذلك من موجبات "قوامة" الرجال على النساء..! فما يبتغى لهن إلا النصح والمشورة والتقويم وحسن العاقبة؛ وحتى لو صدر مثل ذلك من سيد البرلمان، على سبيل الإفتراض _ لا سامح الله _ ، وهو رجل مجلّل بألإيمان والحكمة، فلا عتب ولا عتاب، ولا إستنكار ولا إحتجاج؛ فبعد قرون من العزل في سراديب الظلمة، ها هن اليوم، يرفلن في نعيم "ديمقراطية البرلمان"، فأي حظ سعيد، وأية "دمقراطية" منشودة..! وأي معنى بعد ذلك للإساءة أمام هذا السعد وهذا الهناء..! ومن ذا الذي من أجل "مفردة" قيلت، وهي مجرد "فلتة لسان"، مستعد للتفريط بنعيم "جنة" البرلمان..؟! حاشا لله، أن يكون هناك من يقدم على ذلك وحتى أن يفكر فيه..!!! فبرلماننا العتيد محروس بسواعد "الأشاوس"، من الحرس الخاص، وهم جاهزون لمعالجة أية إشكالات تحدث وفقاّ لمفردات اللغة البرلمانية "الممستحدثة"، وهم ذو خبرة جيدة وذو باع طويل؛ وكان الله في عون العباد..!!؟
ديمقراطية البرلمان العراقي تسمو فوق كل شيء، ولا يقيدها قانون أودستور، فهي القانون وهي الدستور، وهي المرشح (الفلتر) الذي يفرز الغث من السمين من القوانين، خاصة ذات الطابع "الديمقراطي" ذي الأصل "القنادري". وهي التي تسمح بما لا يسمح، وهي التي تمنع ما لا يمنع. فمن لم ترق له ديمقراطية البرلمان، فماء البحر أقرب إليه من سراب الماء..! ولا دهشة في ذلك. أليست تلك لغة برلمانية مستحدثة من الطراز الثقيل..؟؟! ومن تزعجه حرية البرلمان ، فما له غير "لوك" التساؤل الشعبي المعهود : " فرعون من فرعنك..؟؟!" ورحم الله شاعر العراق الكبير معروف الرصافي..! وصان برلماننا ودستورنا وعلمنا، وفقهاء لغتنا المحدثين..!
#باقر_الفضلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المؤتمر الثامن: نحو البرنامج...!
-
الملف النووي الإيراني: أسئلة وأجوبة..!؟
-
القضاء: هل كان صدام دكتاتوراّ..؟
-
إشكالية (الحرب ضد الإرهاب) وحقوق الإنسان(*)..!2-2
-
إشكالية -الحرب ضد الإرهاب- وحقوق الإنسان..! 1-2
-
العراق: إشكالية الفدرالية والتوازن الإجتماعي..!
-
المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي: وقفة أولية..!
-
الدستور: إشكالية علم العراق..!
-
المندائيون يستغيثون...!
-
الأنفال : مسؤولية المجتمع الدولي..!
-
الملف -النووي- الإيراني، خطر على من..؟!*
-
القرار (1701): إشكالية النصر والهزيمة..!
-
هل يمتلك العراقيون نفطهم...؟
-
ما هي الديمقراطية المطلوبة من المجتمع العربي..؟*
-
الشرعية الدولية واساليب معالجة ازمة الخليج..! -5
-
المليشيات المسلحة : الحاجة والضرورة والبديل..!
-
ألشرعية ألدولية وأساليب معالجة أزمة ألخليج..! -4
-
ألدستور: ”فدرالية ألوسط وألجنوب”..!
-
ألشرعية ألدولية وأساليب معالجة أزمة ألخليج..! -3
-
ألشرعية ألدولية وأساليب معالجة أزمة ألخليج..! -2
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|