|
بين روحانية رمضان وجمالية الجسد
أحمد الخمسي
الحوار المتمدن-العدد: 1692 - 2006 / 10 / 3 - 06:49
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
من الحكم المأثورة في الفكر الإسلامي المتبصر تلك التي تردد أن الله جميل ويحب الجمال غير أن الصيام في رمضان أحد منابع الجمال الروحي بين الناس وكأنه موسم سنوي للتعبئة في هذا الجانب الذي يساعد على تجديد مناعة النفس وهي أحد المقاصد الكبرى لهذا المشروع الحضاري للبشرية التي تستمد هويتها من الإسلام بحجم 20 في المائة من سكان الأرض، أي مليار وثلاثمائة ألف نسمة من المغرب إلى أندونيسيا والحديث هنا مسبقا لا يدعي المبارزة ضد أو مع المسيسين للدين أو ضد أو مع المحيدين للدين من الحياة العامة للناس لكن النقاش بصدد ركن من الأركان الخمسة للإسلام في هذه المقالة ليست سوى توصيف الأسئلة المرتبطة بملمح من ملامح الهوية المعاشة يشتاق كل المنتمين لأمة المسلمين المهاجرون في الديار الغربية لتكرار طقوس اليوم الرمضاني بالساعات الأربع وعشرين كلها قد لا تسعهم الظروف التفصيلية للعمل أو للإقامة أو للنقل اليومي أو التشكل السوسيولوجي لمعيشهم أو التراكم النفسي لمخيالهم العقدي، لاستكمال ما قد يراه مؤمن »مطبق« من غلاة السنة أو من غلاة الشيعة أو من غلاة الظاهرية غير أن التشكل الإجمالي للفرد في الأمة الإسلامية ما كان ليطمئن لما يردده غلاة الملحدين من الضفة الأخرى، كون اللألبسة الثقافية والروحية لشعب من الشعوب، تستطيع معايشة طويلة الأمد لمجتمع مغاير محو الجذور الحضارية، ومقاومة ما طرزته جمالية تجويد القرآن الكريم والإيقاع العذب للآذان خلال الفجر على الخصوص، من خيوط عصبية في الحواس الخمس عبر الطفولة مرورا بفترات اليفاعة والمراهقة، ضمن شروط المعايشة والمثاقفة، وكذا شروط النسب المعروفة من الأمية والفقر والتأخر التاريخي طيلة القرون الخمسة الماضية الأخيرة إن الملاحظة الملموسة لدى حضارات الشرق الأكثر إيغالا في الانضباط التربوي الديني بما نلاحظه من درجة الانغراس التراثي لدى اليابانيين والصينيين رغم توجههم التاريخي بلا رجعة نحو الحضارة الغربية، تؤكد هذا الاستمرار الأبدي في شخصية الإنسان كيفما كانت درجة التطور العقلاني والمادي والتكنولوجي كما أن الملاحظ لدى المسيحيين الذين يسعون إلى استحضار الشأن المسيحي في الساحة العمومية ابتداء من يوم العطلة الأسبوعية ومرورا من حضور القداس الذي تنظمه الكنائس في النقط السكنية في المجتمعات المسيحية، بغض النظر عن الموقع الجغرافي وقد ارتبطت جمالية المعنى في الأذن العربية عبر الأغنية مخترقة موطن النشأة والانتماء الديني مثل ما رأينا في تداخل التغني بالانتصار والانتماء للمقاومة في لبنان وقد استمعنا الامين العام لحزب العدالة والتنمية عبر قناة الجزيرة أخيرا وهو يدافع عن التجذر الوطني والصدق القومي لليهود المغاربة الذين استنكروا الحرب التدميرية التي شنتها اسرائيل على لبنان مقابل ذلك سبق للكاتب الحكيم ادمون عمران المليح أن تشكى من تدهور ولع المغاربة بقراءة الكتب مؤكدا تراجع التربية والتعليم في خلق تقليد القراءة لدى أبناء المغاربة بدءا بتعويدهم على اكتشاف جمالية القرآن وعمق أفكاره الإيمانية، كان ذلك في محاضرة بالدارجة بالمعهد الفرنسي بتطوان هذه المرونة في سلوك أقطاب الانتماء الديني المتنوع بين المغاربة يظهر جمال الروح لدى المغاربة وهم في ذلك، بقدر ما يتولد لديهم الحذر حد الحساسية تجاه أوربا المهددة لهويتهم بقدر تمرسهم التاريخي الطويل على معايشة الأديان المختلفة مع الإسلام مما يفسح أمامهم الآفاق للحفاظ على الهوية العقدية والحضارية بهدوء دون اضطراب ولا قلق ولا فوبيا إذ يتجهون اتجاه تركيا التي استعادت بهدوء الوجه التاريخي لهوية المجتمع في انسجام تام مع الخطوات التي خطتها الدولة التركية منذ ثمانين سنة مضت في اتجاه التاريخ العام للبشرية وقد نحتاج لعشرات الدراسات الأنثروبولوجية لمعرفة التكامل النوعي بين علمانية الدولة التركية وعمق التدين الهادئ لدى الترك على عكس العديد من حالة الاضطراب بين الشعب العربي، السني على الخصوص عندما يتأهب بقوة المشاعر وأحزمة الشعائر لاعتراض الخطط الاستعمارية الرأسمالية للغرب إن الالتقاط السينمائي وعبر التعبير الفني والأدبي لدرجات الاندراج المغربي والتركي وهما على خط التماس مع الخطر العسكري الأوروبي منذ خمسة قرون مضت، سيكشف رفعة التمييز الحضاري في عين المغاربة والترك وهما يؤكدان الانتماء المزدوج للعصر وللأمة، الانتماء العام والانتماء الخاص كيف يمتلكون ناصية التنسيق وروح الجدل المنتج بين التعميم والتعميق بلا خوف ولا حدة لذلك، فاعتراف المغاربة بقوة الخالق فوق كل مخلوق، تظهر في احترامهم المتبادل لأشكال اللباس، من لباس الجسد إلى لباس الروح فلعل محتجب اللباس، يجد نفسه محتاطا بقناعة شخصية لحفظ هويته العقدية دون التفريط في حقه في الحياة في العصر طولا وعرضا ولعل المنطلق في انتمائه للعصر شكلا مطمئن لانتمائه الروحي ولهويته بسيكولوجية هادئة منشرحة لا يختلف في توادده الاجتماعي عن أخيه المحتجب مما يفسح لدى الإثنين سعة في الصدر وثقة بالنفس كون كل واحد منهما منسجم مع أغلى ما يملك إنسانية الانسان التي يعتز بها ضمن شروط العيش والوعي معا لذلك، لا ينقص اليوم الرمضاني درجة في جماليته مقارنة مع الأيام الأخرى بل يشهد الجميع أن النصف الثاني من الشهر يملأ وعي وسلوك الناس ونظامهم الزمني مما يشهد على كون الارتفاع الكمي الديمغرافي بين الناس المتبعين لموضا اللباس المسماة احتجابا ابتغاء مرضاة الخالق، لا تلغي ارتفاع منحنى اندماج المجتمع المغربي ككل في الحداثة والديمقراطية، ما دامت حكمة التدبير السلس من طرف الدولة وجمالية التعايش داخل المجتمع تترك العين متفتحة على النقط الجمالية لدى كل المغاربة مهما اختلفت تفاصيل يومهم الرمضاني لذلك فاعتبار الخالق جميلا يحب الجمال، من باب التلقيح المعنوي للجميع تكمل حكمة الدفع بالتي هي أحسن، إذ تتفاعل النظريات الجمالية لتوفر توافقا في مختلف مناحي الحياة والجسد البشري، وهو يجد نفسه مكرما ضمن هذه الروح التوافقية، بالتأكيد سينمي لدى المغاربة ككل طاقة استراتيجية للمساهمة في تحصين الأمة من أجل الاحترام المتبادل مع الأمم الأخرى بهذا المعنى، يفهم يقظة المغرب الملاحظة خلال الأيام الأخيرة حول تصريحات باب الفاتيكان، من طرف الدولة التي أعلنت المشروع الحداثي الديمقراطي إن تقاليد اللباس ونفسية الأفراد لا تستطيع الحد من الفيض الروحاني في الموسم الرمضاني فالأصل أن لا تناقض بين تنمية جمالية الجسد والتشبع الروحي في قلب الماديات الحضارية أما ثنائية العزل بينهما فهي من باب الوعي الشقي لا علاقة لها بالوعي النقدي سواء في التعبير الفني الجسدي أو في التعبير الروحي العقدي وجيل الشباب أدرى بما يتكامل لديه من مقومات الروح ومقومات الجسد وهو أقرب إلى نفسه من كل مفتي سواء ذات اليمين أو ذات الشمال إن الرغبة الحاسمة للترك في الالتحاق بأوروبا قالبا لم تمنع أن يحتمي قلب المطالبة بالجسد التنظيمي لحكم العدالة والتنمية كذلك لا تنفي روحانية رمضان أن تزدهر جمالية الجسد تربة لجمالية الروح الحديثة والديمقراطية
#أحمد_الخمسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خلق الحدث السياسي
-
مقاربة الإصلاح في أميركا اللاتينية
-
الوجه السلبي من البونابرتية في السياسة الخارجية الجزائرية
-
المغرب:الانتقال من من بناء -القوة- إلى بناء الثقة
-
تحت سقف الاستراتيجية الديمقراطية أي دور لحزب العدالة والتنمي
...
-
فوق نفس الرقعة: ربح العرب الضامة وربحت أمريكا الشطرنج
-
2006-1996 عشر سنوات بعد الاصلاح الدستوري في المغرب أي أفق
-
منبعنا مشترك سواء في لبنان أو روما
-
الانتقال من الوطنية الى المواطنة
-
ثلاثة ملايين مهاجر مغربي كتلة لإنتاج قيم الديمقراطية والتقدم
-
تركيا: حجر الزاوية في حوار المتوسط
-
من يستفيد من حرية الصحافة الأنظمة أم الشعوب؟
-
الجدل الصاخب بين شبق الهوية وعبق الحرية
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|