|
كريستوفر كولومبوس وعقبة بن نافع
طارق الهوا
الحوار المتمدن-العدد: 7402 - 2022 / 10 / 15 - 23:46
المحور:
كتابات ساخرة
عندما هاجرت إلى الولايات المتحدة في بداية هذا القرن، لاحظت أن المدارس الحكومية في كاليفورنيا وباقي الولايات تُغلق يوم 10 تشرين الأول احتفالا بيوم كريستوفر كولومبوس مكتشف أميركا، رغم أن أميرغو فيسبوتشي هو المكتشف لقارة أميركا الشمالية، وأسمها يكاد أن يتطابق مع اسمه. وكانت هناك صدفة غريبة في أول بناية سكنت فيها هي وجود طباخ أميركي أفريقي اسمه كولومبوس يطبخ على الطلب لمن يطلب وجبة غذاء من سكان البناية في هذا اليوم، وكانت هذه الوجبة أمريكية تقليدية. ثم لاحظت بعد ذلك وأولادي يكبرون في العمر وينتقلون إلى مدارس أخرى، أن بعض المدارس الحكومية تحتفل بيوم كولومبوس وبعضها لا يحتفل، رغم أنه عيد رسمي تُغلق فيه مكاتب الحكومة ودوائرها، وعندما سألت عن ذلك عرفت أن القرار يختلف من منطقة تعليمية إلى أخرى، لكن الجواب الخبيث من مدير مدرسة ابني كان نصفه صحيحاً، لأن قرار عدم الاحتفال اتُخذ تضامنا مع الذين يعتبرون أن كولومبوس استعماري، واختيار الغلق أو الفتح يعود إلى عقلية مدير المنطقة التعليمية. كان في ذلك الوقت ما يُسمى "تجمع الأطياف" في أميركا قد بدأ يُؤسس ويقوى بوصول حسين أوباما إلى السلطة سنة 2008، وبدأ التجمع يضخم نظرية الاستعمار الأوروبي لأميركا، الذي تعامل بعنصرية مع الأقليات والسكان الأصليين، ويعمّق الشعور بالذنب منه في نفوس بعض الناس القابلين للإيحاء أكثر من غيرهم، لدرجة أن بعض أفراد من العنصر الأبيض بدأوا يشعرون بالذنب فعلا، وقد سمعت مُعلمة تقول عن طالب أفريقي أميركي انها السبب في تعاسته، فقلت لها وكانت تسمعني بذهول لأنني من أصول شرق اوسطية ومفترض أن أكون من "الأطياف" : "يا استاذة.. إنسي عذاب ضميرك المبالغ فيه، فأنت لم تستعمري أميركا ولم تمارسي العنصرية في ماضيها، بل أنت جزء من أميركا وحاضرها، وهذا الولد لو لم يُؤتى بأجداده هنا لكان في أفريقيا ربما يكش الذباب من على وجهه اليوم، ويغط في جهله في مدرسة مزرية، ويعاني فقره وأمراض نقص التغذية". كما تمول الاطياف الأفلام والاعلام الذي يروج ويرسخ هذه النظرية، وكانت زوجة حسين أوباما في أي حديث صحافي تقول أنها ليست سعيدة وتشعر بالضيق النفسي وهي تسكن في البيت الأبيض لأن اجدادها الأفارقة الأمريكيين هم الذين بنوه سخرة وبدون أجر، وهي دائما تتذكر هذا الأمر وتشعر بغصة. لكننا مع ذلك لم نسمع أنها غادرت البيت الأبيض لحظة وذهبت للعيش في شقة زوجها، قبل أن يبني قصره بعد فترة رئاسته. ما روجت ولم تزل تروج له زوجة حسين أوباما في دردشات محاضراتها عن حياتها كزوجة رئيس سابق كذبة كبيرة لأن البيت الأبيض بُني قبل حضور الأفارقة إلى الولايات المتحدة، مع عدم نسيان أن معظم الحضارات بُنيت بعد غزو الأقوياء لمناطق الضعفاء، ورغم الأهوال التي صارت بسبب هذه الحروب إلا أن بعض فوائدها كان نشر العلم والمعرفة والقوة في مناطق أميّة فقيرة غير مستغلة مواردها، وكيف كان سيكون مستقبل استراليا والأمريكتيّن إذا لم يذهب الأوربيون إليها؟ ثم بدأ حسين أوباما يُعظم احساس الأطياف بالشعور بأنهم مغترين حقوقهم ضائعة في الولايات المتحدة، و عادت حركة "أنتيفا" أو ضد الفاشية إلى الظهور، وهي ليست منظمة موحدة، ولا يديرها هيكل قيادة هرمي، وإنما هي مظلة تجمع أشخاصاً يتشاركون الاهتمام بعدد من القضايا، أهمها مقاومة الحركات القومية البيضاء، وبدا واضحاً جدا بعد مقتل جورج فلويد (المريب جدا في حدوثه وتوقيته) الذي كان خارجا من سوبر ماركت بعد سرقته وقبضت الشرطة عليه وحدث ما حدث، أن الأطياف و "أنتيفا" يريدون أكثر من إلغاء الاحتفال بيوم الاستعماري كولومبوس، وغيره من المناسبات الأمريكية لأنهم أعلنوا صراحة بالتضامن مع الليبراليين عن "إلغاء ثقافة"، وطالبوا بهدم تماثيل الرؤساء الامريكيين الذين كان لديهم عبيدا، وهدم تماثيل القادة العسكريين الذين شاركوا في الحروب ضد الأميركيين الأصليين أو الهنود الحمر، وتغيير أسماء بعض القواعد العسكرية الأمريكية التي تحمل إسم أي قائد شارك في معركة ضد الهنود الحمر، وقد تم ذلك في بعض الولايات، رغم أن وجود العبيد والحروب ضد الهنود الحمر كان في سياق تاريخي محدد، ثم اعتذر عنه الرسميون الأميركيون، وأعطوا تدريجيا للأفارقة الامريكيين والهنود الحمر كل الحقوق بفضل شرعة حقوق الإنسان منذ عام 1948، عندما اتفقت الدول للمرة الأولى على قائمة شاملة من حقوق الإنسان غير قابلة للتصرف، واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي شكّل مَعلَماً أثّر جذرياً في إعداد القانون الدولي لحقوق الإنسان. ومما يتمع به سكان أميركا الأصليين على سبيل المثال هو الاعفاء من الضرائب، إضافة إلى حقوق الانسان. يغالى الليبراليون والأطياف وأنتيفا في طلب الحقوق لأن هدفهم هو تدمير الحضارة الغربية التي تطورت إلى شكلها الحالي وينتمون إليها. تجاوز هوسهم السياق التاريخي الذي يمكن النظر إليه بغضب، أو تسامح إذا كان الانسان متوازنا، لكن تدميره خطر لأن المستقبل سيكون فوضى وبدون أي معالم ثقافية واضحة جامعة للمجتمع. هذا يحدث في أميركا والغرب بشكل عام، والمبالغات ستُصحح يوما ما، والهوس سيختفي أيضا، ومزيد من الحقوق المنطقية ستضاف إلى المجتمعات، بينما في الشرق الأوسط لم يزل يُحتفل ويُمجد الغزاة العرب الذين خرجوا من شبه الجزيرة العربية ودمروا أعظم الحضارات في العالم القديم، وحرقوا كتبها وحاولوا ازالة معالمها قدر المستطاع، وشطبوا معظم لغاتها من التعامل اليومي والمدارس ودواوين الحكومة حتى أن بعضها اندثرت تماماً، لصالح نشر لغة أهل الجنة، ولم يزل الأمازيغ يعتبرون مقابر الغزاة، الذين سحقوا أسلافهم وأسروا زوجاتهم وبناتهم، مزارات أولياء الله الصالحين، ولم يزل يُقال عن عقبة بن نافع في كتب التاريخ الإسلامية أنه بطل رغم أنه لم يكن عقبة ولا نافع، بل كان دموياً سحق حضارات شمال أفريقيا وحضارة الامازيغ مع غيره من أبطال. السبب الحقيقي لما يحدث في الشرق والغرب هو الحرية، واختلاف النظرة إلى الدين، فالدين بعد عصر النهضة في الحضارة الغربية أصبح في نطاق الايمان وداخل الكنائس فقط، أما في الشرق فلم يزل الدين في الدساتير والحكومات والبرلمانات وكتب الطب والاقتصاد والدكاكين وبرامج الطبخ على يوتيوب (بسم الله الرحمن الرحيم ... رح تشوفوا معنا اليوم طبخة المقلوبة.. وإن شاء الله تعجبكم) والمستشفيات حيث يشفي الله من يشاء، لأنه هو الشافي. هذه هي الفوارق بين الدين الطقسي الذي هدفه العبادة والدين السياسي الذي هدفه احتلال العالم وفرض الدين على كل مظاهر وممارسات الحياة بما فيها العلاقة الجنسية بين الزوجين والاهتمام بالاسنان وكيفية تنظيف المؤخرة بعد قضاء الحاجة. لم أسمع عن أي حركة أو تجمع مسيحي شرقي يطلب من الأزهر أو غيره الاعتذار عن ضياع ثقافته ولغته وقتل أسلافه، بل سمعته من أبطال التنوير المسلمين مثل محمد داوود ومؤمن سلام وحامد عبد الصمد وغيرهم. هل تصل شرعة حقوق الإنسان إلى دول الشرق الأوسط يوما؟
#طارق_الهوا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خواطر حول إمبراطورية في خطر
-
ميلوني المتطرفة والقرضاوي المعتدل
-
أوقفوا القطار لإقامة الصلاة
-
رسالة لمارين لوبان في رئة كاهن
-
رئيس نائم وزلق اللسان أيضاً
-
نبوءة الأسقف ديزموند توتو (2)
-
نبوءة الأسقف ديزموند توتو
-
دور فاتيكاني سياسي مرفوض
-
القمّص يُبحر واثقاً في مضيق اللعنات
-
الاستعمار الإلهي والاستعمار الانساني (2)
-
فشل أميركا في قيادة العالم
-
الاستعمار الإلهي والاستعمار الانساني
-
صحوة الموت الاسلامية
-
حقوق الإنسان الجديدة
-
إرهابي؟ إذن قدِّم طلب هجرة للغرب
-
بايدن رئيس ولايات متعددة الجنسيات
-
ما الذي يشغل الإمام الأكبر؟
-
انتخابات مرسي وانتخابات حسين/جو
-
الديمقراطية بعين واحدة
-
احترام معتقدات الآخرين
المزيد.....
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
-
نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
-
الموسم السادس: قيامة عثمان الحلقة 178 باللغة العربية على ترد
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|