|
سواقي القلوب رواية الذاكرة الطرية
ابراهيم سبتي
الحوار المتمدن-العدد: 1692 - 2006 / 10 / 3 - 10:00
المحور:
الادب والفن
يعين السرد ، الكاتب على استحضار مفاصل روايته بدفق اللغة . مستخدما مساحات واسعة للسماح للافكار المنسابة باخذ مكانا متفردا على طول صفحات الروي . وبالتالي تصبح تلك الافكار غير مقيدة بترتيبية كلامية كما في القصة القصيرة .. في رواية ( سواقي القلوب ) ، تطرح الكاتبة انعام كجه جي اسئلة في المنفى والوطن وما بينهما .. اسئلة الاغتراب النفسي والخسارات .. اسئلة الرجولة المسفوحة في الحروب .. ولكن الكاتبة تصر على الدخول في المحاذير الحمر وترفع راية الجرأة والمكاشفات وخفايا الازقة الظلامية ، بسرد عفوي وبمهارة ، فثمة غربة ووطن وما بينهما . وهل تنفع الغربة وطنا بديلا ؟ الراوي يقول في ص 27 : تخلع عنا الغربة اهالينا وتكسونا بأهل من غير دمائنا واخوة لم تلدهم امهاتنا . تحرث الغربة السنتنا المزروعة باللغة الام وتشتل لغات جديدة نجاهد لكي نتفوه بها . تاخذ منا الغربة ماضينا وتكبسه ، مثلما تكبس قطع الخيار والجزر وثوم العجم ، في خابيات النسيان . وتترك للروائح اللاذعة ان تهب علينا في احايين غير معروفة ، فنتلفت بحثا ، كأن عن شلو ناقص من اشلائنا . تدخل الكاتبة في عالم ذكوري من خلال الراوي .. وتنتزع مكنونات الذاكرة ونزواته وتطلاعته ، ببوح جريء ، لم نتعوده عند كاتبة اخرى . انسابت الاحداث في ( سواقي القلوب ) ممتزجة بين الوثائقية والشفوية من خلال استحضار احداثا بعيدة الوقوع .، كمذبحة الارمن ومن ثم الحرب مع ايران وسقوط حائط برلين وانهيار الاشتراكية وحرب الكويت وتصدع الدولة السوفياتية . وكانت الاحداث تمر عبر انثيالات الشخوص .. كاشانية خاتون الناجية من مذبحة الارمن والمولودة في الموصل .. الطالب السياسي الذي قطعت عنه الحكومة النفقات .. السياسي الذي يعيش على ذكريات الحب في بغداد واخيرا الجندي ساري الذي تحول الى فتاة بعملية جراحية في فرنسا . كل منهم سفح ما استطاع على مائدة الاصدقاء في بيت الخاتون ، وكأن الرواية تريد بنا ان نكون على يقين تام بان كل ازماتنا وكبواتنا وارهاصاتنا ، تقدم على طاولة غريبة ، في بيت لم ينتم الينا .. الخاتون ارمنية الاصل ولكنها عاشت في الموصل وتزوجت فيها كونتا فرنسيا عالما بالاثار .. اعطت الرواية مفاتيح لمغاليق ظلت عصية على البعض ممن اقتحموا عالم الرواية الكبير .. العالم المليء بالاهواءات والمزاجات واختبار الكرامات والجرأة والبوح الخاص .. عالم انعام كجه جي ، عالم الذكورة المهزومة على طرقات باريس والمفجوعة حد الجنون بالهزائم الداخلية .. فكل شخصية في الرواية كان لها عالمها المتفرد الذي لا يشبة عالم الاخرين القريبين .. عالم الفجوات والحب الخاسر والاعتداءات الجسدية والقتل المروع والابادات .. هكذا كانت ( سواقي القلوب ) تمتحن ذاكرتنا الطرية التي لم تنس ما صار وما حل بالبلاد التي احبها كل من عاش فيها وكل من هرب مجبرا وهو يبحث في اصقاع الارض عن سقف يحميه وعن باب لا يطرق في ليل مرعب .. لقد عززت الكاتبة روايتها ، بقصة الجندي ساري الذي تحول الى ( سارة ) بعملية في باريس ، الجندي الذي انتقل من عالم الحروب والقتل الى عالم باريس المدهش، جالبا العار لعائلته ـ كما تقول امه وهي تهاتف الراوي ـ التي انتظرت طويلا ان يكبر الولد ويصير رجل يعتمد عليه في عالم البيت الانوثي ، لكنه كان يتصرف كفتاة في البيت والشارع .. الراوي ، تكلف برعايته امتثالا لطلب امه التي كانت على حب قديم معه .. هذا ساري الان فتاة بغنج الجميلات ، انها سارة، توزع الابتسامات والنظرات الى كل من يصادفها كي تثبت انوثتها المتوارية منذ زمن بعيد تحت ثياب الجندي ساري ، ولا تدري ان حتفها سيكون هناك بعيدا عن العائلة والجنود والبلاد التي تحملت نفقات العملية .. ماتت سارة خنقا ، وجدوا جثتها في احدى الغابات .. وهكذا تنتهي سارة التي شغلت الاصحاب كثيرا ودارت حولها نقاشات حادة .. تبدو حادثة ساري المتحول الى فتاة ، قد اضافت دافعا مهما للاحداث المتوالية .. الحادثة التي عرت المؤسسة الحاكمة بفضح ما يقوم به رجال السفارة مع كل شخص قادم من البلاد وان كان للعلاج ! فتلتف خيوط الشبكة عليه لارغامه للهمل ضد اصحابه .. الا ان سير الاحداث يحيلنا الى السيناريو السينمائي ، ونحن ننتظر التالي من الوقائع التي كانت تسير بمعرفة تامة باسلوب كتابة الرواية .. فكل الفصول التي احتوتها الرواية ، كانت مليئة باللوعة والحيرة والوجوم والامل المفقود والحب المهزوم والاستلابات والاخفاقات .. ـ هل تعرفين الى أي عراق سنعود ؟ ـ اعرف ... اعرف ... عراق اسود يأكل ناسه الحصى ويشربون ماء النزيز . وسنجوع معهم ، يا ابني ونشرب ما يشربون .. حالنا حال اهالينا .. ص 182
هل هو حال المنافي ام ازمة داخل الشخوص التي تعيش فيها ؟ هل المنافي والغربة تنتزع الكامن من الاسرار وتحيلها الى خراب بلا كرامات ؟ اسئلة اجابت عليها انعام كجه جي وهي تكتب روايتها الاولى ، كتبت عن المحنة والسراب وانشغالات الانسان بهموم اكبر من ان تكون خاصة .. انه ازمة بلد يمر باوقات عصيبة .. تنتهي الرواية مثل بدايتها .. دخلت الوطن ، ذات ضحى نيساني ساخن ، في سيارة اجرة تنقل ثلاثة ركاب ، جالسا الى جوار سائقها ، وفي المقعد الخلفي تكومت كاشانية خاتون على نفسها ، مثل صندوق عرس عتيق بهتت نقوشه . ثلاثة احياء في الداخل ، وفوق رؤوسهم يقبع ، على سقف السيارة ، تابوت ملفوف ببطانية بالية .. ص 7 الا ان البلاد التي جاءؤا اليها بجثمان ساري ( سارة ) كان دعاء الخاتون : ـ احفظوا العراق الذي تعرفون في بطون اعينكم ، لانكم ستكونون الشهود الاحياء وناقلي بذرة الخير بعد الخراب . انتم الطائر الذي سيعود الى الفلك ، بعد الطوفان ، حاملا غصن الزيتون . ص 153 * سواقي القلوب / رواية للكاتبة العراقية انعام كجه جي المقيمة في باريس . صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ـ 2005 * قاص وروائي عراقي
#ابراهيم_سبتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نعيم عبد مهلهل .. حلم المبدع المرصع بالحنين
-
صراع الاقواس .. من يغلقها اولا ؟
-
كم من المدن تنام فوق السطوح ؟
-
بقايا معطلة / قصة قصيرة
-
الشاهد والمطر / قصة قصيرة
-
متاهة / قصة قصيرة
-
اوجاع بلا هوادة
-
يوم من ليلة / قصة قصيرة
-
حافة الزمن / قصة قصيرة
-
قصة قصيرة / قراءة في لوح التراب
-
محنة الرقم 4 .. الى كمال سبتي
-
فلنعش ولنرجم الغراب بحجر
-
كان اسمها ورقة التوت / قصة قصيرة
-
ليلة الرمل / قصة قصيرة
-
قصة قصيرة - ما قاله الرقيم
-
المُدَوّنة / قصة قصيرة
-
الكثرة تغلب القراءة
-
المواطن الناصري الابدي
-
ايقاع الالم وسحر الكتابة
-
الحرية والدموع في رواية ممر الى الضفة الاخرى
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|