|
المُوَّاء الديمقراطي ممكن مع برلمانيين من طينة لحبيب بن الطالب
محمد إنفي
الحوار المتمدن-العدد: 7423 - 2022 / 11 / 5 - 01:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يبدو أن ديمقراطيتنا الفتية قد تتعزز، في المستقبل المنظور، بالمواء الديمقراطي حسب ما يُستشَفُّ من حديث البرلماني لحبيب بن الطالب في حضرة وفد إسرائيلي، استضافه في بيته بمراكش. وبما أن البرلمان المغربي لا يخلو من أمثال بن الطالب (وقد يكونون كُثرا)، الذي افتخر بقدرته على إيصال قطته إلى هذه المؤسسة، فلا غرابة إن وجدنا أنفسنا، مستقبلا، أمام فريق برلماني خاص بالقطط. فالأمر لا يتوقف إلا على الإرادة الشخصية للبرلمانيين الذين وصلوا إلى المؤسسة التشريعية بالطريقة التي وصل بها لحبيب بن الطالب وأوصل بها أبناءه؛ إذ من المؤكد أن هذا الأخير ليس الوحيد الذي له القدرة على تمكين قطته من العضوية في البرلمان. وقد يكون لهذا الحيوان الأليف، في المستقبل، فريق بمجلس المستشارين وآخر بمجلس النواب، ليستقيم المواء التشريعي، خاصة وأن الأمر يتوقف فقط على الإرادة الشخصية للبرلمانيين أمثال لحبيب بن الطالب. ونعتقد أن بالأغلبية البرلمانية التي تمثل "التغول"، عددا لا يستهان به من أمثال بن الطالب، والذين وصلوا إلى المؤسسة التشريعية بالطريقة التي أوصل بها ابنته وابنه إليها. لقد تفاخر البرلماني المذكور، العضو بمجلس المستشارين، أمام وفد إسرائيلي، بكونه "نجح في إيصال ابنته وابنه إلى عضوية البرلمان المغربي"، مضيفا أن بإمكانه "أن يوصل قطته لعضوية المجلس إذا أراد". أليس هذا دليلا ساطعا على الفساد الانتخابي الذي يمارسه أصحاب المال والنفوذ؟ ألا يشكل هذا الاعتراف عنوانا صريحا على الفساد السياسي الذي ينخر جسم ديمقراطيتنا الفتية؟ إن البرلماني لحبيب بن الطالب، المنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة، يقدم لنا نموذجا صارخا ومنتوجا "أصيلا" فاضحا للفساد الانتخابي. إن هذه الآفة تلحق أضرارا بليغة بديمقراطيتنا. فالقول بالقدرة على إيصال قطته إلى عضوية البرلمان، هو، من جهة، تحقير لهذه المؤسسة وإهانة لها وللمنتسبين إليها؛ ومن جهة أخرى، هو اعتراف صريح، وبعظمة لسانه، بأن لا شيء يمنعه من فعل ما يريد للوصول إليها وإيصال أحبته (الزوجة والأبناء والإخوة) كذلك، ما دام قادرا على فعل ذلك من أجل قطته. فمن أين له بهذه القدرة إن لم يكن يستمدها من المال والنفوذ؟ وهذه هي العلة الأساسية التي تعاني منها ديمقراطيتنا. لقد أهان البرلماني لحبيب بن الطالب المؤسسة التشريعية إهانة بليغة ومرَّغ في الوحل مهمة ممثل الأمة، وسفَّه، ببلادة، الوظيفة التمثيلية تسفيها حقيقيا، وعرَّى من حيث لا يدري أحد أسباب ضعف مؤسساتنا التمثيلية. وقد فعل ذلك أمام شهود، وبمحض إرادته، مما يطرح أكثر من تساؤل. ولمواجهة آفة الفساد الانتخابي والريع السياسي، الذي لا يخفى ضرره على البلاد والعباد، فإنه يتعين على الدولة ومؤسساتها المعنية (مؤسسات الحكامة والرقابة، وزارة الداخلية، وزارة العدل وغيرها) أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في محاربة الرشوة الانتخابية المتمثلة في الإغراء وشراء الذمم، في استغلال مكشوف للفقر والهشاشة. لقد أصبح المال، وهذا ليس سرا، عنصرا أساسيا في إفساد الحياة الديمقراطية ببلادنا، بعد أن توارى عن الأنظار التزوير المكشوف والتلاعب المفضوح في النتائج. لقد عوَّض المال الذي ينفق بسخاء، تلك الممارسات السابقة، وأصبح عنصرا حاسما في ضمان المقعد بالبرلمان. وهذا ما يفسر استمرار ضعف المؤسسات وهشاشتها. ويكفي أن نستحضر سلوك البرلمانيين تجاه القضايا الكبرى للوطن من قبيل الاستثمار، على سبيل المثال لا الحصر. وأحيل، هنا، على ما جاء في عمود "كسر الخاطر" للكاتب الصحافي والمحلل السياسي عبد الحميد جماهري، مدير نشر وتحرير جريدة "الاتحاد الاشتراكي"، ليوم الخميس 20 أكتوبر 2022، بعنوان "الاستثمار بين خطاب الملك وسلوك البرلمان!". ويسجل جماهري في مطلع عموده بأن "المؤسسة الأولى التي تعطل الحماس الذي تطلقه الخطب الملكية...هي البرلمان! "، مضيفا "وقد كان كافيا أن يجد البرلمانيون أن عليهم مناقشة القانون الإطار المتعلق بالاستثمار، ليغتنموها فرصة من أجل ... الغياب"، رغم أن مثل هذه المناسبة "لم تحن منذ ربع قرن مضى، في حين غاب ما يفوق الضعف عن الجلسة". لا أعتقد أن الأمر خاص بالبرلمان، وإن بتفاوت. فالوضع قد لا يكون مختلفا، إلا ربما فيما ندر، على مستوى الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات ما دامت الأغلبية قد مارست "التغول" حتى على هذا المستوى. وما تعيشه جماعة مكناس، على سبيل المثال، من "بلوكاج" ما هو إلا مظهر من مظاهر الضعف والهشاشة التي ينتجها الفساد الانتخابي. وللمسألة جذور تاريخية؛ فالتعددية الحزبية في بلادنا مصطنعة وتشكل عرقلة حقيقية للبناء الديمقراطي السليم. وقد لعبت الدولة، عبر التجارب الانتخابية التي عرفتها بلادنا منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، دورا حاسما في تمييع الحياة السياسية المغربية من خلال تفريخ ما يعرف في القاموس السياسي المغربي بالأحزاب الإدارية أو أحزاب "الكوكوط مينوت". وقد لجأت الدولة إلى هذه الكائنات الحزبية المصطنعة لإضعاف الأحزاب الوطنية التي كانت متجذرة في النسيج المجتمعي المغربي، وكانت في صراع مع الدولة من أجل دمقرطة الحياة السياسية. وهذا معطى تاريخي معروف ولا حاجة للتفصيل فيه. وأكتفي بالإحالة على مقال لي في الموضوع بعنوان "التعددية الحزبية بالمغرب بين "خطيئة" النشأة و"شرعية" الواقع" (نشر بموقع "لكم" بتاريخ 28 نوفمبر 2016). خلاصة القول، الفساد الانتخابي، سواء بفعل الرشوة الانتخابية أو استغلال النفوذ، لا تقل خطورته على الدولة والمجتمع ومؤسساتهما عن خطورة باقي أنواع الفساد الذي تعمل الدولة على محاربته. وإذا كانت قوة الدولة من قوة مؤسساتها، فإن المؤسسات التمثيلية لا تساير هذه القوة؛ بل تسيء إليها لضعفها وهشاشتها للأسباب التي ذكرنا. إن ديمقراطيتنا الفتية بحاجة إلى الحماية من الفساد والمفسدين. وعلى الدولة ومؤسساتها المختصة أن تتحمل مسؤوليتها في صون المؤسسات التمثيلية من عبث العابثين.
#محمد_إنفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القمة العربية وورطة الجزائر
-
الجزائر والشعور بالحرمان
-
السقوط الأخلاقي للنظام الجزائري ونخبه وأبواقه
-
رسالة مفتوحة إلى السيد الأمين العام للأمم المتحدة والسيد رئي
...
-
ماذا يعني أن تتقاطع تقارير استخباراتية فرنسية مع توصيات دراس
...
-
الجزائر تعود لديبلوماسية الشيكات وسياسة الابتزاز
-
رسالة مفتوحة من مواطن مغربي إلى السيد قيس سعيد رئيس الجمهوري
...
-
عقدة المغرب أحالت الإعلام الجزائري إلي مارستان للعاهات النفس
...
-
رسائل بنكيران حول بلاغ وزارة الخارجية المغربية، موجه لمن؟
-
الغباء عاهة تشل تفكير نخب النظام الجزائري (تتمة)
-
الغباء عاهة تشل تفكير نخب النظام الجزائري
-
ما حظ -الشيخ- عبد الإله بنكيران من الأخلاق الإسلامية؟؟
-
مكناس من فرساي المغرب إلى باريس الصغرى فالقرية الكبرى
-
إلى السيد عبد المجيد تبون، رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقرا
...
-
رسالة مفتوحة من محمد إنفي إلى السيدة حسناء أبو زيد: -كِيفْ ج
...
-
تفاعل على تفاعل مع مقالي -لا حاجة للاتحاد الاشتراكي بغثاء ال
...
-
مأساة ريان والدروس الممكن استخلاصها من الحادث
-
المؤتمر الوطني الحادي عشر: إبداع، تحدي، ثم نجاح؛ ولا عزاء لل
...
-
الصحافي حميد المهداوي في دور النائحة المستأجَرة ومهمة حفار ا
...
-
لا حاجة للاتحاد الاشتراكي بغثاء السيل وسقط المتاع
المزيد.....
-
بعد تحرره من السجون الإسرائيلية زكريا الزبيدي يوجه رسالة إلى
...
-
أحمد الشرع رئيساً انتقاليا لسوريا...ما التغييرات الجذرية الت
...
-
المغرب: أمواج عاتية تضرب السواحل الأطلسية وتتسبب في خسائر ما
...
-
الشرع يتعهد بتشكيل حكومة انتقالية شاملة تعبر عن تنوع سوريا
-
ترامب: الاتصالات مع قادة روسيا والصين تسير بشكل جيد
-
رئيس بنما: لن نتفاوض مع واشنطن حول ملكية القناة
-
ظاهرة طبيعية مريبة.. نهر يغلي في قلب الأمازون -يسلق ضحاياه أ
...
-
لافروف: الغرب لم يحترم أبدا مبدأ المساواة السيادية بين الدول
...
-
الشرع للسوريين: نصبت رئيسا بعد مشاورات قانونية مكثفة
-
مشاهد لاغتيال نائب قائد هيئة أركان -القسام- مروان عيسى
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|