|
حسين عبد العليم: تحريم الجنس أمر ممل جدا
نائل الطوخي
الحوار المتمدن-العدد: 1691 - 2006 / 10 / 2 - 09:39
المحور:
مقابلات و حوارات
حواره: نائل الطوخي في روايته الأخيرة سعدية و عبد الحكم و آخرون يصل الكاتب الروائي حسين عبد العليم إلي مفهوم خاص في الكتابة حجره الأساسي هو المزج بين الروائي و التاريخي، و هو في سرده التاريخي لعصر محمد علي لا يعتمد علي وصف إنجازات القادة بقدر ما يعتمد علي معلومات موثقة عن تفاصيل تبدو غريبة مثل استخدام الكلاب البوليسية في الشرطة لأول مرة أو منع البغاء في القاهرة، و من هذه التفاصيل القادمة من فوق يتوغل في حياة شخوصه التي تبدو ثورية بطريقتها الخاصة للغاية.
§ تؤرخ لعصر محمد علي استنادا إلي تفاصيل تاريخية دقيقة مثل ممارسة البغاء و مدارس الممرضات و بدء تدريب الكلاب البوليسية، كيف تري استخدام هذا فنيا؟ § هذا موضوع مهم جدا و طرأ علي ذهني في البدايات المبكرة لقراءاتي، و بالتحديد قراءة السائرون نياما لسعد مكاوي و الزيني بركات لجمال الغيطاني. لا شك أن الزمن التاريخي مات و لكنه لا يزال يقوم بجدل شديد مع الواقع. هكذا تصبح المسألة أجدي و أجمل، فيها جهد وفائدة، وهي ممتعة بشرط ألا يجور الجانب التوثيقي علي الدرامي الابداعي. و أن يكون هناك توازن بينهما. بدأت أنا نوعا من التجريب الخفيف في هذا الموضوع في رواية فصول من التراب و الرمل ، ثم دخلت هذه الرواية و عانيت فيها معاناة شديدة لكي أدرس إعلانات الفترة التاريخية، طريقة الكلام، العمل و المواصلات، و رغم المعاناة فقد كان العمل فيها ممتعا جدا. كنت أملك في البداية الفكرة الدرامية البسيطة. فتاة تعمل في أقدم مهنة في التاريخ، الدعارة، و لكنها تملك الرغبة في التطلع لكل شيء. هذا استدعي أن يكون هناك أشخاص آخرون لهم نفس الرؤية، ضابط البوليس، الممرضة و أخوها. أنا أعتقد مثلا أن الغرض من القوانين المحرمة للبغاء أثناء الاحتلال الإنجليزي، كانت لحماية جنود الاحتلال من الأمراض، أي الجانب الصحي، و كانت كذلك وجهة نظر محمد علي هي حصر البغاء. كل هذا يعطي خلفية لامرأة تعمل بالدعارة و لا أستطيع أن أقول عليها مومس، لابد من توضيح كل هذا. و إلا ستكون المسألة سطحية إلي حد كبير. § هناك جدلية في الرواية بين سرد إجراءات السلطة و النظر في نتائجها عند الناس. و هي جدلية تتحقق في رؤية الضابط بسادة أيضا حيث هو المخول بتنفيذ القانون و لكنه يقف ضده و يتأمله؟ § نعم. بسادة يتأمل القانون بشكل إنساني. يشعر أن هذا ليس مكانه و لكنه مضطر لأن يكون فيه و يشعر أنه غير مهتم به و لكنه مضطر لأن يكون أداة له. هذه الجدلية أيضا موجودة في التاريخ فكلوت بك أول من من أنشأ مستشفي في مصر، حتي لو تغاضينا عما أشيع عن هذه المستشفيات من أنها لا تقدم علاجا. هذا الرجل ارتبط باسمه شارع أصبح شارعا للدعارة. و كذلك الضابط بسادة ، لا ينظر لنفسه كممثل للسلطة و إنما كضابط خائب يجد نفسه مضطرا لمواجهة سعدية ولا يعرف كيفية التعامل معها. في لحظة مقابلته لها كان يحاول تقديم خدمة لأبيها و أخيها محاولا أن يعيدها لهما. أي أنها كانت خدمة شخصية ليست بوليسية. الضابط أعجب جدا بهذه البنت لأنها اختارت مصيرها بنفسها و بدأ يتذكر انه فعل نفس الشيء و اختار مصيره بنفسه. و هو يؤكد لنفسه أنها ليست مخطئة. إذن فأنا لم أصفه من ناحية أنه ممثل للسلطة و لكن من ناحية المفهوم الإنساني له. هو شخص وضعته وظيفته في السلطة. وهناك نماذج كثيرة علي هذا بالمناسبة، أشخاص يكونون في السلطة و يتمنون الخروج منها. و عندما يخرجون يعيشون حياتهم بشكل بسيط جدا، و لكنها بمجرد دخولهم (ينشدٌون) ثانية. § تبدأ الرواية بشكل تاريخي و ليس روائيا. ألم تتوقع أن يسبب هذا ارتباكا عند القارئ؟ ألا تري أنها مغايرة للذوق السائد؟ § قد يكون هذا فعلا قد حدث للبعض. قال لي البعض عندما قرأها أنه لم يستطع التواصل معها و حاول مرة ثانية و ثالثة. أنا أتيت بهذا المقدمة من التاريخ القديم جدا، تحطيم الخمارات و بيوت الدعارة ثم القوانين التي بدأت تحاصر و تقلل الدعارة إلي أن ألغيت ما قبل الثورة، و بالتأكيد هي مغايرة للذوق السائد. فأنا من أيام سعد مكاوي في الإبداع العربي لم أر كتابة كتلك من ناحية التعامل مع الحقائق. ربما يمكنني هنا الإشارة إلي إمبرتو إيكو في اسم الوردة و باتريك زوسكيند في العطر ، حيث هناك جهد كبير جدا و كسر للزمن و الراحة لأجل منح المعلومة و الفائدة مع الحكي و الدراما، وليس هاما إن كان هذا قد جاء بالبداية أو بالنهاية. أنت تعلم أن هذا النوع من الكتابة، أو الكتابة الجادة عموما، ليست للقارئ المترف. حيث لا يمكن قراءتها علي السرير، وإنما لابد أن يتعب القارئ حتي يتواصل و يتجادل معها، و هذا لن يحدث إلا مع القارئ المحترف. § الجنس في الرواية يتخلي عن شهوانيته و يصبح مجالا للمعرفة. ألا يأتي هذا علي النقيض من الذوق العربي الحسي الذي تربي علي ألف ليلة و ليلة ؟ § نعم. و أعتقد أن هذا أذكي للفعل نفسه و أكثر تطويرا له. أما أن يتم تأديته كشيء محرم أو مرفوض فهذا شيء ممل جدا. اللحظات الحسية كانت في صبا البنت عندما رأت الرجل و لكن بمجرد نضجها بدأت تريد و تعرف. و هذا طبعا شيء غير طبيعي بالنسبة لها. كل الأشخاص تقريبا يشتركون في هذه الصفة، صفة عدم الطبيعية، أي أن البنت تريد أن تعرف ما هي الحكاية لا أن تمارسها، و هذا غير طبيعي عند الحكيمة التي تهتم بالتقبيل فقط لا الجنس، و غير طبيعي عند الضابط الذي وقف طول عمره علي الوسط حتي في نجاحاته. الأبطال تجمعهم هذه السمة. أعتقد أن شخصية مثل سعدية كان يجب أن يكون طموحها الأساسي هو جمع المال لا تجربة هذا الجو. هي سعيدة في هذا المجال، و انبهارها به فتح مداركها و بدأت في احتراف التعامل معه و لكن في الوقت نفسه ظلت تتفرج عليه من الخارج أيضا، و استطاعت أن تنتصر عليه، و استطاعت تمييز من يأتي إليها لأول مرة و أصبحت مطلوبة بالاسم و أصبحوا يتحدثون عنها كشخصية مهمة جدا و لكن ظلت المشكلة موجودة في عقلها. § هل هو مقنع أن تذهب امرأة من تلقاء نفسها لتقول أنها تريد أن تعيش جو بنات الليل بنفسها. ألا تراه طموحا مثقفا بعض الشيء؟ § إما أن يكون مثقفا جدا أو بوهيميا جدا. حاولت التمهيد لهذا بعلاقتها مع زوجها حيث كانت تعلمه طرق الجنس و تجرب معه كما أن رحلتها معه لمستشفي الحميات بمصر غيرت بها أشياء كثيرة و أسقطت حواجز القاهرة و العاصمة أمامها. ثم أصبح لازما أن تذهب إلي مصر. و هناك كانت تسأل عن باب الحديد و أصبحت تعرف شارع كلوت بك و هكذا. إلي حد ما اعتقد أني قدمت مبررا. § من الشخصيات الأخري شخصية كلوت بك و محمد علي، هما كانا ممثلين للدولة و لم يكن لهما وجود إنساني. هل كنت حريصا علي هذا؟ § نعم. لقد كانا مجرد أسماء لها دور تاريخي للتشريع، سواء المقنن أو المقترح منه، لكنهما لم يكونا إلا جزءا من حدث لم ينم كثيرا، حدث تحريم البغاء. قصدت فعلا عدم أنسنتهم لأن روايتي ليست عن كلوت بك أو عن محمد علي و لا عن الألفي باشا الذي أوجد الكلاب البوليسية في الشرطة، و إنما عن سعدية و عبد الحكم . مثلا عبد الحكم يحب الكلاب فيحدث استدعاء تاريخي للكلب البوليسي و دخوله إلي الخدمة. هذا ما قصدته من محمد علي وكلوت بك.. مجرد أسماء و شخصيات لم تفعل إلا أنها مهدت لتقنية ما في الحكي. § الاستثناء الوحيد من هذا كان بسادة؟ § نعم. بسادة كان شخصية حية و كان له دور في مناقشة سعدية و محاولة إرجاعها عما في رأسها. هو الذي أعاد سعدية و أنا أحبه جدا و أشعر انه بجني جيدا، لا اعرف لماذا، ربما لأنني وجدت نفسي في هذه الشخصية. يعني لم أجد السلطة فقط و إنما أي شخص في العمل يقوم بعمل غير الذي يحبه و بمجرد خروجه من المنصب تجده شخصا مسكينا جدا و يقولك (يا ابني دا حصل كذا و كذا). § نجد في الرواية الربط القوي بين الجنس و التمريض، و ربما مازال هذا الربط قائما عند الناس إلي الآن ؟ § نعم. لاحظ أنه إلي الآن عيب أن يدخل الرجل ابنته مدرسة ممرضات و هذا مرتبط بأن عملهم يتم بالليل و مع رجال و يرين أجسادا عارية. هذه العناصر الثلاثة كانت تربك الناس. تاريخيا لم يكن أحد يقبل أن ابنته تدخل مدرسة الممرضات و عندما اقترح كلوت بك علي محمد علي مدرسة للممرضات كان اسمها المولدات، أي القابلات، و كان هذا يعني أنهن يتعاملن مع النساء بدلا من الدايات، لأن الدايات الموجودات كن من اسوان و كانت الأمهات المصريات تتشاءم منهن لسواد بشرتهن ،حيث كن يقلن: الواد هيطلع اسود و عفريت . بدأت المسالة تتغير تدريجيا. ناس تحتاج إلي نقود و ناس تحتاج لمأوي.. ناس عاطلون يقترحون علي بعضهم الذهاب إلي مدرسة الممرضات التابعة للجيش أو في بلبيس. ثم هناك عنصر الجسد الذي يقتربن منه، و لكنه هنا الجسد المريض و ليس الجسد الصحيح. § هناك اقتران في الرواية بين المعرفة و الخسارة، الكل يخسر لأنه يريد المعرفة ؟ § نعم. مكتوب في التوراة : هاهو الإنسان قد صار كواحد منا عارفا الخير و الشر . و قالها عبد الرحمن الابنودي أيضا في جوابات حراجي القط : الشوف خلاني عرفت و حزنت . إذن المعرفة هي قمة الدورة الحضارية و لابد دائما أن يبدأ الانحدار بعد الصعود للقمة، و المعرفة تقترن بهذا الانحدار. وهذه هي حركة التاريخ. البديل عن المعرفة هو الحكمة، القدر المناسب من المعرفة و من التأمل.. إنما طبعا المعرفة اللانهائية ليست ممكنة حيث لن يكون أحد منا إلها كما أننا لا نريد أن نكون مثل الناس الذين يسيرون في الشارع. هذا ينقلنا إلي تعريف الثقافة، وهو تركيب منتظم من المعارف و القيم. هذا توازن وسطي و هو البديل المناسب للمعرفة.
#نائل_الطوخي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأم المقدسة، أمي، الأرض و الهوية
-
أمي، الأم المقدسة، الأرض و الهوية
-
عن تصريحات البابا و الأديان المصابة بالزهايمر
-
صلالة مدينة تشبه الألعاب الإلكترونية
-
الجمالية ترد الحكي على نجيب محفوظ
-
تشومسكي: أمريكا تعجل بنهاية العالم
-
منع الرؤية و مباركة الجنود.. العمى المرغوب فيه لإسرائيل
-
في بيان من تشومسكي وساراماجو: إسرائيل هي الحلقة الأولى في سل
...
-
سينمائيون إسرائيليون للبنانيين: نحن معكم
-
صورة حسن نصر الله عند المثقفين المصريين. دفء و ملاحة و مقاوم
...
-
ماذا يفعل أدباء إسرائيل وقت الحرب !؟
-
من قلوبنا سلام لفيروز
-
عبد الناصر هو البطل الملحمي، المدخن المحترف و بائع التذاكر..
...
-
دافنشي, يعقوبيان، و جرائم النشر، حرية التعبير في مجلس الشعب
-
دم بارد.. بعثرة الندوب في جسد الواقع
-
كرنفال الكرة و الادب على ناصية العالم
-
بلدوزر.. تجار حشيش و مقابر.. تاريخ ملاحقة الكتاب الرخيص
-
أدب المتدينين في إسرائيل و شيطنة الآخر
-
يرسم نفسه، يكتبها، و يهدي فنه للعالم، مرايا الفنان بيكار
-
فيروز و الرحابنة.. صوت عصي على الوصف و مسرح يعري النزاعات و
...
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|