|
محادثة
خليل قانصوه
طبيب متقاعد
(Khalil Kansou)
الحوار المتمدن-العدد: 7428 - 2022 / 11 / 10 - 17:27
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ـ طال غيابك ـ اشتقت .. جئت أدقق في ذكريات الماضي . إنها الظروف ، لم تسمح لي بالسفر في السنوات الماضية ـ متى ستعود نهائيا ؟ ـ و أنت ..هل أنت أكيد من أنك باق نهائيا ؟ ـ صراحة ، أشعر أني فوق رمال متحركة ، بعض الأخوة و الأقارب هاجروا و بعضهم ينتظر . و لكن أنت متقاعد ، فبإمكانك العودة .. ـ أعتقد أني لن أعود ـ هل أنت جدي ؟ ـ نعم ، فأنا أعيش في فرنسا منذ أزيد من خمسين عاما . هذه مدة كافية لان تجعل الهجرة نهائية و شاملة .تلقيت تعليمي في هذه البلاد و مارست مهنتي فيها ، و تزوجت و أنجبت . فانا إذن مزروع فيها ، علما أن التأقلم لم يكن سهلا و هو بالقطع ليس مكتملا . و انت ؟ هل ستقتلع نفسك طوعا أو كرها ، لتزرع في مكان آخر ـ قل لي لماذا لم يتحقق لك ذلك هنا ؟ ـ قبل الإجابة ، أتمنى لو تبين لي مبررات هذا الإستجواب الذي يأخدنا بعيدا في الزمن ، إلى مسرح ألعابنا في الساحة ، إلى غزواتنا على كروم العنب و التين ، إلى رواياتنا المتخيلة عن الحبيبة التي كنا نتبعها مساء " على الكروسة" دون أن نتجاوز المسافة المتفق عليها عرفا ، بيننا و بينها . ـ لا شك في أن المبررات كثيرة ، و لكن يمكن إختصارها بحب المعرفة : كيف يبدل المرء نمط عيشه ، او يجبر على ذلك ، فيتكلم لغة ليست لغته الأم دون أن تعني له الكلمات المتناظرة في لغة المهجر ما كانت تعنيه في البلاد الأصلية ، ينجم عنه منطقيا ، فهم للأمور ، خصوصا في مجال التعبير عن الأحاسيس و المواقف ، تعتريه الضبابية و تنقصه لذه الهُيام . ثم أني أقرأ ما تكتب و أسمع ما تقول ، صحيح أنك بدلت و لكن احتفظت ، باللغة و الثقافة ، و اسمح لي بان أٌقول أن فحوى رسالتك هو دعوة لان يبدلوا الأوضاع في بلادهم حتى لا يضطروا إلى أن يتبدلوا و يضلوا في المهاجر . ـ بالعودة إلى سؤالك ، لم يتحقق لي ذلك لأني لا أنتمي إلى طائفة ، في وطن الطوائف ، و بالتالي انا مميز سلبا طائفيا ، لا يحق لي ما يحق لأنصار زعيم الطائفة ، كما لا أنتمي إلى قبيلة أو عشيرة في بلاد مضارب العشاءر و القبائل ، فلا عمل لي ، كوني لا أعمل في خدمة الزعيم ، و إن عملت كرها فلا أجر لي ...
ـ ولكن ألا يمكن الإنتماء لهذه البلاد دون وصاية الطائفة ؟ ـ بدأت المساحة الخارجة عن نفوذ الطوائف تضيق تدريجيا بعد " ثورة " 1958 . يحسن التذكير بان " ثورات " غير الثوريين ، تكررت مذاك فسهلت تمدد النفوذ الطائفي . هذا من ناحية أما من ناحية ثانية فلا بد أن نأخذ بالحسبان مسألة التمييز الأساسية التي تتجسد على كافة درجات السلم الإجتماعي ، فمن نافلة القول أن المساواة معدومة بين الأفراد في الطائفة أو القبيلة الواحدة و كذا فيما بين الطوائف المختلفة . يتضح هذا الأمر بجلاء من خلال إقتسام جغرافية البلاد ، قسمة غير عادلة ، فتموضعت كل طائفة في منطقة ، بحيث تشكل الأغلبية المهيمنة ، بعد أن كان السكان مختلطين في بعض المناطق إلى درجة كبيرة ، على اختلاف انتماءاتهم الطائفية ، و متحازبين على أساس اصطفافات غير طائفية دينية (عرب الشمال ، العدنانية و عرب الجنوب ، القحطانية ) ، إلى حد أن جماعات كانت في الأصل ذات انتماءات طائفية دينية واحدة ، افترق بعضها عن بعض ، عند محطات تاريخية ( طائفية ـ اقتصادية )، بين ديانتين متمايزتين . ـ هل تعتقد أن المساحة " الحرة " من النفوذ الطائفي لا تتسع اليوم لمن لا ينتمي إلى طائفة ؟ ـ الإجابة عندي على هذا السؤال بنعم . ـ هذا يعني أن من هم خارج الطائفة " ذمّيون " ! ـ إلى حد ما نعم . لا بد من الإشارة أولا ،إلى أن " الذمّة " كانت سمة من سمات المجتمع الطائفي البدائي ، الإختلاف بين الذميين و غير الطائفيين ، أن بإمكان الأخيرين أحيانا ، انتهاز الفرصة للإنقلاب على مواقفهم تحت وطأة اليأس أو الحاجة أو الخوف . ـ يقولون أن الإنسان كائن إجتماعي .فهل نقول أن الإنسان اللاطائفي في لبنان ليس كائنا إحتماعيا ؟ ـ أنا أقول أن هذا الإنسان هو حقيقة كائن إجتماعي بينما المجتمع الطائفي ليس مجتمعا إنسانيا بالمعيار الحضاري المعاصر إذا جاز القول ، يتجلى ذلك على سبيل المثال بتفضيل من هو أقل أهلية بإناطة شؤون التقرير و الإدارة به و بإعفاء المحاسيب من التزام الدور في طابور الخبز على حساب الفقراء و الضعفاء و من هم خارج المنظومة الطائفية و في السيطرة على شبكة توزيع مياه الشفة و الطاقة الكهربائية و الطحين أضف إلى ارتهان او او الاستيلاء على ما ادّخره الناس . ـ هل كان الإنتماء مؤملا قبل الوصاية الطائفية ـ نعم كان مؤملا . لأن ترجمة الإنتماء هي العيش المشترك . أنا عرفت مظاهر العيش المشترك عندما كنت أنتمي إلى مجتمع القرية الفلاحي .
ـ وماذا عن " الوطن " و الشعور بالواجب ؟ ـ لم أقرأ ما يكتبه فقهاء علم الإجتماع عن الوطن ، و لكن الوطن بكل بساطة هو بلاد توافق سكانها على العيش المشترك ، أي انهم أزالوا فيما بينهم الفوارق العرقية و الدينية و ما عداها من امتيازات حقوقية وجاهية أو وراثية أو عُصبوية أو حزبية ،فتحولوا إلى ما هو متعارف على تسميته بالأمة الوطنية . أعتقد أن مفهوم العيش المشترك يعني ضمنيا الملكية العامة المشتركة للأرض ، مستوى العيش في الراهن ، بالإضافة إلى العقد الإجتماعي المنوي تنفيذه في المستقبل . هذا هو الوطن من و جهة نظري ، الذي يُلزم المرء المشارِك في سيرورته . و لا شك في أن من حق هذا الأخير العمل على أن يستعيد حقوقه فيه إذا طرد منه ، أو أن يطالب دون أن يكون ملزما ، بالتعويض عنها بالطرائق والوسائل التي يستطيع امتلاكها . ـ و لكن الوطن يبقى ، بالرغم مما يجري فيه ، أرض ننتمي إليها ، نحن مزروعون فيها ، و لنا فيها ذكريات أعمارنا ، و منابع ثقافتنا التي روت كينونتنا فصارت جزءا منها ، لا يمكن انتزاعها أو إخفاءها أو التنكر لها ، لأنها حاضرة دائما في خلوة المرء بنفسه . ـ صحيح أن الوطن مرادف للأرض . و لكن ما هي قيمة الأرض إذا أصابها القحط فجردها . الوطن زرع و ري و إعمار و مدرسة و جامعة يُحفظ فيهما العلم و يُلقن ويطور إبداعا ، في سياق سيرورة إنسانية حضارية حيوية متواصلة . أما الثقافة فهي باقية في جبلة المرء في حله و ترحاله ـ كانك تقول أن البلاد التي فشل سكانها في أن يختلطوا و يندمجوا ليصيروا أمة و طنية هي ارض خراب ، أما الثقافة التي تكونت قبل القحط و الجفاف ، التي تشربها المرء أثناء الحمل الذي قطعه الإجهاض ، فهي باقية في الوجدان و في حقيبة السفر . ـ هذا بالضبط ما أعنيه . و لكن لا أقول أن القحط دائم أو أنه قدر و لا أقول أيضا أنه لن يأتي قوم بعد الذين انقرضوا أو تفرقوا شتاتا . كما أني أزعم أن الثقافة مكون في الإنسان يتطلب مثل العضلات و العظام و الدماغ ، التغدية المتنوعة و المتوازنة ، ويهزل تدريجيا في أوقات التقتير و القلقلة . لا يعني الفشل و خيبة الأمل إدارة الظهر و النسيان . تنتشي مادمت حيا ترزق ، برائحة ذكية تأتي من الماضي ، أثناء تجوالك في حقل كان يزرعها والدك ومرورك بدار كان جدك يجلس على مصطبتها و دار كانت لك فيها حبيبة و ضريح أحتضن ثراه جسد أمك.
#خليل_قانصوه (هاشتاغ)
Khalil_Kansou#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين الترسيم و التطبيع
-
سلطة السلالة
-
من دروس الحرب في أوكرانيا (2)
-
من دروس الحرب في أوكرانيا
-
قادة خطاؤون
-
الشيعةُغيرالشيعةِ
-
الدين السياسي و المؤامرة الدينية .
-
العودة دائما إلى نفس النقطة !
-
الوطنية -1-
-
صدق أو لا تصدق ، زابوريجيا و إيضاحات الوزير الأميركي
-
الدولة و الوطن
-
الهلال الناري بين أوكرانيا و قطاع غزة
-
مقابر و منازل (2)
-
مقابر و منازل -1-
-
الوقت المقتطع
-
التطبع و التطبيع -7-
-
عن الفكر و الموقف في السياسة في حكم العراق و بلاد الشام .
-
كيف أخْتلقَ - الشعب الإسلامي - فرنسا نموذجا
-
فرقعة في أوكرانيا و أرق و جوع و عطش وظلام في الشرق الأوسط
-
الحائط المسدود ، الدولة اللاوطنية (2)
المزيد.....
-
الصحة الفلسطينية تكشف موعد إعادة فتح معبر رفح لإجلاء المرضى
...
-
إسبانيا: القبض على -عصابة إجرامية- سرقت 10 ملايين يورو من من
...
-
العثور على الصندوق الأسود لطائرة الخطوط الجوية الأمريكية الم
...
-
ابتكار لفحص الهرمونات بالهاتف المحمول
-
لبنان.. شخص يقتحم موكب تشييع قتيل في -حزب الله- ويصدم عددا م
...
-
المغرب يعلن رفضه دعم إيران للحوثيين
-
رئيسة الوزراء الدنماركية: ما زلنا لا نعرف من أين سنحصل على ا
...
-
مصادر أوروبية: سيسمح لـ50 جريحا فلسطينيا بمغادرة غزة في السا
...
-
التساقط الكثيف للشعر قد يكون مؤشرا لأمراض مزمنة
-
أردوغان: تركيا متمسّكة بالقضاء على جميع التنظيمات الإرهابية
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|