|
البردوني.. حين يرفض الخنوع حد الموت !!
هشام السامعي
الحوار المتمدن-العدد: 1694 - 2006 / 10 / 5 - 10:40
المحور:
الادب والفن
لا أدري هل هذا العنوان حداثة جديدة لم يسبقني إليها أحد ولكني حتماً أجزم أنه عنوان ذاكرتنا حين يمر البردوني من أمامها وهو ينشد : تمتصني أمواج هذا الليل في شره صموت / وتعيد ما بدأت وتنوي أن تفوت فلا تفوت / فتثير أوجاعي وترغمني على وجع السكوت / وتقول لي مت أيها الذاوي فأنسى أن أموت ، وتالله ماكان للموت عليك من طريق غير أن يأخذ الروح من جسدك ويترك لنا الحياة تضج بها قصائدك ، فنقف ساعات صمتٍ وحداد علنا نصل إلى عالمك ، وأنت تبحث عنك وعن عالمٍ ليس تكسوه الوحشة ولايسكنه غير الأنبياء ، وعن بيوت من الطين حين تأوي الفقراء ، لايعترينا الخوف ولايصل اليأس بُعد فاه العاجزين . شوطنا فوق احتمال الاحتمال فوق صبر الصبر لكن لا انخذال نغتلي نبكي على من سقطوا إنما نمضي لإتمام المجال دمنا يهمي على أوتارنا ونغنّي للأماني بانفعال في كل عامٍ نفقد أحد الرفاق ، نقول يعودون غداً محملين بالحب والأمنيات والمطر ، ولكنهم يرحلون غير راجعين ، كأنهم مؤمنين بعدم العودة ، نتذكر يوم كانوا يملأون الوطن ، الحياة ، العالم ، وكنتَ على أول السرب راحلاً تاركاً لنا الحياة نقتات منها فرصة للعيش ، وحين أعلنوا رحيلك ذهبنا نودعك إلى المقبرة وعيوننا صوب السماء ندعو ، لماذا يأخذ الموت كل هؤلاء ، وحين أوصلناك إلى ( خُزيمة ) كانت صنعاء كلها تبكي والجماهير تصرخ اليوم يموت راهب الحرف والشعر ، اليوم يرحل تاركاً خلفه الوطن يبكي رحيل عينيه التي كان يبصر بها لان حروفك عشبيّة كعينيك يا بنّي الاهتمام تزمر للسهل كي يشرئبّ وللسّفح كي يخلع الاحتشام وللمنحى كي … يمــدّ يديه ويعلي ذوائبه لليمام وللبيدر المنطقي ....... كي يشعّ ويورق في المنجل الابتام وللشمس ، كي تجتلـــــي أوجها دخانية ، في مرايا الظّلام من الحقل جئت نبياً إليه وما جئت من (هاشم) أو (هشام) أغانيك بوح روابي (العدين) مناك تشهّي دوالي (رجام) لان بقلبك صوم الحقول تغني لتسودّ صفر الغمام لأننا لم نؤمن بالشعر يأتِ به عامٌ محملاً بالرصاص ، أو رائحة البارود ، كنا نعشق حين نقرأ : هواك اعتناق النّدى والغصون لان غرامك غير الغرام تموت أسى كي تشيع السرور تغني ـ وأنت القتيل ـ السلام لأننا لم نؤمن بالحياة دون ألم ، كانت قصائدك تفلسف جراحنا ، وتحتوي أوجاعنا ، ولأن الشعر فلسفة الروح ، طقوس الطهارة حين تغسل عن قلوبنا الكره والضغينة ، كنا ننشد نغني : متألمٌ ، ممّا أنا متألمُ؟ حار السؤالُ ، وأطرق المستفهمُ ماذا أحس ؟ وآه حزني بعضه يشكو فأعرفه وبعضٌ مبهم بي ما علمت من الأسى الدامي وبي من حرقة الأعماق ما لا أعلمُ بي من جراح الروح ما أدري وبي أضعاف ما أدري وما أتوهم ونعشق الحياة ، نذوب فيها لأننا مغرمون بالحياة لأن العالم يبدو أكثر جمالاً ونحن نرتشف الجمال من الشعر . أهوى الحياة بخيرها وبشرها وأحب أبناء الحياة وأرحم وأصوغ فلسفة الجراح نشائداً يشدو بها اللاهي ويُشجى المؤلَمُ حين عجز الكثير عن رؤية الحقيقة كنت تُطل بعينين زاهيتين لتنير دروب الحقيقة حتى تصل إلى الجميع أو يصل إليها الجميع ، لذلك تكون محاولة الكتابة عن هذا الرجل عبارة عن اصطفاف للحروف في محراب راهبها ، أو كما قال الشاعر الليبي محمد السنوسي الغزالي إن محاولة الكتابة عن البردوني تعني أن تحشد كل طاقتك في الكتابة كي لاتشعر أنك تجحد عندما لاتجد الكلمة المناسبة للتعبير . أذكر أنه منذ أن بدأت تعلم القراءة وجدت دواوين البردوني أمامي ليس من مفر من قراءتها ، ويجب عليك أن تتبتل وأنت تقرأ إحدى قصائده أو تحفظها ، أو كما يقول صديقي الشاعر اليمني عمر بوقاسم (حقيقة كنت أتمنى أنني أول أو آخر من يتكلم عن البردوني . ولكن . لذا كانت كلمتي كلمة العابر...فالبردوني سؤال كبير...نعم سؤال كبير، البردوني شاعر كبير عزف الكثير من هموم الانسان ، كلمة الشاعر الذي لا يخجل من كونه إنساناً...في زمن ما اذكر أنني كنت أقرأه...بل كنت أغنيه ) . لم أكن أتخيل يوماً أن يرحل لأني كنت على يقين أن الشاعر حين يبكي في الحياة فعمره يزداد بعدد مايكتب من شعر أو مايرثيه في هذا العالم ، لكنه قال كلمته الأخيرة وفضل الرحيل على الحياة ، هكذا بكل بساطة يموت دون أن يشعر حتى بذلك أو يمنحه الموت فرصة أخيرة ليودع الجميع ، أو أن يطبع ديوانه الأخير ويوزعه على الفقراء والمهمشين ليتغنوا بقصائده ، أو يحفظونها لأنها إنعكاس واقعهم . أن تكتب عن البردوني معناه أن تستحضر في ذهنك مساحة كبيرة لتقيس عليها قوة هذا الرجل ومقدرته على قلب كل موازين الحياة التي تشكل نظرة المجتمع للفرد حين يفقد أهم حاسة من حواسه وهي النظر ، منذ أن فقد البردوني النظر وهو في الرابعة من عمره أحس أن العالم سيضيق به إن لم يحجز له مكاناً في هذا الزحام ، فكان واجباً عليه أن يأتي بشيء جديد أو مغاير لما كان يعتقده البعض ، فبعد أن ترك مسقط رأسه ( الحدأ ) ميمماً شطر مدينة ذمار ومن ثم إلتحاقه بالمدرسة الشمسية هناك ، كانت لديه رغبة قوية وإيمان بضرورة أن يؤدي دوراً هاماً في الحياة والمجتمع ، ولم يكن خيار انتقاله إلى صنعاء في مرحلة شبابه من محض الصدف أو من باب المغامرة ، لأن تجربة مثل هذه قد تعرضه لمتاعب كثيرة وصعاب ربما تفقده الرغبة في مواصلة الحياة ، وهو ماكان ينتظره فور وصوله صنعاء ، فبعد أن وطأت قدمه تراب العاصمة كانت الحوادث تتساقط على رأسه والحياة تكاد تضيق به ، فلا مأوى يحتضنه ، ولا عمل يغنيه لقمة عيشه ، ولا مجتمع يمكن أن يقدر ظروفه ويساعده في تحقيق أحلامه . ما الذي ؟.. موت بموت يلتقي فوق موتي … من رأى في ذا طرافه؟ نهض الموتى هوى من لم يمت كالنعاس الموت ..؟ لا شيء خرافه يا عشايا … يا هنا يا ريح من يشتري رأسي ، بحلقوم (الزّرافه) ؟ بين رجلي وطريقي ، جثتي بين كّفي وفمي ، عنف المسافه المحال الآن ...... يبدو غيره كذّبت (عرّافه) (الجوف) العرافه ها هنا ألقي حطامي ..؟ حسنا ربما تلفت عمال النظافه ربما تسألني مكنسة … ما أنا أو تزدري هدي الإضافه
سبعة أعوام مرت على رحيلك وفي كل عام نقول يعود في العام القادم ، ربما نراه غداً يتمشى في الزبيري ، لكنه الموت أصدق الواعدين ، واكتمال العمر ، فالسلام عليك يوم ولدت ، ويوم جاءك الشعر ، ويوم تبعث كل ساعةٍ حيا.
#هشام_السامعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مع المجتمع المدني ضد سلطة رجال الدين
المزيد.....
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|