|
-الهزيمة- التي يحتاج إليها الفلسطينيون!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 1692 - 2006 / 10 / 3 - 06:51
المحور:
القضية الفلسطينية
دخل "الحديد والنار.. والدم" في الصراع الفلسطيني، أي في الصراع بين "حماس" و"فتح"، بين "الحكومة" و"الرئاسة"، بين "القوة التنفيذية" التابعة لوزير الداخلية سعيد صيام، الذي لديه من ضيق الأُفق ما يَفْرِض منعه من تولي أي منصب عام، وبين "قوى الأمن الفلسطيني" التي تأتمر بإمرة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. إن مشعل في دمشق، وحمدان في لبنان، وصيام في غزة، لم يتخلوا عن سعيهم إلى "نصر" يُهْزَم فيه الشعب الفلسطيني، مع قضيته وحقوقه القومية، شرَّ هزيمة.. هزيمة لا يبقى معها، وبسببها، من وجود حتى لهذا "المهزوم"، أو لهذا الذي يقودونه، بما يستبد بهم من مصالح فئوية ضيقة تضرب جذورها عميقا في لعبة سياسية إقليمية سورية ـ إيرانية، أو سورية وإيرانية، إلى هزيمة تعدل الفناء.
إنني مع الصراع، أكان سياسيا أم فكريا، فالشعب الفلسطيني يحتاج إلى مزيد من الصراع حتى يميِّز الغثَّ من السمين، ويؤسِّس لوحدة صلبة بين حقه القومي وحقه الديمقراطي. وإنني مع المضي فيه قُدما حتى ينتصر كل جدير بالانتصار، ويُهَزَم كل جدير بالهزيمة؛ ولكن يكفي أن يدخل "الحديد والنار.. والدم" في لعبة الصراع الفلسطيني، في الحال الفلسطينية الغنية عن الشرح والوصف، حتى أدعو إلى خيار "الهزيمة والانهزام".
وحتى تأتي "الهزيمة والانهزام" بما يعود بالخير والنفع.. والنصر على الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه القومية أقول إنَّ "حماس"، حركةً وحكومةً، هي المدعوة، وحدها، إلى أن تقبل، عن طيب خاطر وبرحابة صدر، "الهزيمة والانهزام". هي، وحدها، وبقيادة إسماعيل هنية، المدعوة إلى الإسراع في رفع "الراية البيضاء"، التي هي كناية عن ترك الحكم والحكومة، وحل "القوة التنفيذية"، وإنهاء كل مظهر من مظاهر وجودها العسكري في الشوارع، وفي كل مكان، والبقاء حيث كان ينبغي لها أن تبقى، أي في موقع "المجلس التشريعي"، مع إعلان تأييدها لخيارات من قبيل إجراء استفتاء شعبي يتقرَّر عبره مصير "وثيقة الأسرى"، وما شابهها من "حلول"، وإجراء انتخابات جديدة، تشريعية، أو تشريعية ورئاسية.
"حماس" التي يحتاج إليها الشعب الفلسطيني إنما هي "حماس" التي يمكنها وينبغي لها أن تخاطب مشعل وحمدان وصيام، وغيرهما، قائلة: نفضِّل الهزيمة والانهزام ورفع الراية البيضاء على هذا النصر الذي تريدونه، وتسعون إليه، والذي لن يتمخَّض إلا عن هزيمة تعدل الفناء، يمنى بها الشعب الفلسطيني مع قضيته وحقوقه القومية.
و"حماس" بـ "استسلامها" هذا والذي سينزل بردا وسلاما على الشعب الفلسطيني يمكنها وينبغي لها أن تخاطب الفلسطينيين قائلة: لقد فشلنا في أن نخدمكم، وبما يتَّفق مع "ثوابتنا السياسية"، عبر الاستحواذ على جزء من السلطة الفلسطينية، هو الحكومة وبعض الهيئات والمؤسسات الرسمية؛ ومع أن فشلنا هو في المقام الأول من ثمار ما فُرِض على الفلسطينيين من حصار مالي واقتصادي وسياسي دولي، فإننا سنجعل هذا الفشل بداية نجاح من خلال ترك الحكم والحكومة، ونبذ كل ما من شأنه أن يحوِّل خلافنا واختلافنا إلى صراع بالحديد والنار.. نفوِّض أمر التفاوض السياسي مع إسرائيل إلى الرئيس محمود عباس بصفة كونه رئيسا للسلطة الفلسطينية ولمنظمة التحرير الفلسطينية؛ ولكننا نستمسك، في الوقت نفسه، بمطلب إقرار كل اتفاق في شأن حل نهائي، يتمخض عنه التفاوض السياسي، عبر استفتاء شعبي، أي عبر استفتاء يدلي به الشعب الفلسطيني بأسره برأيه في هذا الاتفاق.. نلتزم إنهاء كل ما يتعارض مع سعي السلطة الفلسطينية إلى إظهار وتأكيد سيادتها الأمنية والعسكرية حيث تسيطر، ونلتزم نهجا للمقاومة القومية يُعزِّز ولا يضعف الوحدة القومية للشعب الفلسطيني، ويدرأ عنه مخاطر الاقتتال والحرب الأهلية.
لقد تفاجأت "حماس" قبل غيرها بالفوز الانتخابي الكبير الذي أحرزته؛ وكان ينبغي لها أن تفهم في موضوعية أكبر أسباب هذا الفوز، كما كان ينبغي لها أن تدرك أن الضعف الفلسطيني العام يتركَّز في أجهزة ومؤسسات السلطة الفلسطينية، فهي تشبه بيتا من زجاج لجهة قدرته على أن يحمي من يدخله، فإنَّ من الحماقة بمكان أن يعتقد أي فلسطيني أن في مقدوره أن يدخل هذا البيت ليقول "لا" لشروط ومطالب اللجنة الرباعية الدولية، وأن يدرأ، في الوقت نفسه، عن الفلسطينيين، وعن الموظفين الحكوميين على وجه الخصوص، مخاطر حصار دولي مالي واقتصادي يمكن أن يتمخَّض سريعا عن كارثة إنسانية تصيب الفلسطينيين عموما، والموظفين الحكوميين مع عائلاتهم على وجه الخصوص، فالدول والقوى المؤيِّدة لـ "الثوابت"، التي تتبناها وتلتزمها اللجنة الرباعية الدولية، هي وحدها شريان الحياة بالنسبة إلى أجهزة ومؤسسات السلطة الفلسطينية، ولن تسمح لغيرها بأن يملك نفوذا في تلك الأجهزة والمؤسسات مضادا لنفوذها. حتى ما تتلقاه القوى الأمنية الفلسطينية من سلاح وعتاد وتدريب هو جزء لا يتجزأ من هذا "النفوذ الدولي".
"حماس" توهَّمت، وأوهمت الفلسطينيين، أن في مقدورها أن تكسر هذا الحصار المالي والاقتصادي الدولي، وأن تُثْبِت أن في مقدورها أن تؤسِّس للعبة تفاوض من نمط جديد ومختلف. هذا الوهم هو الذي زيَّن لها أن تُتَرْجِم وزنها الانتخابي والبرلماني، الذي تفاجأت بعظم مقداره، بوزن حكومي.
ولمَّا بدأت الأزمة المالية تعصف بالأجهزة والمؤسسات الحكومية مع موظفيها وعائلاتهم، ولمَّا أخفقت "حماس" في سعيها إلى إخضاع القوى الأمنية الفلسطينية التي تأتمر بإمرة الرئيس عباس لسيطرة حكومتها، اختارت حلا يبدأ بإنشاء "القوة التنفيذية" التي ستكبر وتنمو من خلال انهيار الأجهزة والقوى الأمنية الفلسطينية. إنَّ الوهم الذي تخالطه مصالح فئوية ضيقة هو الذي أغرى أمثال مشعل وحمدان وصيام بتحويل "الحكومة" إلى ما يشبه "الثقب الأسود"، الذي بما يتمتع به من قوة جذب لا مثيل لها سيَنْقُل كل، أو جل، سلطات وصلاحيات الرئاسة ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى الحكومة التي ألَّفتها "حماس".
"حماس" كانت تعلم علم اليقين أن رفضها تلبية شروط ومطالب اللجنة الرباعية مع حل "الهدنة العشرية" الذي اقترحته لن يؤدي إلى أي تفاوض سياسي مع حكومة أولمرت؛ لكنها كانت تتوقع أن يتحوَّل موقفها هذا إلى تعزيز وتقوية لحجة "انتفاء الشريك الفلسطيني"، فتمضي حكومة أولمرت قُدما في تنفيذ الحل المسمَّى "خطة التجميع (أو الانطواء)"، فتُضم أجزاء من الضفة الغربية إلى قطاع غزة حيث تسيطر حكومة "حماس"، التي ستصوِّر ذلك، عندئذٍ، على أنه مزيد من "التحرير" المُنْجَز من غير تفريط في "الثوابت".
الأزمة الآن، وكما تَظْهر لنا، هي في المقام الأول "أزمة رواتب"، فالموظفون الحكوميون مع عائلاتهم، وهم فئة واسعة من المجتمع الفلسطيني، يريدون رواتبهم التي هي حق لهم، لا يجادلهم فيه ولا ينكره عليهم أي فلسطيني. هم يعلمون أن إسرائيل والولايات المتحدة هما المتَّهم الأول والحقيقي في ارتكاب هذه الجريمة في حقهم؛ ولكنهم يحمِّلون حكومة "حماس" مسؤولية الفشل في أن تدرأ عن رواتبهم مخاطر موقفها السياسي. إنهم لا يدعونها إلى الاعتراف بإسرائيل، وتلبية شروط ومطالب اللجنة الرباعية الدولية؛ ولكنهم يدافعون عن حقهم في الحياة الكريمة بدعوتهم لها إلى أن تقف موقفا يسمح بحل "أزمة الرواتب"، التي كان ينبغي للفلسطينيين جميعا أن تتضافر جهودهم المالية على حلها بمنأى عن ضغوط "المانحين الماليين الكبار"، فسيادة السلطة الفلسطينية، التي هي محل إجماع فلسطيني، تفقد معناها الأهم إذا ما سُمِح للقمة عيش المنتسبين إلى الأجهزة والقوى الأمنية بأن تظل عرضة لضغوط أولئك المانحين.
هذه الشريحة من المجتمع الفلسطيني لا بد من النأي برواتبها عن كل مَصْدَر من مصادر التمويل الأجنبي والخارجي. رواتب هذه الفئة يجب أن تأتي من مصادر فلسطينية فحسب حتى لا نرى أفرادها مع أسلحتهم في الشوارع يتظاهرون ويعتصمون. ولا نريد، على وجه العموم، للموظفين الحكوميين أن يُضطَّروا إلى الدفاع عن حقهم في الراتب في طريقة تسمح لقوى معادية للفلسطينيين بأن يقولوا إن الراتب الحكومي هو الذي يؤسِّس لسياسة فلسطينية تقوم على الاستخذاء للشروط والمطالب الإسرائيلية.
"حماس" حتى الآن لا تملك من المواقف إلا ما يفضي إلى مزيد من الأزمات الفلسطينية، وإلى جعل الحرب الأهلية خطرا واقعيا وشيكا. والحل الذي لا يؤيِّد سواه الواقع مع حقائقه المرة إنما يستدعي أن تغادر "حماس"، فورا، كل مواقع السلطة التنفيذية، وأن تقف مواقف جديدة، تسمح لها بالاحتفاظ بكل "ثابت سياسي" تعتقد بأهمية وضرورة الاحتفاظ به، وتسمح لرئاسة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية بإنهاء الحصار المالي والاقتصادي والسياسي الدولي الذي يتعرض له الفلسطينيون.
أقول هذا وأنا أعلم أنني لا أُفاضِل إلا بين نهجين لم ينجح كلاهما حيث فشل الآخر؛ ولكن فشل النهج المضاد لنهج "حماس" كان أقل إضرارا بالفلسطينيين وقضيتهم وحقوقهم القومية. وإني أقول ذلك حتى أؤكِّد أن النهج الذي يحتاج إليه الفلسطينيون، ويمكنه تحويل ما فشلوا فيه إلى نجاح، هو الذي يقوم على معارضة قوية تمثِّلها "حماس" في المقام الأول، وسلطة قوية تمثَّلها "فتح" في المقام الأول.. معارضة وسلطة يمكن وينبغي لهما أن تختلفا؛ ولكن من غير أن يتحوَّل خلافهما أو صراعهما إلى اقتتال، هو المحرَّم الأول والأعظم في حياة الفلسطينيين.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قرار العرب إعادة -الملف- إلى مجلس الأمن!
-
التبديد الاقتصادي عبر النساء!
-
-النسبية- في القرآن كما شرحها الدكتور النجار!
-
الحرب -الإلهية-!
-
الميزان الفلسطيني المفقود!
-
-حزب الله- ينتقل إلى الهجوم!
-
مرض -التسليم بما هو في حاجة إلى إثبات-!
-
جدل الاعتراف بإسرائيل!
-
ثنائية -الإيمان والعقل- لدى البابا!
-
الخطأ والاعتذار!
-
-الفَرْد- و-السياسة-!
-
-العصر الوسيط- يُبعث حيا!
-
الفرصة التي يتيحها ضعف أولمرت!
-
في -النسبية-
-
بعضٌ من النقاط فوق وتحت حروف -الإرهاب-!
-
بين الكوزمولوجيا والميثولوجيا
-
الحل الذي يتحدى الفلسطينيين على الأخذ به!
-
بعض من تجربتي في الفساد!
-
-العَلَم العراقي-.. قصة ظلٍّ فقد جسمه!
-
لِمَ تعادي الولايات المتحدة -إيران النووية-؟
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|