محمود الصباغ
كاتب ومترجم
(Mahmoud Al Sabbagh)
الحوار المتمدن-العدد: 7399 - 2022 / 10 / 12 - 02:34
المحور:
القضية الفلسطينية
ترجمة: محمود الصباغ
نماذج العلاقات الحضرية في فلسطين ما قبل 1948
اكتسب التاريخ الحضري لفلسطين ما قبل عام 1948 زخماً موضع ترحيب في السنوات الأخيرة. وقد ركزت المؤلفات التاريخية الصهيونية والفلسطينية، تقليديا ً بصورة رئيسية، على القطاع الريفي، والذي كان بالنسبة لكلا المجتمعين القوميين يرمز إلى الارتباط الأسطوري بالأرض. فإلى جانب الشخصيات البطولية للفلاح العربي و "اليهودي الجديد" الصهيوني، يمثل هذا التركيز الريفي العناصر المركزية للهويات الأساسية للمجتمعين المتنافسين. لقد أعطى تفكيك الرواية الصهيونية القديمة وما بعد السرد الإسرائيلي meta-narrative من جهة، والجهود المبذولة لإظهار التنوع وكذلك عمليات التحديث في المجتمع العربي قبل النكبة من جهة أخرى، زخماً جديداً لدراسة التاريخ الحصري للبلاد قبل العام 1948(1). ويمكننا، من وجهة نظر العلاقات الإثنية / القومية، نوعين حضريين رئيسيين كانا موجودين في فلسطين قبل العام 1948 أي مدن أو بلدات متجانسة إثنياً وأخرى غير متجانسة. ومما له مغزاه أن معظم اليهود والعرب الذين أقاموا في المدن أو البلدات قبل العام 1948 لم يسكنوا في بيئات حضرية متجانسة بل في بيئات غير متجانسة، لاسيما في القدس ويافا تل أبيب وحيفا، وهي المراكز الحضرية الرئيسية خلال الفترة المعنية (1909-1948). كانت هذه المراكز الحضرية، بالإضافة إلى طبريا وصفد، بمثابة الأماكن الرئيسية للقاءات المنتظمة العادية بين اليهود والعرب في ذلك الوقت. آخذين بعين الاعتبار أن معظم السكان العرب كانوا يعيشون في مناطق ريفية خلال تلك الفترة (حوالي 70% في العام 1931 و 64% بحلول العام 1946)، بينما سكن غالبية اليهود (حوالي 75% في نهاية الانتداب البريطاني) في مراكز حضرية، من بينها تل أبيب، التي استوعبت بحلول العام 1948 حوالي ثلث الييشوف (المجتمع الصهيوني قبل العام 1948)(2). ويحدد علماء البيئات الحضرية غير المتجانسة خمسة أنواع رئيسية من البيئات العلائقية الموجودة بين مختلف المجموعات الإثنية / القومية التي تشغل بيئة حضرية واحدة، وهذه الأنواع هي:
(1) البلدات والمدن المختلطة، والتي يتواجد فيها "مزيج إثني معين في مناطق الإسكان، وعلاقات جوار غير منقطعة، وتقارب اجتماعية واقتصادي وأنماط مختلفة من الحياة الاجتماعية المشتركة". وعلى الصعيد الثقافي، تُعد البلدة أو المدينة المختلطة "موقعاً مشتركاً للذاكرة والانتماء والهوية الذاتية"(3).
(2) المدن المقسمة، ويسكنها مجموعات إثنية / قومية منفصلة ثقافياً واقتصادياً وجغرافياً بشكل شبه كامل، و"يتم التعامل مع النزاعات في هذه المدن المقسمة ضمن أطر سياسية مقبولة. كما تتم مناقشة الأسئلة المتعلقة بما يشكل الصالح العام، ولكن ضمن إطار العمل المعتمد إلى حد كبير"(4).
(3) المدن والبلدات المستقطبة، وعلى نقيض المدن المقسمة، تمثل "بديلاً مضيافاً وثقافات متعارضة بوضوح وقابلة للنزاع. مثل هذه النزاعات، هي نزاعات إثنية حيث تسعى جماعة واحدة إلى الاستقلال الذاتي أو الانفصال. وفي مثل هذه الظروف، قد ترفض أقلية قوية من سكان المناطق الحضرية المؤسسات الحضرية والمجتمعية، مما يجعل الإجماع بشأن تقاسم السلطة السياسية مستحيلاً (5).
(4) المدن المقسمة هي نتيجة بيئة حضرية مستقطبة يتم فيها السعي إلى القضاء على الاختلافات الإثنية (القدس من 1948 إلى 1967 ونيقوسيا الحالية)(6). (5) المدن الاستعمارية وهي المدن التي بنيت منذ نسأتها لتكون سكناً المستعمرين القادمين. وفي العصر الحديث، كان الأوروبيون هم السكان الاستعماريون المهيمنون(7).
وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أدى التقاء التأثير الأوروبي والتقاليد السائدة إلى ظهور طريقتين للإدارة الحضرية والتخطيط في مدن الموانئ التابعة للإمبراطورية العثمانية والمغرب. كان أحد النماذج "شاملاً"؛ لقد أوجدت آلية لتقاسم السلطة لم يُدرج فيها المسلمون فحسب، بل شملت أيضاً اليهود المحليين والمسيحيين وحتى الأجانب. ومن الأمثلة على ذلك دراسة مايكل رايمر Michael Reimerالتفصيلية عن الإسكندرية والمدن المصرية الأخرى، ودراسة سوزان جيلسون ميللر Susan Gilson Millerفي طنجة. والنموذج الآخر، أي نموذج "الفصل"، يطمح إلى إنشاء مساحة حضرية أوروبية تكون متميزة قدر الإمكان عن المدينة المحلية. ربما تكون دراسة جانيت أبو لغد Janet Abu-Lughod عن الرباط هي أفضل مثال على نموذج الفصل الاستعماري، الذي ارتبط أيضاً بالمدن المتوسطية الأخرى(8). وحتى عام 1948، قد يُنظر إلى حيفا على أنها مثال مهم لنموذج "المدن الشاملة / المختلطة"، والتي اقتربت، مع تنامي الصراع بين العرب الفلسطينيين واليهود الصهاينة، من أن تكون نموذجاً "منقسماً" للتعايش الحضري. بينما يعبر بعض الباحثين/ مثل مي صيقلي May Seikaly، عن أسفهم لفقدان هيمنة العرب في حيفا الانتدابية البريطانية، فإن الصورة التي تظهر من أعمال جوزيف فاشيتس Joseph Vashitz وديبورا برنشتاين Deborah Bernstein وتامير غورين Tamir Goren وآخرين هي صورة تعاون اقتصادي وتفاعل اجتماعي وثقافي و مشاركة فعلية ورمزية في السلطة ، إلى جانب الاختلافات القومية والثقافية المعروفة والتي كانت مصحوبة من وقت لآخر بالاشتباكات المسلحة أيضاً(9). ومن ناحية أخرى، أصبحت القدس "مدينة مختلطة" تحت حكم العثمانيين، ومدينة مقسمة خلال الانتداب البريطاني المبكر، ومدينة "مستقطبة" بحلول منتصف العام 1930. وهكذا، في حين تم التعاون الاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي بين الجماعتين القوميتين الرئيسيتين في المدينة في بداية الانتداب، استمر التوتر بين اليهود الصهاينة والعرب الفلسطينيين في القدس وبقية البلد بحلول أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، وسيطر هذا التوتر على العلاقات بين القطاعين القوميين في المدينة المقدسة حتى العام 1948. وفي الوقت نفسه، ساد النقاش حول إمكانية تقسيم المدينة أيضاً(10). ومن المثير للفضول، بالنسبة للعدد المتزايد من الدراسات حول القدس أو تلك المتعلقة بحيفا على وجه الخصوص، أن نرى ندرة في الدراسات حول يافا. ويمكننا، في محاولة حذرة لإعادة بناء واقع تاريخي على أساس البحث المحدود المتاح، أن نستنتج أن يافا العثمانية كانت "مدينة مختلطة". كان اليهود يمثلون أقلية كبيرة ومتنامية من سكان المدينة. كان معظمهم يقيمون بين السكان العرب وكانوا على اتصال يومي بهم. ويبدو أن بناء الأحياء اليهودية شمال المدينة منذ العام 1887 فصاعداً كان أكثر ارتباطاً بالظاهرة المعاصرة للأحياء اليهودية التقليدية والدينية الجديدة خارج البلدة القديمة في القدس منه بالتغيير نحو إنشاء مساحة وطنية يهودية مستقلة منفصلة. ومن يافا جاء هذا التغيير فقط عند إنشاء أحوزات بايت אחוזת בית، ( الحي الذي انطلقت منه تل أبيب)، في العام 1909. واستمر اليهود، في ظل الانتداب البريطاني، في الإقامة في يافا نفسها وفي أحياء جديدة أقيمت داخل حدود المدينة. وبات لهم ممثلين في المجلس البلدي، وصار صوتهم مسموعاً في اجتماعات مجلس المدينة، واستمروا في القيام بأعمالهم التجارية في المدينة، وحافظ الكثير منهم على علاقات ودية مع جيرانهم العرب. ومع تصاعد الصراع القومي في البلاد، اختار العديد من اليهود المقيمين في يافا الانتقال إلى المدينة العبرية الأولى المجاورة. ومع ذلك، استمر الآلاف منهم في الإقامة في أحياء يافا المتاخمة لتل أبيب (خاصة فلورنتين Florentin وشابيرا Shapira) وفي العام 1947 كان حوالي 30٪ من سكان يافا يهوداً. وخلال سنوات الانتداب، عندما أصبحت تل أبيب المركز الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للييشوف، بدأ ينمو بصورة متزامنة اعتماد الأحياء اليهودية في يافا على الخدمات البلدية التي توفرها لهم تل أبيب بشكل رئيسي في التعليم والرعاية الصحية. وهكذا، بدأت عملية الانقسام الإثني والقومي داخل المدن في يافا كما في القدس(11).
منظور الانفصال
أقيمت تل أبيب كحي في يافا. وكانت، في سنواتها العشر الأولى وحتى الاحتلال البريطاني لفلسطين (1918)، جزءً عضوياً من المدينة العربية. وبعد فترة وجيزة من إنشاء الإدارة المدنية في فلسطين (1920)، منح البريطانيون تل أبيب سلطة بلدية مستقلة بتسميتها "بلدة" (1921). وفي العام 1934، حصلت على وضع "مؤسسة بلدية"، مما يدل على انفصالها القانوني الكامل عن يافا. وهكذا، بدأت تل أبيب تطورها كجزء من "المدينة المختلطة" في يافا ونمت إلى مركز حضري منفصل. وفي حين أصر العثمانيون بشدة على أن تكون تل أبيب تابعة ليافا، فإن البريطانيين، وفي توافق واضح مع شروط الانتداب، سرعان ما ساعدوا تل أبيب على أن تصبح مستقلة عن يافا بشكل قانوني وإداري، أي حدود محددة وبلديتان معترف بهما قانوناً مفصولة رسمياً. وبالتالي، فإن رأيي هو أنه بينما خلال فترة الانتداب البريطاني كانت حيفا تناسب النموذج المقسم والقدس النموذج المستقطب، يجب اعتبار المنطقة الحضرية المشتركة في يافا وتل أبيب منطقة حضرية مقسمة(12). وقد كان تصور شخصية تل أبيب، منذ نشأتها، كشيء متميز عن "الآخرين" -متميز عن الأحياء اليهودية خارج يافا، والتي تمثل امتداداً للييشوف القديم (الجالية اليهودية السابقة للصهيونية)، أي كتجمع سكني إثني وسط فسيفساء المجتمعات الإثنية للإمبراطورية العثمانية؛ لكنها متميزة عن يافا نفسها التي جسدت الشرق "المتخلف" وعربه. ومتميزة عن يهود الشتات. وقد تصور مؤسسو تل أبيب مدينتهم الجديدة ككيان صهيوني على وجه التحديد. ولم يكن من قبيل المصادفة أن تبنت تل أبيب بعد وقت قصير من تأسيسها اللغة العبرية، اللغة القديمة الجديدة التي ترمز إلى إحياء القومية اليهودية، كلغة رسمية لها. ولم يفعل ذلك أي حي يهودي آخر قبل تل أبيب. وخلال السنوات الخمس القصيرة من تأسيس أحوزات بايت في العام 1909 إلى تاريخ اندلاع الحرب العالمية الأولى، بدأت تل أبيب في التطور لتصبح مركزاً مهماً للمجتمعات الصهيونية في الييشوف. واقام فيها شخصيات ثقافية وتجارية وسياسية قيادية في الحركة الصهيونية الشابة. وأعيد، تأسيس أول مؤسسة تعليمية صهيونية، ثانوية هرتسليا הרצליה גימנסיום، التي تأسست في الأصل في يافا، في أعلى بقعة في الحي الجديد. ومن الناحية الاقتصادية، أصبحت المستعمرات الصهيونية مناطق طرفية لتل أبيب، مما أدى إلى خلق علاقات متبادلة ديناميكية بين قلب المدينة ومحيطها الإثني / القومي الزراعي(13). ومثلما كان حال الحي الفرنسي في الرباط ومدن الإمبراطورية البريطانية، تصور مؤسسو تل أبيب على أنها مستوطنة حداثية غربية تقع في بيئة غير أوروبية. قصة المؤسسين. وقد تم توثيق العديد من الاجتماعات والتحضيرات التفصيلية لقصة مؤسسيي المدينة، لتنفيذ رؤيتهم لبناء حي على الطراز الأوروبي في يافا. وكان كل جانب من جوانب التخطيط للحي الصهيوني المستقبلي يعتمد بالكامل على النماذج والمفاهيم الغربية (الأوروبية بشكل أساسي). جزء مهم من هذه الرؤية ، والذي أكد عليه مراراً المؤسسين وقادة المستقبل وسكان المدينة طوال هذه الفترة، كان المدينة كموقع للنظافة، خاصة في الهواء والماء. وكان من الأمور المركزية في تنفيذ هذه الرؤية التخلص من مياه الصرف الصحي من الحي الجديد وإمداد سكانه بالمياه النظيفة دون انقطاع(14).
حركة الصرف الصحي تأتي إلى تل أبيب
تعود الجذور الحديثة لرؤية المدينة كموقع للنظافة والسلامة الصحية إلى الحركة الصحية التي نشأت في إنجلترا في منتصف القرن التاسع عشر. اقتنع المسؤولون العامون والمصلحون مثل إدوين تشادويك، الذي فحص بقلق شديد التفشي المتكرر للأمراض، وخاصة وباء الكوليرا، بين السكان الذين يتزايد عددهم بسرعة في لندن والمدن الصناعية الأخرى، بعد إخضاع هذه الأوبئة لفحص "علمي" شامل، بأن الأصل الأساسي هو "الشوائب الجوية" الناتجة عن المياه الملوثة ومصادر "الرائحة الكريهة" الأخرى مثل "تحلل المواد الحيوانية والنباتية، والرطوبة والقذارة، والمساكن القريبة والمزدحمة"(15)، أو ما يُطلق عليه الآن نظرية المرض، كان لا يزال التفسير العلمي السائد لأسباب الأمراض في وقت إنشاء تل أبيب. علاوة على ذلك، وحتى بعد أن حلت نظرية الجراثيم للأمراض محل نظرية التلوث المرضي Miasmatic Theory of Disease كنموذج رائد لسبب معظم الأمراض، ظل الهواء السيئ والرائحة الكريهة مهمين وعلامات شائعة لمصدر محتمل تهدد الصحة(16). شدد مؤسسو تل أبيب، مثل تشادويك، على أهمية الحفاظ على هواءها نقياً ونظيفاً من خلال تطبيق ممارسات صحية مختلفة، بشكل رئيسي توفير المياه الجارية التي من شأنها أن تسمح بالغسيل والاستحمام المنتظم والمتكرر، والحفاظ على مصادر المياه والصرف الصحي بعيداً بشكل آمن، وتنظيف الشوارع، وإزالة أي مصدر إزعاج "كريه الرائحة" من حدود المدينة(17). وهكذا، أصبح الهواء النقي والمياه الجارية والشوارع النظيفة والنظافة الشخصية والعامة أجزاء أساسية ومهمة من رؤية حداثة تل أبيب. علماً أن الرائحة الكريهة التي كانت تنبعث من المزاريب المفتوحة في مدينة يافا القديمة، وكذلك من أحواض الأحياء اليهودية المنشأة حديثاً في نيفي شالوم وحتى نيفي تسيدك (المركز الثقافي لليشوف الجديدة قبل العام 1909)، من المواضيع المتكررة في الأدب الصهيوني لتلك الفترة وكانت بمنزلة بيان رمزي حول الفرق بين "القديم" والوعد الجديد والحديث(18). وتم التعبير عن هذه الرؤية عدة مرات متكررة طوال تلك الفترة. ففي العام 1933، على سبيل المثال، كتب نائب رئيس بلدية تل أبيب يسرائيل روكاش في صحيفة "يديعوت عيريات تل أبيب" ، حول مسألة مياه الصرف الصحي في البلدة وإزالتها:" لن تكون تل أبيب مدينة تتمتع بالصحة والعافية حتى يتم تركيب نظام الصرف الصحي هناك. من المعروف أن تركيب نظام الصرف الصحي يحسن الظروف الصحية ويقلل من معدلات الوفيات. والشرط الأول لأماكن الترفيه والمنتجعات الصحية الذي تطمح تل أبيب أن يصبحا فيها هو نظام صرف صحي ذو صيانة جيدة [. . .] ومن خلال خطة مالية منظمة، سوف يكون من الممكن وضع تل أبيب على أساس صحي متين، بحيث لا تضاهيها [مدينة أخرى] في الشرق الأوسط بأكمله(19).
تم تركيب شبكة مياه جارية في أحوزات بايت حيث تم بناء المنازل الأولى في الحي الصهيوني الجديد. وهو أول ما تم تشييده في يافا أو الأحياء اليهودية التي سبقت تل أبيب(20). ومع ذلك، وكما هو الحال في مدن أوروبية وأمريكية أخرى في ذلك الوقت، شكل التوافر المتزايد للمياه الجارية تحدياً دائماً لقادة تل أبيب: حول كيفية إيجاد أرخص الطرق وأكثرها فعالية لإزالة الكميات المتزايدة من مياه الصرف الصحي التي كانت تتدفق الآن على أرض الحي الجديد. لقد سعى مؤسسو المدينة إلى تكييف النماذج المستخدمة في المراكز الحضرية الأوروبية مع بيئتهم غير الأوروبية. وهكذا، فإن الإشارات إلى المصطلح الألماني Kanalisation (الصرف الصحي)، الذي يشير إلى نظام إزالة المياه العادمة من المناطق الحضرية، تظهر بشكل متكرر في كتابات لجنة الصرف الصحي في بلدية تل أبيب، والتي كانت تشرف على الظروف الصحية هناك حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى. ويذكر أحد التقارير أن أفضل نظام لإزالة جميع أنواع البراز هو نظام kanalizatziya [عبرنة الكلمة الألمانية Kanalisation]، المعمول به في عدة مدن أوروبية من خلال مجاري الصرف الصحي kanalizatziya ، سوف يتم إزالة جميع الفضلات ومياه الصرف الصحي إلى مكان معين حيث تتم معالجة المواد كسماد للحقول(21). غير أن عقبتين حالتا دون تطبيق نظام Kanalisation (الصرف الصحي) قبل أن يحتل البريطانيون فلسطين في العام 1918. أولاً، افتقرت المدينة إلى الحد الأدنى من المياه الجارية اللازمة لتشغيل النظام. لكن الأهم من ذلك هو تكلفة تركيب نظام صرف صحي كامل يعمل تحت شوارع المدينة ويعالج مياه الصرف الصحي قبل التخلص منها قدر الإمكان بعيداً عن حدود المدينة. وبطبيعة الحال، كان قادة الحي اليهودي الشاب في يافا يدركون هذا جيداً هذا: "[التحويل إلى القنوات] هو بالفعل أفضل نظام ولكنه للأسف يتجاوز إمكانياتنا. لذلك، علينا أن نتعامل مع نظام أدنى لأنه ببساطة أرخص "(22).
كان النظام المعتمد هو النظام المستخدم في الأحياء اليهودية الأخرى في يافا وأجزاء معينة من يافا نفسها: أي نظام البالوعة، حيث تعمل التربة كمغسلة. وفي هذا الصدد، لم تختلف تل أبيب عن المدن الأوروبية والأمريكية في تلك الفترة، التي كانت تستخدم نظام البالوعة قبل أن تضطر إلى تركيب أنظمة نقل المياه بسبب الكميات المتزايدة من مياه الصرف الصحي التي كانت مضطرة إلى تصريفها. فخلال القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، وهي الفترة التي كانت فيها البرك المائية رائجة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، كان الشاغل الصحي الرئيسي هو وصول مياه الصرف الصحي إلى مصادر المياه القريبة. وكانت المهام الرئيسية في هذا الصدد هي الحفاظ على أحواض الصرف الصحي، والمسافة الآمنة من مصادر المياه ، ومنع فيضان البلاليع(23). وأنشأت بلدية تل أبيب لجنة صحية، يرأسها طبيب البلدية، للإشراف، بانتظام، على الظروف الصحية في الحي اليهودي سريع التطور. وقامت اللجنة بتفتيش المنازل وكتابة التقارير وتطبيق اللوائح الخاصة بالنظافة. وكان جزء أساسي من عملها هو التحقق عن كثب من الظروف الصحية لأحواض المياه في كل منزل في المدينة. بالإضافة إلى ذلك، نص النظام الداخلي لتل أبيب بوضوح على كيفية بناء وصيانة وتنظيف هذه الآبار(24). كانت تربة تل أبيب الرملية تمتص السوائل. وكان يتم تنظيف "البقايا الصلبة" بشكل دوري بواسطة عمال عرب من يافا أو عمال يمنيين يهود من أحياء يهودية مجاورة، حيث يتم إلقاء هذه البقايا الصلبة إما في الحقول المجاورة أو في البحر الأبيض المتوسط(25).
كان سكان تل أبيب يعتبرون المدينة، عند نشأتها، في أدبهم المعاصر "حيًا" أو "مستعمرة". وبحلول العام 1914، أي بعد خمس سنوات فقط من إنشائها، تمت الإشارة إليها بالفعل باسم "المدينة"(26). ويعكس التغيير في المصطلحات النمو الديموغرافي لتل أبيب، حيث تضاعف عدد سكانها، خلال هذه الفترة القصيرة، خمس مرات من حوالي 300 نسمة إلى 1500(27). بيد أن تل أبيب لم تنمو بسبب زيادة عدد سكانها ومساحتها المبنية فقط، ولكن أيضاً لأن الأحياء اليهودية الجديدة في المنطقة المجاورة، والتي تم إنشاؤها بعد العام 1909، اندمجت وأصبحت جزءً عضوياً منها. ومن هذه المناطق كانت أحياء نحلات بنيامين נחלת בנימין وحفرا حداشا חבר חדש (المتمركزة على طول شارع اللنبي اليوم) والحي الذي بنته الشركة الإنكليزية الفلسطينية Anglo Palestine Company لموظفيها(28). وبحلول خريف العام 1913 ، أرسلت لجنة الصرف الصحي تقريراً خاصاً إلى اللجنة التنفيذية في تل أبيب ( الاسم الرسمي للقيادة النشطة للحي في ذلك الوقت) وأشار التقرير إلى توصية للجنة التنفيذية بأن تبدأ بوضع مخطط تقني لنظام البلدية للصرف الصحي Kanalisation(29).
السنوات الأولى للانتداب
أدى تكريس الحكم البريطاني المدني في فلسطين في صيف العام 1920 إلى تغييرات سياسية واقتصادية وتنظيمية حاسمة بالإضافة إلى عملية تحديث متسارعة. وكانت صفة "البلدة" التي منحتها حكومة الانتداب لتل أبيب في العام 1921 هي التي أدت إلى ضم العديد من الأحياء اليهودية حول المدينة، والتي لم تندمج حتى ذلك الحين مع شقيقتهم الأقوى. وكانت معظم الأحياء القديمة، مثل نيفي تسيدك נווה צדק، ونيفي شالوم נווה שלום، وكيريم هتمانيم כרם התימנים، مأهولة إلى حد كبير من قبل اليهود الشرقيين الذين عارضوا الاندماج وقاوموه لمدة عامين، حتى أنهم أوصلوا اعتراضهم هذا إلى قبة المحاكم. ويبدو أن الجدل تمحور حول قضايا حقوق الملكية والضرائب والحفاظ على الأحياء القديمة وطريقة الحياة الدينية. وأرادت تل أبيب بدورها إخضاع الأحياء اليهودية القديمة في يافا لنفوذها الأوروبي والقومي والعلماني. وقد وصف رئيس بلدية تل أبيب، مئير ديزنغوف، هذا الجدل بأنه تصادم بين أسلوب حياة "أوروبي" وطريقة حياة "شرقية سلبية". وفي تهاية المطاف، اندمجت معظم الأحياء القديمة مع تل أبيب، وإن كان ذلك لم يحدث إلا بعد تقديم تل أبيب لبعض التنازلات بشأن حقوق الملكية وممارسة الشعائر الدينية في الفضاء. كما اختارت بعض الأحياء عدم الاندماج مع المدينة العبرية والبقاء جزءً من مدينة يافا "المختلطة". وأصبحت هذه الأحياء، مع الأحياء الجديدة التي تم إنشاؤها بعد اندماج العام 1923 (أبرزها فلورنتين פלורנטיני وشابيرا שפירא)، موقعاً وسطاً يتحدى فكرة الفصل التام. وعبّر موقف تل أبيب الانفصالي عن نفسه بشكل واضح في سياسة البلدة من خلال وضع حدودها الجديدة مع يافا بحيث "لا يوجد حتى منزل واحد لغير اليهود أو دونم واحد من بستان [مملوك في هذه المنطقة حصرياً تقريباً من قبل العرب] لا يخضع لسلطة تل أبيب. وتشير الروايات اللاحقة التي أدلى بها خليفة ديزنغوف، إسرائيل روكاش، إلى عدم وجود معارضة يافاوية كبيرة لدمج أحيائها اليهودية القديمة متع تل أبيب في أوائل عشرينات القرن الماضي. وكما رأينا فقد رحبت يافا بقرار بعض الأحياء البقاء تحت سلطتها البلدية وقبلت أحياء يهودية جديدة أقيمت فيما بعد داخل حدودها. وفي السنوات اللاحقة، ومع احتدام الصراع القومي بين اليهود والعرب، قاومت يافا محاولات السماح للأحياء اليهودية بالتحول إلى سلطة بلدية تل أبيب(31). وأدى اندماج الأحياء اليهودية القديمة مع تل أبيب إلى زيادة عدد سكان البلدة العبرية إلى أكثر من الضعف، من خلال إضافة 5200 ساكن جديد إلى 3600 من سكان تل أبيب قبل العام 1921(32). منعت الحدود الحديثة بين يافا وتل أبيب من التوسع جنوباً؛ وهكذا ، استمرت المدينة في النمو والتطور على طول مسار نموها الطبيعي شمالًا. ومع اقتراب انتهاء الانتداب، ارتفع عدد سكان تل أبيب إلى ما يقرب من 248 ألف نسمة، يسكنون في منطقة تمتد حتى نهر العوجا [نهر يرقون נחל הירקון] في الشمال ووادي المصرارة من جهة الشرق.
إمدادات المياه ونظام البلاليع
كان الإمداد الفعال وغير المنقطع بالمياه الجارية لسكان تل أبيب المتزايدين هو الشاغل الرئيسي لقيادة المدينة. وفي العام 1948، كانت تل أبيب لا تزال تحصل على مياهها عن طريق الآبار كما كانت الحال عليه في أيام أحوزات بايت. وحتى منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، كان توافر المياه الجوفية الوفيرة والعالية الجودة على بعد مسافة قصيرة فقط من السطح يسمح للمدينة بتلبية الطلب على المياه للاستخدام المنزلي والصناعات المتنامية في المدينة. ومنذ ذلك الحين، أجبرت الزيادة السكانية القيادة على زيادة استغلال احتياطيات المياه الجوفية عن طريق حفر المزيد من الآبار لتلبية الطلب المتزايد على المياه. ونتيجة لذلك، اخترقت مياه البحر الطبقة الجيولوجية للمياه الجوفية الضحلة، مما جعل بعض الآبار عديمة الفائدة. وأمام هذا الوضع، وإدراك أن تل أبيب سوف تحتاج إلى تطوير مصادر مياه إضافية في المستقبل دفع سلطات البلدية والانتداب إلى دعوة خبير لصياغة خطة شاملة لتزويد طلب تل أبيب المتزايد على المياه. وكان هذا الخبير، الذي اختاره مكتب المستعمرات في العام 1936، هو مهندس المياه البريطاني هوارد همفريز الذي اختار المصدر الوحيد المتاح للمياه بخلاف المياه الجوفية الموجودة مثل ينابيع نهر العوجا / رأس العين (روش هاعين ראש העין). علماً أنه منذ نهاية القرن التاسع عشر، وضعت خطط تفصيلية لاستغلال نهر العوجا كمصدر رئيسي للمياه في يافا(33)، لكن هذه الخطط كانت ذات تكلفة عالية قياساً بالبديل المتاح والمتمثل في الحفاظ على تشغيل النظام الحالي وتطويره. أثارت مشكلة ملوحة الآبار خلال الثلاثينيات قيام سلطات تل أبيب بمحاولة البحث عن طبقات جيولوجية أعمق قد تحتوي على مياه إضافية. وأثبت البحث نجاحاً هائلاً؛ حيث حفرت آبار جديدة وأعمق لتزويد المدينة بمياه أكثر وأفضل من الآبار الحالية. وبحلول نهاية الانتداب، كان سبعة وعشرون بئراً تعمل في تل أبيب، يشرف عليها عن كثب نظام تحكم مركزي. بالإضافة إلى ذلك، تعاونت سلطات المدينة مع السلطات الصحية الانتدابيةـ بصورة منتظمة، للكشف عن البكتيريا في مياه المدينة. كما تم إدخال نظام التعقيم بالكلور تدريجياً؛ بحلول العام 1948، حيث تمت معالجة العديد من آبار المدين بهذه المادة. علاوة على التقيد، بدقة، بالمسافات الآمنة بين البالوعات والآبار(34). وعلى النقيض من ذلك، كانت مصادر المياه في يافا ضئيلة، وتشير المصادر المحدودة للغاية إلى أنه بحلول نهاية العام 1935، كان سكان حي العجمي في المدينة يحصلون على المياه من موردين "خاصين". استغلت السلطات البريطانية تواجد همفريز في المنطقة وطلبت منه ابتكار مخطط لتزويد يافا بالمياه أيضاً. والأهم من ذلك، التخطيط لإنشاء شبكات منفصلة لإمدادات المياه للبلديتين، ربما تحسباً لسياسة التقسيم التي سيتبناها البريطانيون في أعقاب "الاضطرابات" العربية في العام 1936. ولسوء الحظ، لا تسمح لنا هذه المصادر المحدودة بشأن هذه المسألة التعرف على المزيد عن تطوير نظام تزويد المياه في يافا من العام 1937 إلى العام 1948(35).
كانت هناك حاجة متزايدة إلى الإجراءات الوقائية التي تتخذها البلدية للحد من تلوث المياه، حيث تأخر تطوير نظام الصرف الصحي عن التقدم في إمدادات المياه. وفي غضون ذلك، تدهور نظام البلاليع في تل أبيب بشكل مطرد مثير للدهشة، بسبب النمو السريع والفعال لنظام المياه الجارية في المدينة. وتعكس هذه الظاهرة تطور شبكات الصرف الصحي في معظم المدن الغربية خلال القرنين التاسع عشر ومنتصف العشرين. فبسبب التكلفة العالية هناك، كما هو الحال في تل أبيب، لتركيب مجاري نقل المياه، مقارنة بتكلفة تركيب وصيانة أنظمة المياه الجارية والبوابات دفع إلى وضع نظام تخلص من مياه الصرف الصحي الحالي، أي الأحواض، تحت ضغط عالي. كان استهلاك الفرد، للمياه أكبر في تل أبيب، ليس فقط من المدن الأخرى في فلسطين مثل القدس، ولكن أيضاً كان أكثر من العديد من المدن الغربية في ذلك الوقت. ففي العام 1934، على سبيل المثال، كان استهلاك المياه للفرد في القدس -التي كانت تعتمد بشكل كبير في ذلك الوقت على صهاريج مياه الأمطار المجتمعية والخاصة- 45 لتراً في اليوم. وكانت الأرقام المقابلة لمدن أخرى تمثل 164 لتراً في الإسكندرية بمصر، و 114 لتراً في لندن، و 216 لتراً في باريس، و 230 لتراً للفرد في تل أبيب. ونمت هذه الفوارق، بحلول العام 1947، واستقر نصيب الفرد من استهلاك المياه عند 114 لتراً يومياً في لندن وارتفع إلى 350 لتراً في تل أبيب. وهكذا، وبصرف النظر عن النمو الديموغرافي الهائل في تل أبيب خلال هذه الفترة، فقد نما استهلاكها من المياه بشكل إجمالي وكذلك نصيب الفرد بشكل أسرع(36). وتكشف المصادر المعاصرة في عشرينيات القرن الماضي أن قادة بلدية أبيب أدركوا جيداً أن مدينتهم لم تكن على تلك الدرجة التي تصوروها من النظافة. بل أن الأمر كان، في الواقع، مزرياً، كما تصف ذلك بوضوح أنات هيلمان Anat Helman(37). . وبناء على هذا كان احتمال تفشي وباء بسبب تلوث مياه الشرب أمراً حقيقياً بمثابة تحذير مستمر للسلطات البلدية لإيجاد طرق لتحسين نظام الصرف الصحي في المدينة. وهكذا، فإن فكرة تل أبيب كمدينة حديثة عليها المحافظة، بأعلى المعايير، على نظافة هواءها وظروفها الصحية، مثل أكثر المدن "تقدمية" في أوروبا، إلى جانب التهديد الحقيقي للوباء، كانا قوتين أساسيتين دافعتين لكل من قيادة المدينة وسكانها لتحسين نظام الصرف الصحي في تل أبيب.
أنظمة الصرف الصحي في تل أبيب ويافا حتى تقرير لجنة بيل (1937)
في أعقاب الاندماج في العام 1923 مع الأحياء اليهودية القديمة في يافا، والانفصال القانوني والإداري المتزايد عن يافا، واحتمال النمو السكاني السريع بسبب السياسة المواتية لنظام الانتداب تجاه الهجرة اليهودية، قرر قادة تل أبيب للحصول على مخططات تقنية لبناء نظام الصرف الصحي لبلدتهم. وتمت مراجعة تقريرين بهذا الشأن، الأول مخطط يعود للعام 1923 من شركة Grove غروف التي تتخذ من برلين مقراً لها والثاني ابتكره مهندس البلدة أورييل أفيغدور في العام 1924. وبعد مناقشة هذين المخططين، رفض مهندس الصرف الصحي في دائرة الصحة الحكومية مخطط غروف باعتباره منفصلاً عن الظروف المحلية وباهظ التكلفة. وبالتزامن مع ذلك، دعت سلطات الانتداب مهندس الصرف بالإسكندرية لفحص مخطط أفيغدور. وبينما أبدى الخبير الزائر بعض التحفظات على الخطة، فقد اعتبره بمثابة مخطط مناسب لبناء نظام نقل المياه للصرف الصحي في تل أبيب. أما في يافا، فيبدو أن مخطط أفيغدور قد حفز بعض التعاون الأولي بين البلدات المجاورة في بناء شبكة الصرف الصحي الرئيسية في تل أبيب، والتي تم التخطيط لها لعبور أراضي يافا. ويمكن القول أن مهندس الصرف الصحي القادم من الإسكندرية رأى أن هذا يعبر عن نتيجة مهمة للخطة. وعبر عن القول بأن التعاون بين البلديات الذي اقترحته سوف يميل إلى تشجيع إقامة علاقات ودية ذات قيمة كبيرة لكلا المجتمعين. غير أنه لم يساهم في تنفيذ مخطط أفيغدور، والسبب يعود، على الأرجح، إلى التكاليف التي يحتاجها(38). ومن ثم، تم بناء منازل جديدة، وحتى أحياء جديدة بالكامل مع نظام البلاليع، التي ظلت الطريقة الرئيسية للتخلص من مياه الصرف الصحي في المدينة العبرية سريعة النمو. ومع نهاية عشرينيات القرن الماضي، كان النمو الهائل في عدد سكان تل أبيب -الذي كان من المتوقع أن يستمر بمعدل مماثل- يهدد بقوة كاهل نظام البلاليع. وكانت الظروف تأخذ منحى حاداَ، لاسيما في الأجزاء الجنوبية (والأقدم) من المدينة، حيث لم تتمكن التربة من امتصاص المزيد من مياه الصرف الصحي. فلجأت البلدية، هذه المرة، إلى السلطات البريطانية وطلبوا مساعدتها في بناء نظام الصرف الصحي لتل أبيب. كما دفع عاملان مترابطان بشكل وثيق إلى هذا الطلب. أولاً، بسبب التكلفة العالية لتركيب نظام صرف صحي كامل يتجاوز تكلفة تل أبيب، وهو ما حدا بالبلدية إلى الحصول على قرض كبير لتمويل المشروع. وتماشياً مع سياستهم العامة المتمثلة في عدم تحميل دافعي الضرائب عبء النفقات المتكبدة في المستعمرات، فقد أشرف البريطانيون، عن كثب، على الشؤون المالية لفلسطين، بما في ذلك الشؤون المالية للبلدية(39). وبالتالي، كان على تل أبيب اللجوء إلى سلطات الانتداب إذا أرادت ذلك، أي الموافقة على القرض. ثانياً، قام البريطانيون بترقيم إنشاء شبكات الصرف الصحي ضمن "الأشغال العامة" الكبيرة التي كان لابد من الموافقة عليها وفقاً لإجراءاتهم الاستعمارية البيروقراطية الفريدة. وهنا يبدأ الجزء التالي من الحكاية.
وكلاء التاج والمهندسون الاستشاريون
أدخلت القيود المالية لتل أبيب لاعباً ثالثاً، أي الحكومة البريطانية وإدارتها الاستعمارية، إلى قصة أنظمة الصرف الصحي ثنائية القومية لهذه المدن المجاورة في فلسطين. عرّف النظام الاستعماري البريطاني مشاريع البنية التحتية الكبرى (السكك الحديدية، الطرق، الموانئ، شبكات المياه، إلخ) بأنها "أشغال عامة". لم يتم التصريح للأشغال العامة الكبيرة في مستعمرات التاج -ومن الناحية الإدارية حكمت فلسطين كمستعمرة التاج- بإدارتها من قبل السلطات الاستعمارية المحلية، بل كان يتولى المسؤولية فيها مؤسسة خاصة مقرها في لندن تسمى "وكلاء التاج للمستعمرات". لم يُعرف الكثير عن هذه المؤسسة الغريبة حتى دراسة ديفيد سندرلاند الأخيرة الشاملة عنها. وكما يوحي لقبهم، كان وكلاء التاج هم الممثلين التجاريين والماليين لمستعمرات التاج في عاصمة الإمبراطورية. ويظهر سندرلاند، بوضوح، أن وكلاء التاج كان هدف مهم يتمثل في التأكد من أن المستعمرات لن تثقل كاهل الميزانية البريطانية بما يحقق الفائدة للبلد الأم من المستعمرات قدر المستطاع، بالإضافة إلى مهمتهم الخيرية للمساعدة في تطوير المستعمرات. وقد قامت الإمبراطورية، من خلال تفويض وكلاء التاج لتولي مسؤولية الأشغال العامة الكبيرة والمربحة، بالإشراف والتحقق من اتجاه الإدارات الاستعمارية المحلية لإعطاء الأولوية لرفاهية السكان المحليين. وكان وكلاء التاج يتعاقدون مع دائرة متماسكة من "المهندسين الاستشاريين" من أجل تخطيط وتنفيذ هذه الأشغال العامة. وكان هؤلاء المستشارين، بالإضافة إلى وكلاء التاج يتلقون رسوماً باهظة لكل عقد يتم إبرامه، مما جعلهم مهتمين بالمشاريع طويلة الأجل والمكلفة والشاملة(40). وفي العام 1926 تم التعاقد مع المهندسين الاستشاريين جون وديفيد واتسون لوضع مقترحات مفصلة لبناء أنظمة الصرف الصحي في القدس وحيفا ويافا وتل أبيب، ولكن تقاريرهم عن القدس وحيفا خارجة عن نطاق هذه الدراسة. علماً أن هذه التقارير تشهد على السياسة الأوسع التي تصورتها الحكومة البريطانية فيما يتعلق بتطوير البنية التحتية في فلسطين الانتدابية. وقدم مهندسو واتسون الاستشاريون اقتراحهم في العام 1927، بعد عام من زيارتهم لفلسطين، عبروا فيه رؤيتهم بأفضلية إنشاء نظام صرف صحي موحد لكل من تل أبيب ويافا، ومن ثم اقترحوا أن تمر مجاري رئيسية للبلديتين عبر طريق [قرية] سلمة ، وهو الطريق ذو المستوى الأخفض طوبوغرافياً بين المدينتين. وهكذا، كان من المفترض أن تقوم شبكة مجاري طريق سلمة بتجفيف معظم تل أبيب، التي لم تكن في تلك الأيام تمتد شمال شارع بوغراشوف. أما يافا، فقد اقترح المهندسون الاستشاريون ربط المنطقة التجارية (حول شارع بسترس حتى البلدة القديمة) والحي الشمالي للمنشية بشبكة مجاري طريق سلمة. ولم يكن من المفترض أن يتم تجفيف حي العجمي الجنوبي بالمجاري العامة؛ وسوف يستمر السكان في الاعتماد على نظام البلاليع. ومن شأن وجود منفذ مشترك في نهاية طريق سلمة في منطقة المستنقعات ( حي البصة) تفريغ مياه الصرف الصحي ثنائية القومية في البحر الأبيض المتوسط. كما وُضعت الترتيبات للتطوير المستقبلي لتل أبيب في اتجاه نهر العوجا، لكن الشاغل الرئيسي في التقرير كان المنطقة المبنية ذات الكثافة السكانية الأكثر (41).
التعاون وسط الانفصال
حاولت تل أبيب منذ نشأتها أن تنأى بنفسها عن يافا مادياً ورمزياً. وقد جدت تل أبيب نفسها، الآن، بسبب تضاريسهما المشتركة، وتحديثهما، وسلطتهما المفروضة، مضطرة إلى دمج نفاياتها السائلة مع نفاياتها "الأخرى". إن القصة الكاملة للعلاقة بين تل أبيب ويافا لم تُرو بعد. والتعاون بين البلديات في العشرية بين 1926 والثورة العربية 1936 ما هو إلا جانب واحد من هذه القصة التي لم يتم سردها والتي تتطلب مزيداً من البحث. ومن العقبات الرئيسية التي تحول دون سرد ذلك حقيقة اختفاء أرشيف يافا خلال حرب العام 1948. وتروي المصادر المحدودة الموجودة تحت تصرفنا قصة معقدة عن التوتر والتعاون بين المدينتين في القضايا المتعلقة بنظام الصرف الصحي. ويتوافق هذا الانطباع مع نتائج دراسات أخرى حول العلاقات بين يافا وتل أبيب، ولا سيما عمل مارك لفين Mark LeVine (42). وقد أقامت كل من يافا وتل أبيب، بحلول العام 1925 عندما انتهى مهندس البلدة أفيغدور من رسم مخطط الصرف الصحي في تل أبيب، اتصالات فعلية رسمية بخصوص بتنفيذ الخطة. وتشير بعض التقارير إلى تعاون أوسع بين البلديات، بما في ذلك المناقشات المتعلقة بتخطيط المدن في كلا المركزين الحضريين(43). وأصبح التعاون بين البلدتين بشأن نظام الصرف الصحي المشترك رسمياً، في أعقاب تقديم خطة واتسون للعام 1927. وتم تشكيل لجنة مشتركة للصرف الصحي برئاسة مهندسي البلديتين. وحافظت اللجنة على حوار مستمر بين يافا وتل أبيب حول التخطيط ومخصصات الميزانية والأداء والإشراف على الخطة. وقد مولت كلتا البلديتين إنشاء مجاري سلمة ومنفذ حي البصة، وتقاسم الأعباء المالية بما يتناسب مع حصة كل طرف في استخدام النظام. وهكذا، مولت تل أبيب حوالي 60% من المشروع المشترك. كما تم إنشاء مجاري سلمة في أوائل الثلاثينيات. وتم ربط أحياء جنوب تل أبيب وحي يافا التجاري بها بحلول العام 1936. وبالإضافة إلى مجاري سلمة ومصرف البصة، تم تصميم وتمويل مجاري أخرى ومنافذها المقابلة: وعملت هذه المجاري الثانوية على سحب مياه الصرف الصحي من نفيه شالوم في تل أبيب نفيه وأجزاء من حي المنشية في يافا. تم بناء منفذها المقابل بالقرب من منازل فينغولد Feingold ، التي كانت تقع داخل حدود مدينة يافا. وكانت أحياء أخرى في كلتا المدينتين موصولة بمجارير أخرى تمر تحت حي المنشية العربي وشارع عزرا في تل أبيب(44).
تبدو صورة التعاون بين تل أبيب ويافا مقتضبة وتقنية جداً لو أردنا النظر إليه بصورة محايدة، وهذا يجعل من الصعب تحديد المواقف العاطفية للأطراف أو الإيديولوجية تجاه بعضها البعض وتجاه فكرة التعاون. وسوف تكون قدرتنا على إعادة بناء موقف بلدية يافا من التعاون مع تل أبيب، في هذا الوقت، محدودة بشكل خاص(45). وعلى الرغم من هذه القيود، ويبدو من الممكن القول ما يميز العلاقة بين البلدتين في تلك الفترة هو بروز بعض التوتر وانعدام الثقة بينهما على الرغم من مؤشرات التعاون المستمر. فعلى سبيل المثال، شككت كل بلدية، من حين لآخر ،في رغبة نظرائها في المساهمة بحصتها العادلة في تمويل المشاريع المشتركة. علاوة على ذلك، ووفقاً للتصورات والمواقف الشائعة في تلك الفترة، فقد قلل المهندس البلدي في تل أبيب، يعقوب شيفمان (بن سيرا)، الذي خلف أفيغدور في هذا المنصب في العام 1929، من قدرة بلدية يافا التكنولوجية والإدارية على تحمل المسؤولية في المشاريع التكنولوجية المعقدة. وفي العام 1938، صوّر يسرائيل روكاش، رئيس بلدية تل أبيب، الأحياء اليهودية داخل حدود مدينة يافا على أنها أحياء أسيرة في فضاء حضري يعاني من "انحطاط ثقافي واقتصادي واجتماعي"(46). أما مهندس بلدية يافا، جون صلاح حاول تأمين مساحة حضرية لمدينته يمكن أن تستوعب أعدادًا أكبر بكثير من السكان حتى أكثر من توقعات النمو الأكثر تفاؤلاً في يافا، وذلك في سياق ملاحظته للنمو السريع لمدينة تل أبيب(47). وعلى الرغم من كل هذا التوتر، فقد واصلت البلديتان التعاون فيما بينهما بخصوص الصرف الصحي غير أن هذا لم يغير شيئاً من الواقع، فبحلول العام 1936، ظل مخطط واطسون على الورق ولم تعالج مشاريع الصرف الصحي المشتركة سوى جزء صغير من مناطق بناء كلتا البلديتين. وبالتالي، فإن معظم الأحياء في يافا وتل أبيب لا تزال تستخدم نظام البلاليع. ووفقاً لتقرير مفصل أعده مهندس بلدية يافا في العام 1935، استخدم سكان حي العجمي أحواض الصرف الصحي للتخلص من مياه الصرف الصحي، وقام سكان البلدة القديمة بتصريف مياه الصرف الصحي في البحر مباشرة عبر قنوات البناء(48). وكانت العقبة الرئيسية أمام تنفيذ خطة واتسون هي عدم اكتمال الإجراءات البريطانية للموافقة على قرض للمساعدة في تمويل المخطط. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أنه، فيما يتعلق بتل أبيب، باستثناء المنطقة الجنوبية التي تم إيجاد حلول جزئية لها، لم تكن الظروف الصحية في المناطق المبنية الأخرى مقلقة. ونتيجة لذلك، شعرت كل من البلدية والسلطات البريطانية بضغط أقل لاستبدال الأحواض بنظام صرف صحي كامل. وفي أوائل العام 1936، تم استدعاء واتسون مرة أخرى لتقديم مجموعة أخرى من الخطط لبناء البنية التحتية للصرف الصحي في تل أبيب ويافا. وقبل حوالي شهر من اندلاع الانتفاضة العربية في العام 1936، التقى شيفمان، مهندس بلدية تل أبيب، بأحد الإخوة واتسون. وأعرب شيفمان في تقرير مفصل إلى العمدة ديزنغوف عن استيائه من انخراط المهندسين الاستشاريين في ما اعتبره مجاله المهني المستقل، كما أبلغ عن موقف البلدية الرسمي من التعاون مع يافا: انتقلت بعد ذلك لمناقشة التعاون مع يافا، وشرحت للسيد واتسون أنه بناءً على سجلات التعاون الحالي، وبما أن هذا التعاون غير مرغوب فيه بالنسبة لنا من الناحيتين السياسية والفنية، فإن البلدية ترغب في الاحتفاظ بالحق في اتخاذ قرار بشأن مدى التعاون المذكور وينبغي اختزالها، بكل الأحوال، إلى أقل ما يمكن قدر الإمكان.
ليس هناك ما يشير إلى أن سياسة تل أبيب الرسمية "لتقليل" التعاون مع يافا "قدر الإمكان" لعبت أي دور حاسم في مخطط واتسون لمشروع الصرف الصحي الثاني، الذي تم تقديمه في أوائل العام 1937، قبل بضعة أشهر فقط من نشر تقرير اللجنة الملكية لفلسطين(" المعروفة باسم لجنة بيل")(50). لكن في مخططاتهم الجديدة للعام 1937 لكل من يافا وتل أبيب، أوضح واتسون الصعوبات التي واجهها فريق المسح عندما حاول جمع بيانات مباشرة في هذا المجال بسبب "الاضطرابات" في العام 1936. لقد كانت مخططات الصرف الصحي الجديدة تتعارض تماماً مع الخطط السابقة. فإذا كان التقرير السابق يدعم بقوة نظام الصرف الصحي المشترك لتل أبيب ويافا، فإن اقتراح العام 1937 ينصح بإنشاء نظامين منفصلين تماماً. وكان السبب الرئيسي الذي قدمه واتسون هو الحاجة إلى مراعاة الخطط المتعلقة "بإمكانية بناء ميناء" في منطقة البصة. ومن الواضح أن مخططات واتسون لكلا البلديتين سعت لضمان عدم تلاقي مياه الصرف الصحي للبلدتين. وعلى الرغم من عدم وجود إشارة مباشرة إلى خطة تقسيم فلسطين للعام 1937، يبدو من المرجح أن مخطط واتسون الثاني يعكس عن عمد السياسة الاستعمارية السائدة في ذلك الوقت. فوفقاً للمخطط الجديد، سوف يتم إلغاء منفذ البصة الذي اعتبره واتسون في مخطط العام 1927 على أنه استنزاف لمياه الصرف الصحي في كلتا المدينتين، وبالتالي، سوف يتوقف عن حث البلدية على التعاون، وسوف يقترح قيام يافا وتل أبيب ببناء مجمعين منفصلين للصرف الصحي لنقل مياه الصرف الصحي لكل مدينة إلى مصبات متقابلة -أحدهما في الشمال بالقرب من شارع جابوتنسكي لتل أبيب، والآخر في الجنوب، في حي العجمي في يافا. بالإضافة إلى ذلك، كان من المفترض أن تعمل محطات الضخ على طول خط تل أبيب الرئيسي وعند مصب العجمي مياه الصرف الصحي لكل مدينة في الاتجاهين المعاكسين المناسبين. وهكذا، كان الغرض المعلن من محطة ضخ العجمي هو نقل مياه الصرف الصحي في حي سلمة والمناطق التجارية في يافا ليس إلى منفذها الطبوغرافي الطبيعي في البصة، بل إلى تلة البلدة القديمة في يافا إلى مصب البحر عند العجمي.
ونفس المنطق هذا استرشد به مخطط تل أبيب. فبدلاً من ترك مياه الصرف الصحي تتدفق على طول الخطوط الطبوغرافية للمدينة -أي أن مياه الصرف الصحي للأحياء الجنوبية سوف تتدفق تحت طريق سلمة إلى منطقة البصة والأحياء الوسطى والشمالية إلى الجزء الشمالي من تل أبيب بالقرب من نهر العوجا -سعى مخطط واطسون الثاني إلى توجيه جميع مياه الصرف الصحي اليهودية شمالًا. ومع ذلك، لم يكن الفصل التام ممكناً لأن حي المنشية في يافا والأحياء الجنوبية من تل أبيب (خاصة نيفي شالوم) كانا مترابطين مادياً. وهكذا، كتب المهندسون الاستشاريون: في بعض الأماكن، تبين أنه من المستحسن تحديد أطوال قصيرة من مجاري تل أبيب داخل بلدية يافا والعكس بالعكس، وحيث يتم القيام بذلك، سعينا إلى ترتيب الأمور التي ستخدمها مجاري يافا في منطقة مماثلة من تل أبيب. وهكذا، سوف تتعامل كل من المدينتين مع حوالي 95% من مياه الصرف الصحي الخاصة بها، بينما تتخلص البلدية الأخرى فقط من الـ 5 % المتبقية(51). وبطبيعة الحال، كانت خطة واتسون للعام 1937 مكلفة للغاية. فقد كان التقدير الخاص بتل أبيب حوالي ثلثي مليون جنيه إسترليني -أكثر من ضعف الميزانية البلدية السنوية بأكملها في ذلك الوقت- وكانت بالنسبة ليافا 284 ألف جنيه، مقابل ميزانية بلغت 56ألف جنيه فقط للعام 1936/1937. ويقال إن العمولات والرسوم التي توقعت أن تكسبها شركة وكلاء التاج ومستشاريهم كانت مرتبطة بشكل مباشر بحجم ميزانيات المشاريع العامة التي قاموا بتوليها. وقد اعترضت بلدية تل أبيب على جوانب مختلفة من خطة واتسون الثانية. ورأت بأن الخطة لم تتوافق مع الواقع الجيولوجي المحلي، وسوف يكون من المنطقي تصنيع مكونات البنية التحتية محلياً، كما ينبغي الإشراف على المشروع بشكل مشترك من قبل مهندس البلدية المحلي وممثل عن المهندسين الاستشاريين، أي واتسون، الملقب رسمياً "بالمهندس المقيم". لكن وكلاء التاج رفضوا هذه الاقتراحات، التي كان من شأنها أن تقلل من تكلفة النظام والأموال المكتسبة والإنفاق في إنجلترا ولم تتمكن بلدية تل أبيب، في ذات الوقت، من الحصول على قرض يسمح لها بتنفيذ نخطط واتسون الثاني على الإطلاق وهذا بحكم علاقتها المتوترة مع الخزانة البريطانية(53).
1937-1948
سارع المسؤولون البريطانيون المحليون المتمركزون في فلسطين، الذين طوروا إحساساً بالقومية المحلية تجاه تل أبيب، للإنقاذ في هذه المرحلة. فساعدت السلطات البريطانية المحلية بلدية تل أبيب في الحصول على إذن من لندن لإنشاء صندوق يمول أنظمة الصرف الصحي المؤقتة الصغيرة لتلك الأجزاء من المدينة التي كانت في أمس الحاجة إليها. وقد جمع الشيء الأساسي من أصحاب المنازل، الذين كانوا في الغالب سعداء باحتمالية إخراج نظام البلاليع من ساحاتهم الخلفية نهائياً. وشملت الأحياء الرئيسية التي تم فيها تركيب مجاري جديدة المركز التجاري وأجزاء من نفيه شعنان وكيريم حتمانيم والمنطقة الممتدة من شارع ترومبلدور جنوباً إلى شارع عزرا. واستمر تصريف مياه نفيه شالوم من خلال المجاري التي تمر تحت الحي العربي بالمنشية وتصريفها عند منفذ فينغولد البحري. كما تم ربط مناطق أخرى، خاصة بين خطوط السكك الحديدية في الجنوب إلى شارع بلفور في وسط تل أبيب، بمنفذ يقع بالقرب من مسجد حسن بك. وقام المركز التجاري ونيفيه شعنان بتوجيه مياه الصرف الصحي الخاصة بهما إلى مجاري طريق سلمة، والتي وجهتها مباشرة إلى مصب البصة. وعلى الرغم من أن مخطط واطسون الثاني قد أوصى بإزالة هذا المصب، فلم يحدث هذا واستمرت يافا وتل أبيب في صيانة كل من الصرف الصحي والمخرج بشكل مشترك. وهكذا، على الرغم من توصية مخطط واتسون الثاني، فقد عملت البلديتان بما يناقضه حين واصلتا التعاون بخصوص نظام الصرف الصحي الذي يخدم أحيائهما الحدودية(54). وعشية الحرب العالمية الثانية ، تم ربط 28% فقط من المنازل أي 2200 منزل من أصل 8000 في تل أبيب بشبكة مياه الصرف الصحي. من بينهم 66٪ (1450) كانت تخدمها المجاري التي تمر من منطقة بلدية يافا وكانت موصولة بمنافذ البصة وفينغولد وحسن بك. كما تم توصيل 750 منزلاً فقط (34%) بالمجاري التي تمر من مناطق بلدية تل أبيب(55). أدت البنية الطبوغرافية للمدينتين، وتجربة التعاون الناجح بينهما، والنهج المعتدل للعديد من القادة في يافا تجاه الثورة العربية، والاعتبارات المالية البحتة، كل هذا أدى إلى تفادي الفصل التام بين الكيانين المدينيين. وهكذا، مع اقتراب الحرب العالمية الثانية، قامت ستة منافذ بتصريف مياه الصرف الصحي من شاطئ تل أبيب - يافا في البحر الأبيض المتوسط، ثلاثة منها في يافا. وخلال الحرب العالمية الثانية، كان الاتجاه نحو تعاون أكبر بين القطاعين الوطنيين في فلسطين واضحاً أيضاً في العلاقات بين تل أبيب ويافا(56). لكن هذا نظام الصرف الصحي لم يخضع إلى مزيد من التطوير حتى العام 1945 بسبب نقص التمويل. وجاء الاختراق بعد الحرب. فبسبب توسع المدينة حتى نهر العوجا شمالاً ووادي المصرارة شرقاً، فقد كان مصدر القلق لبلدية تل أبيب هو المناطق الوسطى والشمالية. وهذه المرة، وعلى عكس فترة ما قبل الحرب، فوّضت السلطات البريطانية البلدية لتخطيط وبناء شبكة الصرف الصحي بنفسها، وإن كانت قد طالبتها بعدم تعارض النظام الجديد مع المخططات العامة لخطة واتسون للجزء الشمالي من المدينة للعام 1937. تم إنشاء مجاري رئيسية للجزء الأوسط من المدينة على طول الشاطئ، بجانب رصيف هربرت صموئيل. إلى جانب المجاري الصغيرة والمنافذ الأخرى، ساعد هذا المجمع الجديد في ربط المنازل وسط تل أبيب. وتم تصميم الجزء الشمالي ليتم تقديمه من قبل صهريج جامع مختلف يمتد على طول شارعي عربا هاأرتسوت وجابوتنسكي. وكما هو الحال في مخطط واتسون الثاني، تم إنشاء مصب بحري للجزء الشمالي في نهاية شارع جابوتنسكي، مما أعطى المناطق الشمالية للمدينة فتحة تصريف طبيعية. وبحلول نهاية العام 1947، تم تجهيز حوالي 5300 منزل من أصل 8000 منزل في تل أبيب (66%) بالتكنولوجيا المناسبة التي كان من شأنها أن تسمح بربطها بشبكة الصرف الصحي الموسعة. ولكن لم يتك ربط سوى 3150 منزل (39%) لأسباب مالية وقانونية، تم بالفعل ربط 3،150 منزلًا (39 بالمائة). ومن بين هذه البيون، قد يُفترض أن ما لا يقل عن 1750 منزلاً التي كانت متصلة في العام 1939 بشبكات الصرف الصحي والمصارف التي عبرت يافا كانت لا تزال متصلة بها بعد تسع سنوات. وهكذا، حتى مع بزوغ فجر العام 1948، كان حوالي 56% من منازل تل أبيب التي تم ربطها بشبكة الصرف الصحي في المدينة لا تزال مرتبطة بـ "الآخر" المهم في المدينة. وبالتالي، استمر التعاون مع يافا، الذي استمر خلال الحرب العالمية الثانية، في السنوات التالية مباشرة - وإن كان ذلك في جو أصبح عدائياً للغاية مع اقتراب أحداث العام 1948(57).
لقد تم تصور تل أبيب، منذ نشأتها، وبنائها ككيان صهيوني أوروبي منفصل، وكانت مفاهيم الهواء النظيف والمياه الجارية والظروف الصحية الممتازة جزءً لا ينفصل من هذه الرؤية الحداثية. ولكن، وعلى عكس هذه الرؤية ومثل معظم المراكز الحضرية الغربية في القرنين التاسع عشر والعشرين، استخدمت كل من يافا وتل أبيب أحواض الصرف الصحي للتخلص من المياه العادمة كلما كان ذلك ممكناً من الناحية الاقتصادية والصحية. وفي المقابل، وانسجاما مع السياسة الصهيونية في ذلك الوقت، كانت الرؤية الأساسية لتل أبيب تشكل الخطوة الاساسية في تشكيل العلاقات بينها وبين يافا. كما لعب طرف ثالث -الإدارة البريطانية في لندن وحكومة الانتداب- دوراً مهماً في تحديد مستوى التعاون بين البلديتين القوميتين المتعارضتين. هناك حاجة إلى مزيد من البحث حول الييشوف الحضري قبل العام 1948 قبل أن يتمكن المرء من استخلاص نتيجة سليمة من هذه التجربة حول ما إذا كان نموذج الفصل يقدم حلاً أفضل لتحقيق التعايش السلمي في مصفوفة حضرية متنازع عليها من نموذج المدينة المختلطة. ومع هذا، فإن القضية التي نوقشت في هذا المقال تخبرنا أن واقع المصفوفة الإثنية / القومية في الييشوف يجعل التطلعات إلى فصل إثني / قومي كامل بعيد المنال. ومهما حاولت، لم تستطع تل أبيب عزل نفسها عن الآخر.. كانت يافا مثل اللغة اليديشية والشتات اليهودي جزءً من بناء هوية تل أبيب. وبدونها، لا يمكن أن تصبح المدينة العبرية الأولى نفسها كما هي.
.....
العنوان الأصلي: THE-limit-S OF SEPARATION: JAFFA AND TEL AVIV BEFORE 1948.THE UNDERGROUND STORY
المؤلف: Nahum Karlinsky
المصدر: Tel-Aviv at 100: Myths, Memories and Realities
Maoz Azaryahu and S. Ilan Troen (eds.)
Indiana University Press
...
الهوامش
1 S. Ilan Troen, Imagining Zion: Dreams, Designs, and Realities in a Century of Jewish Settlement (New Haven, 2003), pp. 1.159 Mark LeVine, Overthrowing Geography: Jaffa, Tel Aviv, and the Struggle for Palestine, 1880.1948 (Berkeley, 2005) Barbara E. Mann, A Place in History: Modernism, Tel Aviv, and the Creation of Jewish Urban Space (Stanford, CA, 2006) Deborah Bernstein, Women on the Margins: Gender and Nationalism in Mandate Tel Aviv (Jerusalem, 2008) [Hebrew] May Seikaly, Haifa: Transformation of a Palestinian Arab Society 1918.1939 (London, New York, 1995) Deborah Bernstein, Constructing Boundaries: Jewish and Arab Workers in Mandatory Palestine (Albany, NY, 2000) Tamir Goren, Cooperation in the Shadow of Confrontation: Arabs and Jews in Local Government in Haifa during the British Mandate (Ramat Gan, 2008) [Hebrew] Yehoshua Ben-Aryeh (ed.), Jerusalem and the British Mandate (Jerusalem, 2003) [Hebrew].
2 Jacob Metzer, The Divided Economy of Mandatory Palestine (Cambridge, UK, New York, 1998), p. 9 Ya.acov Shavit and Gideon Biger, The History of Tel Aviv: vol. 2. From a City-State to a City in a State (1936.1952) (Tel Aviv, 2007) [Hebrew], p. 22.
3 Daniel Monterescu and Dan Rabinowitz, Mixed Towns, Trapped Communities: Historical Narratives, Spatial Dynamics, Gender Relations and Cultural Encounters in Palestinian-Israeli Towns, ed. Daniel Monterescu and Dan Rabinowitz (Aldershot, 2007), Introduction, p. 3.
4 Scott A. Bollens, On Narrow Ground: Urban Policy and Ethnic Conflict in Jerusalem and Belfast (Albany, NY, 2000), p. 9.
5 Ibid., p. 10.
6 Ibid., p. 12.
7 Janet L. Abu-Lughod, Rabat: Urban Apartheid in Morocco (Princeton, NJ, 1980)Leonard Thompson, A History of South Africa (New Haven and London, 2000), pp. 31.69 Thomas R. Metcalf, .Imperial Towns and Cities,. in The Cambridge Illustrated History of the British Empire, ed. P. J. Marshall (Cambridge, 1996), pp. 224.253.
8 Michael Reimer, .Urban Government and Administration in Egypt, 1805.1914,. Die Welt Des Islams: International Journal for the Study of Modern Islam, 39.3 (1999), pp.289.318 Susan Gilson Miller, .Watering the Garden of Tangier: Colonial Contestations in a Moroccan City,. in The Walled Arab City in Literature, Architecture and History: The Living Medina in the Maghrib, ed. Susan Slymomovics (London, Portland, OR, 2001), pp. 25.50 Abu-Lughod, Rabat.
9 Joseph Vashitz, .Social Transformations in Haifa.s Arab Society: Merchants and other Entrepreneurs,. in Economy and Society in Mandatory Palestine, 1918.1948. ed. Avi Bareli and Nahum Karlinsky (Sede Boqer, 2003), pp. 393.438 [Hebrew] Mahmud Yazbak, .Immigrants, Elites and Popular Organizations among the Arab Society of Haifa from the British Conquest to 1939,. ibid., pp. 367.392 Seikaly, Haifa Bernstein, Constructing Boundaries Goren, Cooperation in the Shadow of Confrontation.
10 Daniel Rubinstein, .The Jerusalem Municipality under the Ottomans, British and Jordanians,. in Jerusalem: Problems and Prospects, ed. Joel Kraemer (New York, 1980) 72.99 Paul A. Alsberg, .The Conflict over the Mayoralty of Jerusalem during the Mandate Period,. in Jerusalem in the Modern Period, ed. Eli Shaltiel (Jerusalem, 1981) [Hebrew], pp. 302.354 Yossi Katz, A State in the Making: Zionist Plans for the Partition of Palestine and the Establishment of a Jewish State (Jerusalem, 2000) [Hebrew].
11 Yosef Eliyahu Chelouche, Reminiscences of My Life, 1870.1930 (Tel Aviv, 1930. 1931) [Hebrew] Druyanow, Sefer Tel Aviv (Tel Aviv, 1936) [Hebrew], pp. 31.253 Shavit and Biger, The History of Tel Aviv: vol. 1.The Birth of a Town (1909.1936) (Tel Aviv, 2001) [Hebrew], pp. 16.192 ibid., vol. 2, pp. 41.43, 139.146 LeVine, Overthrowing Geography Bernstein, Women on the Margins.
12 Arguably, the Mandate administration merely responded to a developmental path already set in motion by the founders and subsequent leadership of Tel Aviv. Viewed from the perspective of the Mandate.s municipal conduct toward Jerusalem and Haifa, it seems that the British tried to adapt their municipal policy to local conditions. Hence their support of Tel Aviv.s separation from Jaffa was not exceptional. See: Nahum Karlinsky, "Partitioned, Polarized, and Divided Cities in pre-1948 Palestine." Paper given at the Annual Conference of the Association for Israel Studies, University of Toronto, 10-12 May 2010.
13 On ventures by the .Old Yishuv. (the pre-Zionist Jewish community) into what retroactively was regarded as .new,. see Israel Bartal, .Old Yishuv and New Yishuv: Image and Reality,. The Jerusalem Cathedra, 1 (1981), pp. 215.231 Druyanow, Sefer Tel Aviv, pp. 31.253 Hanna Ram, The Jewish Community in Jaffa: From Sephardic Community to Zionist Center (Jerusalem, 1996) [Hebrew] Amiram Gonen, .The Emergence of a Geographical Heartland in Israel,. in Economy and Society, ed. Bareli and Karlinsky, pp. 439.488.
14 Tel Aviv 1910 bylaws in Druyanow, Sefer Tel Aviv, pp. 158.163 Anat Helman,.Cleanliness and Squalor in Inter-war Tel Aviv,. Urban History, 31.1 (2004), pp. 72.99.
15 (Edwin Chadwick), Report to Her Majesty.s Principal Secretary of State for the Home Department, from the Poor Law Commissioners on an Inquiry into the Sanitary Condition of the Labouring Population of Great Britain (London, 1842), p. 369. On the Sanitary Movement, see Selwyn K. Troen, .The Diffusion of an Urban Social Science: France, England, and the United States in the Nineteenth Century,. Comparative Social Research,9 (1986), pp. 247.266 Joel A. Tarr, The Search for the Ultimate Sink: Urban Pollution in Historical Perspective (Akron, OH, 1996), pp. 1.35 Martin V. Melosi, The Sanitary City: Urban Infrastructure in America from Colonial Times to the Present (Baltimore and London, 2000), pp. 1.72.
16 Hillel Yoffe, A Generation of Ascenders: Memoirs, Letters and a Diary (Jerusalem, 1971) [Hebrew], pp. 80.81 Melosi, The Sanitary City, pp. 110.116 Yedi.ot .Iriyat Tel Aviv, 4.6 (1933) [Hebrew], p. 179 (.Air saturated with vapors from the soil is a source of diseases.).
17 Tel Aviv 1910 bylaws in Druyanow, Sefer Tel Aviv, pp. 158.163 Tel Aviv Municipal Historical Archives (hereinafter: TAMA), pp. 1.58.
18 Zeev Smilansky, .The Jewish Community in Jaffa,. Ha-.omer, 1.2 (1907) Ha-.omer supplement [Hebrew], pp. 1.108.
19 Israel Rokach, .In Anticipation of the Construction of Sewerage and Storm-Water Drainage Systems in Tel Aviv,. Yedi.ot .Iriyat Tel Aviv, 4.4 (1933), p. 98.
20 In 1879, a running-water system was installed in the German Templer colony of Sarona. Nahum Karlinsky, California Dreaming: Ideology, Society, and Technology in the Citrus Industry of Palestine, 1890.1939 (Albany, 2005), p. 96.
21 C. 1912.1914, TAMA, 1.58.
22 Ibid.
23 Tarr, The Search for the Ultimate Sink, pp. 1.35.
24 TAMA, 1.58 Druyanow, Sefer Tel Aviv, pp. 158.163.
25 TAMA, 1.58.
26 TAMA, 1.40 1.56a: November 1911 contract with the Municipality, in German Hapoel Hatzair, Dec. 26, 1913, in Shavit and Biger, The History of Tel Aviv, vol. 1, p. 85.
27 Shavit and Biger, History of Tel Aviv, vol. 1, p. 93.
28 Ibid., pp. 83.86.
29 TAMA, 1.58.
30 Shavit and Biger, History of Tel Aviv, vol. 1, p. 161 the discussion here is based on ibid., pp. 159.164 Ilan Shchori, The Dream Turned to a Metropolitan: The Birth and Growth of Tel Aviv, the First Hebrew City in the World (Tel Aviv, 1990), pp. 145.170, 193.214 [Hebrew] and H. Katznelson, .History of Tel Aviv.s Constitution,. Yedi.ot .Iriyat Tel Aviv, 12 (1942) [supplement to the 1942 Year Book], pp. 13.18.
31 Israel Rokach, .Tel Aviv.s Current Issues,. Yedi.ot .Iriyat Tel Aviv, 9.3.4 (1938), pp. 55.56 idem., .Upon the Annexation of the Frontier Neighborhoods to Tel Aviv,. Yedi.ot .Iriyat Tel Aviv, 18 (1949), pp. 104, 116.
32 Shavit and Biger, History of Tel Aviv, vol. 1, p. 91.93.
33 Shmuel Avitsur, .The First Project for the Intensive Exploitation of the Yarkon Waters (The Frangija-Navon Scheme of 1893),. Haaretz Museum Bulletin, 6 (1964), pp. 80.88.
34. TAM, Howard Humphreys & Sons, Report upon the Water Supply of Tel Aviv, August 1936 David Smilansky, .A History of Tel Aviv.s Water Supply System,. Yedi.ot .Iriyat Tel Aviv, 18.10.12 (1949), pp. 131.132 see also Smilansky.s detailed report, October 1948, on the history and development of Tel Aviv.s water-supply system, TAMA, 4-4490.
35 Municipal Corporation of Jaffa, John S. Salah, Municipal Engineer, Jaffa Drainage Scheme, 18.6.1935 J. D. and D. M. Watson, Jaffa Sewerage, April 1937, UK National
Archives, CO 733/341/3 248609 2 March 1937, TAMA, 4-2529 Humphreys, Report upon the Water Supply of Tel Aviv.
36 On similar development in European and American cities, see Tarr, The Search for the Ultimate Sink, pp. 1.35 Melosi, The Sanitary City, pp. 1.135. On Tel Aviv and other cities. water consumption, see David Smilansky, .What is the Water Supply Situation in Tel Aviv?. Yedi.ot .Iriyat Tel Aviv, 5.8.9 (1934) 348.9 TAMA, 4-1031.
37 Helman, .Cleanliness and Squalor in Inter-war Tel Aviv..
38 On the Grove and Avigdor schemes, see Israel State Archives (hereinafter: ISA), RG 10, File 22/3, Box 1546 TAMA, 3-104a Ya.akov Shiffman, .The Sewerage and Storm-Water Drainage in Tel Aviv,. Yedi.ot .Iriyat Tel Aviv, 5.1 (1933) 7.9, p. 18. Drainage of storm runoff was part of the overall drainage issue in Tel Aviv. However, storm water did not pose the same critical health threat as the sewage it was a problem mainly during the few heavy rainy days that occurred in the winter. In addition, storm runoff was much cheaper to deal with than sewage.
39 Nachum T. Gross, .The Economic Policy of the Mandatory Government in Palestine,. Research in Economic History, 9 (1984), pp. 143.185.
40 David Sunderland, Managing the British Empire: The Crown Agents, 1833.1914 (Suffolk, UK, 2004) idem., Managing British Colonial and Post-Colonial Development: The Crown Agents, 1914.74 (Woodbridge, UK, 2007).
41 Watson, Tel Aviv Sewerage Watson, Jaffa Sewerage see also related correspondence in TAMA, 4-2529 Rokach, .In Anticipation..
42 LeVine, Overthrowing Geography.
43 TAMA, 3-104a.
44 .Joint Drainage Works for Jaffa and Tel Aviv: Report,. (1933), TAMA, 14-274. See also TAMA files: 3-104a 4-2512 4-2514 4-2532 letter from Ya.akov Shiffman to D. M. Watson, March 31, 1936, UK National Archives, CO 733/341/3 248609 Rokach, .In Anticipation..
45 As noted, Jaffa.s municipal archives disappeared in 1948. The author made a preliminary attempt to examine the leading Arabic-language newspaper in Jaffa, Falastin, in regard to the city.s sewerage system. However, more research in that -dir-ection is needed.
46 Rokach, .Tel Aviv.s Current Issues,. 35.
47 Salah, Jaffa Drainage Scheme Watson, Jaffa Sewerage Ya.akov Shiffman, .The First Meeting with Mr. Watson, the Sewerage Expert,. March 18, 1936, TAMA, 4-2513 [Hebrew].
48 Salah, Jaffa Drainage Scheme.
49 Shiffman, .First Meeting with Mr. Watson..
50 The discussion that follows is based on Watson, Tel Aviv Sewerage, March 1937, and Watson, Jaffa Sewerage, April 1937.
51 Watson, Tel Aviv Sewerage, p. 5.
52 .Palestine’s Municipal Finances,. Tel Aviv Year Book 1937.38.
53 Shiffman, .Report of the City Engineers visit to London in Connection with the Main Drainage Scheme for Tel Aviv,. October, 1939, TAMA, 4-2530 Israel Rokach, December 19, 1937, .Tel Aviv Main Drainage Scheme,. TAMA, 4-2529. An internal Colonial Office memorandum of August 10, 1939, stated that before getting the loan .[the] municipality shall put its financial house in order.. UK National Archives, CO 733/341/3 248609 see also other relevant correspondence and memoranda, ibid.
54 .Records of the visit to the temporary sea outlets by Messrs. S. T. Colburn, Sanitary Engineer of the Health Dept. and Y. Shiffman, City Engineer, Tel Aviv, 11.2.1938,. ISA, RG 10, 22/3/8 Se.adia Shoshani, .What Has Been Done about Sewerage in Tel Aviv in Five Years?. Yedi.ot .Iriyat Tel Aviv, 12.5.6 (1942), pp. 55.56 .Minutes of Sewerage Committee Meeting, Dec. 21, 1938,. TAMA, 4-2513.
55 Ya.akov Shiffman, .Explanatory Notes on the Proposed Tel Aviv Town Center Interim Sewerage Scheme,. Feb. 1940, TAMA, 4-2530.
56 .Cooperation between the Large Municipalities [Jerusalem, Haifa, Jaffa, Tel Aviv.N.K.] in Regard to Food Supply,. Yedi.ot .Iriyat Tel Aviv, 12.1.2 (1941) 3 Zachary Lockman, Comrades and Enemies: Arab and Jewish Workers in Palestine, 1906.1948 (Berkeley, 1996).
57 On the ongoing cooperation with Jaffa, see TAMA, 4-2533 ISA, RG 10, File G/182/34,Box 208 Ya.akov Shiffman, The Sewerage Scheme of the City, Dec. 7, 1945, TAMA, 4-1119/2575 see also TAMA, 4-2515 (1945-46) Se.adia Shoshani, .The Role of the Sewerage System in the Building of Tel Aviv,. Yedi.ot .Iriyat Tel Aviv, 17.10.12 (1947.48), pp. 3.4.
#محمود_الصباغ (هاشتاغ)
Mahmoud_Al_Sabbagh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟