شيءٌ ما يغلي في صدري
يُحاصرُني في غربتي
يجتاحُ واحات ذاكرتي
يتوغَّلُ في أعماقِ قلبي
يتفَيَّأ تَحْتَ ظلالِ الروح
يُعانِقُني
عيناهُ تمطران
ناسِجُ وُجودي
مَبْعَثُ كينونتي
إنَّهُ والدي!
أيُّها النَّسيمُ المعطَّر بأريجِ (ديريك)
أيُّها المعبَّق بهواءِ (آزخ) ..
أيُّها النابتُ بينَ أكوامِ الحنطة
كم كنْتَ تحبُّ احتضانَ السنابِل!
دائماً ترُنُّ في أُذُني
أصواتُ المناجِل!
أيَّامٌ تحملُ بينَ ذراعيها
لونَ الحياة ..
أيَّامٌ مكتنـزة
بشمسِ تَمُّوز الهائجة
قمَّطتني أَكوامُ الحنطة
وأنا طفلٌ صغير ..
سأخبّئُ أيامَ الحصاد في ذاكرتي
إلى الأبد! ..
يا والدي ..
يا حاملَ أوجاعَ السَّنين
لِماذا رَمَيْتَ أوجاعَكَ على كاهِلِي؟
لِمَاذا قَلْبُكَ يبكي وعيناكَ شاردتانِ ..
تائهتانِ خلفَ البحار؟
إنّي أراكَ من هنا
متكوّراً في زاويةٍ منسيّة
من هذا العالم
تبكي في خِلْوَتِكَ ..
تئنُّ أنيناً مُوجعاً ..
موجعاً للغايةِ!
أما كانَ يكفيكَ انكساراتِ الروح؟
آهٍ ..
تلتْهَا انكسارات العظام!
يا غربتي الموشّحَة بالعذاب
يا قلبي المدمى ..
يا أيّها الحُلُمُ اليوميّ
أيُّها المطرَّزُ بالبكاء!
شيخوخَتُكَ مُبَرْعَمة بالأحزان
آهٍ ..
بعدَ كلّ هذهِ السنوات العجاف
تكوَّرّتَ دُوْنَ حراكٍ
تحتَ اللحاف
أيُّ قَدَرٍ لعين تربَّصَ بِكَ!
روحي مُقمَّطة بالعذاب
ثَمَّةَ حرقةٌ مستديمة
في سَمَاءِ حَلْقي ..
ثَمَّةَ شوقٌ مجنون
إلى عظامِكَ المهشَّمة!
شيءٌ ما يغلي في صَدرِي
يُحاصِرُني في غُرْبَتي
يَجْتاحُ واحات ذاكرتي
يَتَوغَّلُ في أعماقِ قلبي
يَتَفَيَّأُ تحتَ ظلالِ الروح
يعانقني ..
عيناهُ تَمطران
ناسجُ وُجُودي
مَبْعَثُ كَينوْنتي
إنَّهُ والدي!
آهٍ .. يا والدي
ثَمَّةَ شوقٌ مجنون إلى رائحةِ شيخوخَتِكَ ..
ثَمَّةَ شوقٌ مَجنون إلى عظامِكَ المهشَّمة ..
مُؤلمةٌ أنتِ يا غربتي
يا أجنحتي المغلّفة بالضباب
يا روحي العطشى
إلى همهاتِ الليل ..
تَبّاً لَكِ أيَّتُها المسافات ..
أبي .. يا أبي
أراكَ دائماً مُتلألئاً
في أحلامِ الصَّباح!
ستوكهولم: 31 . 12 . 1994
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]