|
قطار آخن 27
علي دريوسي
الحوار المتمدن-العدد: 7428 - 2022 / 11 / 10 - 13:24
المحور:
الادب والفن
لم تمضِ على غفوته في تلك الليلة إلا دقائق حين أفاق مذعوراً، نهض وركض بقوته المتبقية إلى النافذة المغلقة في الطابق الرابع، فتح النافدة، هاجمته خيوط المطر، مزّق قميصه وأهداه للريح مقابل جرعةٍ من هواء.
ـ هل كان الكابوس فظيعاً إلى هذا الحد؟
هرعت الممرضة إليه، أغلقت النافذة بعصبية وأمرته الذهاب للنوم، طَأْطَأَ رأسه وعاد صَاغِراً، خاطب نفسه: ـ سأهرب الليلة يا بنت الكلبة.
اذهبي للنوم يا يا أَرْمَلة الكوكايين، اذهبي ورَتّبي حقائب المخدرات في مختبرك السري، أما أنا فقد قررت الهرب عبر الغابة. وقبل أن أهرب سأُكرِّر عليك سؤالي: ماذا تفعلين بتلك الشمعة الحمراء؟ ألا تستطيعين النوم من دونها؟ هل الحياة بدونها كئيبة؟ هل تبحثين بالشمعة الحمراء عن لَذَّة الحياة كوسيلة لإطفاء نار الكوكايين، كما بحثت الجزائرية "فلة العنابية" في رواية "وليمة لأعشاب البحر" للأديب العربي "حيدر حيدر" عن شبق جسدها كوسيلة للنسيان باستخدام قلم رصاص؟ لا تقلقي ولا تستحي من فعلتك، لست وحدك، في الأسطورة الفرعونية ستجدين "إيزيس" تحشر في مخروطها عصاً كتعويض عن عضو زوجها المفقود لتَلد "حورس"، أدخلي الشمعة في مخروطك يا امرأة كي تنامي هنيئاً، وانتظري وصول الفنان الألماني "جيرارد ريختر"، بيكاسو القرن الحادي والعشرين، ليرسم لوحة "الشمعة" من جديد ولْيُسّمّها "الشمعة في المرأة" إن أراد، ليبيعها بضعفي سعر اللوحة الأصلية.
سأقتلكما أيتها الكلبتان ثم أهرب، أو أهرب لأعود يوماً كي أقتلكما في حفلة كوكايين جديدة. سأهرب منكما كشرقي مُغفَّل، يعتقد أن مركز الكون يكمن في مُثَلَّثِ النساء، كشرقي جاهز دائماً للصعود على رقاب من حوله وعلى دزينة من زجاجات الخمر النادرة، كي يقطف الرائحة من مُثَلَّثِ اِمرأة. سأعود إليكما كرجل غربي، ألماني السلوك والطبع، فالألمان هم الوحيدون في العالم، الذين من الممكن أن يكونوا على أُهْبَةِ الاِستعداد في كل وقت للصعود عالياً على دزينة من النساء العاريات بمُثَلَّثَاتهن الشَبِقَة، من أجل الوصول إلى زجاجة من البيرة.
لن أدعكما تهزماني وتهرّمانني مرة ثانية، لا يُلدغُ العلماني من جُحْرٍ مرتين، وحده الحمار من يقع في ذات الحفرة مرتين، لكني سأقول: شكراً لكما رغم كل ما حدث منذ صعودي إلى قطار آخن، شكراً لأنني تعلمت بأن المعرفة تراكم بطيء، تُطبخ على نار هادئة، كما هي الثقة بالنفس. **
بحث إبراهيم عن حقيبة سفره الذي أتى بها لزيارة صديقته سابينه، وجدها في المدخل، على البلاط تحت علّاقة الملابس، فتحها وكرجل آلي مُبَرْمَج دقَّق في محتوياتها، كانت ساعته اليدوية الرخيصة التي اِشتراها من محلات "تشيبو" أول ما خطر على ذهنه، وجدها في الجيب الداخلي لحقيبته، فرح في داخله أنها لم تُمس، بحث عن محفظة نقوده، فرح أيضاً إِذْ وجدها، فتحها، عدّ نقوده، تأكد من جواز سفره، سحب من الحقيبة سروالاً داخلياً، خلع سرواله الكوكاييني العسكري، خلع الجوارب الصوفية العسكرية، ارتدى سرواله الشرقي، جواربه، بنطلونه، حذاءه، قميصه الداخلي الشرقي، كنزة الصوف وجاكيته، لمس جيب جاكيته الداخلي، اِطمئن لوجود علبة سجائره المالبورو الخفيف، رفع حقيبته علّقها في كتفه، خطى عدّة خطوات حتى باب الشقة، الباب مقفل!
ضغط بيده على مسكة الباب بخشونةٍ وعصبية واضحتين، اِلتفت خلفه، وجدهما تنظران إليه بشفقة، كانت الشرطية عارية إلا من قميص ليلٍ أسود رقيق والممرضة بدورها عارية إلا من قميص ليلٍ أبيض.
ـ ابقَ هنا، عليك أن ترتاح قبل أن تغادرنا. ـ لن تجد الطريق إلى محطة القطار، الوقت مبكر، الباص لم يبدأ رحلاته بعد. ـ إني خائف، يجب أن أترك هذا المكان المشبوه. ـ انتظرنا قليلاً إِذنْ، سنرتدي ملابسنا لننزل معك، سنوصلك إلى محطة القطار.
لم يطلْ انتظاره طويلاً حتى عادت المرأتان بحلةٍ جديدة. الجلد الأسود يكسوهما من أسفل القدمين حتى الرأس وبيد كل واحدة منهما قضيب أسود يشبه مظلّة شتاءٍ مطرية، لعلّه سلاح متطور! لعلّه مظلّة مطر على هيئة عصا كهربائية.
أحسّت المرأتان بعيونه القلقة، لمح مفتاحاً على رفٍ صغيرٍ قرب الباب، انشغلت المرأتان عنه قليلاً، دخلت سابينه إلى المطبخ وعادت تحمل شيئاً بين يديها، اقتربت أكثر، ميّز أنها خمس علب سجائر غارغويل ، أخذت تحشرها في جيب جاكيته وهو يضحك، وضعت علبتين في حقيبته اليدوية وهو ما زال يضحك بحيرةٍ من سلوكها.
ـ شكراً للدعم، لكن لدّي سجائري، لن أحتاج سجائرك بعد اليوم. ـ بلى ستحتاجها! قالت بانفعالٍ. لم يستأنف اعتراضه على اغتصابه بالسجائر، مدّ يده إلى المفتاح، سحبه بسرعة، جرّبه بقفل الباب، البابُ مفتوح! ودّعهما بنظرةٍ خائفة: ـ أرجوكما أتركاني وشأني، وركض مندفعاً إلى خارج الشقة. ـ لا تغامر بنفسك! **
#علي_دريوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قطار آخن 26
-
قطار آخن 25
-
قطار آخن 24
-
قطار آخن 23
-
قطار آخن 22
-
قطار آخن 21
-
قطار آخن 20
-
قطار آخن 19
-
قطار آخن 18
-
قطار آخن 17
-
قطار آخن 16
-
قطار آخن 15
-
قطار آخن 14
-
قطار آخن 13
-
قطار آخن 12
-
قطار آخن 11
-
قطار آخن 10
-
قطار آخن 9
-
قطار آخن 8
-
قطار آخن 7
المزيد.....
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|