|
الخاطبة ومراسم زواج المصريين في القرن التاسع عشر
قمرات السيد
الحوار المتمدن-العدد: 7440 - 2022 / 11 / 22 - 14:11
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
للزواج عند المصريين طقوسه التي أختلفت بإختلاف العادات والتقاليد، وكذا الحالة الاقتصادية، والفروق الاجتماعية بين أفراد المجتمع وبعضهم البعض، فمنها ما يتخلله مظاهر البذخ والإسراف، ومنها ما دون ذلك من الاقتصاد في النفقات، فالأغنياء ينفقون على حفلات الزواج ببذخ ويصل بهم الأمر لإقامة ثلاث ليال قبل الدخلة غير النفقات الأخرى في دعوة الأهل والأصدقاء، على عكس الفقراء فطقوسهم في الزواج متواضعة الحال والتكلفة، وبعيداً عن ذلك فأن مراسم إختيار العريس لعروسه في القرن التاسع عشر كانت تخضع لضوابط صارمة بحيث تتم في سرية تامة بعيداً عن أعين العروسين، فلا يعلمان عنها شيئاً، فقد جرت العادة أن تتولى الأسرة أمر الخطبة، فتنقل الأم أو بعض قريبات الفتاة للشاب أو الرجل الراغب في الزواج مواصفات العروس الشابة التي تكون الأم أو القريبة على معرفة وطيدة بها فتوجهه في اختياره. وغالباً ما يتم اللجوء للخاطبة والتي كانت محل اهتمام وتقدير من الطرفين، فيوكلها الرجل أمر إختيار عروسه دون أن يكون للخطبين نفسهما إرادة في ذلك، وكانت الخاطبة أحياناً تنتحل مهنة الدلالة لتسطيع دخول البيوت وإرتياد أماكن الحريم بمنتهى الأريحية، ويؤخذ عليها مرات كثيرة المبالغة في وصف العريس وغناه، وإعطاء معلومات تخالف واقعه للفتاة المتقدم لخطبتها، وقد عبر المستشرق الإنجليزي إدوارد وليم لين عن هذا الأمر جيداً في "كتابه عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم" حيث قال في وصف ما تفعله الخاطبة في هذا الصدد ما يلي:- "وقد تقول للفتاة عن أي شاب بسيط لا يكاد يملك شروى نقير ولا تعرف شيئاً عن ميوله: "يا بنيتي إن الرجل الراغب بالزواج منك حلو الشمائل أنيق المظهر أمرد يملك المال الكثير، أنيق الهندام محب للكياسة واللباقة، لكنه لا يستطيع التمتع بهذا النعيم وحده ويرغب بك شريكة لحياته، كما أنه سيؤمن لك عيشة رغيدة بكل ما أوتي من مال وهو ملازم لبيته وسيقضي كل وقته معك ويحبك". وغالباً لم يكن العريس يرى عروسة إلا بعد الزفاف وكتب الكتاب، حيث كان العرف السائد عند المصريين وقتذاك أنه لا يصح أن يرى العريس عروسه إلا بواسطة الخاطبة أو أمهاتهم أو إخواتهم أولاً، حتى إذا أرتضينها يرسل الزوج الشبكة وهي هدية قبل العقد ثم يعقد العقد وحينئذ يمكن أن يراها، بل لقد كان الغلو أحياناً يصل في الطبقات الغنية إلى حد أن بعض أفراد أسرة الخطيب نفسها لا تعرف شيئاً عن خطيبة أبنها إلا ما ترويه الخاطبة، وقد عبر أحمد شفيق باشا عن هذا الأمر بوضوح شديد في كتابه مذكراتي في نصف قرن وذلك من خلال تجربة شخصية حدثت له مع إحدى العائلات التي تقدم لخطبة إبنتها حيث كتب قائلاً:-"وقد حدث لي ذلك مع أسرة شريفة، فبعد أن أنتخبتني هذه الأسرة لأكون زوجاً لأبنتها، عدل عن ذلك لمجرد رغبة والدتي في رؤية الفتاة المخطوبة"، وكانت هذه العادة في الغالب تحدث مشكلات كثيرة بسبب اختلاف وصف الخاطبة للعروسة أو للعريس وهو ما ينجم عنه أحياناً حالة النفور بين الزوجين في ليلة الزفاف لعدم تعارفهما قبل أن يكونا أسرة على الرغم من أن الشرع يبيح لهما الرؤية . على أية حال فبعد أن يقدم العريس لعروسه الشبكة وهي عبارة عن سوار وخلخال مصنوعين من الذهب أو الفضة تتم الخطبة ويليها عقد القران وغالبا ما يكون في ليلة الجمعة أو الاثنين لما في هاتين الليلتين من بركة. ويلي ذلك زفة الحمام والتي تقام في اليوم السابق لليلة الزفاف، حيث تسبق العروس فرقة مكونة من مزمار أو مزمارين وطبول مختلفة الأنواع يتقدمها رجلان يحملان الأواني والملابس التي تستعمل في الحمام على صينيتين مستديرتين تغطيان بنسيج من الحرير المطرز، ويأتي خلف العروس فرقة موسيقية، ويسير الموكب في شوارع كثيرة إلى أن يصل إلى الحمام، ولم يقتصر هذا الموكب على العروس وحدها، بل يسير العريس في اليوم نفسه مصحوبا بأصدقائه إلى الحمام . ثم تأتي ليلة الحناء وفيها تخضب العروس يديها وقدميها بالحناء المعجونة وتتركها حتى الصباح، فتصطبغ بلون أحمر برتقالي وتقلدها في ذلك باقي المدعوات، وفي ليلة الزفاف تسير العروس في موكب مماثل لموكب الحمام تحيطها الموسيقى والغناء والأهل والصديقات، حتى تصل إلى بيت العريس، فيتقدم العريس لاستقبال عروسه فتتمنع فيما يشبه التظاهر بالخجل، ولا تهبط من العربة إلا بعد إلحاح، ثم تنحر الذبائح على عتبة الباب وتمد الموائد وتطلق الأعيرة النارية المعتادة.
#قمرات_السيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|