|
دور العزلة في التشدّد الإيرانيّ
نصير عواد
الحوار المتمدن-العدد: 7419 - 2022 / 11 / 1 - 23:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من زمن طويل وصلت الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة إلى نقطة اللاعوْدة في بناء سياساتها الداخليّة والخارجيّة، بعد ان أُنشأت على العناد والمواجهة. سبب ذلك ليس قوة النظام أو صحة مشروعه السياسيّ، ولا حتى دعم الشعب الإيرانيّ له، ولكن الحصار الذي دام طويلا هو الذي أربك التجربة الإيرانيّة، وأيقظ عند المسؤولين السياسيّين غرائز الشك والخوف والعداء، ودفعهم لمواجهة أي تحرك داخلي أو خارجي بقوة السلاح والتصريحات النارية. إضافة إلى الطبيعة المعقدة للنظام السياسيّ الثيوقراطيّ-الديموقراطيّ، الذي يعتمد فكرة الولي الفقيه، ويعطيه الكلمة العليا في الملفات الاستراتيجيّة، فإن الضغوط والعقوبات الدوليّة المستمرة ساهمت كذلك في فرملت سياسة امتصاص الصدمات الداخليّة التي عُرفت بها إيران. صار فيها المتشددون يرون أي انفراج في السياسة الداخليّة قد يؤدي إلى ارتخاء قبضة النظام، وتهديد المشروع الإيراني برمته، وغالبا ما يتذكّر صقورهم إصلاحات غورباتشوف "بيرسترويكا" التي مهدت لتفكيك الاتحاد السوفيتي. ولذلك كلما انكشفت نقاط ضعف في بنية النظام الثيوقراطيّ بإيران، وخرج الناس للمطالبة بحقوقهم، اشتدت قبضة المؤسسات الأمنية وصارت أكثر شراسة، خوفا من الانهيار الكلي. مع انهم يعرفون جيدا حقيقة أن الاستقرار الداخليّ عامل مهم في مواجهة العقوبات والضغوط الدوليّة التي شلت اقتصاد البلد وأضعفت خبراته الإدارية. فهذه العقوبات حتى لو باءت بالفشل، ولم تعطل كليّا تصدير النفط وتصنيع السلاح، كما يصرح عادة المسؤولون الإيرانيون، فهي تركت أثارها على اقتصاد البلد، وشوهت سمعته وزادت من عزلته، ناهيك عن المشاكل النفسيّة والثقافيّة التي صنعتها في الشارع. ففي إيران توجد صراعات سياسيّة وقوميّة ودينيّة مغطى عليها، فيها شرائح متضررة من جلوسها طويلا بين سندان العقوبات الدوليّة، وبين مطرقة القبضة الحديدية لنظام الولي الفقيه. الشائع عن الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة انها صمدت أمام العقوبات الدوليّة، ونجحت باللعب في المساحات الفارغة التي يتركها التدافع بين الدول الكبرى، امريكا وروسيا والصين، ولكن استمرار الضغوط كل هذه الأعوام جعل الساسة الإيرانيون يرون في أية تنازلات نوعا من الاستسلام، وهو ما لا ينسجم مع طبيعة التشدّد التي تنتهجه الجمهورية الإسلاميّة. فالمتشددون في إيران على قناعة تامة بأن الغرب سيواصل سعيه لإسقاط التجربة الإيرانيّة، على الرغم من العلاقات والاتفاقيات المبرمة، متكئين إلى حقيقة إن العداء الغربي رافق التجربة الإيرانيّة منذ بدايتها، حتى قبل ظهور مشكلة البرنامج النووي، متهمين كلّ الغرب بممارسات الألاعيب والضغوط. الإيرانيون يرون ان العقوبات الاقتصاديّة أمريكيّة الصنع، ولكنها في الأعوام الأخيرة توسعت عبر عقوبات فرضها الاتحاد الأوربي، مجاراة للسياسة الامريكيّة، وهناك عقوبات أخرى اعتمدتها الأمم المتحدة. ساهمت مجتمعة في شيطنة النظام الإيراني، وبررت دعم المعارضة الإيرانيّة بالمنفى، والوقوف علنا مع المتظاهرين بالداخل، إضافة إلى الضخ الإعلامي الغربي المكثف الذي يسير باتجاهين؛ فصل النظام الإيراني عن الشعب، والتأكيد على انتهاء مدة صلاحية المتشدّدين المتمسكين بكرسيّ السلطة. التاريخ القريب يقول ان رؤساء أمريكا في نصف قرن وضعوا إيران في خانة العداء، بنسب متفاوتة. بل حتى صفحة الاتفاق النووي (2015) لم تؤسس لعلاقة طيبة، بدت وكأنها لحظة استراحة استعدادا لجولة جديدة من الخلافات. لم يفِدْ أيا من رؤساء أمريكا الثمانية بشكل معلن نيته اسقاط النظام الإيراني، وكانت أغلب تصريحاتهم تومئ إلى تعديل سلوك النظام!!! ولكن السياسات المتبعة على الأرض تشير إلى وجود سياسة محمومة تهدف إلى اضعاف إيران وإنهاء نظامها السياسيّ، وعدم الاكتفاء بوضعه في خانة الدول المارقة. وفي نظرة عامة على كل الأزمات والتظاهرات والاضرابات التي حدثت بإيران سنجد ان الولايات المتحدة قد دعمتها، وصبت فيها الزيت على النار، إعلاميّا واقتصاديّا وسياسيّا. بل حتى الخلافات الإقليمية بين إيران والدول المجاورة كانت الولايات المتحدة قد وقفت على الدوام بالضد من إيران. منذ ان حوصرت السفارة الأمريكيّة بطهران عام (1979) لم يشهد البلدان تحسنا في علاقتهما. أمريكا لا تتغير سياساتها الاستراتيجيّة بتناوب إدارات البيت الأبيض، وإيران لا تتغير سياستها بوجود الولي الفقيه على هرم السلطة. وبالتالي فإن لعبة عض الأصابع بين الفيل والفأر معروفة النتائج، حتى لو طال الزمن وتغيرت شروط اللعبة. فإيران التي تشتم أمريكا ليل نهار، لا تستطيع قتالها وجها لوجه، ولا تريد قتالها على الأراضي الإيرانية، وتلجأ بدلا عن ذلك إلى وخزها واشغالها في المناطق المضطربة، سوريا والعراق ولبنان واليمن، وإلى تهديد منابع النفط وخطوط سير الناقلات، من دون ان يصل التوتر إلى مستويات خطيرة تهدد أصول اللعبة. والغرب بدوره لا يريد اشعال حرب جديدة في الشرق الأوسط، المشتعلة هي أصلا في أكثر من مكان، وبالتالي فإن حزمة العقوبات الدوليّة على إيران ستستمر وتتوسع، في لعبةٍ مفتوحة النهايات، يدفع كلفتها الشعب الإيراني.
#نصير_عواد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محترفو المعارضة
-
معتدلو -الشيعة- بالعراق
-
صفحات هدم الذاكرة العراقيّة
-
دور الرجاء في صناعة المزارات الوهميّة
-
العنف المتبادل يُبطل الاختلاف
-
طبعات العنف العراقيّ
-
شيوعيّو الداخل شيوعيّو الخارج!
-
صورة السياسيّ في روايات سلام إبراهيم
-
السرديّة الانصاريّة(3) نون الحكايّة
-
الاحتفاء بيوم -النصير الشيوعيّ- أم الاشتغال على تاريخه؟
-
-الحزبيّة- وتظاهرات تشرين
-
ساعة الانتخابات العراقيّة لا تدق للجميع
-
السرديّة الانصاريّة (2) الكتابة من الداخل
-
المليشيات المسلّحة بين الخراب والعبادة
-
الإسلاميون وكسر التظاهرات
-
أدلاّء بريمر، أم أدلاّء خامنئي؟
-
لم ينقصْ الشيوعيّ العراقيّ سوى ال-البسْملة-
-
فكرة -المظلوميّة- نفط لا ينفد
-
الحُسين بن عليّ (ع) دوام الحزن وتبدّل الشّعائِر
-
الذّاكرة العراقيّة ليست بخير
المزيد.....
-
رجل يُترك ملطخًا بالدماء بعد اعتقاله بعنف.. شاهد ما اقترفه و
...
-
وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده و
...
-
مايوت: ارتفاع حصيلة ضحايا الإعصار شيدو إلى 39 شخصا وعمليات ا
...
-
2024.. عام دام على الصحافيين وعام التحديات الإعلامية
-
رصد ظاهرة غريبة في السحب والعلماء يشرحون سبب حدوثها
-
-القمر الأسود- يظهر في السماء قريبا!
-
لافروف: منفتحون على الحوار مع واشنطن ولا نعول كثيرا على الإ
...
-
زيلينسكي يدين ضربات روسية -لاإنسانية- يوم عيد الميلاد
-
بالأرقام.. في تركيا 7 ملايين طفل يعانون من الفقر وأجيال كامل
...
-
استطلاع: قلق ومخاوف يطغى على مزاج الألمان قبيل العام الجديد
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|