محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 7401 - 2022 / 10 / 14 - 12:04
المحور:
الادب والفن
حينما أضاءت اللوحة الإلكترونية بعد ثلاث ساعات من الانتظار، اتجهت نحو الموظف الذي يضع طاقية المتدينين الصغيرة على مؤخرة رأسه. قدمت له مجموعة من الأوراق وفواتير الضريبة والماء والكهرباء التي تثبت أنني أقيم في القدس منذ عدت إليها.
سألني: هل كنت خارج المدينة فترة من الزمن؟
قلت: غبت عنها ثماني عشرة سنة، لأنني كنت مبعداً.
سأل: ماذا تعني بقولك مبعداً؟
رحت أشرح له الأمر، فبدا لي أنه لا يفهمني، أو أنه لا يريد أن يفهمني.
قلت: أبعدت آنذاك بقرار من وزير دفاعكم.
سأل: لماذا؟
قلت: لأسباب سياسية.
سأل: هل يوجد لديك ما يثبت أنك كنت مبعداً؟
قلت: لا يوجد لدي.
وقلت: حينما وضعني جنودكم على الحدود اللبنانية لم يكونوا معنيين بتزويدي بوثائق تؤكد أنني مبعد.
(أتذكر المفارقة المؤسفة، إذ كانت بوادر الحرب الأهلية في لبنان على الأبواب حينما وصلناها، فاعتقلتنا المخابرات اللبنانية مدة ست وثلاثين ساعة للتعبير عن عدم ترحيبها بنا، وللتأكد من أننا لسنا جواسيس للعدو، على حد زعم أحد مسؤوليها رداً على استفساراتنا الملحة عن أسباب هذا الاعتقال. وظلت تهربنا من سجن إلى آخر، ثم اضطرت إلى الإفراج عنا جراء الضغوط المستمرة التي قامت بها منظمة التحرير الفلسطينية لإطلاق سراحنا).
سأل: وكيف عدت؟
قلت: بقرار من رئيس حكومتكم.
سأل: هل توجد لديك نسخة من القرار؟
قلت: لا توجد، ولا أدري من أين يمكنني أن أحصل على نسخة، ولم أفكر بضرورة الحصول على نسخة.
أضفت بعد لحظة صمت: ثم إنني لم أكن العائد الوحيد. كان القرار يشمل ثلاثين مبعداً، وقد عدنا أمام سمع العالم وبصره، وتحدثت إذاعات ومحطات تلفزة كثيرة عن عودتنا.
حدقت فيه وسألته: ألم تسمع عن ذلك؟
ظل يقلب ببرود الأوراق التي قدمتها له، ولم يجب.
كان يبحث عن ثغرة ينفذ منها للتوصل إلى قرار يحرمني من الإقامة في القدس، طوى الأوراق.
قال: بعد عشرة أيام يأتيك الجواب.
يتبع
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟