أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبداللطيف هسوف - عروبة مفقودة














المزيد.....

عروبة مفقودة


عبداللطيف هسوف

الحوار المتمدن-العدد: 1694 - 2006 / 10 / 5 - 10:30
المحور: الادب والفن
    


خرج محمد وصديقيه مولود وحمد بعد انتهاء محاضرة جمعتهم بجامعة السوربون متوجهين نحو ‏بيت حمد. كلما زار محمد ومولود حمد في شقته، إلا وكانا شبه متأكدين أنهم سيتسامرون حول قنينة ‏نفيسة غالية الثمن. أدام الله كرم إخواننا العرب.‏
كان حمد يصر على إتمام صلواته الخمس قبل أن يجلس للسهر والحديث عن شقراوات باريس. ‏هذه المرة، حين انتشى كامل النشوة، ردد أبياتا للخيام:‏
‏ لست أحسو الخمر من أجل نشاط أو طرب
أو خروجا عن طريق الدين أو حد الأدب
غير أني أشتهي الغفلة عن نفسي قليلا
إنني من أجل هذا أحتسي بنت العنب .‏
ما أن انتهى حمد من إلقاء هذه الرباعية الجميلة بحق، حتى عم التصفيق وقام محمد ومولود بالثناء ‏عليه لكونه أضفى على ليلتهم سحرا ليس غير الشعر كفيل به. ثم أخذوا يتجاذبون أطراف الحديث ‏بخصوص وضع المغرب العربي والمحاولات الانفصالية في الصحراء المغربية، وكذا الوضع ‏المزري في الجزائر الغاضبة.‏
حمد عربي من إحدى دول الخليج، مولود جزائري متعصب لانتمائه الأمازيغي ومحمد مغربي ‏يعتز بانتمائه الأمازيغي والعربي على حد السواء، بل إن عروقه يختلط فيها دم سكان الأطلس ‏الأمازيغ ودم أهل الشاوية العروبيين. يشجي لنغمات أحواش ورقصات أحيدوس الأمازيغية، ويهتز ‏كلما سمع كلمات أغاني شيخات الشاوية العروبية. كان محمد يمزح مع مولود، فيقول له: من يؤكد ‏لك أن جدك هو كسيلة البربري أو دهيا العرافة؟ بل قد يكون جدك فينيقيا قرطاجيا أو نازحا من بلاد ‏الروم، هذا إن لم يكن يهوديا استوطن ب القبايل ، أو على أقرب تقدير عربيا من بدو الهلاليين أو ‏السالميين تمزغ . يضجر مولود، ينظر إلى محمد بعدائية عابرة، ثم ما تلبث أن تفك أسارير وجهه. ‏بعد لحظة صمت، يقول: لولا أنني أعلم أنك نصف ابن عم، لكان لي معك كلام آخر . يبتسم محمد، ‏يواصل مزاحه: ابن عم عاق، أليس كذلك؟ حذار أن ترفع الكلاشنكوف في وجه حمد العربي الأصل ‏يوما، إنه صديق عزيز يغلبنا بكرم وأريحية أهل الحجاز . يضحك الجميع. ‏
كان مولود يعتز بأصله الأمازيغي أيما اعتزاز. بل إنه ينتمي إلى تنظيم راديكالي يدعو إلى ‏عصيان الساسة العرب والمطالبة بالانفصال عن الحكم المركزي. يحاول محمد جاهدا أن يبين له أن ‏طرحه هذا لا يجد ما يبرره لا تاريخيا، لا جغرافيا، لا سوسيولوجيا، لا سياسيا ولا إنسانيا. لكن مولود ‏يرفض كل المحاولات لإقناعه بضرورة السعي إلى التوحيد أكثر من السعي إلى التقسيم والانفصال.‏
عندما انتهت السهرة، صاحب محمد وحمد مولود إلى غرفته المتواجدة بحي جامعي يوجد وسط ‏مدينة باريس. على باب الغرفة استرعى انتباه محمد وجود صورة لأحد الوجوه الجزائرية، ثم داخل ‏الغرفة صور أخرى من كل الأحجام لنفس الشخص. وجه محمد سؤاله لمولود:‏
‏- الظاهر أنك تقدس هذا الرجل؟‏
‏- إنه المغني الكبير معتوب الوناس الذي كان يدافع بقوة عن المسألة الأمازيغية في الجزائر.‏
‏- تقول كان يدافع بصيغة الماضي، هل تراجع اليوم عن آرائه؟‏
‏- لا، بل قتلته الأيادي الآثمة في 25 يونيو 1998.‏
‏- من يقتل مغنيا حالما يحمل قيتارته ويغني ألحانا شعبية؟
‏- حسب الرواية الرسمية، قتله الجماعات الإسلامية المسلحة، لكن...‏
‏- لكن ماذا؟ يبدو أن الرواية الرسمية لا تقنعك؟‏
‏- كثيرون هم الذين يريدون إسكات صوت الثورة القبائلية بالجزائر.‏
بعد لحظات، أخذ مولود كتابا وشرع يقرأ على الحضور وهو يترجم شعرا لمعتوب الوناس كتب ‏باللغة الفرنسية.‏
السماء مثقلة بالغيوم ‏
بعد أن مزقها البرق
لتغسل الأمطار ذلك القبر‏
وتفيض المياه في سيول
راسمة ممرات جديدة.‏
من القبر ينبعث صوت آسر
ينذر هذا الشعب.‏
آه يا كنزة ابنتي ‏‎!‎
لا تبكي
إننا نضحي بأنفسنا ‏
من أجل جزائر جديدة
كنزة، يا ابنتي
لا تبكي...‏
أحس محمد من خلال هذه الأشعار بسحر الكلمات متى عبرت عن مشاعر مجموعات بشرية ‏تدافع باستماتة عن هويتها وثقافتها المحلية. قال محاولا استفزاز مولود:‏
‏- جميل أن تعتمد الثورة نظم الشعر وتصريف المطالب عبر الغناء حتى يتم الانتقال السلمي من ‏مرحلة التهميش إلى مرحلة الاعتراف بالحق الثقافي والخصوصيات المحلية.‏
تدخل حمد بدوره ليقول:‏
‏- الشعر أشعة مضيئة من الأمل وهو ثورة طبعا، لكن ثورة من أجل إعطاء فرصة للحياة لا ثورة ‏من أجل القتل.‏
رد عليهم مولود بعصبية قائلا:‏
‏- لا يا صديقاي، بل بحمل السلاح وفرقعة القنابل تكون الثورة. القلم وحده لا يكفي، بل يجب أن ‏تسنده البندقية.‏
تابع حمد:‏
‏- إن مسألة الوحدة يجب أن تعالج في بعدها العربي-الإسلامي، لكن قبل ذلك يجب إيجاد صيغة ‏تقبل بالاختلاف وتحترم موروث الآخر الثقافي والاجتماعي، عربيا كان أم بربريا أم صحراويا أم ‏كرديا أم قبطيا أم آشوريا، مسلما كان أم مسيحيا أم يهوديا. إن هذا التنوع رصيد يغني حقا الحضارة ‏العربية.‏
لم يستسغ مولود هذا الكلام. اعتذر طالبا تأجيل النقاش في الموضوع. رد عليه محمد متبرما:‏
‏-‏ إن كل نقاش مؤجل لا محال ضائع.‏
قال مولود وهو يبتسم على استحياء بعد أن نزع ببطء نظارته:‏
‏- على كل حال، نتف النقاشات هاته لا تسمن ولا تغني من جوع. كل هذا لا يعدو أن يكون سوى ‏خطاب متناثر لم يعد يحمل أي معنى في طياته بعد أن فقد كل قوته على الإقناع. ‏
خرجوا جميعا يسيحون في أزقة باريس التي لا تنام. ما كان يدور بخلد محمد لم يسر به لأحد. ظل ‏يسب ويشتم وضع العرب المتشردم: هؤلاء مسيحيون عرب وهؤلاء مسلمون عرب، هؤلاء عرب ‏مسلمون وهؤلاء بربر مسلمون، هؤلاء شيعة وهؤلاء سنة... آه من تشتت الكيان وعدم السعي لرص ‏البنيان. آه من عسر الانتماء إلى أمة متخلفة لازالت القبلية تحكم كل تحركاتها. ‏



#عبداللطيف_هسوف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين الرسمي وأحزاب اليسار في مواجهة الأحزاب الإسلاموية: ردو ...
- شافيز ذاك الرئيس المدهش: وصف بوش بالشيطان ودعا الأمريكيين لق ...
- توالد الذرائع بعد ذريعة 11 سبتمبر‏
- لم تكن محقا يا بابا الفاتيكان.
- المحافظون الجدد بأمريكا، الصهاينة والحكام العرب: تحالف ضد من ...
- ما بعد 11 سبتمبر، الفوضى الخلاقة أم الضغط يولد الانفجار؟
- 11سبتمبر في الاذهان وإن تبدل المكان
- سبتمبر الأسود
- غرباء يحبون وطنهم
- في كل جيل أباطيل
- نعرفهم جميعا...
- كيف كان المستعمر الفرنسي ينظر إلى المغاربة وسلاطينهم؟
- الإثنيات المغربية: التشكيلة المتنوعة، محاولة المستعمر تعميق ...
- الزلاقة والأرك: معركتان يمدد بهما المرابطون والموحدون حكم ال ...
- سكان المغرب الكبير الأولون - البربر أو الأمازيغ: تحديدهم بال ...
- سكان المغرب الكبير الاولون - البربر أو الأمازيغ: بالأصل الإث ...
- هل تصنع السلطة مثقفا حقيقيا؟
- مقاومة حفنة من الرجال وانتصار أمة بكاملها - لبنان يهزم العول ...


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبداللطيف هسوف - عروبة مفقودة