أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إدريس جنداري - أركون المزدوج.. وجهان لعملة فكرية واحدة














المزيد.....

أركون المزدوج.. وجهان لعملة فكرية واحدة


إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)


الحوار المتمدن-العدد: 7427 - 2022 / 11 / 9 - 14:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المفكِّر محمد أركون صاحب مشروع فكري رائد في التداول الفكري، عرب-إسلاميا وغربيا، مشروع صريح في دفاعه عن قيم الحداثة في بعدها العلمي والفكري، لا الإيديولوجي، وهو يمتلك وعيا معرفيا مؤسسا نأى به عن الانشغال بسؤال التحديث التقني المجرد من المرجعية الفكرية. هذا الوعي المعرفي للحداثة وضع أركون في صراع ممتد ضد اتجاهين إيديولوجيين منغلقين، يمثلان تحديا أمام قيم الحداثة والتنوير.

-من جهة، كان يواجه الفكر الاستشراقي الغربي المؤدلج الذي يبخس الفعل الحضاري العربي الإسلامي، وفي ذلك خاض صراعا ممتدا ضد الأذرع الاستشراقية/الاستعمارية من داخل الحرم الجامعي بأعرق الجامعات الأوربية (السوربون).

-ومن جهة أخرى، كان يواجه ما يسميه ب”الأرتودوكسية الفقهية” التي تحارب قيم العقلنة والتنوير من داخل المنظومة الثقافية العربية الإسلامية، وفي ذلك خاض نفس الصراع ضد المؤسسة الفقهية وتيارات الإسلام السياسي التي تؤدلج الفعل الديني، وتوظفه لأغراض غير روحية .

 وبناء على روح النقد المزدوج هذه، نجح أركون في التأسيس لتقليد بحثي جديد متحرر من أدران الإيديولوجيا، أطلق عليه اسم “الإسلاميات التطبيقية” islamologie appliquée  وهو مبحث علمي يهتم ببناء أطروحة بديلة للاستشراق الكلاسيكي، الذي تعامل مع الحقل الإسلامي من منظور المركزية الأوربية eurocentrisme. ومن منظور هذا المبحث الجديد، اقتحم أركون حقل ألغام فكري قابل للتفجير، ملتزما برصانته الفكرية المعهودة، دون التفات نحو رموز التزيبف الإيديولوجي، سواء في العالم الغربي أو في العالم العربي الإسلامي. 

 ذكرنا أن أركون اقتحم حقل ألغام فكري، وقد كنا نقصد بذلك الحقل التجريبي الذي اختاره لتنزيل نموذجه التفسيري، وهو حقل ألغام متفجرة، بالتأكيد، سواء في جزء كبير من التداول الغربي، أو في التداول العربي الإسلامي. فمن خلال بحثه العلمي في تاريخية الفصل بين المكون الديني/الروحي وبين المكون الدنيوي/المادي، وجد أن الفصل قد اتخذ بعدين مختلفين: بعد معرفي أطلق عليه مفهوم العلمانية laïcité وبعد إيديولوجي أطلق عليه أركون مفهوم العلمانوية laïcisme

-على مستوى البعد المعرفي، يؤكد أركون أنه بعد فكري واجتماعي أصيل طبع حركية الإصلاح الديني الأوربي، وهذا البعد كان نتيجة اجتهادات علمية صرفة حاول من خلالها المصلحون الدينيون (كالفن، لوثر) إحداث تحول روحي وقيمي في المنظومة الدينية حتى يتأتى إحداث تحولات مماثلة على مستوى التفكير، وذلك في أفق إحداث التغيير المنشود على مستوى الممارسة العملية، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. ولعل هذا، هو ما تحقق ضمن مسار الحداثة الغربية، حيث ساهمت العقلنة الدينية في التأثير على مستوى القيم الفكرية، وكذلك على مستوى الممارسة العملية. وهذا ما حلله، بذكاء علمي ناذر، المفكر ( ماكس فيبر) في كتابه ( الاخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية).

-على مستوى البعد الإيديولوجي، يؤكد أركون أنه بعد سياسي طارئ طبع مسار الصراع بين التيارات الإيديولوجية وبين الكنييسة، وقد حدث هذا في اتجاهين مختلفين لكنهما متكاملين في تصورهما الإيديولوجي:

*على مستوى الاتجاه الإيديولوجي الفرنسي، فقد ارتبط بالثورة على الإكليروس كممثلين لسلطة الكنيسة في فرض هيمنتهم على الدولة والمجتمع، وهذا ما جعل رد الفعل ضد الدين عنيفا حيث تم تهميشه في الحياة المدنية عبر قرارات صارمة فرضتها الدولة على المواطنين وعلى المؤسسات. 

*وهناك الاتجاه الإيديولوجي المرتبط بالأدبيات الإيديولوجية الماركسية التي تنهل منها مجموع دول المعسكر الشرقي، من الاتحاد السوفييتي، إلى أوروبا الشرقية، إلى أمريكا اللاتينية، وبعض الأحزاب الشيوعية العربية. وقد تم التعامل مع العلمانية في هذه الأدبيات الإيديولوجية باعتبارها نفيا للمكون الديني الذي اعتبر، باعتماد لغة ماركسية مصكوكة، أفيون الشعوب يخدرها ويمنعها من النضال ضد الاستغلال والعبودية !

 لقد كان المفكر محمد أركون مصرا على فصل المقال فيما بين الحابل المعرفي والنابل الإيديولوجي من انفصال، وذلك من خلال دراسة وتحليل الخلفية التاريخية الخاصة بالفصل بين المكون المادي وبين المكون الروحي. وهذا الفرز حاجة ملحة لترسيخ البعد المعرفي للعلمانية من خلال ترسيخ تقاليد علمية رائدة وأصيلة في الاجتهاد الديني، وذلك من أجل تحقيق المواءمة بين تحولات العصر وبين روح الدين. وحاجة ملحة كذلك من أجل محاصرة كل نزعة إيديولوجية تسعى إلى الاستثمار في محاربة القيم الدينية من أجل تحقيق مشروعها الإيديولوجي العابر. 

محمد أركون مفكر أصيل متمكن من أدواته الفكرية ومنفتح على مختلف الحقول المعرفية، ومهووس بحجز مقعد للنموذج الفكري العربي الإسلامي ضمن التداول الفكري العالمي، وهذا ما أرساه في كتابه الرائد  L’humanisme arabe الذي نظّر فيه للنموذج الإنساني/الأنواري العربي الإسلامي، في وسط أكاديمي استشراقي دوغمائي كان ينظر للعرب أعرابا رعاة جمال وسكان خيام !



#إدريس_جنداري (هاشتاغ)       Driss_Jandari#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مولد الإسلام.. تأملات نيتشوية
- هل دخل عبد الله العروي مرحلة النقد الذاتي ؟
- أنبوب الغاز نيجيريا-أوربا.. المغرب يحسم الصراع لصالحه
- المعرض الدولي للكتاب.. سوء تنظيم و تواصل مع الترويج للمثلية
- مقاربة عبد الله العروي لظاهرة الفولكلور .. بين التاربخانية و ...
- الكيان العلمانوي الفرنسي عاريا
- الأدب الفرنكفوني و إعادة تدوير Recyclage المتخيل الكولونيالي
- أضواء على مؤتمر حظر استعمال الدين في السياسة
- دير تومليلين .. إعادة تدوير المتخيل الكولونيالي
- مسلسل -فتح الأندلس- الفن في خدمة الجيواستراتيجيا
- الحرب الأوكرانية: المركزية الغربية ضد الفاشية البوتينية/السل ...
- فولوديمير زيلنسكي .. سلاح الشعبية في مواجهة سلاح الخبرة
- أمريكا تصطاد عدة طرائد بطلقة واحدة
- الصين و روسيا.. الخصوصية بين المعرفي و السياسي
- بوتين يبتلع الطعم الأوكراني.. نهاية روسيا كما نعرفها
- النموذج التنموي الجديد.. مساءلة الإطار المرجعي
- النموذج التنموي الجديد.. هل هي بوادر الانفلات من القيد الفرن ...
- الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي من المنطق الإيديولوجي إلى المنطق ...
- جهاز المخزن.. السلطة المركزية التي حصنت سيادة المغرب
- شولتس يعيد النزعة الشرقية الميركلية إلى قبرها.. الرياح تجري ...


المزيد.....




- الرجل الأسطورة متحدثا عن أغلى أمنياته: -لو عشت مرة أخرى لكنت ...
- الرجل الأسطورة متحدثا عن أغلى أمنياته: -لو عشت مرة أخرى لكنت ...
- جيش الاحتلال يجند 3 آلاف شخص من يهود الحريديم
- تأثر مارتن لوثر بالإسلام.. تمرد على الكنيسة والثالوث ورفض ال ...
- إسرائيل.. أوامر فورية للجيش بتجنيد 3 آلاف شخص من يهود -الحري ...
- كيف ترى الصهيونية الدينية الضفة الغربية والقدس؟
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع حيوي في إيلات ...
- حرب غزة: قرار إلزام اليهود المتشددين بأداء الخدمة العسكرية ي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تضرب هدفاً حيوياً للاحتلال في إ ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن استهداف موقع حيوي في إيل ...


المزيد.....

- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إدريس جنداري - أركون المزدوج.. وجهان لعملة فكرية واحدة