الحرب في أوكرانيا بين الواقع والخيال (الجزء الثامن)

أحمد رباص
كاتب
(Ahmed Rabass)

الحوار المتمدن-العدد: 7413 - 2022 / 10 / 26 - 16:04
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    

في مكالمة هاتفية أجراها قبل إعفائه من مهامه، حذر بوريس جونسون الرئيس زيلينسكي من أن الرئيس بوتين" كاذب ومتنمر قد يستخدم المحادثات لإرهاقك وإجبارك على تقديم تنازلات ".
وقال مصدر حكومي، في إشارة إلى فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، "قد يكون بعض حلفائنا حريصين جدًا على توطينه [زيلينسكي]". "نعتقد أن أوكرانيا بحاجة إلى أن تكون في أقوى موقف عسكري ممكن قبل إجراء تلك المحادثات".
وقال المصدر إن هذا قد يؤدي إلى تنازلات كبيرة بشأن الأراضي والعقوبات وملاحقة بوتين كمجرم حرب محتمل.
"يعتقد الوزراء أنه يجب ألا يكون هناك" مخرج سهل "لبوتين، بينما قال جونسون إنه يريد من الحلفاء تكثيف العقوبات حتى تغادر جميع القوات الروسية أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم.
أليس هذا لطيفا؟ هؤلاء السادة الأثرياء، الجالسون في غرفهم المريحة في وستمنستر، وهم يحتسون أفضل أنواع الويسكي الاسكتلندي، يحثون زيلينسكي على القتال حتى آخر قطرة دم؛ أي من الدم الأوكراني.
أما بالنسبة لبوريس الذي يتهم فلاديمير بوتين بأنه كاذب، فهذا غريب نوعا ما، لأنه يأتي من رجل غير قادر على فتح فمه دون أن يتفوه بما لا يقل عن اثنين أو ثلاثة أكاذيب صارخة.
استمرت الحرب وقتل الآلاف من الناس، فبماذا يهتم "أصدقاء أوكرانيا" في لندن وواشنطن؟ إنه بالطبع كل شيء مؤسف للغاية. لكنهم يتوفرون على ميزة تزويد "المدافعين عن العالم الحر" بقصص رائعة في الصفحة الأولى، قصص لها قيمة لا تُحصى في تشتيت انتباه الجمهور الساخط بشكل متزايد عن الواقع القاسي الناتج عن ارتفاع الأسعار وانهيار مستويات المعيشة. 
هل الحرب في اوكرانيا قضية تستحق النضال والموت من أجلها؟
من مصلحتهم الأنانية الاستمرار في المذبحة لأطول فترة ممكنة، حتى يتمكنوا من استخدامها للتغطية على بؤس الأشخاص الذين يعانون من التخفيضات الحادة في مستويات المعيشة التي أحدثتها حكومتهم. يزعمون أن ذلك يصب في مصلحة الشعب الأوكراني.
لكن زيلينسكي يفهم أكثر من أي شخص أن الحرب يجب أن تنتهي بالتفاوض. كما يجب عليه أن يفهم أنه بإطالة أمد معاناة شعبه، فإن التسوية النهائية ستظل أسوأ من ذي قبل.
سيتم تدمير البلاد، ولن يكون لدى واشنطن مواد دعائية كافية لمحاولة إخفاء ما سيكون هزيمة مذلة. وسيتعين على الأوكرانيين الفقراء دفع الثمن مقابل كل ذلك.
- كلمة للتحذير
جميع وجهات نظر الضرورة لها طابع شرطي. لا يزال هذا صحيحا في أي توقع لنتيجة الحرب ، والتي - كما لاحظ نابليون ذات مرة - هي الأكثر تعقيدا من بين جميع المعادلات.
لقد تم بناء هذا التحليل على الحقائق المتاحة تحت التصرف. لكن في الحروب، يمكن أن يكون هناك العديد من المنعطفات الحادة وغير المتوقعة. سيكون هناك العديد من الصعود والهبوط قبل نهاية الحرب. ولكن بقدر ما يمكن الحكم، فإن الحقائق تشير في اتجاه واحد.
صحيح أن الروس عانوا من خسائر تكاد تكون بالتأكيد أكبر مما تستعد موسكو للاعتراف به. لكن وسائل الإعلام بالغت في نجاحات الأوكرانيين.
هنا وهناك، تم إبطاء الروس من قبل الوحدات الأوكرانية الصغيرة، باستخدام تكتيكات الكر والفر لضرب الدبابات والمركبات الأخرى بقاذفات الصواريخ الحديثة، التي قدمها المملكة المتحدة. ولكن مهما كانت ناجحة في حالات معينة، فإن تكتيكات حرب العصابات هذه لا يمكن أن تغير الاتجاه العام للحرب، ناهيك عن تقرير نتيجتها النهائية.
وفي الوقت نفسه، يجب أن تكون الخسائر الأوكرانية - التي لا تقول وسائل الإعلام شيئًا عنها على الإطلاق - أفدح بكثير من الخسائر الروسية. وروسيا أكثر قدرة بكثير من أوكرانيا على تعويض خسائرها، وبالتالي الحفاظ على حملة عقابية لفترة أطول.
لكن النتيجة لن تكون بالضرورة سريعة أو مباشرة كما قد نعرضها هنا. بادئ ذي بدء، يعد تطويق القوات الأوكرانية في دونباس مناورة ضخمة ومعقدة، وقد تستغرق أسابيع، وربما مدة أطول، قبل تحقيقها بالكامل.
حتى في ذلك الوقت، ليس من المستبعد نظريا أن يقرر زيلينسكي، تحت ضغط من العناصر القومية المتطرفة والفاشية في حكومته ومن "حلفائه" في واشنطن ولندن، مواصلة القتال، رغم أنه يجب أن يعرف أن هذا من شأنه أن يكون مسار عمل كارثي.
يساعد جو بايدن وبوريس جونسون زيلينسكي، الذي يقف على حافة منحدر، على اتخاذ خطوات قليلة للأمام. هل يوجد أصدقاء مثل هؤلاء، ممن هم في حاجة إلى الأعداء؟ على أي حال ، ليس من الصعب التنبؤ بالنتيجة النهائية.
- العواقب
ستكون عواقب كل هذا بعيدة المدى. ولن تكون مرغوبا فيها لدى أغبياء الجنجويين في واشنطن ولندن. كل الدعاية الغربية حول الانهيار الوشيك لروسيا، والتصريحات الجامحة بأن بوتين يقف وراء الجدار قد تم الكشف عنها بالفعل على أنها هواء ساخن سخيف.
كان للعقوبات، بالطبع، بعض التأثير على روسيا - لكن لم يكن لها على الإطلاق الآثار الكارثية التي كان الغرب يأمل فيها. لقد أثاروا غضب الناس وكرهوهم في الغرب، دون أن يكون لهم أدنى تأثير على أفعال بوتين أو الحرب في أوكرانيا.
كان بايدن وشركاؤه يأملون أنه من خلال ضرب جيوب الأوليغارشية الروسية، فإنهم سيقلبونهم ضد بوتين. ولكن كان لذلك تأثير معاكس بالضبط. أبلغت مصادر في روسيا أن دعم النخب الروسية لبوتين بعد فرض العقوبات الغربية قد ازداد بالفعل.
قبل الشروع في تنفيذ العملية الخاصة كان الأوليغارشيون الروس مؤيدين للغرب. ولكن هذه لم تعد هي القضية. لقد هاجر المؤيدون للغرب، في حين تعبأ الذين بقوا وراء بوتين.
فيما يتعلق بالجماهير العريضة ، يتزايد التأييد للحرب في جميع الفئات الاجتماعية. ومع ذلك، على عكس عام 2014، فإن دعم الجماهير لبوتين، رغم وجوده، هو دعم سلبي إلى حد ما. يمكن أن يتغير هذا في أي وقت في المستقبل، ولكن ليس في أي وقت قريب. أما بالنسبة للمحاولات الغربية لدفع الجماهير إلى الانتفاضة ضد بوتين - فهذا يساعده أكثر من أي شيء آخر. قد لا يحبون بوتين كثيرا، لكن لديهم كرها عميقا لحلف الناتو والإمبريالية الأمريكية ، التي يعتبرونها بحق أعداءهم اللدودين.
سيتعين علينا التعامل مع العواقب الاقتصادية في مقال مستقبلي. لكن الجماهير تعاني بالفعل من آثار العقوبات في تدمير النسيج الهش للتجارة العالمية، وتعطيل سلاسل التوريد ، والتسبب في زيادة النقص وارتفاع التضخم. سيتعين على الجماهير أن تدفع فاتورة جرائم الرأسمالية والإمبريالية: ارتفاع الأسعار وانهيار مستويات المعيشة. هذا سوف يؤجج نيران الصراع الطبقي.
يُظهر التاريخ أن الحروب غالبا ما يكون لها عواقب ثورية بمجرد أن تبدد الأبخرة السامة للشوفينية وحمى الحرب. وبالفعل، فإن العمال اليونانيين يتقدمون بإضراب عام ومظاهرات حاشدة ضد الحرب والاعتداء على مستويات المعيشة. سيتبعهم الآخرون.
الأحداث في أوكرانيا هي مقدمة لفترة جديدة وعاصفة في تاريخ العالم. في بلد تلو الآخر، ستبدأ الجماهير في استخلاص استنتاجات ثورية. يجب أن يكون الماركسيون مستعدين!
الشيء الأكثر أهمية هو عدم الانغماس في وابل الدعاية الرسمية غير المسبوق، من أجل الحفاظ على الهدوء والحفاظ على موقف طبقي ثوري أممي ثابت.
والشرط المسبق لذلك هو الحفاظ على إحكام قبضتك على السيرورات الحقيقية عن طريق التحليل الماركسي العلمي. دع أفعالنا تسترشد بالكلمات الرائعة لذلك المفكر الجدلي العظيم اسبينوزا : لا تبك ولا تضحك، بل تفهم.
(انتهى)

#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات