|
الدّيناصور وآلطّيطار
عبد الله خطوري
الحوار المتمدن-العدد: 7396 - 2022 / 10 / 9 - 19:57
المحور:
الادب والفن
أحلم أقضي ما سيأتي من لُحَيْظات آلأعمار هناك حيث عاش أبي أحمل عكاز تولستوي جراحَ كافكا غير الملتئمة بلاسمَ أبله ميشكين سواسنَ سونيا مارميلادوفا سيتار شانكار حُجَيْرات فيرجينيا وُولف شآبيبَ شوبانَ ضحيات شموس كوخ آشتعال غيتارة هَنْدريكسْ رقصات سانتور زوربا صرخات بينكْ هجهوج باكُّو يا صااااح ينشدها باطْمَا(١)أتيه وطيفَ جيمتي المعتقة أصخب رافلا في ما تبقى لي من رُؤى أحَبِرها بيدي كما آتفق أكتبها حروفا تنسجها جفوني دثروني بثلوج آلجبال بصهوات آلأعالي بعيدا عن فضاء العتبات أعاني لا أبالي بالأيام بالليالي وبما يحدث بعد ذلك لي ... عُرِفَت روايات دوستويفسكي بمُقاربات لافتة في وصف مظاهر تتعالق بها شخوص مَقهورة تحاول عبثا أن تُغير محيطها بوسائل محدودة مما يودي بها إلى نتائج وخيمة..مثل هذه المقاربات رصدها الناقد الروسي"ميخائيل باختين"ضمن مفهوم سماه:"المنيبية"عندما يغدو فضاء العَتبات السِّمَةَ المُهَيْمِنَةَ على أجواء الشخوص، ولعل أمكنة من قبيل قاعات الانتظار والمحطات والمرافيء والحانات والطرق الهامشية والأقبية المعتمة والغرف الضيقة التي توجد في السطوح ذات الأبواب المُوصدة والمفتوحة في الآن نفسه كتلك التي دأب الفتى"راسكولينكوف"العيشَ فيها بمساحتها الكاتمة للأنفاس وأثاثها القديم القليل ومحتوياتها غير المرتبة..لَفَضَاءَاتٌ رمادية تختارها النفوس طوعا أو كرها تعيش فيها أزماتها التي لا تنتهي الا لتبتدئ من جديد..انها مجالات مُغلقة مُنفتحة في آن واحد، تجد فيها ما يشبه نافذة في مكان ما بالكاد يدخلُ من خَصاصها بَصيصٌ من شيء مَوجود في الخارج آسمه.. الحياة.. إن المكان هنا مَعْروض بشكل شاعري رامز يجعلنا أمام ثنائيات مُفْعَمَة بالايحاء: الداخل والخارج اللذان يتعالقان يتداخلان في بُؤرة ضيقة، والفيصل بينهما كُوة صغيرة في أعلى أحد زوايا الجدران تماما كما في السجون الانفرادية..إن المواضيع لتتخذ ذريعة ودعامة لهذه المأساة في هذه الفضاءات الرمادية بإحساس حاد بالقلق والتوتر والانشطار والتشظي مثل:الصراعات الداخلية لدى المُصاب بالفصام في "القرين"وجريمة صُداع الرأس الذي يريد إعادة أمجاد جَبروت القُوة على حساب كائنات"طفيلية"يراها مُنَغِصَة للحياة..حياة الأذكياء ذَوُو آلحساسية المرهفة الذين تعرقلُ مصائرهم عَثراتُ طريق يجب التخلص من وعثائها..و"قديس"مثالي مُرْغَمٌ على القداسة طاهر شفاف يوضع في تضاد مع مجتمع"فاسد"في رواية(الأبله)، وتباغض بين أب وأبنائه في(الاخوة كرامزوف)..ومُقامرٌ تخدعه قريحته، وشاب وسيم يتكلم لغة الرؤى يُدْعَى: "اليوشا" يصعدُ الى السماء ناسكا زاهدا ينشدُ سبيلَ خلاص في طريق الأب"زوسيما"..والأرعن"ديمتري ألكسندروفيتش"الهابط دون أسَف الى دياجير جحيم هاديس غير آبه بالأعراف ولا المُعتقدات يُغْرِقُ روحَه الثكلى في مهامه الحانات ودور البغاء وأوكار اللصوص والحفلات التهتكية الشهوانية التي تُقَامُ هنا وهناك عَلَنا أو سرا على هامش الحياة... (٢) أن تحاصرك العتبات يعني فيما يعنيه أن تغطس في عالم قديم ينزلق من خلفك ومن بين يديك مستقبل يعزلك في حاضر لا يأبه بك، أن تظل في عزلة عن المكان والزمان رغم آحتوائهما لكيانك.أنت الآن كائن مترع بالهشاشة على وشك الانهيار أو قل إنك تنهار رويدا والمعضلة أنك تعي ذلك جيدا ولا تنكره، بل تستمرئه وتلح في طلب المزيد..(٣) مما جاء في وصف مثل هذه الكينونة المنفردة المضحية بمحيطها وعوالمها الخارجية في سبيل لُحَيْظات نشوة الانعزال نقرأ من رواية : (نقطة مقابل نقطة/ Contrepoint) للإنجليزي (ألدوس هيكسلي) ما يلي: (وظل على حاله بصورة مثبطة للهمة بل وباعثة على الجنون،فهو ذكي إلى حد يكاد يجعله بشرًا، ورقيق في تباعد، وشهواني في انعزال، وعذب دمث بصورة غير شخصية.شيء يثير الجنون، لماذا استمرت على حبه؟انها لتتساءل، فذلك يكاد يشبه المضي قدمًا في حب خزانة كتب.إنها قمينة أن تتركه حقًا في يوم من الأيام؛فثمة سلوك يستحق أن ينعت بأنه مغرق في الإيثار متطرف في الولاء وعلى المرء أن يفكر في سعادته الخاصة أحيانًا، بحيث يكون محبوبًا على سبيل التغيير بدلا من تجشم أعباء الحب جميعها من جانب واحد، ويتلقى بدلا من ذلك البذل والعطاء المتصلين..أجل إنها قمينة يومًا من الأيام أن تتركه حقًا؛ فعليها أن تفكر في نفسها، ثم إن ذلك سيكون بمثابة عقاب لفيليب. أجل سيكون عقابًا لأنها واثقة بأنها إن تركته سيكون فريسة سهلة لشقاء حقيقي على طريقته وإلى أقصى مدى تتيحه له طبيعته من الشقاء.ولعل الشقاء حري أن يحقق المعجزة التي ظلت تتطلع إليها وتعمل لها هذه السنوات، بحيث يغدو حساسًا وشخصيًا في مشاعره، عسى أن يكون ذلك مصدر نعمة له باعتباره كاتبًا، وقد يكون من واجبها أن تجعله شقيًا، بل إن ذلك قد يكون أقدس واجباتها على هذا الأساس.)(٤) دوستويفسكي لم يحترمْ خصائص سلالة قاهر المَردة البطل الملحمي النبيل القوي الوسيم المتزن العاقل الرصين الخارق في كل شيء.لقد آغتالَ صورة"أوليس"وأعلن ولادة حيوات عادية حساسة من لحم ودم ونفس وفكرة تأكل الطعام تستهر مَرَحا وجُؤارا في الأسواق وباحات الردهات..انه يصور حالات النفس الانسانية الأكثر شذوذا والقريبة من حافة الجنون..مختلف حالات الجنون..من هوس وفصام وآستغراقٍ تام في الكوابيس والأحلام والسير في المنام ونوبات الصرع والنزوات والأهواء ومحاولات الانتحار والمغامرات غير المحسوبة العواقب والجرائم التي تتحقق والتي تظل فكرة ومشاريع في رؤوس أصحابها المترددين الخائبين أبدا.. لذلك، استأنس هؤلاء وحدتهم وفضلوها عن الانخراط في زمرة العيش المشترك وآلآخرين، من هنا نفهم صعوبة آستئناسهم داخل حجرات السجون لأنها أمكنة رغم تسميتها سجنا فهي لا تتميز بميزة الفرادة والانفراد التي يتوق اليها تواقو الانعزال؛ لذا، يغدو إدماج هذا النوع من الذوات بمجموعات مغايرة أشد قسوة من السجن نفسه، خصوصا إذا كان هؤلاء الأغيار من طينة من تشتد جلبتهم، يكثر صراخهم، ترتفع ضحكاتهم، تتعالى أيمانهم المغلظة، يتراشقون باللعنات والسباب، ترن أصوات السلاسل والأغلال من أرجلهم المعراة، ترتفع ذوائب يحموم الأدخنة من أفواهم..(٥)هؤلاء بآستطاعتهم التأقلم ومتغيرات أوضاع القسر والتعنيف التي يعيشونها بحكم طبيعتهم المُطَبِعة مع أوجه الآفة والخصاصة والإكراهات وضنك العيش؛ لكن ذوي الحساسية المرهفة سرعان ما يعتريهم نفور منها ينكفئون على ذواتهم يفضلون العزلة بتجلياتها المختلفة عن الاستسلام لآفات القطعان التي تحيطهم من كل حدب وصوب، من هنا يمكن فهم تواتر تيمة الغربة والضياع وتيمة الحياة والموت في الشعر العربي التفعيلي الحديث التي أشار اليها نقاد كثر(٦)، ولعل هذا المعطى هو الذي أومأ إليه المفكر(عبدالله العروي)في مؤلفاته الروائية لما ترك الفرصة لشخصية (شُعيب/تصغير شعب)تُكمل مسارها الواقعي في الحياة، في الوقت الذي توقفت فيه مسيرة شخصية(إدريس/لعلها من الدراسة)المبتسرة منذ ثنائية(الغربة)و(اليتيم)(٧)مُخلفا مجرد أوراق بالية مبعثرة، سيتكلف_ويا لمحاسن الصدف والأقدار_صديقه (شعيب) بلملمتها وتصنيفها ونشرها(٨)تكريما لذكرى الصداقة أو الرفقة التي جمعت بينهما ذات لحظة كان يعيش فيها المثقف مترددا منعزلا حائرا قلقا متوجسا خائفا أبدا مما عجل آنقراضه تماما كما وقع لعمالقة ديناصورات زمن العتاقة الخالي آختفت تماما مُفسحة المجال لكائنات الطيطار(٩)تُكْمِلُ مسيرة حياة ملتبسة على بسيطة معقدة لا تؤمن بالهواجس والتوجسات وآطراد الخيبات...
_إحالات: (١)_سونيا مارميلادوفا:شخصية نسوية في رواية(الجريمة والعقاب)تعاطف معها راسكيلينكوف أيما تعاطف نظرا لوضعيتها الاجتماعية الهشة... _سيتار شانكار:الآلة الموسيقية التي كان يعزف عليها الموسيقار الهندي الذائع الصيت"رافي شنكار".. _حُجَيْرات فيرجينيا وُولف:إشارة الى جيوب مثقلة بالحجارة لفيرجينيا وولف، ودلالة القصة معروفة.. _شوبانَ:فريديرك شوبان مؤلف موسيقي بولاندي _ضحيات شموس كوخ:إشارة الى لوحات فان كوخ الساطعة باللون الأصفر الناتج عن آنعكاس الشمس على حقول عباد الشمس وما شابهها... _اشتعال غيتارة هَنْدريكسْ:إشارة الى ما كان يعمد اليه مغني البلوز الأمريكي عند نهاية عروضه الغنائية من إحراق لآلته الموسيقية تماهيا مع طقوس الاحتفال التي كام يعيشها فوق خشبة العرض _سانتور زوربا:آلة وترية يعزف عليها راقصا زوربا الإغريقي الشخصية الرئيسة في رواية اليوناني نيكوس كتزانتزاكيس _بينكْ:شخصية بينك فلويد في ألبوم من جزأين أنتجته مجموعة بينك فلويد نهاية سبعينيات القرن الخالي عنونَتْه ب(الجدار).. _هجهوج باكُّو:هجهوج آلة وترية مغربية من أصول إفريقية كانت تميز إيقاعات مجموعة(ناس الغيوان)المغربية التي يعد(عبدالرحمن باكو)إحدى أعمدتها الرئيسة... _ يا صااااح ينشدها باطْمَا:أغنية لناس الغيوان، يسبقها موال تمهيدي عبارة عن مدخل من إنشاد(العربي باطما)أحد أفراد المجموعة...
(٢)_ينظر إلى كتاب:(تاريخ الرواية الحديثة)لِــ..ر.م. ألبير يس.الفصل 14 الذي يحمل عنوان:( مدرسة دوستويفسكي الروائية)صفحة 285_286. ترجمة..(جورج سالم).الطبعة الثانية.عام 1982.منشورات:بحر المتوسط.بيروت باريس ومنشورات :عويدات بيروت باريس
٣_مما ورد في رواية(مذكرات منزل الأموات)وصف حالة المثقف التواق للانعزال والتي يبدو أنها آنعكاس بصورة ما لحالة دوستيفسكي في تلك المرحلة:(محب للعزلة إلى درجة مخيفة، يهرب من الجميع ،يقرأ كثيرا، يتكلم قليلا جدا، وعموما يصعب نوعا ما الدخول معه في حديث)..
(٤)_مقتطف من رواية(نقطة مقابل نقطة(/ألدوس هكسلي؛ترجمة نظمي لوقا القاهرة:الهيئة المصرية العامة للكتاب؛ طبعة عام 1985
(٥)_(وفي تلك الفترة،تشتد الجلبة،يكثر الصراخ،ترتفع الضحكات، تتعالى الأيمان المغلظة،يتراشق القوم باللعنات والسباب، ترن أصوات السلاسل والأغلال،ترتفع ذوائب الدخان،تنبعث الروائح الكريهة، وتبدو الرؤوس غير الحليقة والوجوه التي أرهقتها المذلة،والثياب المهلهلة والأسمال المهملة،وكل ما هو ملوث مهين،وكل ما هو دنس قميئ،باد للعيان مثير لمزيد من الاشمئزاز..أي شيء ترى المرء يعجز عن آحتماله..إن الانسان لمخلوق سريع الإيلاف لكل شيء، وأحسب هذا الوصف أحسن تعريف له...) _منزل الأموات.الفصل الاول.صفحة23.دوستويفسكي.ترجمة..عباس حافظ
٦_من بينهم الناقد الشاعر المغربي(أحمد المعداوي)في مؤلفه(ظاهرة الشعر العربي الحديث) ٧_روايتان لعبدالله العروي ٨_رواية(أوراق)عبدالله العروي ٩_ الطيطار Têtard شرغوف جمع شراغيف
#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آآآيَمَّااااا
-
رَيْثَمَا نَصْحُو آلصَّيْحَةَ التي لا نَوْمَ بَعْدَهَا
-
وَصِيَّةُ كَافْكَا
-
كُنْ أَنْتَ أَنْتَ لَا تَكُنْ أَنْتَ سِوَاك
-
شَمَمْتُنِي
-
وَطَفِقَ يَقْتَاتُ آلنُّجُومَ
-
حَياةُ آلْمَطَالِعِ
-
حَسَاءٌ أَبَدِيّ
-
مَزيدًا مِنْ ثُغَاءِ بَاااعْ فِي مَزْرَعَةِ آلْمَتَاع
-
نَقِيق
-
اللعِينَةُ
-
سَكَرَاتِ
-
جرعة واحدة لا غير
-
حُلْمٌ مُبَلَّلٌ
-
لَحْظَةٌ وَكَفَى
-
حَالَة مُسْتَعْصِية
-
عَيْنَا فِيرْجِينْيَا
-
شَغَفِي بِهَا
-
لَا، لَمْ يَنْقَرِضْ بَعْدُ
-
مَوْلُودٌ
المزيد.....
-
دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في
...
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|